من القواعد التي رعاها أهل السنة والجماعة ، الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة
في عقيدتهم وسلوكهم حتى حتى يفارقوا أهل الضلال تمسكهم بالكتاب والسنة ،
وذلك بأن قالوا :
إن التوحيد الذي أمر الله – جل وعلا – به في كتابه هو أن يُؤمَن به – جل وعلا – وحده دونما سواه في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته .

وقالوا إن القرآن دلنا على منهج إثبات الربوبية ،
ودلنا على أن الله – جل وعلا – هو المستحق للعبادة وحده دونما سواه ،
وأن القرآن والسنة في كل المواضع يدلان على أن الواجب إثبات الأسماء والصفات لله جل وعلا ،
وعدم تأويل شيء من ذلك بما يخرجه عن ظاهره .

وهذا بيِّنٌ في أن الأدلة دلت على أن التوحيد الذي طلبه الله – جل علا – من الناس لما بعث إليهم الأنبياء إنما هو التوحيد المتعلق بالإله المتعلق بالألوهية ،
فلما أرسل تعالى رسله ،
أرسلهم إلى قومهم بأن يدعوهم إلى : ﴿أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ﴾ [هود : 2]
وقال جل وعلا : ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾[الصافات : 35]
فأمر الله – جل وعلا – بهذا التوحيد الذي هو توحيد الإلهية وهو عبادته وحده دونما سواه .

ومن ثَم قرَّر أهل السنة والجماعة أن التوحيد الذي يُنجي العبد في العبادة
إنما هو أن يوقن بأن الله هو المستحق للعبادة وحده ،
وأن هذا هو معنى لا إله إلا الله ،
وأن توحيد الربوبية يتضمنه توحيد الإلهية ،
فمن عَبَد الله وحده دونما سواه
فإنه مؤمن بأن الله وحده هو رَبُّه
مفارقة لطريقة الأشاعرة والمعتزلة والمتكلمين
الذين قالوا إن التوحيد المطلوب من العباد والذي يُنجيهم هو توحيد الربوبية .

فإذا كان الأمر كذلك
فإن الله قد أثبت أن المشركين الذين بُعِث إليهم النبي – صلى الله عليه وسلم –
كانوا يوقنون بأن الله ربُّهم وأنه خالقهم ورازقهم ومدبر الأمر
وذلك في قوله : ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس : 31]
فهم يؤمنون بأن الذي يفعل كل هذا هو الله جل وعلا
، هذا إيمان ربوبية ، لكنه لم ينجهم .

ولهذا أخطأ الأشاعرة ومن نحا نحوهم
لما فسروا الإله تارة بأنه القادر على الاختراع ،
وفسروه تارة أخرى بأنه المستغني عما سواه المفتقِر إليه كُلُّ ما عداه ،
كما قال صاحب السنوسية من كتبهم التي يسمونها أم البراهين أي التي فيها البراهين العقلية الكافية وهي ليست كذلك ،
قال “فمعنى “لا إله إلا الله” لا مُستغنِيا عما سواه ولا مُفتقِرًا إليه كُلُّ ما عداه إلا الله”؛
إذ الإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه .

وهذا يؤمن به كل أحد ،
يؤمن بأن الرب ، يؤمن بأن الله – جل علا – مستغنى عن الخلق وأن الخلق مفتقرون إليه ،
هذا يؤمن به أبو جهل ،
ويؤمن به كل الذين عارضوا الرسل ،
وليس عندهم أشكال في هذا ،
إنما الإشكال ومعارضة الرسل في أن يوحِّدوا المعبود ،
بأن يعبدوه وحده وأن يذروا الأصنام وأن يتوجهوا بالعبادة إلى إله واحد .
ولهذا قال تعالى : ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة : 163]
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ﴾ يعني يستحق العبادة ﴿إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾[الصافات : 35] .
ولما قالوا في سورة ص : ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص : 5] .

إذا فهذا المنهج مهم في أن السلف والصحابة ومَن بعدهم إلى زماننا هذا ممن لزم هذا المنهج
يعلمون إن الابتلاء وقع في الألوهية .
وممن أبرز هذا أيما إبراز وركز عليه الحافظ الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره
فركز عليه أيما تركيز ،
وهناك كثيرون قبله من أئمة السنة بيَّنوا ذلك ،
لكن ابن جرير كرر هذا المعنى في تفسيره في ذكر توحيد الربوبية نصًا وتوحيد الألهية نصًا .

أما توحيد الأسماء والصفات
فمعناه الإيمان بأن لله – جل وعلا – الأسماء الحسنى والصفات العلى ،
وأنه لا مثيل له في أسمائه ولا فيما اتصف به من الصفات على ما قال جل وعلا : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى : 11] .
أما الذين خالفوا طريقة أهل السنة فقالوا :
إن الصفات لا يثبت منها كل ما جاء في القرآن والسنة , وإنما تقسم الصفات إلى صفات دل عليها العقل ، وصفات لم يدل عليها العقل ، بل دل العقل على أنه لا يوصف الله – جل وعلا – بها .

وهذا تفريق بين كلام الله جل وعلا ، وأَخْذ ببعض الكتاب ورد لبعضه ؛
لأن الله – جل وعلا – لما وصف نفسه في كتابه وسمَّى نفسه جعل المجال مجالاً واحدًا ،
وجعل الطريق طريقًا واحدًا ،
لم يفرِّق بين صفة وصفة ؛
لأنها كلها أمور غيبية
فيذكر الله – جل وعلا – عن نفسه العلية وعن ذاته المقدسة – جل جلاله – ما يجب علينا أن نؤمن به ، فلماذا يفرق الإنسان بين شيء وشيء والكل جاء في القرآن والسنة؟

وهذا التفريق ليس من منهج أهل السنة ،
بل أهل السنة والجماعة يجعلون الباب بابًا واحدًا ،
فكل ما جاء في الكتاب أو السنة في وصف الله – جل وعلا – أو في ذكر أي أمر من الأمور الغيبية ، فإنهم يثبتونه على ما دل عليه ظاهر اللفظ
دون تأويل أو تحريف يخرجه عن ظاهره أو عن دلالة ظاهرة .

ولهذا تعلمون القاعدة التي قعَّدها أهل السنة في هذا ،
بأننا نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من ذكر صفات الله – جل وعلا – أو أسماء الرحمن – جل وعلا – من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ،
فنحن لا نكيِّف ،
ولا نمثِّل
لا نعطِّل
ولا نجسِّم ،
ولا نتأول تلك النصوص بتأويلات تخرجها عن ظاهرها .
[خَصَائِصُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَة - للشيخ صالح آل الشيخ ]