الطاعة طريق الاستقرار النفسي



أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال:

الملخص:
سائلة تعاني ابتعادًا عن طريق الله عز وجل، فهي في قلة من الأعمال الصالحة، أحيانًا تصلي وأحيانًا أخرى تنقطع عن الصلاة، كما أن لديها مشكلة في الوزن الزائد الذي أجهدها نفسيًّا وبدنيًّا، وتسأل: كيف أُغيِّر حياتي للأفضل؟
التفاصيل:
مشكلتي أني أعاني من تشتُّتِ التفكير وضعفٍ في الإيمان، وقلة الأعمال الصالحة، وأصبحتُ أجلس على الإنترنت فترات طويلة، وأحاول أن أُغيِّرَ من نفسي، لكني في كل مرة أفشل.
كما أن عندي مشكلة في زيادة الوزن زيادة كبيرة، أثَّرت في حياتي كثيرًا، حتى أصبحت أصلي وأنا جالسة، وأجد مشقة كبيرة في القيام بالأعمال المنزلية، وقد أثَّر ذلك على نفسيتي، وحاولت إنقاص الوزن عن طريق الطبيب، ولكني أتعب ولا أستمر.
أولًا: بمَ تنصحونني في هذا الأمر، وكيف أغيِّر حياتي للأفضل على مستوى الدين والدنيا؟
ثانيًا: أنا الآن أصبحت أترك بعض الفروض، ثم أعود فألتزم في الصلاة، وهكذا دواليك، فما حكم فروض تلك الفترات التي أنقطع فيها عن الصلاة؟
وجزاكم الله خيرًا.


الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: علاج هذا الشَّتَاتِ والاضطراب النفسي في الاستقرار والثبات على الطاعة، والاجتهاد في البعد عن المعاصي والذنوب، فالصبر أنواعٌ بينهما تلازم وترابط، ولا يستقر المرء على نوع إلا بما قبله؛ الصبر على الطاعة أولًا، ثم الصبر عن المعصية، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة، وعلاجكِ أيتها الأخت الفاضلة في الثلاث، فالصبرَ الصبرَ؛ فالله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فحقِّقي الإيمان بالتزام الطاعة قولًا وفعلًا، وابتعدي عن المعاصي ظاهرًا وباطنًا، وعليكِ بالصحبة الصالحة؛ فهي من أسباب الثبات، وعليكِ بمساعدة المحتاجين؛ فهي من أسباب الثبات، والمحافظة على الوِرْدِ من القرآن من أسباب الثبات، والمحافظة على الأذكار من أسباب الثبات، وصلة الرحم وبر الوالدين والإحسان إلى الجار، والبعد عن الظلم والظالمين - من أسباب الثبات.
أيتها الأخت الفاضلة، لا يُعجِزْكِ الشيطان بوقوعكِ في المعاصي والذنوب؛ فالصراع بيننا وبينه لا ينتهي إلا بالموت، والمؤمن إذا ذُكِّرَ ذَكَر، فكلما وقعتِ في ذنب، فأحْدِثي له توبة تمحوه وتُكَفِّره؛ فالله فتح أمام العصاة أبواب التوبة والمغفرة، والمؤمن إذا ذُكِّرَ ذَكَر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون))؛ [الترمذي، وصححه الألباني صحيح الجامع: (4515)].
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ الدنيا، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفْتَنًا تَوَّابًا نَسِيًّا، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ))؛ [رواه الطبراني، صحيح الجامع: (5735)].
قال المناوي: "((ما من عبدٍ مؤمنٍ إلا وله ذنبٌ يَعتاده الفَينة بعد الفَينة))؛ أي: الحين بعد الحين، والساعة بعد الساعة، يُقال: لقيته فَينة والفينة.
((أو ذنب هو مُقيم عليه لا يفارقه أبدًا حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خُلِق مُفَتَّنًا))؛ أي: مُمْتَحَنًا، يمتحنه الله بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمفتن: الممتحن الذي فُتن كثيرًا، ((توَّابًا نسيًّا إذا ذُكِّر ذَكَر))؛ أي: يتوب ثم ينسى، فيعود، ثم يتذكر فيتوب.
وهذا لا يعني الجرأة على فعل المعصية، بل الثبات على التوبة، فالمؤمن لا ينظر إلى صغر الذنب؛ قال ابن القيم: "وقال الفضيل بن عياض: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظُم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله"؛ [الجواب الكافي].
وننصحكِ بالرجوع إلى استشارة (التوبة مع تكرار الذنب).
فالعلاج أيتها الأخت الفاضلة في تحقيق الإيمان والصبر بأنواعه، والعزيمة في أمور الدنيا والآخرة، ولا نيئَس من الإخفاق في تجربة ونحاول مرة ثانية؛ لذا أنصحكِ بالذهاب إلى طبيبة لمشكلة زيادة الوزن، بارك الله فيكِ.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6l2DTHeEV