وساوس في الطهارة وصحة الصلاة


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة



السؤال

الملخص:
فتاة مصابة بالوسواس، حتى إنها تشك في صحة صلاتها، وتسأل عن بعض الأحكام المتعلقة بالسلس ورطوبات الفرج، وهل يمكنها الأخذ ببعض المذاهب فيها. التفاصيل:
أنا فتاة كنت مريضة بالوسواس، وشُفيتُ منه ثم عاد لي؛ حيث أُصبتُ بأشياء كثيرة كالالتهابات المهبلية وكثرة الغازات، والإمساك الذي يؤدي إلى تبرُّز لا يتوقف وينزل معه أحيانًا قليلٌ من الدم، وقد عولجتُ منه قدر المستطاع، غير أن الوسواس أرهقني كثيرًا، فأصبحت أقضي يومي إما في الحمام أو في الصلاة، وأفكر كثيرًا في صحة صلاتي، رغم علمي بأن المُصاب بالوسواس يحق له الأخذ بأيسر الأقوال رفعًا للحرج، لديَّ أكثر من سؤال:1- هل يمكنني الأخذ بقول ابن حزم بأن رطوبات الفرْج لا تُفسد الوضوء؟
2- هل السلس غير المنتظم الذي يتغيَّر وقت انقطاعه من حين لآخر، ولا أستطيع تتبعه، ولو علمت أو غلب على ظني أنه ينقطع في وقت معين، فيُشترط أن أدخل الحمام وأنتظر ثلث ساعة ثم ينقطع عشر دقائق - هل لي أن أصليَ في الدقائق العشرة، مع العلم أنه يخرج الريح مني في أثنائها، فأضطر لإعادة وضوئي، فتنتهي الدقائق العشرة قبل أن أصليَ؟ وهل يمكنني أن أعتبر كل ما يخرج مني من الإفرازات، وما يخرج من البول والغازات سلسًا مجتمعًا، أو يجب أن تكون كلٌّ منها سلسًا بمفردها؟ 3- المالكية العراقيون هل يعتبر عندهم السلس بأقل الوقت؟ وهل يشترطون العلاج؟ وهل يجوز لي اتباعهم؟
4- إذا أخذت برأي مالكية المغرب بالحدث المستنكح - وهو المشهور عندهم - فهل عليَّ أن أستمر بالبحث عن علاج، فقد ذهبت لأكثر من طبيب، لكن لم تنتهِ مشاكلي بعدُ؟ 5- هل يُعدُّ تلفيقًا أن آخذ بمذهب المالكية في الحدث المستنكح، وآخذ بمذهب آخرَ لا يشترط العلاج حول انتقال النجاسة؟ 6- إذا قلنا: إن السلس يرافق نصف الوقت أو أغلب الوقت، فهل يقصد أنه ينزل متواصلًا نصف الوقت، أو يقصد أن كل وقت ينزل فيه ثم ينقطع يُعتبر جميعه من وقت السلس؟
أرجو الإجابة عن سؤالاتي آنفة الذكر إجابةً شافية، لا تجعلني أسترسل ثانية في الوساوس، وأعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، وأسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير. ثانيًا: لا حرج في العمل بالتلفيق بين أقوال المذاهب ما دام ليس في مسألة واحدة، ولا يؤدي لبطلان؛ جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "والتلفيق المقصود هنا هو ما كان في المسألة الواحدة بالأخذ بأقوال عدد من الأئمة فيها، أما الأخذ بأقوال الأئمة في مسائل متعددة فليس تلفيقًا، وإنما هو تنقل بين المذاهب أو تخير منها". ثالثًا: الأصل يجب عليكِ إزالة النجاسة عند كل صلاة؛ لأن المرء مطالب بإزالة النجاسة، ولا تصح الصلاة بوجودها على الثوب أو البدن، ولَمَّا كان مريض سلس البول، أو انفلات الريح أو البراز معذورًا، رُخِّص له بوضع القماشة أو المنديل، والصلاة على هذه الحالة، فيجب إزالتها عند كل صلاة، ويجب وضع القماشة حتى لا تنتشر النجاسة على ثوبه، ويضطره لخلع الثوب أو غسله. رابعًا: الراجح من أقوال العلماء طهارة إفرازات الفرج؛ لأن هذه الرطوبات لم يرد ما يدل على نجاستها، مع عموم البلوى بها، فتبقى على الأصل وهو الطهارة، وهذا من جملة ما استدل به القائلون بطهارة المنيِّ، وأنه مع عموم البلوى به، وعدم ورود الأمر بتطهيره يبقى على الأصل وهو الطهارة، وذهب إلى أنها لا تنقض الوضوء ابن حزم، وترجيح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. خامسًا: يكفيكِ معرفة ما يصح به عبادتكِ دون التعمق في خلافات المذاهب؛ حتى لا يفتح عليكِ أبواب الوسوسة، وعليه فأقول لكِ:1- الأصل في الأشياء الطهارة، فلا يُحكم بانتقال النجاسة من موضع لآخر إلا بيقين جازم، يمكن الشخص أن يحلف عليه، وبدون هذا اليقين فليستصحب الأصل، وهو الطهارة. 2- من العلماء من يرى أن النجاسة لا تنتقل من جسم رطب أو مبتل لآخر طاهر. 3- لا حرج على الموسوس في الأخذ بأيسر الأقوال، وينبغي له أن يعتمد ذلك، وألَّا يُشدد على نفسه؛ رفعًا للحرج، ودفعًا للمشقة. 4- إذا شككتِ: هل انتقلت النجاسة أو لا؟ فالأصل عدم انتقالها، وإذا شككتِ: هل هذا الشيء نجس أو لا؟ فالأصل طهارته. وأخيًرا: دعي عنكِ الوساوس ولا تبالي بها، ولا تُعيريها اهتمامًا؛ فإن استرسالكِ معها يُفضي بكِ إلى شر عظيم. هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6rNqjjRBL