ماضيها مخجل .. هل أتزوجها؟
موقع فراس برس


السؤال:
أنا في 28 من العمر أخصائي تحاليل طبية، من أسرة أعلى من المتوسط في الحالة الاقتصادية، أما على الصعيد الاجتماعي فنحن أسرة جميعنا خريجي كليات عالية، ونتميز بالمستوى الثقافي، والديني المتميز.
أحببت فتاه تصغرني بثلاث أعوام من أسرة أقل من المتوسط، ولم تكن من حملة الكليات إنما كانت حاصلة على معهد عامين.
شيء ما لا أعلمه جذبني نحو هذه الفتاه الجميلة، أحببتها بصدق، واتفقنا على الزواج، وأخبرت أهلي برغبتي في الزواج منها، ولكنهم قاوموني بعنف، واحتدوا عليّ كثيراً، وقاطعوني وقاطعتهم أشهراً طويلة، وكانت هي تعلم بموقف أهلي منها، ومن أهلها، وأنهم يرفضون زيجتنا هذه شكلاً ومضموناً، ولكني عشت معها حياة سعيدة، فكنا نتقابل من حين، حتى استسلمت أنا للواقع، ورضخت هي لرغبة أهلها، وتمت خطبتها.
ولكن بعد خطبتها بثلاث أسابيع استيقظت ذات صباح على اليوم الأصعب والأشد طيلة 28 عاماً حصيلة عمري، ماتت … نعم ماتت حبيبة القلب غرقاً في حادث هز كياني .. وهبطت على رأسي صخرة الحزن تقسمني نصفين، انهرت في حطامي ليالي وشهور لا أعرف كيف انقضت .. والتزمت الصمت مع أهلي، وكان يكفيني معاقبتي لهم بالصمت، وعدم مشاركتهم إلا قليلاً .. دعوت لحبيبتي كثيراً، ولا زلت، وسأظل كذلك حتى ألقى ربي ولو بعد حين.
حتى ظهرت فتاه في حياتي بعد مرور عام من واقعة الوفاة فهي فتاة جميلة، تصغرني بخمسة أعوام، وجدت نفسي أحدثها عما مر بي من أحداث، ووجدتني أنجذب إليها كثيراً، ووجدتها كذلك، شعرت معها أني قادر على الشعور بالوجود والحياة، وفي الوقت ذاته لا أنسى، أحببت هذى الفتاة بصدق، وأحببت طموحها في الحياة، وتشابهنا كثيراً كثيراً في الاهتمامات، وطريقة التفكير، والآراء، أحببت فيها طموحها الجامح في طريق العلم كالماجستير، والدكتوراة، والدبلومات المختلفة، أحببت فيها أنها أخذت بيدي، وأوقفتني ونجحت فيما فشل فيه الآخرون.
قررنا السفر للخارج، وبدأت أسعي سعياً حثيثاً في ذلك، وأخبرت أهلي أني أسعى للسفر بكل قوه لأني قررت أن أتزوج، وأنهي عزوفي عن الحياة، وقبلها كنت بلا هدف، ففرحوا بذلك كثيراً.
وبدأت أنا وفتاتي نخطط لكيفية الخطبة، وترتيباتها، اتفقنا على أن أخبر أهلي أني معجب بزميلة لي في العمل، وأود التقدم لخطبتها، وسوف أتم تجهيز المسكن بعد السفر، وهنا يحضرني أني بالفعل وقعت عقداً للسفر بإحدى الدول العربية، ورحبوا هم بدورهم، وسألوني عنها وعن أهلها فأخبرتهم عنها تفصيلاً لأني أعرفها، وأخبرتهم عن أهلها بما أعرفه وهو أنهم من طبقة بسيطة اقتصادياً.
بعد التأفف من والدي قرر اصطحابي للسؤال عنهم خاصة وهم في بلده تبعد عن بلدتنا قليلاً، وهنا كانت المفاجأة، فالجميع أثنى على الفتاه ثناءاً طويلاً، ولكن أهلها لم يطالهم الثناء، بل قيل لي: إن جدتها لأبيها كانت قبل وفاتها تتسول في الشوارع، وأنها كانت مطلقة، ولهذين السببين انتقل اسمها لاسم ابنها (والد فتاتي) فأصبح معروفاً في البلدة بفلان ابن فلانة، وأنه لا عمل له سوى أنه يعيش على معاش يتقاضاه من مصنع كان يعمل به ساعياً يقدم المشروبات لمجلس الشعب يخدمه، ويخدم ضيوفه مقدماً لهم الشاي والقهوة ليس إلا، ولها أخت مطلقة، وكانت هناك خصومات شديدة بين الزوجين في ساحات القضاء انتهت لصالح الزوجة.
استمعت لهذا الكلام وقلبي تعتصره الأحزان عصراً، هل معقول أن أكون قد ضللت الطريق مرة أخرى، وأفقد الأمل في أن أرضي نفسي وأهلي، وكأن إرضائنا جميعاً أنا وأهلي درباً من المحال؟
ظللت يومين في حيرة.
في كل الأحوال قررت أن أخبرها، صارحتها بالحقيقة المرة، فبكت أنهاراً عميقة تملؤها الأحزان والأسى على حالها وحال أهلها، وافقتني على طلاق أختها، وأوضحت أنها لم تكن زيجة موفقه، وأن سبب القضايا وساحات القضاء هو طفلهما المتنازع عليه، وأنها اخفت عني ذلك لأني كنت أتحدث دوماً بشكل غير جيد عن المطلقات، وأنا الآن في مفترق من الطرق، ولا بد لي أن أسلك إحداها، ولكن أين الطريق؟
فهناك طريقان:
الأول: أن أختار لنفسي ولو مرة في حياتي، ولا أضيع الفرص مني كما أضعتها مع فتاتي - رحمها الله - من قبل، وأنه قد آن الأوان أن أستمتع بالحياة مع من أحب، وفي سبيل ذلك سأضغط على أهلي في إتمام الخطبة، ومن ثم الزواج، ثم أطير بها إلى بلاد أخرى حيث الابتعاد عن الأهل والمشاكل المتوقعة، ولا أقول أني سأحرمها من أهلها، ولكننا بالاتفاق سوف نعمل على تنظيم مثل هذه العلاقات خاصة وأنها قد ألمحت إلى إمكانية ذلك، وقبولها دونما الخوض في تفاصيل.
والثاني: أن أكسر قلبها، وبعدها أكسر قلبي، وأفقد الطريق مرة أخرى، وأن اقتنع أن الظروف أقوى من كل شيء، وأن الحب وحده لا يبني بيتاً من الاستقرار خاصة وأنا لا أبغي سواه، وأن والديّ يجب عليّ إسعادهما وإلا فسأخسرهما مطلقاً بزواجي وهم غير راضين، وأن أتخلي عنها بعد وعدى إياها، وأن أشتري نظرة المجتمع وأبيع قلباً أحبني.
أنا آسف على الإطالة.
الإجابة:
أهلا بك أخي الفاضل - بارك الله فيك -، أشكرك وأشكر الله الذي يوفقني لحل جزء صغير من مشكلاتكم، وأساله أن أكون عوناً للجميع بمشيئته، ولندخل إلى مشكلتك:
الزواج - أخي الكريم - له أسماء متعددة منها: النسب، والمصاهرة، والمصاهرة تعني انصهار عائلتين وكتانين مختلفين، وذوبانهما ليصبحا عائلة واحدة، معنى ذلك أن للمصاهرة شروط كما للزواج شروط، فالزواج لا يتم بين شخصين بل بين عائلتين، وقد قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((زوجوا الأكفاء، وتزوجوا الأكفاء، واختاروا لنطفكم))، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تَخَيَّروا لُنطفكم، وانكحوا الأكفاء، وأَنكحوا إليهم))(رواه ابن ماجه) ما يعني أننا يجب أن نبحث في الأصول والجذور قبل الانتساب والمصاهرة، نعم ستتزوج من هذه الفتاة التي صدمك واقعها، ستسافر وتهرب بها طويلاً، وستقنن علاقتك بأهلها ما استطعت ذلك، لكن ماذا عن أبنائك في المستقبل ماذا ستقول لهم عن جدهم لأمهم، وعن أهلها، وعن خالة أبنائك وأخوالهم؛ هل ستبرأ منهم إلى الأبد، هل ستجمل حقيقتهم التي هي من وجهة نظرك حقيقة بشعة.
إن رفض الواقع، وعدم اعترافنا به؛ لا ينفي وجوده، فواقع أهل الفتاة موجود حتى لو كان مراً، حتى لو رفضت الاعتراف به، وبخلاف تسول جدتها، وخنوع والدها الذي يبدو فقره وعوزه للمال؛ فليس هناك ما يسيء لهذه العائلة سوى أنهم من المهمشين.
والحقيقة إن الفجوة الكبيرة بينك وبين عائلتك ستخلق مشكلات شتي فيما بينكما مستقبلاً، لذلا أرى أن تفكر بروية في الأمر، فالتكافؤ أساس الزواج وخاصة التكافؤ بين العائلتين، والقيم الفكرية السائدة بين العائلتين، فكل ذلك من شأنه أن يمنع التصادم بين العائلتين نظراً لاختلاف الثقافات، وعدم التكافؤ؛ وخاصة مع اعتراض أهلك، فالأهل تكون دائماً لهم وجهة نظر صائبة لأنهم يفكرون بحسابات العقل، ويفكرون أيضاً فيما يحقق لأبنائهم السعادة، أما الأبناء فغالباً ما تشوش عواطفهم على صحة اختياراتهم.
فقد ورد عن الإمام أحمد أنه كان يقول بمعناه: ينظر الرجل إلى جمال المرأة قبل دينها، فقال العلماء: لأن الرجل إذا سأل عن الدين فوجدها ذات دين، ثم قابلها فلم تسره، ورفضها؛ ظن الناس أنه إنما رد دينها لا جمالها، فحملوا كلام الإمام أحمد على هذا أن الرجل يسأل عن الجمال، ثم الدين، والله أعلم.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يردهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل)) (رواه ابن ماجه).
نأتي إلى الطريق الثاني الذي حددته وهو أن تترك هذه الفتاة إرضاء لوالدك حتى لو أدى الأمر لكسر قلبها - حسب تعبيرك -، اسمعني جيداً - أخي الفاضل -: الحقيقة أن الزواج رزق ونصيب، فما لك لن يأخذه غيرك، وما ليس لك لن تناله على قوتك، كسر القلب، وجرح الخاطر، وغير ذلك؛ هي أمور وقتية، لكن ما يدوم هو الاختيار السليم الذي على أساسه يمكنك بناء حياة سليمة مستقرة لو أنك مقتنع تماماً بالزواج من هذه الفتاة، وبجدارتها بك الآن وفي المستقبل.
لا تجب الآن بل فكر في المستقبل.
فإن رأيتها جديرة بك فلا تترد، أما إن رأيت عدم جدارتها واستحقاقها لك فلا تتردد أيضاً في الانحياز لرأي والديك، وأعتقد أن هذا حقهما عليك.
أسأل الله العظيم أن ينير لك الطريق، ويلهمك الرأي الصواب.