كيف أتغلب على الوساوس؟




أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال:

الملخص:
شابٌّ يعاني وسواسًا لا نهاية له، ويبني عمومًا - كما في الصلاة – على الخاطر الأول، ويسأل عن ذلك.
التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعاني الوسواس الذي لا نهاية له، وقد قرأت فتوى تقول إن الاستجابة للوسواس محرَّم، ولأول وَهْلَةٍ عندما قرأتها، انتابني شعور أن المقصود منها أنني إذا شككتُ في أمرٍ أنه حرام أو كفر، فلا يجوز لي أن أترك فعله احتياطًا، وقد علمت أن المُصاب بالوسواس يبني على أول خاطر طرأ له عند الشك في الصلاة، فحملتُ هذا على ذاك؛ لأن هذا الشعور هو ما أصابني لأول وهلة، وسؤالي هنا: هل بفعلي هذا أكون قد طبَّقتُ الآية: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: أنجح علاج لوسوسة الشيطان أن تنتهيَ عن متابعة الشيطان، والاسترسال في خواطره؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]
فقد دلَّنا الله في هذه الآية على الداء، وهو اتباع خطوات الشيطان، وعلى الدواء، وهو عدم اتباعه، والغرض من وسوسته، وهو الأمر بالفحشاء والمنكر، والسبيل للتغلب على وساوسه، وهي اللجوء إلى الله: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]
فكيف نتابع من يأمرنا بالفحشاء والمنكر؟
ثم عليك بعدم الاستسلام لهذه الأفكار وعدم الالتفات لها، ومحاولة احتقارها على قدر الاستطاعة، فلا تعطي للشيطان قدرًا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].
وفي الحديث الصحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابة، فقلت: تعِسَ الشيطان، فقال: لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك، تعاظم حتى يكون مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك، تصاغر حتى يكون مثل الذباب))؛ [رواه أبو داود (4982)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود].
قال ابن القيم: "وفي حديث آخر: ((إن العبد إذا لعن الشيطان، يقول: إنك لتلعن مُلعَنًا))، ومثل هذا قول القائل: أخزى الله الشيطان، وقبَّح الله الشيطان، فإن ذلك كله يُفرِحه، ويقول: علِم ابن آدم أني قد نِلْتُهُ بقوتي، وذلك مما يُعينه على إغوائه، ولا يفيده شيئًا، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم مَن مَسَّهُ شيء من الشيطان أن يذكر الله تعالى، ويذكر اسمه، ويستعيذ بالله منه، فإن ذلك أنفع له، وأغيظ للشيطان"؛ [زاد المعاد: (2/ 355)].
ثم عليك بالذكر إذا وسوس لك؛ قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 200، 201]
قال الشيخ الأمين الشنقيطي: "بيَّن في هذه الآية الكريمة ما ينبغي أن يُعامَل به الجهلة من شياطين الإنس والجن، فبيَّن أن شيطان الإنس يُعامَل باللين، وأخذ العفو، والإعراض عن جهله وإساءته، وأن شيطان الجن لا منجا منه إلا بالاستعاذة بالله منه"؛ [أضواء البيان: (8/ 90)].
ومن أمثلة الأدعية النبوية: ((اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نعلمه))؛ فعن أبي موسى الأشعري قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه، وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نعلمه))؛ [رواه أحمد، وحسنه الألباني].
وروى البخاري في الأدب المفرد عن معقل بن يسار، قال: ((انطلقتُ مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر، لَلشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهًا آخر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، للشرك أخفى من دبيب النمل، أَلَا أدلُّك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لِما لا أعلم))؛ [وصححه الألباني].
ولا تحزن ولا تيأس ولا تخفْ؛ فإن هذا الأمر الذي يحدث لك قد حدث لغيرك أيضًا من الناس، وعافاهم الله، بل إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان بعضهم يأتيه هذا الأمر، يأتيه الشيطان فيشكِّكه في الله، وقد يدفع على لسانه بعض العبارات المزعجة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لهم أن هذا كله لا اعتبار له ما دام ليس مستقرًّا في عقيدة الإنسان؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: ((جاء ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان)).
قال ابن تيمية: "والمؤمن يُبتلَى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره؛ ((كما قالت الصحابة: يا رسول الله، إن أحدَنا لَيجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحبُّ إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان))، وفي رواية: ((ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة))؛ أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب، هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا أعظم الجهاد، والصريح: الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحًا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها، فخلص الإيمان فصار صريحًا، ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمِنَ الناس مَن يجيبها فيصير كافرًا أو منافقًا، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب، فلا يُحِسُّ بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنًا، وإما أن يصير منافقًا، ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلُّوا؛ لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه والتقرب إليه، والاتصال به؛ فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم".
وننصحك بمطالعة استشارتنا: (وساوس قهرية وخوف مستمر)، (وسواس قهري متعلق بالدين والقرآن)، (وساوس قهرية مستمرة)، و(أفتقد لذة الإيمان).
أما عن سؤالك عن المراد بقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]
أي: قدر جهدكم وطاقتكم؛ كما ثبت في الصحيحين: ((إذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه، فاجتنبوه)).
قال السعدي: "يأمر تعالى بتقواه التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وقيَّد ذلك بالاستطاعة والقدرة، فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجِز عنه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطعتم))"؛ [8/ 842].
وأخيرًا أيها الأخ الفاضل، لا تلتفت ولا تسترسل مع تلك الوساوس، وعليك بذكر الله، والعلم النافع، ولا تُغفِلِ الدعاء، وصدق اللجوء إلى الله أن يصرف عنك كيد الشيطان.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6qaoizO6R