الحمد لله رب العالمين، وبعد: فهذه ترجمة لشيخي النحوي الأديب الشاعر يوسف أبو العلا الجرشة، نقلتها من ورقات كتبها لنفسه بعنوان "السيرة الذاتية لرجل من أهل العلم تجاوز الثمانين".
وأظن أن أكثر طلبة العلم لا يعرفونه، فقد كان -على ما أوتي من علم باللغة العربية- مغمورا رحمه الله تعالى.
-ولد في طنطا سنة 1914 م في بيت جده لأمه على عادة وقتهم أن تلد النساء عند أمهاتهن، ونشأ في قرية ميت غزال مركز سنطة مديرية الغربية.
-حفظ القرآن الكريم في الثالثة عشرة من عمره، وتعلم معها الحساب.
-دخل الجامع الأحمدي - معهد طنطا الابتدائي والثانوي- في السنة نفسها أي الثالثة عشرة، سنة 1927م، بقي فيه ثلاث سنوات، ومن السنة الرابعة الى التاسعة -خامسة ثانوي- بالمعهد المجاور لمحطة طنطا للسكة الحديد.
-تفقه على مذهب الإمام الشافعي.
-شيوخه في تلك المرحلة: الشيخ عبد الغني محمود/ والشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ الأزهر فيما بعد/ والشيخ عبد المجيد الشاذلي/ والشيخ محمود الديناري/ والشيخ إبراهيم حمروش شيخ الأزهر فيما بعد.
-حصل الشيخ على الشهادة العالية -الليسانس- سنة 1940.
-دخل تخصص المادة في قسم النحو والصرف، وظل به أكثر من سبع سنوات، نجح في الامتحان التمهيدي المؤهل لرسالة العالمية -الدكتوراة- سنة 1945م.
-حصل على العالمية سنة 1947م، والرسالة كانت بعنوان"حروف الزيادة وأثرها في اللغة العربية"، وكانت لجنة المناقشة مكونة من: الشيخ حامد محيسن عميد الكلية/ والشيخ النحوي محي الدين عبد الحميد وكيل الكلية/ والشيخ محمد على النجار/ والشيخ عبد الفتاح بدوي/ والأستاذ أحمد يوسف نجاتي.
-عين مدرسا بمعهد قنا بالصعيد في آخر تلك السنة.
-ثم مدرسا بمعهد الزقازيق، ثم معهد المنصورة، حتى سنة 1950م ثم بعث إلى السودان من سنة 53 إلى 56 مدرسا بكلية اللغة العربية.
-ثم إلى الرياض سنة 1961م -1962م ثم رجع لما ساءت الامور بين عبد الناصر والملك سعود.
-حصل على درجة أستاذ مساعد سنة 1966م وبعث في نفس السنة إلى ليبيا أيام الملك السنوسي، إلى سنة 1969م.
-ثم أعير مرة أخرى إلى الرياض سنة 1971م بقي بها ثلاث سنوات.
-حصل على درجة الأستاذية سنة 1972م وعين رئيسا لقسم اللغويات للجنة العلمية الدائمة إلى سنة 1977م
-عين عميدا لكلية اللغة العربية بالزقازيق في أغسطس سنة 1977م إلى 1979م .
-ثم رشح في السنة نفسها لكلية اللغة بالجامعة الإسلامية بالمدينة، ومكث بها ست سنوات حتى 1985م.
-ثم عين أستاذا متفرغا بكلية اللغة بالأزهر من سنة 1985م إلى أن لقي الله تعالى.
-أشرف على أكثر من مائتي رسالة -ماجستير ودكتوراه- في عدة كليات.
مصنفاته:
-نفثة شاعر/ مطبوع/ قصائد كتب بعضها وهو دون العشرين من عمره/ وهي عشرون قصيدة قيلت في مناسبات كالحج والزواج وعودة المراغي لمشيخة الأزهر.
-زهرة الأدب في تخميس برة مديح خير العرب/مطبوع/ كتبها وهو في السنة الرابعة الثانوية بين الحقول، وهي تخميس على نظام التشطير، فالشطر الأول والخامس هو بيت البردة وما بينهما لصاحب الترجمة.
يقول في أولها:
(أمن تذكر بذي سلم) // عشقتَ طه رسول الله من قدم
وذبتَ شوقا لخير الناس كلهم// ومذ رأيتَ الألى يسعون للحرم
(مزجت دمعا جرى من مقلة بدم)
(أم هبّت الريح من تلقاء كاظمة)// فهام قلبك من ذكر ومن عظة
وصرت في عيشة حسنى وفي سعة// حتى بدا النور ملء العين من مقة
(وأومض البرق في الظلماء من إضم)
ويقول في آخرها:
(ما رنحت عذبات البان ريح صبا)// واخضر غصن ذوَى للمصطفى طربا
وما جرى الخيل في وسط الوغى وكبا// وما سعى عاشق للمصطفى وصبا
(وأطرب العيس حادي العيس بالنغم).
أنهاها في صفر سنة 1354ه.
ومن الطريف أنه كتب على غلافها خمسة أبيات يقول فيها:
إن كنت تعجب من طريف فالعجب...قول الحسود رأيت يوسف قد كتب
قد كان طول العمر فينا ساكتا... والآن قد أبدى لنا زهر الأدب
شعرا بديعا من سلاسل عقله... قد خصه بميح طه المنتخب
يا سائلي ماذا دعاك لوضعه....هل صرت من أهل المعالي والرتب
فأقول: لست بشاعر أو كاتب... لكنما نور النبي هو السبب.
- مذكرة النصوص القرآنية/ مطبوع/ موضوعات مختارة من البرهان للزركشي / مقررة على لطلبة السنة الثالثة.
من نحو القرآن/ مطبوع/ شواهد نحوية منثورة في كتب النحو، أضاف إليها أخرى من كتاب الله تعالى. كان من بحوث الترقية إلى الأستاذية.
-محاضرات في الصرف.
المرآة الصافية للعروض والقافية/ مطبوع وكان يدرس في الكلية/وكان الشيخ رحمه الله تعالى يعيب كثيرا على الطلبة جهلهم بالعروض.
من شعره في أخريات عمره: نظم أربعة عشر بيتا يعارض فيها قول زهير:
سئمت تكاليف الحياة// ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
يقول في أولها:
وعشنا ثمانيناً وثنتين بعدها... فلم نبتئس ولم نتهرم
وعشنا كراما لا نذل لفاسق... ونرضى بأمر الله لم نتبرم
حفظنا كتاب الله أول عهدنا... ونلنا به خير الحياة بمغنم
والشيخ رحمه الله أدركته وهو في الخامسة والثمانين سنة 1999م تقريبا ممتّع العقل والذهن، يشرح لنا ابن هشام على الألفية لا يفوته شيء من درسه، وكان يقربني لغربتي ويحكي لي عن أيامه مع زملائه، ومن ذلك أنهم كان ستة أصدقاء منهم الأديب المعروف عبد المنعم الخفاجي وكان يومها يدرس في الكلية نفسها -وقد حضرتُ بعض دروسه- يقول الشيخ: مات الأول منا ثم الثاني وهكذا حتى لم يبق إلا أنا والخفاجي، قال: وكنت كلما التقيت بالخفاجي أقرأ عليه قول الحماسي معن بن أوس:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول.
وكانت وفاة الشيخ أولا سنة 2004م، وقد بلغ التسعين رحمه الله تعالى، ثم وفاة العلامة الخفاجي سنة 2006م.
وأسأل الله العلي العظيم الذي وسع كل شيء رحمة وعلما أن يغفر له ولسائر أهل العلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين