نصائح البدايات قبل الزواج - المـــودة والرحمـــة أســــــــاس الحــيـــــــاة الـزوجــيــة السعيــدة

راشد سعد العليمي

ما زال الحديث موصولاً عن النصائح التي ينبغي على الشباب ملاحظتها والانتباه إليها مع أول بدايات السير في درب الحياة الزوجية؛ للحذر من وقوع المنغصات والمكدرات مستقبلا، التي يتوقع حدوثها لأسباب عديدة؛ فصفاء الحياة الزوجية في بداياتها مع وضوح نقاط التفاهم بين الزوجين مع أول ساعات الالتقاء سيجلب -بإذن الله- لهما السعادة والرحمة في علاقتهما، وقد تحدثنا في المقال السابق عن نقاط عدة منها الاستعداد النفسي، والاستعداد الظاهري، والتمتع بشريك الحياة والسؤال عن الآداب الشرعية، واليوم نستكمل الحديث عن تلك النصائح.

(8) التفاهم بالرغبات

وضوح الرغبات، وتبيين الطلبات سبب باعث لفهم كل طرف للآخر، لهذا كان من الجميل بعد عقد الزواج مباشرة أن يجلس الزوجان في حوار لتوضيح الميول والسلوكيات، ومعرفة ماذا يحب كل طرف في الآخر وماذا يكره؟ لتكون الحياة الزوجية مكشوفة المعالم والاتجاهات، ولتستمر واضحة التفاهم، وهذا فيه تعلیم لهما -منذ البداية- بأهمية الحوار المثمر بينهما.

(9) الاختلاف موجود

ليتوقع الزوجان أن يكون بينهما اختلافات؛ في أمور الحياة الزوجية، وهذه نتيجة طبيعية ومتوقعة لاختلافهما في وجهات النظر، والذوق، والسلوك، ولاختلاف الثقافة والمعيشة والسلوك، وأيضا لاختلاف الجنس؛ فهي أنثى وهو ذكر، ومن الخطأ أن يكون هناك عدم فهم لهذه الجوانب، أو السعي لكبتها وفرض الرأي الواحد، لهذا علينا ألا نجعل هذا التنوع في الآراء والسلوكيات سبيلا إلى وجود خلاف، ومن ثم حدوث مشكلات وخصام، تكون نهايتها الطلاق.

(10) الاجتماع بالمودة والرحمة

الحياة الزوجية أساس قوامها أمران عظيمان -بعد فضل الله على الزوجين وبركته على حياتهما- وهذان الأمران هما (المودة والرحمة)، قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21)، فالمودة هي أول مراحل الانجذاب والراحة بين جسدين غريبين اجتمعا بعقد الزواج، والرحمة: حتى يرحم كل طرف حال الآخر لو وقع في زلة، أو حدثت منه هفوة، وقيل إن المودة في بداية العلاقة الزوجية، والرحمة تكون بعد تقادم العمر بين الزوجين، ومع مضي السن عليهما في الضعف؛ كحال الوقوع في المرض، أو حال العجز في تدبير الأمور الزوجية، فإن الحاجة إلى الرحمة يكون أمرا مهما، والحياة الزوجية ليست قائمة دائما على الحب في جميع أحوالها وأقوالها ومشاعرها، لكنه سيأتي لاحقا بعد ذلك، حين يوجد التفاهم والوضوح وحسن العشرة بين الطرفين.

(11) معرفة الحقوق والواجبات الزوجية

معرفة هذه الأمور ووضوحها بين الزوجين يجلب بينهما التفاهم وجميل اللقاء، وحتى لا يتعدى أي طرف على حقوق الآخر، وليعرف الواجبات المتعلقة به، وليعلم كل منهما ماذا له، وماذا عليه من أمور، وجاء الهدي النبوي لتوضيح هذا، فعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، إن النساء عندكم عوان، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق. ومن حقكم عليهن أن لا وطئن شكم أحدا، ولا يعصينكم في معروف، وإذا فعلن ذلك، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف». رواه الترمذي، ويمكن توضيح الحقوق الواجب تذكرها بين الزوجين:

المرأة في كنف الرجل

خلق الله المرأة لتعيش في رعاية الرجل وحفظه، وهذا ليس من النقيصة عليها في شيء، قال -تعالى-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة: 228)، لكن لها فيه خيرات كثيرة لو فقهت هذا الجانب، مع تقيد الزوج بالمعروف والحسنی كما كلفه الله من مسؤولية تجاه زوجته.

الرعاية بالمعروف

الزوج هو القائم على أهل بيته بموجب الشرع، قال -تعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} و(النساء: 34) والقوامة تعني الرعاية بالحسنی، وهذا ما ذكرنا به نبينا، حين جاء رجل، فسأله: ما حق المرأة على الزوج؟ فقال: «أن يطعمها إذا طعم، وأن يكسوها إذا اكتسي، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت». رواه أبو داود، وهذا فيه إظهار الحسن قوامة الزوج على الزوجة، ولتبيان مقدار حرصه عليها، وهي دلالة الرجولة بكريم تعامله.

حسن العشرة معها

ويقصد بها حسن الرعاية وكريم الكلام، وعدم نسيان الفضل بينهما، قال -تعالى-: {وعاشروهن بالمعروف} (النساء: 19).

الطاعة بالمعروف

واجب على المرأة طاعة زوجها بالمعروف، وتكون هذه الطاعة في كل صغير وكبير، مما يرضي الله، ثم بما لا يشق عليها، ومن ذلك لو أمرها بعدم الخروج من البيت -لحاجات ليست ضرورية- فعليها أن تطيع قوله، لكن لا تطيعه في الأمور المحرمة، مثل نمص الحاجب بحجة التزين له، أو ترك الحجاب.

الحرص على الإنجاب

هذا حق مشترك بين الزوجين، وأمر واجب عليهما الاهتمام به والنظر إليه، بل هو من الغايات العظيمة من تشريع الزواج، بل الإنجاب من الصفات المرغوب وجودها في المرأة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» أخرجه ابن حبان، وحذار أن يتسلط الزوج برأيه ويحرم المرأة من نعمة الأمومة، أو تأتي الزوجة وتهتم بجسدها وجمالها وتمتنع عن الإنجاب بحجج واهية، ثم يتقادم عليها العمر، ومع الرغبة بالإنجاب؛ ليتذكر الزوجان بأن رعاية الأولاد أمر يشتركان فيه سويا.

(12) رعاية الزوجة لزوجها

عندما نعلم عن وجوب طاعة الزوجة للزوج بما يرضي الله -سبحانه-، ثم بالمعروف، لأن الرجل هو السيد عليها، قال -تعالى- عن امرأة العزيز: {وألفيا سيدها لدا الباب} (یوسف: 25)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى أحمر، لكان لها أن تفعل» رواه أحمد. فإنا سنعلم بأنه لا حرج ولا نقيصة عليها إن قامت بخدمة زوجها، لأنه سيدها، ورعايتها له بالمعروف دلالة على حسن العشرة بينهما، وهذا منها جزاء لما يبذل عليها في النفقة والرعاية.

(13) صدمات مع البدايات

السعادة الزوجية قوامها اختيار الزمن المناسب في الالتقاء والاجتماع، وانتقاء الكلام المناسب، ولا سيما في الأيام الأولى من الزواج، فحذار من الصدام مع الزوجة بمزاح ثقيل، مثل ما يلقيه بعض الأزواج مازحا: سأتزوج من زوجة ثانية!.. فهذا كلام موجع لقلب الزوجة ولو كان مزاحا، وهل سیرضى الزوج لو قالت له الزوجة: ياليتني اخترت فلانا، ولم أكن لك زوجة ! فهل يا ترى سيعجبه هذا القول؟! ومثله أيضا ما قد يصدر منه بفعل عنيف لا يتناسب مع أنوثتها.

ولنتذكر قوله -تعالى-: {وعاشرونهن بالمعروف} (النساء:19) وأيضا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- للرجال جميعا: «استوصوا بالنساء خيرا». رواه البخاري ومسلم.

(14) الكلمة الحسنة مفتاح القلوب

قالوا: «من لانت كلمته وجبت محبته»، ليتذكر الزوجان أن الأوامر الباردة في التعامل لن يجني كل منهما من ورائها إلا طاعة خادعة زائفة، باطنها الكراهية، وظاهرها التنفيذ على خوف وذل، فهل يضر الزوج أو الزوجة لو أدخلا في الكلام: لو تسمح بكذا.. أو يا حبيبي لو سمحت بكذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لجميع الأزواج: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» رواه الترمذي. وكان يداعب - صلى الله عليه وسلم- حبيبته عائشة -رضي الله عنها-، فيقول لها حين يناديها: یا عائش. ضعفه الألباني

(15) المثالية والدقة في كل أمر

ليكن الزوجان على بينة من قول النبي: «لا يفرك - أي: لا يبغض - مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضي منها آخر» رواه مسلم، فينبغي على الزوج حين يرى منها خطأ أو خلقا يكرهه، أو صفة لا يرغب بها في الزوجة، فيحكم عليها بالبغض الكامل، لكنه عليه أن يتذكر بقية الأخلاق الحسنة فيها، وسعيها إلى خدمته ورعايته طوال اليوم، قال -تعالى-: {وَعَاشروهن بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَ ّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء:19)، والسعادة الزوجية تتحقق بأمور منها التغافل عن الهفوات والزلات التي لا تتعلق بالحياة الزوجية، وعندما نحذر من المثالية المفرطة، ومن قضية الانتباه إلى استحالة وقوع الأخطاء من الزوجة، فعلى الزوجة كذلك أن تتذكر بأن زوجها مثلها بشر، فيه النقص والخطأ، وعليها أن تتحمله بما فيه من نقص، فلا تكليف إلا على قدر الوسع.