كلا إنها تذكرة


محمود دراز


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


فحينما خلق الله الجن والإنس كان لأجل مهمة أبلغنا الله إياها في كتابه العزيز بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (الذاريات:56-57).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "ومعنى الآية أنه -تعالى- خَلَق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمَن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومَن عصاه عَذَّبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم" (تفسير ابن كثير).

وقد ذكر الله في الآية الكريمة الجن قبل الإنس؛ فقيل: إن قبل نزول آدم -عليه السلام- إلى الأرض كان الجن موجودين على هذا الكون يعبدون الله، ولكنهم طغوا فأفسدوا وسفكوا الدماء، كما ذكر الله في كتابه فقال مخاطبًا الملائكة بقوله: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)، وهذا النص دليل جُرم الجن قبل خلق البشرية بسفكهم الدماء والإفساد في الأرض.

وحذَّر الله البشرية فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77)، وهذا يدل أن اللَّه يريد الخير لخلقه أجمعين، فيريد الإعمار ويكره الفساد، فقد نزلت آية في منافق بايع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الإسلام، ولكنه أفسد في الأرض فأهلك الحرث والنسل؛ انظر ماذا نعته الله في محكم التنزيل فقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:204-205).

إن هذه نـزلت في الأخنس بن شرِيق الذي قَدِم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزعم أنه يريد الإسلام، وحلف أنه ما قَدِم إلا لذلك، ثم خرج فأفسد أموالًا من أموال المسلمين، وأهلك الحرث والنسل، فمن العجيب عدم الترهيب لكثيرٍ من المسلمين بعد ما سمعوا مرارًا وتكرارًا هذه الآيات والتخويفات من يوم الحساب، وأنه يوم عسير، على الكافرين غير يسير؛ فنجد الآن الكثير من المسلمين يمارسون هذه الأفعال فيما بينهم، والآيات تمر على أذهانهم دون تأثير ولا تغيير، مع أن الموت يُحاصِر الجميع ويداهمهم؛ فهل من تائب؟ قال الله: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1).

هذا تنبيه مِن الله على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس في غفلة عنها، أي: لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها.