"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (14)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الروم": (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)

القول الراجح في المراد بقوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي: أهون عليه في نظر المخلوقين وتقديرهم, فخاطب الناس بحسب إدراكهم.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في قوله: (وهو أهون عليه) على قولين:
(ذكر القولين دون ترجيح الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*)

القول الأول: أن المراد وهو هين عليه. (ذكر هذا القول ابن جرير*, وابن كثير*) (واقتصر عليه الشنقيطي* عند تفسير أوائل سورة النور)


القول الثاني: أن المراد هو أهون عليه في نظر المخلوقين وتقديرهم, فخاطب الناس بحسب إدراكهم، ففي تقدير الناس أن بدء الخلق أصعب من إعادته. (رجحه ابن عطية*) (واقتصر عليه ابن عاشور*, وصاحب الظلال*) (واقتصر عليه الماتريدي* في مواضع من تفسيره)

وهذا القول هو الراجح.

ولذلك عقب الله عز وجل بقوله: (وله المثل الأعلى في السموات والأرض) أي: له الصفة العليا والشأن الأتم الأكمل الذي لا يقاس بأحوال الخلق, وإنما لقصد التقريب لأفهامكم.

وفي الآية ثلاثة أقوال أخرى ضعيفة:
الأول: أنها على ظاهرها, أي: وهو أيسر عليه, وكل عليه هين. (ذكر هذا القول ابن جرير*, والرازي*, وابن كثير*)

(وذكره ابن عطية* عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة, ولكنه وجَّهَه فجعله كالقول الثاني السابق فقال: "لكن هذا التفضيل بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون علينا من البداءة").


(وكذلك ذكره القرطبي*, ولكنه وجَّهَه أيضاً فجعله كالقول الثاني فقال: ووجهه أن هذا مثل ضربه الله تعالى لعباده، يقول: إعادة الشيء على الخلائق أهون من ابتدائه)


قال الرازي: "لا شك أن الأمر الواحد أهون من أمرين, ولا يلزم من هذا أن يكون غيره فيه صعوبة, ولنبين هذا فنقول: الهين هو ما لا يتعب فيه الفاعل, والأهون ما لا يتعب فيه الفاعل بالطريق الأولى, فإذا قال قائل: إن الرجل القوي لا يتعب من نقل شعيرة من موضع وسلم السامع له ذلك, فإذا قال فكونه لا يتعب من نقل خردلة يكون ذلك كلاماً معقولاً مبقي على حقيقته"

وهذا القول ضعيف, لأن كل شيء أمام قدرة الله سواء, ليس شيء أيسر على الله من شيء, أما حمل الشعيرة والخردلة فيوجد فرق ولا بد, وإن كان لا يذكر ولا يظهر.

الثاني: أن الضمير عائد إلى الخلق, أي الشيء المخلوق الذي يخلقه الله, فالإعادة أهون على المخلوق من إنشائه, لأنه في إنشائه يصير من حالة إلى حالة, من نطفة إلى علقة إلى مضغة ونحو هذا, وفي الإعادة إنما يقوم في حين واحد, فكأنه قال: وهو أيسر على المخلوق, أي: أقصر مدة وأقل انتقالاً. (ذكر هذا القول ابن جرير* كما يفهم من كلامه وإن كان ليس واضحاً, ومثله ابن كثير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)

الثالث: أن الضمير في قوله: (وهو أهون عليه) يعود على المخلوق.
والمعنى: أن المخلوق إذا أعاد شيئاً بعد إنشائه فهو أهون عليه, فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق. (ذكر هذا القول ابن عطية*)

وهذا القول يختلف عن القول بأنه أهون عليه في نظر المخلوقين, لأنه هناك يعود على الله, وهنا يعود على المخلوقين.
وكذلك يختلف عن القول الذي قبله وهو أن الضمير يعود على الخلق, لأنه هناك يعود على الشيء المخلوق, فوجوده جميعاً في وقت واحد أيسر وأقصر من وجوده بعد أطوار.
أما هنا فالضمير يعود على المخلوقين.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/