من حاشيتي المطولة على علوم الحديث لابن الصلاح، المسماة: الحاشية المُغْنِية على كتاب علوم الحديث، يسر الله إتمامها:

قال ابن الصلاح رحمه الله:

ولقد أكْثَر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيرًا مما لا دليل على وضعه؛ إنما حقُّه أن يُذْكَر في مطلق الأحاديث الضعيفة([1]).


[1])) عنى به الإمام ابن الجوزي في كتابه «الموضوعات»، كما ذكره النووي في «إرشاد طلاب الحقائق» (1/ 261)، والعراقي في «شرح ألفيته» (1/ 307).
قال الحافظ في «نكته» (3/ 367- 371): «ودخلت على ابن الجوزي الآفةُ من التوسُّع في الحكم بالوضع؛ لأن مستنده في غالب ذلك ضعفُ راويه.
قلت [ابن حجر]: وقد يعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها، ويكون كلامهم محمولًا على قيد أنَّ تفرده إنما هو من ذلك الوجه، ويكون المتن قد رُوي من وجه آخر لم يطلع هو عليه، أو لم يستحضره حالة التصنيف، فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها.
ودخل في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يُحتَمل في الترغيب والترهيب، وقليل من الأحاديث الحسان؛ كحديث صلاة التسبيح، وكحديث قراءة أية الكرسي دبر الصلاة، فإنه صحيح، رواه النسائي، وصححه ابن حبان، وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جدًّا، وأما من مطلق الضعف ففيه كثير من الأحاديث.
نعم أكثر الكتاب موضوع»اهـ.
قلت: وفي قول الحافظ: «أكثر الكتاب موضوع» ردٌّ على من نسب ابن الجوزي إلى التساهل في هذا الكتاب؛ لأن الخطأ لا يَسْلم منه أحد، ويكفيه أنه أصاب في أكثر الكتاب.
وهو نفس كلام الحافظ العلائي أيضًا، فإن نص كلامه في كتابه «النقد الصحيح لما اعترض من أحاديث المصابيح» (ص25، 26): «الحكم على الحديث بكونه موضوعًا من المتأخرين عسر جدًّا؛ لأن ذلك لا يتأتى إلا بعد جمع الطرق وكثرة التفتيش، وإنه ليس لهذا المتن سوى هذه الطريق الواحد، ثم يكون في رواتها من هو متهم بالكذب، إلى ما ينضم إلى ذلك من قرائن كثيرة يقتضي للحافظ المتبحر الجزم بأن هذا الحديث كذب.
ولهذا انتقد العلماء على الإمام أبي الفرج بن الجوزي في كتابه «الموضوعات»، وتوسعه بالحكم بذلك على كثير من الأحاديث ليست بهذه المثابة، بل فيها ما فيه ضعف يُحتَمل ويمكن التمسك به في الترغيب والترهيب، وفيها ما هو حديث حسن، أو قد صححه بعض الأئمة، كما سيأتي في حديث صلاة التسبيح، وفيها ما له طرق أخرى يقوى بها الحديث، لم يطلع عليها؛ فدخلت الآفة عليه من هذه الوجوه وغيرها - إلى أن قال -: وإلا فكثير من الأحاديث جدًّا يشهد القلب بوضعها، ويسهل الحكم عليها بذلك ممن كثرت ممارسته لهذا الفن، وهو حال كتاب «الموضوعات» لابن الجوزي»اهـ.
ثم يقال أيضًا: إن مَن تعقَّب ابن الجوزي لأجل أنه وضع في كتابه أحاديث قوم من الضعفاء، فليس تعقبه بسديد؛ لأن الموضوع - كما تقدم تحريره - لا يختص برواية الكذابين فقط، وإنما هو أوسع من ذلك، فيدخل فيه كلُّ ما تبيَّن للناقد استحالة نسبته للنبي ﷺ، وإن لم يكن راويه كذابًا، بل أدخل الأئمة في الموضوع حديث الصالحين إذا تُيقِّن خطؤهم؛ كحديث ثابت بن موسى الزاهد عن شريك بن عبد الله القاضي.
وعليه، فأغلب ما تُعقِّب به ابن الجوزي سالم من المعارضة الصحيحة؛ إذ مسألة الحكم بالوضع على الحديث مسألة اجتهادية، وابن الجوزي إمام مجتهد، فقد يحكم هو على حديث بالوضع، ويحكم عليه غيره بالضعف أو بالحسن، ولكلٍّ اجتهاده.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (1/ 248): «الموضوع في اصطلاح أبي الفرج هو الذي قام دليل على أنه باطل، وإن كان المحدِّث به لم يتعمد الكذب، بل غلط فيه؛ ولهذا روى في كتابه في الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع، وقد نازعه طائفة من العلماء في كثير مما ذكره، وقالوا: إنه ليس مما يقوم دليل على أنه باطل، بل بيَّنوا ثبوت بعض ذلك، لكن الغالب على ما ذكره في «الموضوعات» أنه باطل باتفاق العلماء»اهـ.