الخوف على المدعوين من عذاب الله تعالى


أحمد قوشتي عبد الرحيم


من المعاني العظيمة التي تستحق الوقوف عندها ، واتخاذها منهاجا ، لا سيما أنها تكررت كثيرا في القرآن الكريم في سياق خطاب الأنبياء والدعاة لأقوامهم : معنى الخوف على المدعوين من عذاب الله تعالى ، وتذكيرهم صراحة بهذا المعني :
{( إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ( فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ )( إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) ( وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ) ( إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ )( وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ) }
وفرق شاسع بين من ينطلق في خطابه للخلق من باب الخوف عليهم ، والحرص على استنقاذهم من عذاب الله ، وتمني الخير والسعادة لهم ، وبين من ينطلق من بواعث أخرى ، تدور حول حظوظ النفس ، والرغبة في نيل مغانم الدنيا ، والتشفي ، والانتقام ، وغيرها من البواعث .
- والخائف على المدعوين لن يميع دين الله ، ولن يحرفه ، ولن يقدم ما يطلبه المستمعون ، ليظهر بمظهر المعتدل أو المتسامح ، وإلا هل رأيت قط طبيبا ناصحا يسمح للمريض بما يضره ، كي يقال عنه لطيف وظريف !!
- والخائف على المدعوين لن يكون قصده تبكيتهم ، ولا إحراجهم ، ولا القسوة عليهم ، ولا التشديد عليهم ، ولا غلق منافذ الرحمة والتيسير ، وحتى لو قسا فهو يقسو من أجل الرحمة ، ويخوف من أجل الاستصلاح ، ومثل هذا لن تجده فظا ولا غليظ القلب ، ولا سيء الخلق ، ولا دائم العبوس ، وإن صارح أحدا بحقيقة فعله ووصفه بالتوصيف الشرعي الصحيح : حرام - بدعة - نفاق - كفر ، فهو من أجل التحذير ، وما أشبهه بالطبيب الناصح الذي يصارح المريض بحقيقة دائه لا ليحبطه ولكن ليحذره .
- والخائف على المدعوين لن يتبع حظوظ نفسه ، ولن يساير هواه ، فيتكلم عما يجلب له المكانة ، أو يفتح له أبواب الدنيا ، بل يتكلم عما ينفع الناس ، وينجيهم من أسباب الهلاك ، وهو لا يستعرض عضلاته أو يثبت تفوقه ، وإنما يحرص على البلاغ ، والرحمة بالخلق ، ودلالتهم على طريق الله ، وإن انتقص ذلك من مكانته ، أو قلل من حظوظ دنياه .
- والخائف على المدعوين إن وجد أخاه على خطأ أو واقعا في مخالفة عقدية أو عملية فلن يفرح بذلك بل سوف يحزن ويتألم ، ولن ينتهز الفرصة لتبكيته ، بل من دلائل عدم الصدق في النصيحة : أن تتمنى وقوع مخالفك في الغلط ، وتجتهد في التفتيش عن أخطائه ، وتفرح بذلك أشد الفرح ، وتحمل كلامه على أسوأ المحامل ، وتتفنن في تعييره وتوبيخه ، وتعيد وتزيد في تذكيره بزلته ، مستخدما أخشن الألفاظ وأقساها ، مغلقا أمامه طريق الرجوع والاعتراف بالحق .
وإنما دأب المسلم : حب الخير لإخوانه أجمعين ، وتمني سلامتهم من الزلل والضلال ، مع الحرص على الستر والرفق ما أمكن ذلك ، وحمل الكلام على أحسن محامله ، وفتح باب الإعذار ما وجد لذلك سبيلا ، ومن خصائص أهل السنة والجماعة أنهم أحرص الناس على الحق ، وأرحمهم بالخلق ، وأنهم ينصحون ولا يعيرون .
وصلوات الله وسلامه وبركاته على سيد الدعاة ، وإمام المربين ، وقدوة المصلحين ، وأسوة المعلمين والناصحين ، الذي وصفه ربه سبحانه فقال :

{( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )}