قال: (استوى على العرش) هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلي الله تعالى .. وليس العرش بموضع استقرار لله"اهـ
(الفتح 1/136)
وقال ابن بطال: "واختلف أهل السنة؛ هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل؛ فمن قال: معناه علا؛ قال: هي صفة ذات، ومن قال غير ذلك؛ قال: هي صفة فعل، وإن الله فعل فعلاً سماه استوى على عرشه؛ لا أن ذلك قائم بذاته؛ لاستحالة قيام الحوادث به"اهـ (الفتح 13/406)
وقال: "قوله: (ورحمة الله) أي: إحسانه"اهـ (الفتح 2/314)
وقال: "ومهما استشكل في إطلاق السبق في صفة الرحمة؛ جاء مثله في صفة الكلمة، ومهما أجيب به عن قوله {سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا{ حصل به الجواب عن قوله (سبقت رحمتي) وقد غفل عن مراده من قال: دل وصف الرحمة بالسبق على أنها من صفات الفعل. وقد سبق في شرح الحديث قول من قال: المراد بالرحمة: إرادة إيصال الثواب. وبالغضب: إرادة إيصال العقوبة؛ فالسبق حينئذ بين متعلقي الإرادة فلا إشكال"اهـ (الفتح 13/441)
وقال: "وقد اختلف في معنى النزول على أقوال ..
ومنهم من أجراه على ما ورد؛ مؤمناً به على طريق الإجمال؛ منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم"اهـ (الفتح 3/30)
وقال: "قوله: (فأعرض الله عنه) أي: سخط عليه .. وإطلاق الإعراض وغيره في حق الله تعالى؛ على سبيل المقابلة والمشاكلة"اهـ (الفتح 1/157)
وقال: "تأول ابن حزم النزول؛ بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا؛ كالفتح لقبول الدعاء، وأن تلك الساعة من مظان الإجابة. وهو معهود في اللغة؛ تقول: فلان نزل لي عن حقه؛ بمعنى: وهبه"اهـ (الفتح 13/468)
وقال: "وقال ابن العربي: حكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قوم تأويلها. وبه أقول؛ فأما قوله (ينزل) فهو راجع إلى أفعاله؛ لا إلى ذاته؛ بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه، والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني؛ فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة؛ فهي عربية صحيحة. انتهى. والحاصل أنه تأوله بوجهين؛ إما بأن المعنى ينزل أمره، أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه"اهـ (الفتح 3/30)
وقال: "وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية، والتحيز؛ امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه؛ فالمراد: نور رحمته؛ أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة"اهـ (الفتح 3/31)
وقال: "قوله: (باب الحرص على الحديث)؛ المراد بالحديث في عرف الشرع؛ ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه أريد به مقابلة القرآن؛ لأنه قديم"اهـ (الفتح 1/193)
وقال: "قال البيهقي في كتاب الاعتقاد: القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفات ذاته، وليس شيء من صفات ذاته مخلوقاً، ولا محدثاً، ولا حادثاً"اهـ (الفتح 13/454)
وقال: "فيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته، ومهما تؤول به هذا؛ جاز أن يتأول به ذاك، والله أعلم"اهـ (الفتح 1/508)
وقال: "وليس قولنا: إن الله على العرش؛ أي: مماس له، أو متمكن فيه، أو متحيز في جهة من جهاته؛ بل هو خبر جاء به التوقيف؛ فقلنا له به، ونفينا عنه التكييف؛ إذ ليس كمثله شيء"اهـ (الفتح 13/413)
وقال: "وقال ابن أبي جمرة: يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش؛ أن الحكمة اقتضت أن يكون العرش حاملاً لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته، وغامض غيبه؛ ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والإحاطة؛ فيكون من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب؛ قال: وقد يكون ذلك تفسيراً لقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ أي: ما شاءه من قدرته، وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش"اهـ (الفتح 13/413)
وقال: "قوله: (فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه) قال الخطابي: هذا يوهم المكان، والله منزه عن ذلك، وإنما معناه: في داره الذي اتخذها لأوليائه، وهي الجنة"اهـ (الفتح 13/429)
وقال: "وقال غيره: كون القدرة قديمة، وإفاضة الرزق حادثة؛ لا يتنافيان؛ لأن الحادث هو التعلق، وكونه رزق المخلوق بعد وجوده؛ لا يستلزم التغير فيه؛ لأن التغير في التعلق؛ فإن قدرته لم تكن متعلقة بإعطاء الرزق؛ بل بكونه سيقع؛ ثم لما وقع تعلقت به من غير أن تتغير الصفة في نفس الأمر، ومن ثم نشأ الاختلاف؛ هل القدرة من صفات الذات أو من صفات الأفعال؛ فمن نظر في القدرة إلى الاقتدار على إيجاد الرزق؛ قال: هي صفة ذات قديمة. ومن نظر إلى تعلق القدرة؛ قال: هي صفة فعل حادثة. ولا استحالة في ذلك في الصفات الفعلية والإضافية؛ بخلاف الذاتية"اهـ (الفتح 13/360-361)
وقال: "وقال المازري: قيل: إن (حتى) هنا بمعنى الواو؛ فيكون التقدير: لا يمل وتملون. فنفى عنه الملل، وأثبته لهم. قال: وقيل: (حتى) بمعنى حين. والأول أليق، وأجرى على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة؛ بلفظ: (اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل) لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف. وقال ابن حبان في صحيحه: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها. وهذا رأيه في جميع المتشابه"اهـ (الفتح 1/102)
وقال: "في إضافة العزة إلى الربوبية؛ إشارة إلى أن المراد بها هنا القهر والغلبة، ويحتمل أن تكون الإضافة للاختصاص؛ كأنه قيل: ذو العزة، وأنها من صفات الذات، ويحتمل أن يكون المراد بالعزة هنا العزة الكائنة بين الخلق، وهي مخلوقة؛ فيكون من صفات الفعل فالرب على هذا بمعنى الخالق، والتعريف في العزة للجنس؛ فإذا كانت العزة كلها لله فلا يصح أن يكون أحد معتزاً إلا به، ولا عزة لأحد إلا وهو مالكه"اهـ (الفتح 13/369)
ونقل عن القرطبي قوله: "لا يتوجه عليه (أي على المولى عز وجل) في وجوده: أين، وحيث. وأن العقل لا يحسن ولا يقبح، وأن ذلك راجع إلى الشرع؛ فما حسنه بالثناء عليه فهو حسن، وما قبحه بالذم فهو قبيح"اهـ (الفتح 1/221)
ونقل عن عياض قوله: "كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيراً، وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها، ومنه قوله تعالى: {جَنَاحَ الذُّلِّ}؛ فمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك؛ من هذا المعنى، ومن لم يفهم ذلك تاه؛ فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له، وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها؛ إما أن يكذب نقلتها، وإما أن يؤولها"اهـ (الفتح 13/432)
وقال: "والمراد من الغضب لازمه، وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب"اهـ (الفتح 1/292)
وقال: "وقال البيهقي: المحبة والبغض عند بعض أصحابنا؛ من صفات الفعل؛ فمعنى محبته: إكرام من أحبه، ومعنى بغضه: إهانته. وأما ما كان من المدح والذم؛ فهو من قوله، وقوله من كلامه، وكلامه من صفات ذاته"اهـ (الفتح 13/358)
وقال: "الخلة بالضم، وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله، وهذا صحيح بالنسبة إلى ما في قلب إبراهيم من حب الله تعالى، وأما إطلاقه في حق الله تعالى؛ فعلى سبيل المقابلة"اهـ (الفتح 6/389)
وقال: "أما خلة الله للعبد؛ فبمعنى نصره له، ومعاونته"اهـ (الفتح 7/23)
وقال: "وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات: مذهب السلف والخلف من أهل الحديث والسنة؛ أن القرآن كلام الله، وهو صفة من صفات ذاته"اهـ (الفتح 13/492)
وقال: "(لا توكي فيوكى عليك) .. يقال: أوعيت المتاع في الوعاء؛ أوعيه إذا جعلته فيه، ووعيت الشيء حفظته، وإسناد الوعي إلى الله مجاز عن الإمساك"اهـ (الفتح 3/300)
وقال: "وقال ابن المنير: وجه الاستدلال على إثبات العين لله من حديث الدجال؛ من قوله: (إن الله ليس بأعور)؛ من جهة أن العور عرفاً عدم العين، وضد العور ثبوت العين؛ فلما نزعت هذه النقيصة لزم ثبوت الكمال بضدها، وهو وجود العين، وهو على سبيل التمثيل والتقريب للفهم؛ لا على معنى إثبات الجارحة. قال: ولأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل. والثاني: أن العين كناية عن صفة البصر، واليد كناية عن صفة القدرة، والوجه كناية عن صفة الوجود. والثالث: إمرارها على ما جاءت مفوضاً معناها إلى الله تعالى"اهـ (الفتح 13/390)
وقال: "قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فإنه سيق للرد على إبليس؛ فلو حمل على الذات لما اتجه الرد. وقال غيره: هذا يساق مساق التمثيل للتقريب؛ لأنه عهد أن من اعتنى بشيء، واهتم به؛ باشره بيديه؛ فيستفاد من ذلك: أن العناية بخلق آدم كانت أتم من العناية بخلق غيره. واليد في اللغة تطلق لمعان كثيرة؛ اجتمع لنا منها خمسة وعشرون معنى؛ ما بين حقيقة، ومجاز"اهـ (الفتح 13/394)
وقال: "وفيه جواز إطلاق الغضب على الله، والمراد به: ما يظهر من انتقامه ممن عصاه، وما يشاهده أهل الموقف من الأهوال التي لم يكن مثالها ولا يكون؛ كذا قرره النووي. وقال غيره: المراد بالغضب لازمه، وهو إرادة إيصال السوء للبعض"اهـ (الفتح 11/441)
وقال: "وقد تقدم توجيه العجب في حق الله في أوائل الجهاد، وأن معناه الرضا"اهـ (الفتح 6/145)
وقال: "وقال الخطابي: إطلاق العجب على الله محال، ومعناه الرضا؛ فكأنه قال: إن ذلك الصنيع حل من الرضا عند الله حلول العجب عندكم؛ قال: وقد يكون المراد بالعجب هنا؛ أن الله يعجب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة؛ قال: وقال أبو عبدالله: معنى الضحك هنا؛ الرحمة. قلت: ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري. قال الخطابي: وتأويل الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة؛ لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا؛ فإنهم يوصفون بالبشر عند السؤال. قلت الرضا من الله يستلزم الرحمة، وهو لازمه، والله أعلم"اهـ (الفتح 8/632-633)
وقال: "وقال ابن أبي جمرة: كنى عن إحسان الله للتائب وتجاوزه عنه؛ بالفرح؛ لأن عادة الملك إذا فرح بفعل أحد؛ أن يبالغ في الإحسان إليه"اهـ (الفتح 11/106)
وقال: "وفي رواية بن السكن: (فأخذت بحقو الرحمن)، وفي رواية الطبري: (بحقوي الرحمن) بالتثنية. قال القابسي: أبى أبو زيد المروزي أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله، ومشى بعض الشراح على الحذف؛ فقال: أخذت بقائمة من قوائم العرش. وقال عياض: الحقو معقد الإزار، وهو الموضع الذي يستجار به، ويحتزم به على عادة العرب؛ لأنه من أحق ما يحامى عنه ويدفع؛ كما قالوا: نمنعه مما نمنع منه أزرنا؛ فاستعير ذلك مجازاً للرحم في استعاذتها بالله من القطيعة. انتهى. وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه؛ كما في حديث أم عطية:
(فأعطاها حقوه فقال أشعرنها إياه) يعني: إزاره، وهو المراد هنا، وهو الذي جرت العادة بالتمسك به عند الإلحاح في الاستجارة والطلب، والمعنى على هذا صحيح؛ مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة. قال الطيبي: هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية؛ كأنه شبه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها؛ بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به؛ ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم للمشبه به من القيام؛ فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة؛ ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ، وبلفظ الحقو؛ فهو استعارة أخرى، والتثنية فيه للتأكيد؛ لأن الأخذ باليدين آكد"اهـ (الفتح 8/580)
وقال: "قال الكرماني: (قوله: في السماء) ظاهره غير مراد؛ إذ الله منزه عن الحلول في المكان؛ لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه؛ إشارة إلى علو الذات والصفات. وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية"اهـ (الفتح 13/412)
وقال: "وقال القرطبي في المفهم: هذا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب، وأنه يقبل عليه بمغفرته ويعامله معاملة من يفرح بعمله، ووجه هذا المثل: أن العاصي حصل بسبب معصيته في قبضة الشيطان وأسره،
وقد أشرف على الهلاك؛ فإذا لطف الله به ووفقه للتوبة؛ خرج من شؤم تلك المعصية وتخلص من أسر الشيطان ومن المهلكة التي أشرف عليها؛ فأقبل الله عليه بمغفرته وبرحمته، وإلا فالفرح الذي هو من صفات المخلوقين محال على الله تعالى؛ لأنه اهتزاز وطرب يجده الشخص من نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه ويسد به خلته أو يدفع به عن نفسه ضرراً أو نقصاً، وكل ذلك محال على الله تعالى؛ فإنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص ولا قصور؛ لكن هذا الفرح له عندنا ثمرة وفائدة، وهو الإقبال على الشيء المفروح به وإحلاله المحل الأعلى، وهذا هو الذي يصح في حقه تعالى؛ فعبر عن ثمرة الفرح بالفرح على طريقة العرب في تسمية الشيء باسم ما جاوره أو كان منه بسبب، وهذا القانون جار في جميع ما أطلقه الله تعالى على صفة من الصفات التي لا تليق به"اهـ (الفتح 11/106)
وقال: "قوله: (فاستحيا الله منه) أي رحمه، ولم يعاقبه"اهـ (الفتح 1/157)
وقال: "قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة؛ عبارة عن القبول. وعروج الملائكة؛ هو إلى منازلهم في السماء. وأما ما وقع من التعبير في ذلك؛ بقوله: (إلى الله) فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض، وعن الأئمة بعدهم في التأويل"اهـ (الفتح 13/416)
وقال: "قوله: (إن الله لا يستحي من الحق) .. المراد بالحياء هنا: معناه اللغوي؛ إذ الحياء الشرعي خير كله، وقد تقدم في كتاب الإيمان؛ أن الحياء لغة: تغير وانكسار، وهو مستحيل في حق الله تعالى؛ فيحمل هنا على أن المراد: أن الله لا يأمر بالحياء في الحق، أو لا يمنع من ذكر الحق"اهـ (الفتح 1/389)
وقال: "قوله: (يدنو أحدكم من ربه) قال ابن التين: يعني يقرب من رحمته. وهو سائغ في اللغة"اهـ (الفتح 13/477)
وقال: "قال الكرماني: لو جاءت الرواية (لا تدعون أصم ولا أعمى) لكان أظهر في المناسبة؛ لكنه لما كان الغائب كالأعمى في عدم الرؤية؛ نفى لازمه ليكون أبلغ وأشمل. وزاد (قريباً) لأن البعيد وإن كان ممن يسمع ويبصر؛ لكنه لبعده قد لا يسمع ولا يبصر، وليس المراد قرب المسافة؛ لأنه منزه عن الحلول"اهـ (الفتح 13/274-375)
وقال: "قوله: (يدنو أحدكم من ربه) في رواية سعيد بن أبي عروبة (يدنو المؤمن من ربه) أي: يقرب منه قرب كرامة، وعلو منزلة. قوله: (حتى يضع كنفه) بفتح الكاف والنون بعدها فاء؛ أي: جانبه. والكنف أيضاً: الستر، وهو المراد هنا، والأول مجاز في حق الله تعالى"اهـ (الفتح 10/488)
وقال: "قال ابن بطال: وصف سبحانه نفسه؛ بأنه يتقرب إلى عبده، ووصف العبد بالتقرب إليه، ووصفه بالإتيان والهرولة؛ كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز؛ فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام، وذلك في حقه تعالى محال؛ فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب؛ فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبراً وذراعاً، وإتيانه ومشيه؛ معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله، ويكون تقربه سبحانه من عبده واتيانه، والمشي عبارة عن إثابته على طاعته وتقربه من رحمته، ويكون قوله (أتيته هرولة) أي أتاه ثوابي مسرعاً"اهـ (الفتح 13/513)
وقال: "وقد أزال العلماء إشكاله؛ فقال القاضي عياض في الشفاء: إضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى، أو من الله؛ ليس دنو مكان، ولا قرب زمان، وإنما هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إبانة لعظيم منزلته، وشريف رتبته، وبالنسبة إلى الله عز وجل؛ تأنيس لنبيه، وإكرام له. ويتأول فيه ما قالوه في حديث (ينزل ربنا إلى السماء)، وكذا في حديث (من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً). وقال غيره: الدنو مجاز عن القرب المعنوي؛ لإظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى. والتدلي: طلب زيادة القرب. وقاب قوسين بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة، وبالنسبة إلى الله؛ إجابة سؤاله، ورفع درجته "اهـ (الفتح 13/484)
وقال: "وقد نقل القرطبي عن ابن عباس؛ أنه قال: دنا الله سبحانه وتعالى. قال: والمعنى: دنا أمره وحكمه. وأصل التدلي النزول إلى الشيء حتى يقرب منه؛ قال: وقيل تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى جلس عليه؛ ثم دنا محمد من ربه. انتهى"اهـ (الفتح 13/484)
وقال: "وإطلاق الفرح في حق الله؛ مجاز عن رضاه"اهـ (الفتح 11/106)
ونقل عن العلائي قوله: "ويتخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخييلية، وهي أن يشترك شيئان في وصف؛ ثم يعتمد لوازم أحدهما حيث تكون جهة الاشتراك وصفاً؛ فيثبت كماله في المستعار بواسطة شيء آخر؛ فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في إثبات المشترك؛ قال: وبالحمل على هذه الاستعارة التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجسم"اهـ (الفتح 13/431)
وقال: "قوله: (يتقرب إلي) التقرب: طلب القرب؛ قال أبو القاسم القشيري: قرب العبد من ربه يقع أولاً بإيمانه؛ ثم بإحسانه. وقرب الرب من عبده؛ ما يخصه به في الدنيا من عرفانه، وفي الآخرة من رضوانه، وفيما بين ذلك من وجوه لطفه، وامتنانه"اهـ (الفتح 11/343)
وقال: "قوله: (أطيب عند الله من ريح المسك) اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك؛ مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح؛ إذ ذاك من صفات الحيوان، ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه؛ على أوجه .. "اهـ (الفتح 4/105)
وقال: "والمراد بمحبة الله؛ إرادة الخير للعبد، وحصول الثواب له"اهـ (الفتح 10/462)
وقال: "قوله: (ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى) في رواية ميمون المذكورة (فدنا ربك عز وجل فكان قاب قوسين أو أدنى) قال الخطابي: ليس في هذا الكتاب - يعني صحيح البخاري - حديث أشنع ظاهراً، ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل؛ فإنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر، وتمييز مكان كل واحد منهما؛ هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي تعلق من فوق إلى أسفل؛ قال: فمن لم يبلغه من هذا الحديث إلا هذا القدر مقطوعاً عن غيره، ولم يعتبره بأول القصة وآخرها؛ اشتبه عليه وجهه ومعناه، وكان قصاراه: إما رد الحديث من أصله، وأما الوقوع في التشبيه، وهما خطتان مرغوب عنهما، وأما من اعتبر أول الحديث بآخره؛ فإنه يزول عنه الإشكال؛ فإنه مصرح فيهما بأنه كان رؤيا؛ لقوله في أوله (وهو نائم) وفي آخره (استيقظ) وبعض الرؤيا مثل يضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن يصرف إليه معنى التعبير في مثله، وبعض الرؤيا لا يحتاج إلى ذلك؛ بل يأتي كالمشاهدة. قلت: وهو كما قال، ولا التفات إلى من تعقب كلامه"اهـ (الفتح 13/483)
وقال: "الحق عند أهل السنة: أن الرؤية لا يشترط لها عقلاً؛ عضو مخصوص، ولا مقابلة، ولا قرب"اهـ (الفتح 1/514)
وقال: "واختلف من أثبت الرؤية في معناها؛ فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب (كما ترون القمر)؛ إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية، وذلك أمر زائد على العلم. وقال بعضهم: إن المراد بالرؤية العلم، وعبر عنها بعضهم؛ بأنها حصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة؛ نسبة الإبصار إلى المرئيات. وقال بعضهم: رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم؛ إلا أنه أتم وأوضح من العلم. وهذا أقرب إلى الصواب من الأول. وتعقب الأول؛ بأنه حينئذ لا اختصاص لبعض دون بعض؛ لأن العلم لا يتفاوت. وتعقبه ابن التين بأن الرؤية بمعنى العلم تتعدى لمفعولين؛ تقول: رأيت زيداً فقيهاً؛ أي: علمته؛ فإن قلت: رأيت زيداً منطلقاً؛ لم يفهم منه إلا رؤية البصر، ويزيده تحقيقاً قوله في الخبر (إنكم سترون ربكم عياناً)
لأن اقتران الرؤية بالعيان لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم. وقال ابن بطال ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة، ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة، وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثاً وحالاً في مكان، وأولوا قوله }نَاظِرَةٌ{ بمنتظرة، وهو خطأ لأنه لا يتعدى بـ إلى. ثم ذكر نحو ما تقدم؛ ثم قال: وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود، والرؤية في تعلقها بالمرئي؛ بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم؛ فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه؛
فكذلك المرئي. قال: وتعلقوا بقوله تعالى }لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ{، وبقوله تعالى لموسى: }لَنْ تَرَانِي{. والجواب عن الأول: أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا؛ جمعاً بين دليلي الآيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته. وعن الثاني: المراد لن تراني في الدنيا جمعاً أيضاً، ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته؛ مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف.
وقال القرطبي: اشترط النفاة في الرؤية شروطاً عقلية كالبنية المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في خبط لهم وتحكم، وأهل السنة لا يشترطون شيئاً من ذلك سوى وجود المرئي، وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي، وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها، والعلم عند الله تعالى"اهـ (الفتح 13/426)
وقال: "وقال البيهقي: سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي؛ يقول في إملائه في قوله: (لا تضامون في رؤيته) بالضم والتشديد؛ معناه: لا تجتمعون لرؤيته في جهة، ولا يضم بعضكم إلى بعض. ومعناه بفتح التاء كذلك، والأصل: لا تتضامون في رؤيته باجتماع في جهة، وبالتخفيف من الضيم، ومعناه: لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض؛ فإنكم ترونه في جهاتكم كلها، وهو متعال عن الجهة"اهـ (الفتح 13/427)
وقال: "وقع ذكر اليد في القرآن والحديث مضافاً إلى الله تعالى، واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات، وأثبتوا ما جاء من ذلك وآمنوا به؛ فمنهم من وقف ولم يتأول، ومنهم من حمل كل لفظ منها على المعنى الذي ظهر له، وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك"اهـ (الفتح 1/208)
وقال: "ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح؛ إنما هو بالشرع"اهـ (الفتح 1/514)
وقال: "قوله: (كان الله ولم يكن شيء قبله) تقدم في بدء الخلق بلفظ (ولم يكن شيء غيره) وفي رواية أبي معاوية (كان الله قبل كل شيء) وهو بمعنى (كان الله ولا شيء معه)، وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية"اهـ (الفتح 13/410)
وقال: "وأما العمل: فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح؛ ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه؛ إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى. فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص كما سيأتي، والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط. والكرامية قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف؛ أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته، والسلف جعلوها شرطاً في كماله"اهـ (الفتح 1/46)
وقال: "وتعقبه ابن المنير بأن الإيمان لا يتبعض. وهو كما قال"اهـ (الفتح 8/336)
وقال: " والإيمان لغة: التصديق. وشرعاً: تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه. وهذا القدر متفق عليه؛ ثم وقع الاختلاف؛ هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة إبداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب؛ إذ التصديق من أفعال القلوب، أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك؛ كفعل المأمورات، وترك المنتهيات؛ كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى"اهـ (الفتح 1/46)
وقال: "وقوله في الحديث (إيمان بالله) في جواب أي العمل أفضل؛ دال على أن الاعتقاد والنطق من جملة الأعمال؛ فإن قيل: الحديث يدل على أن الجهاد والحج ليسا من الإيمان لما تقتضيه ثم من المغايرة والترتيب. فالجواب: أن المراد بالإيمان هنا التصديق؛ هذه حقيقته، والإيمان كما تقدم يطلق على الأعمال البدنية لأنها من مكملاته"اهـ (الفتح 1/77)
وقال: "قال الطيبي: هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة؛ ثم حبة؛ ثم خردلة؛ ثم ذرة؛ غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار؛ بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان، وهو على وجهين: أحدهما: ازدياد اليقين وطمأنينة النفس لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه، والثاني: أن يراد العمل، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد: (لم يعملوا خيرا قط). قال البيضاوي: وقوله (ليس ذلك لك) أي: أنا أفعل ذلك تعظيماً لاسمي وإجلالاً لتوحيدي، وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة الآتي: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصاً). قال: ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام آخر. قال الطيبي: إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع"اهـ (الفتح 11/456)
وقال: "قال ابن بطال: وبيان ذلك أن الإيمان هو التصديق؛ غير أن للتصديق معنيين؛ أحدهما: قول، والآخر عمل؛ فإذا ركب المصدق كبيرة فارقه اسم الإيمان؛ فإذا كف عنها عاد له الاسم؛ لأنه في حال كفه عن الكبيرة مجتنب بلسانه، ولسانه مصدق عقد قلبه، وذلك معنى الإيمان. قلت: وهذا القول قد يلاقي ما أشار إليه النووي فيما نقله عن ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان؛ لأنه يحمل منه على أن المراد في هذه الأحاديث: نور الإيمان، وهو عبارة عن فائدة التصديق وثمرته، وهو العمل بمقتضاه"اهـ (12/61)
وقال: "وأما الإيمان بمعنى التصديق؛ فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب من خشية الله وعظمته ومحبته والتقرب إليه؛ لأنها متميزة لله تعالى؛ فلا تحتاج لنية تميزها"اهـ (الفتح 1/135)
وقال: "قوله: (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) أي: إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سراً؛ ذكرته بالثواب والرحمة سراً. وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون مثل قوله تعالى: {اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، ومعناه: اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام"اهـ (الفتح 13/386)
وقال: "لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس"اهـ (الفتح 6/136)
وقال: "لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب، ويحتاج إلى تأويل"اهـ (الفتح 1/174)
وقال: "وأما قولهم: إنه منزه عن الحروف، والأصوات. فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة؛ فهو من الصفات الموجودة القديمة، وأما الحروف فإن كانت حركات أدوات كاللسان والشفتين؛ فهي أعراض، وإن كانت كتابة؛ فهي أجسام، وقيام الأجسام والأعراض بذات الله تعالى محال، ويلزم من أثبت ذلك؛ أن يقول بخلق القرآن، وهو يأبى ذلك، ويفر منه، فألجأ ذلك بعضهم إلى ادعاء قدم الحروف كما التزمته السالمية، ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته. ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي السلف عن الخوض فيها، واكتفوا باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولم يزيدوا على ذلك شيئاً، وهو أسلم الأقوال"اهـ (الفتح 13/493-494)
وقال: "قال ابن بطال: اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا؛ فقالت المعتزلة: معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة، واحتجوا بقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق. وقالت الجسمية: معناه الاستقرار. وقال بعض أهل السنة: معناه ارتفع، وبعضهم معناه: علا، وبعضهم معناه الملك والقدرة، ومنه استوت له الممالك؛ يقال: لمن أطاعه أهل البلاد، وقيل: معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله تعالى: (ولما بلغ أشده واستوى) فعلى هذا؛ فمعنى استوى على العرش: أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء، وقيل: إن (على) في قوله: (على العرش) بمعنى: إلى؛ فالمراد على هذا؛ انتهى إلى العرش"اهـ (الفتح 13/406)
وقال: "قوله: (كتب الله) أي: أمر أن يكتب"اهـ (الفتح 1/99)
وقال: "قوله: (كتب في كتابه) أي: أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ، وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريباً؛ فقال للقلم: اكتب. فجرى بما هو كائن. ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب: اللفظ الذي قضاه، وهو كقوله تعالى: }كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي{. قوله: (فهو عنده فوق العرش) قيل: معناه: دون العرش، وهو كقوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}. والحامل على هذا التأويل: استبعاد أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش، ولا محذور في إجراء ذلك على ظاهره؛ لأن العرش خلق من خلق الله. ويحتمل أن يكون المراد بقوله:
(فهو عنده) أي ذكره أو علمه؛ فلا تكون العندية مكانية؛ بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفياً عن الخلق؛ مرفوعاً عن حيز إدراكهم"اهـ (الفتح 6/291)
وقال: "وأما قوله: (عنده) فقال ابن بطال: عند في اللغة للمكان، والله منزه عن الحلول في المواضع؛ لأن الحلول عرض يفنى، وهو حادث، والحادث لا يليق بالله؛ فعلى هذا قيل معناه: إنه سبق علمه بإثابة من يعمل بطاعته، وعقوبة من يعمل بمعصيته. ويؤيده قوله في الحديث الذي بعده (أنا عند ظن عبدي بي)، ولا مكان هناك قطعاً"اهـ (13/385)
وقال: "وقال الراغب: (عند) لفظ موضوع للقرب، ويستعمل في المكان وهو الأصل، ويستعمل في الاعتقاد؛ تقول: عندي في كذا؛ كذا. أي: أعتقده. ويستعمل في المرتبة، ومنه {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ{. وأما قوله: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}؛ فمعناه: من حكمك. وقال ابن التين: معنى العندية في هذا الحديث: العلم بأنه موضوع على العرش"اهـ (الفتح 13/385)
وقال: "ثم قال الخطابي: وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضاً؛ لم يذكرها غيره، وهي قوله: (فعلا به - يعني جبريل - إلى الجبار تعالى؛ فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا) قال: والمكان لا يضاف إلى الله تعالى؛ إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الأول الذي قام فيه قبل هبوطه. انتهى. وهذا الأخير متعين، وليس في السياق تصريح بإضافة المكان إلى الله تعالى"اهـ (الفتح 13/484)
وقال: "(قوله باب الغيرة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء؛ قال عياض وغيره:
هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين؛ هذا في حق الآدمي، وأما في حق الله؛ فقال الخطابي: أحسن ما يفسر به؛ ما فسر به في حديث أبي هريرة؛ يعني الآتي في هذا الباب، وهو قوله: (وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه) قال عياض: ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك، وقيل: الغيرة في الأصل الحمية والأنفة وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب، وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه الغضب والرضا. وقال ابن العربي: التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه؛ كالوعيد، أو إيقاع العقوبة بالفاعل، ونحو ذلك"اهـ (الفتح 9/320-321)
وقال: "وقيل: غيرة الله: كراهة إتيان الفواحش؛ أي عدم رضاه بها؛ لا التقدير. وقيل: الغضب: لازم الغيرة. ولازم الغضب: إرادة إيصال العقوبة"اهـ (13/384-385)
وقال: "وقال ابن دقيق العيد: المنزهون لله؛ إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول، والثاني يقول: المراد بالغيرة: المنع من الشيء والحماية، وهما من لوازم الغيرة؛ فأطلقت على سبيل المجاز؛ كالملازمة وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب"اهـ (الفتح 13/399)
وقال: "لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح؛ لما في ذلك من مشابهة المخلوقين؛ تعالى الله عن ذلك"اهـ (الفتح 8/664)
وقال: "قوله: (يضحك الله إلى رجلين) .. قال ابن الجوزي: أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا، ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار؛ اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار: عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه"اهـ (الفتح 6/40)
وقال: "قوله: (أغير) أفعل تفضيل من الغيرة؛ بفتح الغين المعجمة، وهي في اللغة: تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والأهلين. وكل ذلك محال على الله تعالى؛ لأنه منزه عن كل تغير ونقص؛ فيتعين حمله على المجاز"اهـ (الفتح 2/530-531)
وقال: "قال ابن التين: معناه؛ أن ثوابها أعظم من غيرها، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وقد منع ذلك الأشعري وجماعة؛ لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل، وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها.
وأجابوا عن ذلك؛ بأن معنى التفاضل: أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض؛ فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني؛ لا من حيث الصفة"اهـ (الفتح 8/158)
وقال: "قال ابن التين: الرحمن والرحيم؛ مشتقان من الرحمة. وقيل: هما اسمان من غير اشتقاق. وقيل: يرجعان إلى معنى الإرادة؛ فرحمته: إرادته تنعيم من يرحمه. وقيل: راجعان إلى تركه عقاب من يستحق العقوبة"اهـ (الفتح 11/358)
وقال: "قوله: (الرحمن الرحيم) اسمان من الرحمة؛ أي مشتقان من الرحمة، والرحمة لغة: الرقة والانعطاف، وعلى هذا فوصفه به تعالى؛ مجاز عن إنعامه على عباده"اهـ (الفتح 8/155)
وقال: "قال ابن بطال: غرضه في هذا الباب؛ إثبات الرحمة، وهي من صفات الذات؛ فالرحمن وصف وصف الله تعالى به نفسه، وهو متضمن لمعنى الرحمة؛ كما تضمن وصفه بأنه عالم معنى العلم؛ إلى غير ذلك. قال: والمراد برحمته: إرادته نفع من سبق في علمه أنه ينفعه .. وأما الرحمة التي جعلها في قلوب عباده؛ فهي من صفات الفعل؛ وصفها بأنه خلقها في قلوب عباده، وهي رقة على المرحوم، وهو سبحانه وتعالى منزه عن الوصف بذلك؛ فتتأول بما يليق به"اهـ (الفتح 13/358)
وقال: "قوله عن الأعرج في رواية السراج من طريق شعيب عن أبي الزناد سمع الأعرج قوله: (والذي نفسي بيده) هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقسم به. والمعنى: أن أمر نفوس العباد بيد الله؛ أي: بتقديره، وتدبيره"اهـ (الفتح 2/129)
وقال: "وقوله: (يقول الله يا آدم) في رواية التفسير: (يقول الله يوم القيامة يا آدم) قوله: (فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) هذا آخر ما أورد منه من هذه الطريق، وقد أخرجه بتمامه في تفسير سورة الحج بالسند المذكور هنا، ووقع (فينادي) مضبوطا للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور؛ فإن قرينة قوله (إن الله يأمرك) تدل ظاهراً على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك"اهـ (الفتح 13/460)
وقال: "قوله: (باب: تحاج آدم وموسى عند الله) .. عندية اختصاص وتشريف؛ لا عندية مكان"اهـ (الفتح 11/505)
وقال: "وإضافة الله خلق آدم إلى يده في الآية؛ إضافة تشريف"اهـ (الفتح 11/507)
وقال: "قال السهيلي: قوله: (من فوق سبع سماوات) معناه: أن الحكم نزل من فوق. قال: ومثله قول زينب بنت جحش: زوجني الله من نبيه من فوق سبع سماوات. أي: نزل تزويجها من فوق. قال: ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله؛ لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه"اهـ (الفتح 7/412-413)
وقال: "ونسبة الضحك والتعجب إلى الله مجازية، والمراد بهما: الرضا بصنيعهما"اهـ (الفتح 7/120)
وقال: "ومع ذلك: فمعتقد سلف الأئمة، وعلماء السنة من الخلف؛ أن الله منزه عن الحركة، والتحول"اهـ (الفتح 7/124)
وقال: "وفيه أنه يغتفر للشخص في بعض الأحوال ما لا يغتفر في بعض؛ كحالة الغضب والأسف، وخصوصاً ممن طبع على حدة الخلق، وشدة الغضب؛ فإن موسى عليه السلام؛ لما غلبت عليه حالة الإنكار في المناظرة؛ خاطب آدم مع كونه والده؛ باسمه مجرداً، وخاطبه بأشياء لم يكن ليخاطب بها في غير تلك الحالة، ومع ذلك فأقره على ذلك، وعدل إلى معارضته فيما أبداه من الحجة في دفع شبهته"اهـ (الفتح 11/512)
وقال: "وتوسط أهل السنة؛ فمنهم من قال: أصل الفعل خلقه الله، وللعبد قدرة غير مؤثرة في المقدور. وأثبت بعضهم أن لها تأثيراً؛ لكنه يسمى كسباً، وبسط أدلتهم يطول"اهـ (الفتح 11/490)
ونقل عن الكرماني قوله: "والمذهب الحق: أن لا جبر، ولا قدر؛ بل أمر بين أمرين؛ فإن قيل: لا يخلو أن يكون فعل العبد بقدرة منه أو لا؛ إذ لا واسطة بين النفي والإثبات؛ فعلى الأول يثبت القدر الذي تدعيه المعتزلة، وإلا ثبت الجبر الذي هو قول الجهمية؛ فالجواب أن يقال: بل للعبد قدرة يفرق بها بين النازل من المنارة، والساقط منها، ولكن لا تأثير لها؛ بل فعله ذلك واقع بقدرة الله تعالى؛ فتأثير قدرته فيه بعد قدرة العبد عليه، وهذا هو المسمى بالكسب"اهـ (الفتح 13/491-492)
وقال: "قوله: (لا ينظر الله) أي: لا يرحمه؛ فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازاً، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية، ويحتمل أن يكون المراد: لا ينظر الله إليه نظر رحمة"اهـ (الفتح 10/258)
وقال: "ويؤيد ما ذكر من حمل النظر على الرحمة أو المقت؛ ما أخرجه الطبراني، وأصله في أبي داود؛ من حديث أبي جري: إن رجلاً ممن كان قبلكم لبس بردة فتبختر فيها؛ فنظر الله إليه فمقته؛ فأمر الأرض فأخذته"اهـ (الفتح 10/259)
وقال: "قوله: (ولا ينظر الله إليه) قال في الكشاف: هو كناية عن عدم الإحسان إليه عند من يجوز عليه النظر؛ مجاز عند من لا يجوزه"اهـ (الفتح 11/562)
وقال: "ومعنى كشف الساق: زوال الخوف، والهول"اهـ (الفتح 11/451)