تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: وهو العليم أحاط علما بالذي في الكون من سر ومن إعلان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي وهو العليم أحاط علما بالذي في الكون من سر ومن إعلان

    قال السعدي:
    وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء
    وهو ما نظمه ابن القيم رحمه الله في (النونية):
    وهو العليم أحاط علما بالذي

    في الكون من سر ومن إعلان
    وبكل شيء علمه سبحانه

    فهو المحيط وليس ذا نسيان
    وكذاك يعلم ما يكون غداً وما

    قد كان والموجود في ذا الآن
    وكذاك أمر لم يكن لو كان

    كيف يكون ذاك الأمر ذا إمكان

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: وهو العليم أحاط علما بالذي في الكون من سر ومن إعلان

    (وهُوَ العَلِيْمُ الحَكِيْمُ )، ( وهُوَ الحَكِيْمُ الخَبِيْرُ )، ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْها وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيْها )، ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها ولاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبينٍ )، وقوله: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى ولاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ )، وقَوْلُهُ: ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ وأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
    الشرح
    والعِلمُ صفةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، بهَا يدركُ جميعَ المعلوماتِ على ما هيَ بهِ، فلا يخفَى عليهِ منهَا شيءٌ كمَا قدَّمْنا.
    وفيهَا إثباتُ اسمِهِ الحكيمِ، وهوَ مأخوذٌ مِن الحكمةِ، ومعناهُ: الذي لا يقولُ ولا يفعلُ إلاَّ الصَّوابَ، فلا يقعُ منهُ عبثٌ ولا باطلٌ، بلْ كلُّ ما يخلقُهُ أو يأمُرُ بهِ فهوَ تابعٌ لحكمتِهِ.
    وقيلَ: هوَ مِن فَعِيلٍ بمعنى مُفْعِلٍ، ومعناهُ: المُحْكِمُ للأشياءِ، مِن الإِحكامِ: وهوَ الإِتقانُ، فلا يقعُ في خَلْقِهِ تفاوتٌ ولا فُطورٌ، ولا يقعُ في تدبيرِهِ خللٌ أو اضطرابٌ.
    وفيهَا كذلكَ إثباتُ اسمِهِ الخبيرِ، وهوَ مِن الخِبرةِ؛ بمعنى كمَالِ العلمِ، ووثوقِهِ، والإِحاطةِ بالأشياءِ على وجهِ التَّفصيلِ، ووصولِ علمِهِ إلى ما خفِيَ ودقَّ من الحِسِّيَّاتِ والمعنويَّاتِ.
    وقَدْ ذكرَ سبحانَهُ في هذهِ الآياتِ بعضَ ما يتعلَّقُ بهِ علمُهُ؛ للدَّلاَلةِ على شمولِهِ وإحاطتِهِ بما لا تبلغُهُ علومُ خلقِهِ:
    فذكرَ أَنَّهُ: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ }؛ أي: يدخلُ { في الأَرْضِ } مِن حبٍّ وبذرٍ ومياهٍ وحشراتٍ ومعادنَ، { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } مِن زرعٍ وأشجارٍ وعيونٍ جاريةٍ ومعادنَ نافعةٍ كذلكَ، { وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ } مِن ثلجٍ وأمطارٍ وصواعقَ وملائكةٍ، { وَمَا يَعْرُجُ }؛ أي: يصعدُ { فِيهَا } كذلكَ مِن ملائكةٍ وأعمالٍ وطيرٍ صوافَّ … إلى غيرِ ذلكَ مَّما يعلمُهُ جلَّ شأنُهُ.
    وذكرَ فيهَا أيضًا أنَّ { عندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ }، ومفاتحُ الغيبِ؛ قيلَ: خزائنُهُ. وقيلَ: طُرُقُهُ وأسبابُهُ التَّي يُتوصَّلُ بهَا إليهِ، جمعُ مِفتحٍ؛ بكسرِ الميمِ، أو مِفتاحٍ؛ بحذفِ ياءِ مفاعيلَ.
    وقَدْ فسَّرَهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ بقولِهِ:
    ((مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمهُنَّ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ تَلاَ قَوْلَهُ تَعَالى:] إِنَّ اللهَ عندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما في الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْري نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبيرٌ [.
    وقَدْ دلَّتْ الآيتانِ الأخيرتانِ على أَنَّهُ سبحانَهُ عالمٌ بعلمٍ هوَ صفةٌ لهُ، قائمٌ بذاتِهِ؛ خلافًا للمعتزلةِ الَّذينَ نفَوا صفاتَهُ، فمِنْهُمْ مَنْ قالَ: إنَّهُ عالمٌ بذاتِهِ، وقادرٌ بذاتِهِ … إلخ، ومِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ أسماءَهُ بمعانٍ سَلبِيَّةٍ، فقالَ: عليمٌ؛ معناهُ: لا يجهلُ. وقادرٌ؛ معناهُ: لا يعجزُ … إلخ.
    وهذهِ الآياتُ حُجَّةٌ عليهِمْ، فقَدْ أخبرَ فيهَا سبحانَهُ عن إحاطةِ علمِهِ بِحَمْلِ كلِّ أُنثى ووضعِهَا مِن حيثُ المعنى والكيفُ؛ كمَا أخبرَ عن عمومِ قدْرتِهِ، وتعلُّقِهَا بكلِّ مُمْكِنٍ، وعن إحاطةِ علمِهِ بجميعِ الأشياءِ.
    وما أحسنَ ما قالَهُ ُالإمَامُ عبدُ العزيزِ المكيُّ في كتابِهِ (الحيدةِ) لبشرٍ المَرِيْسِيِّ المعتزليِّ وهوَ يناظرُهُ في مسألَةِ العلمِ:
    (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لمْ يمدحْ في كتابِهِ مَلَكًا [ مقرَّبًا ] ولا نبيًّا مرسلاً ولا مؤمنَا تقيًّا بنفيِ الجهلِ عنهُ؛ ليدُلَّ على إثباتِ العلمِ لهُ، وإنَّمَا مَدَحَهُمْ بإثباتِ العِلْمِ لهمْ، فنفَى بذلكَ الجهلَ عِنهُمْ …
    [ إلى أنْ قالَ: ] ((فَمَنْ أثبتَ العلمَ نَفَى الجَهْلَ، ومَنْ نَفَى الجَهْلَ لمْ يثُبْتِ العِلْمَ)).
    والدَّليلُ العقليُّ على علمِهِ تعالى أَنَّهُ يستحيلُ إيجادُهُ الأشياءَ مَعَ الجهلِ؛ لأنَّ إيجادَهُ الأشياءَ بإرادتِهِ، والإِرادةُ تستلزمُ العلمَ بالمُرادِ، ولهذا قالَ سبحانَهُ: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ }.
    ولأنَّ المخلوقاتِ فيهَا منِ الإِحكامِ والإِتقانِ وعجيبِ الصَّنعةِ ودقيقِ الخِلْقَةِ ما يشهدُ بعلمِ الفاعلِ لهَا؛ لامتناعِ صدورِ ذلكَ عن غيرِ علمٍ.
    ولأنَّ مِن المخلوقاتِ مَنْ هوَ عالِمٌ، والعلمُ صفةُ كمَالٍ، فلو لمْ يكُنِ اللهُ عالمًا؛ لكانَ في المخلوقاتِ مَنْ هوَ أكملُ منهُ.
    وكلُّ علمٍ في المخلوقِ إنَّمَا استفادَهُ مِن خالقِهِ، وواهبُ الكمَالِ أحقُّ بهِ، وفاقدُ الشَّيءِ لا يعطيِهِ.
    وأنكرَتِ الفلاسفةُ علمَهُ تعالى بالجُزئِيَّاتِ، وقالَوا: إنَّهُ يعلمُ الأشياءَ على وجهٍ كُلِّيٍّ ثابتٍ. وحقيقةُ قَولِهمُ َاَنَّهُ لا يعلمُ شيئًا؛ فإنَّ كلَّ ما في الخارجِ هوَ جُزئِيٌّ.
    كمَا أنْكرَ الغُلاةُ مِن القدَرِيَّةِ علمَهُ تعالى بأفعالِ العبادِ حتَّى يعملُوهَا؛ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أنَّ علمَهُ بهَا يُفْضِي إلى الجَبرِ، وقَولُهمْ مَعْلُومُ البطلانِ بالضَّرورةِِ في جميعِ الأديانِ.

    شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: وهو العليم أحاط علما بالذي في الكون من سر ومن إعلان

    قال الشيخ صالح الفوزان
    وقولُه:
    (وَهُوَ الحَكِيمُ) له معنيان، أحدُهما: أنَّه الحاكِمُ بين خلْقهِ بأمرِه الكَونيِّ وأمرِه الشَّرعيِّ في الدُّنيا والآخرةِ ـ والثاني: أنَّه المحْكِمُ المتْقِنُ للأشياءِ، مأخوذٌ مِن الحِكْمَةِ، وهي وضعُ الأشياءِ في مواضعِهَا ـ فهو سبحانَه الحاكمُ بين عبادِه، الذي له الحكمةُ في خلْقِه وأمرِه، لم يَخْلقْ شيئا عَبثًا، ولم يُشرِّعْ إلاَّ ما هو عينُ المصلحةِ (الْخَبِيرُ) مِن الخبرةِ، وهي: الإحاطةُ ببواطنِ الأشياءِ وظواهرِهَا ـ يقالُ: خَبَرْتُ الشيْءَ إذا عرَفْتُه عَلى حقيقتِه. فهو سبحانَه الخبيرُ: أي الذي أحاط ببواطنِ الأشياءِ وخفاياها، كما أحاط بظواهرِهَا.

    والشَّاهدُ مِن الآيةِ: أنَّ فيها إثباتَ اسميْن مِن أسمائِه سبحانَه: (الْحَكِيمُ، الْخَبِيرُ) وهما يتضمَّنان صِفَتيْن مِن صفاتِه، وهما: الحكمةُ والخبرةُ.

    (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فيِ الأَرْضِ) أي: ما يدخُلُ فيها مِن القَطْرِ والبُذُورِ والكُنوزِ والموتى وغيرِ ذلك (وَمَا يَخْرُجُ مِنْهاَ) أي مِن الأرضِ مِن النَّباتِ والمعادنِ وغيرِ ذلك (وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ) أي مِن المطرِ والملائكةِ وغيِر ذلك (وَمَا يَعْرُجُ فِيها) أي يصعدُ في السَّماءِ مِن ملائكةٍ وأعمالٍ وغيرِ ذلك.
    والشَّاهدُ مِن الآيةِ الكريمةِ: أنَّ فيها إثباتَ علمِ اللهِ سبحانَه المحيطِ بكُلِّ شيءٍ، وقولُه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) أي عند اللهِ وحدَه خزائنُ الغيبِ. أو ما يتوصَّلُ به إلى علمِه (لاَ يعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) فمَن ادَّعى علمَ شيءٍ منها، فقد كفَر، وقد ورد تفسيرُ مفاتحِ الغيبِ في الحديثِ الذي رواه ابنُ عمرَ، كما في الصَّحيحيْن عنه أنَّ النبيَّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، قال: ((مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إلاَّ اللهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذه الآيةَ: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فيِ الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بَأيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)
    (وَيَعْلَمُ مَا فيِ الْبَرِّ) أي: اليابسَ المعمورَ والقِفَارَ مِن السُّكَّانِ والنَّباتِ والدَّوابِّ وغيرِ ذلك (وَالْبَحْرِ) أي: يعلمُ ما فيه مِن الحيواناتِ والجواهرِ ونحوِ ذلك.(وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) أي مِن أشجارِ البرِّ والبحرِ وغيرِ ذلك (إِلاَّ يَعْلَمُهَا) أي يعلمُها ويعلمُ زمانَ سُقوطِهَا ومكانَه (وَلاَ حَبَّةٍ فَي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ) أي ولا تكونُ حَبَّةٌ في الأمكنةِ المظلمةِ أو في بطْنِ الأرضِ (وَلاَ رَطْبٍ ولاَ يَابِسٍ) مِن جميعِ الموجوداتِ، عمومٌ بعد خصوصٍ (إلاَّ في كِتَابٍ مُبِينٍ) أي لا يحصُلُ شيءٌ مِن ذلك إلاَّ وهو مكتوبٌ في اللَّوْحِ المحفوظِ.
    وجهُ الشَّاهدِ مِن الآيةِ: أنَّ فيها إثباتَ أنَّه لا يعلمُ الغيبَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ علمَه محيطٌ بكُلِّ شيْءٍ. وفيها إثباتُ القَدَرِ والكتابةِ في اللَّوْحِ المحفوظِ.

    (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى ولاَ تَضَعُ إلاَّ بِعِلْمِهِ) أي لا يكونُ حَمْلٌ ولا وَضْعٌ، إلاَّ واللهُ عالمٌ به، فلا يخرجُ شيْءٌ عَن علمِه وتدبيرِه. فيعلمُ سبحانَه في أيِّ يومٍ تحمِلُ الأنثى، وفي أيِّ يوم تضعُ، ونوعَ الحملِ هل هو ذَكَرٌ أو أُنْثى.
    (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اللامُ متعلِّقةٌ بقولِه تعالى: (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) أي فَعَل ذلك لتعلموا كمالَ قدرَتِه (وَأنَّ اللهَ قْد أَحَاطَ بِكُلّ شَيءٍ عِلْماً) أي ولتعلموا إحاطةَ علمِه بالأشياءِ، فلا يخرجُ عَن علمِه شيءٌ منها كائنا ما كان و(عِلْماً) منصوبٌ عَلى التَّمييز أو عَلى المصدريَّةِ؛ لأنَّ أحاطَ بمعنَى: عَلِم.
    الشَّاهدُ مِن الآيتيْن: أنَّ فيهما إثباتَ علمِ الله المحيطِ بكُلِّ شيءٍ وإثباتَ قدرتِه عَلى كُلِّ شيْءٍ.
    وقولُه تعالى: (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) أي: لا رازقَ غيرُه، الذي يرزقُ مخلوقاتهِ، ويقومُ بما يصلحُهُم، فهوكثيرُ الرِّزقِ واسعُه، فلا تعبدوا غيرَه (ذو الْقُوَّةِ) أي: صاحبُ القوَّةِ التَّامَّةِ الذي لا يعتريه ضَعفٌ (المَتِينُ) أي البالغُ في القوَّةِ والقدرةِ نهايَتهُمَا، فلاَ يلْحقُه في أفعالهِ مَشقَّةٌ ولا كُلْفةٌ ولا تَعَبٌ. والمتانةُ معناها الشِّدَّةُ والقوَّةُ.
    الشَّاهدُ مِن الآيةِ الكريمةِ: أنَّ فيها إثباتَ اسمِه الرزّاقِ ووصفَه بالقوَّةِ التَّامَّةِ التي لا يعتريها ضَعفٌ ولا تَعَبٌ سبحانَه وتعالى، وفيها الاستدلالُ عَلى وجُوبِ عبادتِه وحدَه لا شريكَ له.
    شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: وهو العليم أحاط علما بالذي في الكون من سر ومن إعلان

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

    (وَهُوَ الْعَلِيمُ): سَبَقَ تعريفُ العلمِ، وسَبَقَ أنَّ العلمَ صفةُ كمالٍ، وسَبَقَ أنَّ علمَ اللَّهِ محيطٌ بكُلِّ شيءٍ.
    أمَّا (الْحَكِيمُ): هذِهِ المادةُ (ح ك م): تدلُّ عَلَى حُكمٍ وإحكامٍ، فعَلَى الأوَّلِ: يكونُ الحكيمُ بمعنى الحاكِمِ، وعَلَى الثَّاني: يكونُ الحكيمُ بمعنى المُحْكِمُ، إذاً: يدلُّ هَذَا الاسمُ الكريمُ عَلَى أنَّ الحُكمَ لِلَّهِ، ويدلُّ عَلَى أنَّ اللَّهَ موصوفٌ بالحكمةِ؛ لأنَّ الإحكامَ هُوَ الإتقانُ، والإتقانُ وضعُ الشَّيءِ فِي موضِعِهِ. ففِي الآيةِ إثباتُ حكمٍ وإثباتُ حكمةٍ،
    فاللَّهُ - عزَّ وجلَّ - وحدَهُ هُوَ الحاكِمُ، وحكمُ اللَّهِ إمَّا كونيٌّ وإمَّا شَرْعِيٌّ:
    فحكمُ اللَّهِ الشَّرْعِيُّ مَا جاءتْ بِهِ رُسُلُهُ ونزلتْ بِهِ كتُبُهُ مِنْ شرائعِ الدِّينِ.
    وحكمُ اللَّهِ الكونيُّ: مَا قضاهُ عَلَى عبادِهِ مِنَ الخَلْقِ والرِّزْقِ، والحياةِ والموتِ، ونَحْوَ ذلِكَ مِنْ معاني ربوبيَّتِهِ ومقتضياتِها.
    دليلُ الحُكمِ الشَّرعيِّ: قولُهُ - تَعَالَى - فِي سورةِ الممتحنةِ: (ذلِكَمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) .
    ودليلُ الحُكمِ الكونيِّ: قوْلُهُ - تَعَالَى - عنْ أحدِ أخوةِ يوسفَ: (فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِى أَبِى أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)
    وأمَّا قولُهُ - تَعَالَى -: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)، فشاملٌ للكونيِّ والشَّرعيِّ، فاللَّهُ - عزَّ وجلَّ - حكيمٌ بالحُكمِ الكونيِّ وبالحُكمِ الشرعيِّ، وهُوَ - أيضاً - مُحكِمٌ لَهُما، فكلٌّ مِنَ الحكمَيْنِ موافقٌ للحِكمةِ.
    لكنْ مِنَ الحكمةِ مَا نعلمُهُ، ومِنَ الحكمةِ مَا لاَ نعلمُهُ؛ لأنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يقولُ: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).
    ثُمَّ الحكمةُ نوعانِ:
    الأوَّلُ: حكمةٌ فِي كونِ الشَّيءِ عَلَى كيفيَّتِهِ وحالِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْها، كحالِ الصَّلاةِ، فهِيَ عبادةٌ كبيرةٌ تُسْبَقُ بطهارةِ مِنَ الحَدَثِ والخَبَثِ، وتُؤدَّى عَلَى هِيَئةٍ معيَّنةٍ مِنْ قيامٍ وقعودٍ وركوعٍ وسجودٍ، وكالزَّكاةِ، فهِيَ عبادةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - بأداءِ جزءٍ مِنَ المالِ النَّامي غالباً لِمَنْ هُم فِي حاجةٍ إليْهَا، أوْ فِي المُسلِمينَ حاجةٌ إِلَيْهِا كبعضِ المؤلَّفةِ قلوبُهمْ.
    والنَّوعُ الثَّاني: حكمةٌ فِي الغايةِ مِن الحُكمِ، حَيْثُ إنَّ جميعَ أحكامِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُا غاياتٌ حميدةٌ وثَمَراتٌ جليلةٌ.
    فانْظُرْ إِلَى حكمةِ اللَّه فِي حُكمِهِ الكونيِّ، حَيْثُ يصيبُ النَّاسَ بالمصائبِ العظيمةِ لغاياتٍ حميدةٍ، كقولَهُ - تَعَالَى -: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، ففِيهِا ردٌّ لقولِ مَنْ يقولُ: إنَّ أحكامَ اللَّهِ - تَعَالَى - ليستْ لحِكمةٍ، بَلْ هِيَ لمجرَّدِ مشيئتِهِ.
    وفِي هذِهِ الآيةِ مِنْ أسماءِ اللَّهِ: العليمُ، والحكيمُ. ومِنْ صفاتِهِ: العِلمُ والحكمةُ.
    وفِيهَا مِنَ الفوائدِ المَسْلكيَّةِ: أنَّ الإيمانَ بعلمِ اللَّهِ وحكمتِهِ يستلزمُ الطمأنينةَ التَّامةَ لِمَا حكَمَ بِهِ مِنْ أحكامٍ كونيَّةٍ وشرعيَّةٍ، لصدورِ ذلِكَ عَنْ عِلْمٍ وحكمَةٍ، فيزولُ عَنْهُ القَلقُ النَفْسيُّ، وينشرحُ صدرُهُ.

    (الْعَلِيمُ): سَبَقَ الكلامُ فِيهِ.
    (الْخَبِيرُ): هُوَ العليمِ ببواطنِ الأمورِ، فيكونُ هَذَا وَصْفاً أخصَّ بعدَ وَصْفٍ أعمَّ، فنقولُ: العِليمُ بظواهرِ الأمورِ، والخَبِيرُ ببواطنِ الأمورِ، فيكونُ العلمُ بالبَواطنِ مذكوراً مرَّتَيْنِ: مرَّةً بطريقِ العمومِ، ومرَّةً بطريقِ الخصوصِ، لئلاَ يُظَنَّ أنَّ علمَهُ مختصٌ بالظَّواهِرِ.
    وكمَا يكونُ هَذَا فِي المعاني يكونُ فِي الأعيانِ، فمثلاً: (تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) [القدر: 4]: الرُّوحُ جبريلُ، وهُوَ مِنَ الملائكةِ، فنقولُ: الملائكةُ، ومنِهُم جبريلُ، وخُصَّ جبريلُ بالذِّكرِ تشريفاً لَهُ، ويكونُ النَّصُ عَلَيْهِ مرَّتيْنِ: مرَّةً بالعمومِ، ومرَّةً بالخصوصِ.
    وفِي هذِهِ الآيةِ مِنْ أسماءِ اللَّهِ - تَعَالَى -: العليمُ، والخبيرُ. ومن صفاتِهِ: العِلمُ، والخِبرةُ.
    وفِيها من الفوائدِ المَسْلكيَّةِ: أنَّ الإيمانَ بذلِكَ يَزيدُ المرءَ خوفاً مِنَ اللَّهِ وخشيةً، سِرًّا وعَلَناً.
    هذِهِ الآياتُ فِي تفصيلِ صفةِ العلمِ:
    الآيةُ الأولى: قَوْلُهُ: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَا يَنـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)
    هَذَا تفصيلٌ لمَا سَبَقَ من عمومِ عِلْمِهِ - تَعَالَى -.
    (مَا): اسمٌ موصولٌ يفيدُ العمومَ، كُلَّ مَا يَلِجُ فِي الأرضِ، مِثلُ المَطرِ والحَبِّ يُبْذَرُ فِي الأرضِ، والمَوْتى والدُّودِ والنَّملِ وغيرِها. (وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا)، كالماءِ والزُّروعِ… ومَا أَشْبَهَ ذلِكَ، (وَمَا يَنـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ)، مثلُ المَطرِ والوحيِ والملائكةِ وأمرِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، (وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)، كالأعمالِ الصَّالحةِ والملائكةِ والأرواحِ والدُّعاءِ.
    وهُنا قالَ: (وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)، فَعَدَّى الفعلَ ب(في)، وفِي سورةِ المعارجِ قالَ: (تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) فعدَّاهُ ب(إلى)، وَهَذَا هُوَ الأصلُ، فمَا وجهُ كونِهِ عُدِّيَ ب(في) فِي قولِهِ: (يَعْرُجُ فِيهَا)؟
    فالجوابُ: اختلفَ نُحاةُ البَصرةِ والكوفةِ فِي مثلِ هَذَا، فقَالَ نُحاةُ البَصرةِ: إنَّ الفِعلَ يضمَّنُ معنًى يتلاءمُ مَعَ الحرفِ. وقَالَ نحاةُ الكوفةِ: بلْ الحرفُ يُضمَّنُ معنًى يتلاءمُ مَعَ الفِعلِ.
    فعَلَى الرَّأيِ الأوَّلِ: يكونُ قولُهُ: (يَعْرُجُ فِيهَا): مضمَّناً معنى (يَدخلُ)، فيصيرُ المعنى: ومَا يَعرجُ فيَدخلُ فِيهِا، وعَلَيْهِ، يكونُ فِي الآيةِ دلالةٌ عَلَى أمرَيْنِ: عَلَى عروجٍ ودخولٍ.
    أمَا عَلَى الرَّأيِ الثَّاني، فنقولُ: (في) بمعنى (إلى)، ويكونُ هَذَا مِنْ بابِ التَّناوُبِ بينَ الحُروفِ.
    لكنْ عَلَى هَذَا القولِ لاَ تجدُ أنَّ فِي الآيةِ معنىً جديداً، وليسَ فِيهِا إِلاَّ اختلافُ لفظٍ (إلى) إِلَى لفظٍ (في)، وَلِهَذَا كَانَ القولُ الأوَّلُ أصحَّ، وهُوَ أنْ نُضمِّنَ الفعلَ معنىً يتناسبُ مَعَ الحرفِ.
    وَلِهَذَا نظيرٌ فِي اللُّغةِ العربيَّةِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ)، والعَينُ يُشْرَب مِنْها، والَّذِي يُشْرَب بِهِ الإناءُ، فعَلَى رأيِ أهلِ الكوفةِ نقولُ: (يَشْرَبُ بِهَا): الباءُ بمعنى (مِن)، أيْ: مِنْها. وعَلَى رأيِ أهلِ البَصْرةِ يُضَمَّنُ الفعلُ (يَشْرَبُ) معنىً يتلاءمُ مَعَ حرفِ الباءِ، والَّذِي يتلاءمُ مَعَهَا يَرْوى، ومعلومٌ أنَّهُ لاَ رِيَّ إِلاَّ بعدَ شُربٍ، فيكونُ هَذَا الفِعلُ ضُمِّنَ معنَى غايتِهِ، وَهُوَ الرِّيُّ.
    وكذلِكَ نقولُ فِي (وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا): لاَ دُخولَ فِي السَّماءِ إِلاَّ بعدَ العُروجِ إلِيَهْا، فيكونُ الفِعلُ ضُمِّنَ معنَى الغايةِ.
    ففِي الآيةِ ذَكرَ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - عمومَ علمِهِ فِي كُلِّ شيءٍ بنوعٍ مِن التَّفصيلِ، ثُمَّ فصَّلَ فِي آيةٍ أُخْرَى تفصيلاً آخرَ، فَقَالَ:
    الآيةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ، وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا، وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ)
    (عِنْدَهُ)، أيْ: عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ خبرٌ مقدَّمٌ. (مَفَاتِحُ): مبتدأٌ مؤخرٌ.
    ويفيدُ هَذَا التَّركيبُ الحصرَ والاختصاصَ، عِنْدَهُ لاَ عِنْدَ غيرِهِ مفاتحُ الغيبِ، وأكَّدَ هَذَا الحصرَ بقولِهِ: (لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)، ففِي الجملةِ حصرٌ بأنَّ عِلْمَ هذِهِ المفاتحِ عندَ اللَّهِ بطريقتَيْنِ: إحداهُما: بطريقةِ التَّقديمِ والتَّأخيرِ، والثَّانِيَةُ: طريقةُ النَّفيِ والإثباتِ.
    كلمةُ (مَفَاتِحُ)، قِيلَ: إنَّها جَمْعُ مِفْتَحٍ، بكسرِ الميمِ وفتحِ التاءِ، المفتَاحُ، أوْ أنَّها جمعُ مِفتاحٍ، لكنْ حُذِفَتْ مِنْهُا الياءُ، وهُوَ قليلٌ، ونَحْنُ نعرفُ أنَّ المفتاحَ مَا يُفْتَحُ بِهِ البابُ، وقِيلَ: جَمعُ مَفتِحٍ، بفتحِ الميمِ وكَسْرِ التَّاءِ، وهِيَ الخزائنُ، ف(مَفَاتِحُ الْغَيْبِ): خزائنُهُ، وقِيلَ: (مَفَاتِحُ الْغَيْبِ)، أيْ: مبادئُهِ؛ لأنَّ مفتحَ كُلِّ شيءٍ يكونُ فِي أوَّلِهِ، فيكونُ عَلَى هَذَا: (مَفَاتِحُ الْغَيْبِ)، أيْ: مبادئُ الغيبِ، فإنَّ هذِهِ المذكوراتِ مبادئُ لمَا بعدَها.
    (الْغَيْبِ): مصدرُ غابَ يَغيبُ غَيْباً، والمرادُ بالغيبِ: مَا كَانَ غائباً، والغيبُ أمرٌ نسبيٌّ، لكنَّ الغيبَ المطلَقَ عِلمُهُ خاصٌّ باللَّهِ.
    هذِهِ المفاتحُ، سواءٌ قُلْنَا: إنَّ المفاتِحَ: هِيَ، المبادئُ، أوْ: هِيَ الخزائنُ، أو: المفاتيحُ، لاَ يعلمُهَا إِلاَّ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -، فلاَ يعلمُهَا مَلَكٌ، ولاَ يَعلمُهَا رسولٌ، حَتَّى إنَّ أشرفَ الرُّسُلِ المَلَكِيَّ –وَهُوَ جبريلُ- سألَ أشرفَ الرُّسُلِ البَشَرِيَّ –وَهُوَ محمَّدٌ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - قال: أَخبِرْني عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: ((مَا المَسْئُولُ عَنْها بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِل))، والمعنَى: كَمَا أنَّهُ لاَ عِلْمَ لَكَ بِها، فلاَ عِلْمَ لي بِها أيضاً، فمَن ادَّعى عِلمَ السَّاعةِ، فَهُوَ كاذبٌ كافرٌ، ومَن صدَّقَهُ، فَهُوَ - أيضاً - كافِرٌ، لأنَّه مُكذِّبٌ للقرآنِ.
    وهذِهِ المفاتحُ؟ فسَّرَها أعلمُ الخَلْقِ بكلامِ اللَّهِ محمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ قرأَ: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ)،
    فهِيَ خمسةُ أمورٍ:

    الأوَّلُ: عِلمُ السَّاعةِ: فعِلمُ السَّاعةِ مَبدأُ مفتاحٍ لحياةِ الآخرةِ، وسُمِّيت السَّاعةُ بِهَذَا لأنَّها ساعةٌ عظيمةٌ، يهدَّدُ بِها جميعُ الناسِ، وهِيَ الحاقَّةُ والواقِعةُ، والسَّاعةُ علمُها عندَ اللَّهِ، لاَ يدرِي أحدٌ مَتَى تَقومُ إِلاَّ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -.
    الثَّاني: تنـزيلُ الغيثِ: لقولِهِ: (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ): (الْغَيْثَ): مصدرٌ، ومعناهُ: إزالةُ الشِّدَّةِ، والمرادُ بِهِ المطرُ؛ لأنَّهُ بالمَطرِ تزولُ شدَّةُ القحطِ والجدبِ، وإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي يُنـزِّلُ الغيثَ، كَانَ هُوَ الَّذِي يعلَمُ وَقْتَ نزولِهِ.
    والمَطرُ نزولُهُ مفتاحٌ لحياةِ الأرضِ بالنَّباتِ، وبحياةِ النَّباتِ يكونُ الخيرُ فِي المَرْعَى وجميعِ مَا يتعلَّقُ بمصالحِ العبادِ.
    وهُنَا نقطةٌ: قالَ: (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ)، ولَمْ يقلْ: وينـزِّلُ المَطَرَ؛ لأنَّ المَطَرَ أحياناً يَنـزِلُ ولاَ يكونُ فِيهِ نباتٌ، فلاَ يكونُ غَيْثاً، ولاَ تحيا بِهِ الأرضُ، وَلِهَذَا ثبتَ فِي ((صحيحِ مسلمٍ)): ((لَيْسَتْ السَّنَةُ أَلاَّ تُمْطَرُوا، إِنَّمَا السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَلاَ تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئاً))، والسَّنَةُ: القَحْطُ.
    الثَّالثُ: عِلمُ مَا فِي الأرحامِ: لقولِهِ: (وَيَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ)، أيْ: أرحامِ الإناثِ، فَهُوَ - عزَّ وجلَّ - يَعلمُ مَا فِي الأرحامِ، أيْ: مَا فِي بُطونِ الأمَّهاتِ مِنْ بني آدمَ وغَيْرِهم، ومتعلَّقُ العِلَمِ عامٌّ، بكُلِّ شيءٍ، فلاَ يَعلمُ مَا فِي الأرحامِ إِلاَّ مَنْ خَلَقَها - عزَّ وجلَّ -.
    فإنْ قُلْتَ: يُقالُ الآنَ: إنَّهُم صَارُوا يَعلمونَ الذَّكَرَ مِنَ الأُنْثى فِي الرَّحِمِ، فهَلْ هَذَا صحيحٌ؟
    نقولُ: إنَّ هَذَا الأمرَ وقَعَ، ولاَ يمكنُ إنكارُه، لكنَّهُم لاَ يعلمون ذلِكَ إِلاَّ بعدَ تكوينِ الجَنينِ، وظُهورِ ذُكورتِهِ أوْ أنوثتِهِ، وللجنينِ أحوالٌ أُخْرى لاَ يَعلمونَها، فلاَ يَعلمونَ متى يَنـزِلُ، ولاَ يَعلمونَ إِذَا نَزَلَ إِلَى مَتَى يَبْقَى حيًّا، ولاَ يعلمُونَ هلْ يكونُ شقيًّا أوْ سعيداً، ولاَ يعلمْونَ هَلْ يكونُ غنيًّا أمْ فقيراً… إِلَى غيرِ ذلِكَ من أحوالِهِ المجهولَةِ.
    إذاً أكثرُ متعلَّقاتِ العِلمِ فيمَا يتعلَّقُ بالأجنَّةِ مجهولٌ للخَلقِ، فَصَدقَ العمومِ فِي قولِهِ: (وَيَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ).
    الرَّابعُ: علمُ مَا فِي الغدِ: وَهُوَ مَا بعدَ يومِكَ، لقولِهِ: (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً)، وَهَذَا مفتاحُ الكَسْبِ فِي المستقبلِ، وإِذَا كَانَ الإنسانُ لاَ يَعلمُ مَا يَكسبُ لنَفْسِهِ، فعَدمُ علمِهِ بمَا يكسبُهُ غيرُهُ أَوْلَى.
    لكنْ لو قَالَ قائلٌ: أنا أعلمُ مَا فِي الغدِ، سأَذْهَبُ إِلَى المكانِ الفلانيِّ، أوْ أقرأُ، أوْ أزورُ أقاربِي. فنقولُ: قدْ يَجزمُ بأَنَّهُ سَيَعملُ، ولكنْ يَحولُ بينَهُ وبينَ العملِ مانعٌ.
    الخامسُ: عِلمُ مكانِ الموْتِ: لقولِهِ: (مَا تَدرِي نَفسُ بِأَيِ أَرضٍ تَمُوتُ)، مَا يدري أيُ أحدٍ هَلْ يموتُ فِي أرضِهِ أوْ فِي أرضٍ أُخْرَى؟ فِي أرضٍ إسلاميَّةٍ أوْ أرضٍ كافرٍ أهلُها؟ ولاَ يَدْرِي هَلْ يموتُ فِي البرِّ أوْ فِي البحرِ أوْ فِي الجوِّ؟ وَهَذَا شيءٌ مشاهَدٌ.
    ولاَ يدري بأيِّ ساعةٍ يموتُ؛ لأنَّهُ إِذَا كَانَ لاَ يمكنُهُ أنْ يدريَ بأيِ أرضٍ يموتُ، وهُوَ قدْ يتحكمُ فِي المكانِ، فكذلِكَ لاَ يَدرِي بأيِّ زمنٍ وساعةٍ يموتُ.
    فهذِهِ الخمسةُ هِيَ مفاتحُ الغيبِ الَّتِي لاَ يعلمُهَا إِلاَّ اللَّهُ، وسُمِّيتْ مفاتحَ الغيبِ؛ لأنَّ عِلمَ مَا فِي الأرحامِ مفتاحٌ للحياةِ الدُّنْيَا، (وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَّاذَا تَكسِبُ غَدًا) مفتاحٌ للعملِ المستقبلُ، (وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِ أَرضٍ تَمُوتُ) مفتاحٌ لحياةِ الآخرةِ؛ لأنَّ الإنسانَ إِذَا ماتَ دَخَلَ عالَمَ الآخرةِ، وسَبقَ بيانُ عِلمِ السَّاعةِ وتنـزيلِ الغيثِ، فتبيَّنَ أنَّ هذِهِ المفاتحَ كلَّها مبادئٌ لكُلِّ مَا وراءَها، (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ).
    ثُمَّ قَالَ - عزَّ وجلَّ -: (وَيَعَلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحرِ) [الأنعام: 59]: هَذَا إجمالٌ، فمَنْ يُحصِي أجناسَ مَا فِي البَرِّ؟ كَمْ فِيها مِنْ عالَمِ الحيوانِ والحَشَرَاتِ، والجبالِ والأشجارِ والأَنَّهَارِ، أمورٌ لاَ يَعلمُهَا إِلاَّ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -. والبَحرُ كذلِكَ فِيهِ مِنَ العوالِمِ مَا لاَ يَعلمُهُ إِلاَّ خالِقُهُ - عزَّ وجلَّ -، يقولونَ: إنَّ البحرَ يزيدُ عَلَى البَرِّ ثلاثةَ أضعافٍ مِن الأجناسِ؛ لأنَّ البحرَ أكثرُ مِن اليابسِ.
    قالَ: (وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعلُمُهَا) [الأنعام: 59]: هَذَا تفصيلٌ، فأيُّ ورقةٍ فِي أيِّ شجرةٍ صغيرةٍ أوْ كبيرةٍ قريبةٍ أوْ بعيدةٍ تسقطُ فاللَّهُ - تَعَالَى - يَعلمُها، وَلِهَذَا جاءتْ (ما) النَّافيةُ و(مِن) الزَّائدةُ، ليكونَ ذلِكَ نصًّا فِي العُمومِ. والوَرَقةُ الَّتِي تُخلَقُ يعلمُهَا مِنْ بابٍ أولى؛ لأنَّ عالِمَ مَا يَسقطُ عالمٌ بمَا يَخلقُ - عزَّ وجلَّ -.
    انظرْ إِلَى سِعةِ علمِ اللَّهِ تَعَالَى!، كُلُّ شيءٍ يكونُ، فَهُوَ عالمٌ بِهِ، حَتَّى الَّذِي لَمْ يَحصُلْ وسيحصُلُ فَهُوَ - تَعَالَى - عالِمٌ بِهِ.
    قالَ: (وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ) [الأنعام: 59]: حبةٌ صغيرةٌ لاَ يُدْرِكُها الطَّرْفُ فِي ظُلُماتِ الأرضِ يَعلمُهَا - عزَّ وجلَّ-.
    (ظُلُمَاتِ): جمعُ ظُلمةٍ، ولنَفْرِضْ أنَّ حَبَّةً صغيرةً غائصةً فِي قاعِ البحرِ، فِي ليلةٍ مظلمةٍ مطيرةٍ، فالظُّلماتُ: أَوَّلاً: طينُ البحرِ، ثانياً: ماءُ البَحرِ، ثالثاً: المَطرُ، رابعًا: السَّحابُ، خامِسًا: اللَّيلُ، فهذِهِ خمسُ ظُلُماتٍ مِنْ ظُلُماتِ الأرْضِ، ومعَ ذلِكَ هذِهِ الحَبَّةُ يَعلمُها اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى - ويُبْصِرُها - عزَّ وجلَّ -.
    قالَ: (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ): هَذَا عامٌّ، فمَا مِنْ شيءٍ إِلاَّ وهُوَ إمَّا رطبٌ وإمَا يابسٌ.
    (إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ): (كِتَابٍ)، بمعنى مكتوبٍ. (مُّبِينٍ)، أيْ: مُظْهرٍ وبَيِّنٍ، لأنِّ (أَبانَ) تُستعملُ متعدِّيًا ولازمًا، فيُقالُ: أبانَ الفجرُ، بمعنى ظَهَرَ الفجرُ، ويقالُ: أبانَ الحقَّ، بمعنى أظهَرَهُ. والمرادُ بالكتابِ هُنا: اللَّوحُ المحفوظُ.
    كُلُّ هذِهِ الأشياءُ معلومةٌ عندَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى -، ومكتوبةٌ عندَهُ فِي اللَّوحِ المحفوظِ؛ لأنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ((لَمَّا خَلَقَ القَلَمَ قَالَ لَهُ: اكتُبْ، قَالَ القَلَمُ: مَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ))، فكتبَ فِي تِلْكَ اللَّحظةِ مَا هُوَ كائنٌ إِلَى يومِ القيامةِ، ثُمَّ جعلَ - سُبْحَانَهُ - فِي أيدِي الملائكةِ كُتُباً تَكتبُ مَا يَعمَلُهُ الإنسانُ؛ لأنَّ الَّذِي فِي اللَّوحِ المحفوظِ قدْ كُتِبَ فِيهِ مَا كَانَ يُريدُ الإنسانُ أنْ يَفعلَ، والكتابةُ الَّتِي تكتُبُها الملائكةُ هِيَ الَّتِي يُجْزَى عَلَيْهِا الإنسانُ، وَلِهَذَا يقولُ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -: (وَلَنَبلُوَنَّك ُم حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُم وَالصَّابِرِينَ ) [محمد: 31]، أمَّا عِلمُهُ بأنَّ عبدَهُ فلانًا سيصبِرُ أوْ لاَ يَصبِرُ فهَذَا سابِقٌ مِنْ قبلُ، لكنْ لاَ يَترتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوابُ والعِقابُ.
    الآيةُ الثَّالِثةُ: قَوْلُهُ: (وَمَا تَحمِلُ مِن أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلمِهِ) [فاطر: 11])).
    (مَا): نافيةٌ.
    (أُنثَى): فاعِلُ (تَحمِلُ)، لكنَّهُ مُعرَبٌ بضمَّةٍ مقدَّرةٍ عَلَى آخرِهِ مَنَعَ مِنْ ظُهورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزَّائدةِ.
    وهُنَا إشكالٌ: كَيْفَ تقولُ زائدٌ، وليسَ فِي القرآنِ زائدٌ؟
    فالجوابُ: أنَّه زائدٌ مِنْ حَيْثُ الإعرابِ، أمَّا مِنْ حَيْثُ المعنَى، فَهُوَ مفيدٌ، وليسَ فِي القرآنِ شيءٌ زائدٌ لاَ فائدةَ مِنْهُ، وَلِهَذَا نقولُ: هُوَ زائدٌ زائدٌ، بمعنى: أنَّهُ لاَ يُخِلُّ بالإعرابِ إِذَا حُذِفَ، زائدٌ مِنْ حَيْثُ المَعْنَى يزيدُ فِيهِ.
    وقولُهُ: (مِن أُنثَى): يشملُ أيَّ أُنْثَى، سواءٌ آدميَّةٌ أوْ حيوانيَّةٌ أُخْرَى، الَّذِي يحملُ حيواناً واضحٌ أنَّهُ داخلٌ فِي الآيةِ، كبقرةٍ، وبعيرٍ، وشاةٍ … ومَا أشبَهَ ذلِكَ، ويدخلُ فِي ذلِكَ الَّذِي يَحملُ البيضَ، كالطُّيورِ؛ لأنَّ البيضَ فِي جوفِ الطَّائرِ حَمْلٌ.
    (وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلمِهِ)، فابتداءُ الحَملِ بعلمِ اللَّهِ، وانتهاؤهُ وخروجُ الجَنينِ بعلمِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -.
    الآيةُ الرَّابعةُ: قولُهُ: ( لِتَعلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلمَا)
    [الطلاق: 12].
    (لِتَعلَمُوا): اللاَّمُ للتَّعليلِ؛ لأنَّ اللَّهَ قالَ: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كَلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الطلاق: 12]، فَقَدْ خَلَقَ هذِهِ السَّماواتِ السَّبْعَ والأرَضِينَ السَّبْعَ، وأَعْلَمَنَا بذلِكَ، لِنَعْلمَ (أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
    القُدرةُ وَصْفٌ يتمكنُ بِهِ الفاعلُ مِنَ الفعلِ بدونِ عَجْزٍ، فَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، يقْدِرُ عَلَى إيجادِ المعدومِ، وعَلَى إعدامِ الموجودِ، فالسَّماواتُ والأرضُ كانتْ معدومةً، فخَلقَهَا اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - وأَوْجدَهَا عَلَى هَذَا النِّظامِ البديعِ.
    (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَا): كُلُّ شيءٍ، الصَّغيرُ والكبيرُ، والمتعلِّقُ بفعْلِهِ أوْ بفعلِ عبادِهِ، والماضي واللاحقُ والحاضرُ، كُلُّ ذلِكَ قدْ أحاطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ علماً.
    وذكرَ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - العِلمَ والقُدرةَ بعدَ الخلقِ؛ لأنَّ الخلقَ لاَ يتمُّ إِلاَّ بعلمٍ وقُدرةٍ، ودلالةُ الخَلقِ عَلَى العلمِ والقُدرةِ مِنْ بابِ دَلالةِ التَّلازُمِ، وقَدْ سَبَقَ أنَّ دلالاتِ الأسماءِ عَلَى الصِّفاتِ ثلاثةُ أنواعٍ.
    شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: وهو العليم أحاط علما بالذي في الكون من سر ومن إعلان

    يقول الشيخ صالح ال الشيخ
    صفة العلم لله جل وعلا أنها كسائر الصفات لله تبارك وتعالى وهي أنها صفة مستقلة ذاتية قائمة بالذات لكن ليست هي عين الذات فـ (الْعَلِيمُ) من أسماء الله جل وعلا هو ذو العلم الواسع وليس معناه أنه (الْعَلِيمُ) بذاته وإنما هو (عليم) بالعلم .
    يعبر المعتزلة عن ذلك بقولهم عليم بلا علم .
    معنى قولهم (عليم بلا علم) يعني عليم بلا صفة زائدة عن ذاته هي العلم ، وهكذا يقولون في سائر الصفات سميع بلا سمع ، يعني بلا صفة زائدة هي السمع بصير بلا بصر وحفيظ بلا حفظ ، وهكذا ، يعني أن الأسماء إما أن يفسروها بمخلوقات منفصلة وإما أن يفسروها بالذات .

    ومما ينبه عليه هنا أن أهل السنة يقولون (يعلم بعلم) وأما ما وقع في بعض الكتب من الكتب المنسوبة لأهل السنة ككتاب (الحيدة) مثل ا من أنه جل وعلا (يعلم بلا علم) هذا غلط ، أو قولهم (إننا لا نطلق هذه العبارة بعلم أو بغير علم لعدم ورودها) كذلك هذا غلط .
    والذي جاء في (الحيدة) هو كذلك في غيرها (أننا نقول يعلم ولا نقول بعلم ولا بغير علم)
    وهذا باطل لأن كونه جل وعلا يعلم معنى ذلك أن علمه متجدد بتجدد زمن الفعل ، لأن الفعل ينحل عن زمن وعن مصدر ، والمصدر مجرد من الزمن ، والزمن لا بد له من تجدد والذات لا يمكن أن تكون كذلك .
    فإذن التجدد راجع إلى حصول هذه الصفة باعتبار متعلقاتها ، وإذا صارت هذه الصفة متجددة باعتبار متعلقاتها يعني باعتبار المعلوم صار ذلك بعلم زائد على الذات ، المقصود من ذلك أن في هذه الآيات رد على طائفة من الضلال في باب الصفات وهم الذين يقولون إن صفات الله جل وعلا هي بالذات وليست زائدة عن الذات . الصفات غير الذات ، نعم ، صفات الله جل وعلا القول فيها كالقول في الذات لكن ذاته جل وعلا هي المتصفة بالصفات .
    فالصفات أمر زائد على الذات ولا يعقل أن توجد ذات ليست بمتصفة بالصفات بل الصفات تكون للذات ، وليس الذات وجودها عينه هو وجود الصفات ، بل ثم صفات وثم ذات .
    نعم الصفات لا يمكن أن تقوم بنفسها بل لا بد لها من ذات تقوم بها ، فإذن صفات الله جل وعلا ومنها (العلم) على ذلك ، وهذه مقدمة تصلح لجميع أنواع الصفات التي ستأتي .
    قال سبحانه وتعالى هنا ?يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا
    وجه الدلالة هنا قوله (يَعْلَمُ) وكما ذكرت لكم ، الفعل المضارع ينحل عن مصدر وعن زمن .
    يعني بالمصدر اللي هو الصفة (يعلم) فيه العلم (العلم زائد زمن) فإذن فيه إثبات الصفة وهذا معنى كون الأفعال فيها إثبات الصفة لأن الفعل هو حدث وزيادة على الحدث وهو الزمن .

    قوله - يَعْلَمُ مَا يَلِجُ - وجه الدلالة أيضا أنه أتى بـ (مَا) وهي اسم موصول تدل على عموم ما كان في حيز صلتها ، يعني يعلم جميع الوالج في الأرض ، والوالج في الأرض متجدد ، متغير ؟
    كذلك يعلم جميع الذي يخرج من الأرض وهذا متغير .
    إذن فالعلم صفة لله جل وعلا ذاتية ، قائمة بذاته لكن المعلومات متجددة ، فإذن صفة العلم لله جل وعلا ثابتة أصلا وآحادها متعلقة بالمعلومات وبتجدد المعلومات .
    هنا قال - وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا -
    كذلك ، وهذه الآية تدل على علم الله جل وعلا -على علم الله جل وعلا بالصغير وبالكبير ، وبالجزئيات وكذلك بالكليات ، وجه الدلالة أنه أتى بـ (مَا) وهي لفظ يدل على عموم الأشياء ، يعني جميع ذلك ومنها أشياء يسيرة جزئية وليست كلها بكلية.
    قال جل وعلا بعدها - وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ - .............
    قوله هنا - وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ - يعني أن هذه يختص الله جل وعلا بها .
    و مَفَاتِحُ الْغَيْبِ -
    هي مجامعه وأصوله ،يعني أن مجامع الغيب وأصوله ، أو كما قال بعض أهل العلم الطرق الموصلة له التي ينكشف بها هي له جل وعلا وحده وليست لأحد من الخلق ولكن قد يطلع الله جل وعلا بعض خلقه على بعض مفردات الغيب لا على مفاتحه ، أما المَفَاتِحُ وهي الأصول والمجامع فهي عنده جل وعلا وحده .
    قال هنا - وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ - وهذه ، قوله - لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ? فيها حصر ، ووجه الحصر أنه أتى بأداة الاستثناء (إِلا) بعد النفي (لا) وأداة الاستثناء إذا أتت بعد النفي بـ (لا) أو بغيرها دلت على (الحصر والقصر) وأيضا قد تدل على (الاختصاص) .
    فهنا فيه حصر وقصر ، يعني علمها محصور فيه جل وعلا ، وهذا كما جاء في آية لقمان ?إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ? الآية ، وقد جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خمسٌ لا يعلمهن إلا الله) وذكر هذه الخمس المذكورة في آية لقمان ، لكن هذه الخمس فيها تفصيل من جهة اختصاص الله جل وعلا بعلمها .

    قال هنا - وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
    عموم ، يدل على ما ذكرت لك في الآية التي قبلها .
    - وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا
    هذا أيضا حصر .
    وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ -

    هنا في آخرها قال - إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ - وهذه دالة على صفة (العلم) أيضا كسابقتها ، يعني كالجملة في أول الآية .
    وجه الدلالة أن (الكتابة) لا تكون إلا بعد (العلم) .
    قال هنا - وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ? ولا يكون فِي كِتَابٍ (إلا قبل أن توجد هذه الأشياء ، ومعنى ذلك أن (علم) الله جل وعلا شامل لما كان وما سيكون وأيضا يشمل لما لم يكن لو كان كيف يكون .
    قوله هنا - إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ - يعني به (اللوح المحفوظ) هو الكتاب المبين ووصفْه بأنه (مُبِينٍ) يقتضي شيئين :
    * الأول أن ما فيه بيّن واضح ليس فيه اشتباه وليس فيه مداخلة بل كل ما فيه بيّن واضح ?فِي كِتَابٍ مُبِينٍ? ، من (أبان) اللازمة ، وذلك أن يكون الشيء بيّنا واضحا في نفسه .
    * كذلك هو (مُبِينٍ) من (أبان) المتعدية ، أبان غيره ، (أبان الشيء) يعني (أوضحه وجلاّه) ، وأيضا في صفة (اللوح المحفوظ) أنه يُبين الأشياء ويظهرها ، لأن كل الأشياء تكون على وفق ما في (اللوح المحفوظ) .
    فإذن ما في هذا الكتاب وهو (اللوح المحفوظ) بيّن في نفسه واضح لأن الله جل وعلا كتبه بـ (علم) وأيضا هو (مُبِينٍ) لغيره موضح لغيره وهذا فيه دلالة واضحة على هذه المسألة وهي علم الله جل جلاله .
    ذكرت لك وجه الدلالة أن :
    - أولا في لفظ الكِتَابٍ ما يفهم منه يفهم منه صفة (العلم) وذلك أن الكتابة لا تكون إلا بعد (العلم) ، يعني المجهول لا يُكتب ، إنما يكتب ما علم ، وهذا فيه إثبات صفة (العلم) .
    - ثانيا كلمة (مُبِينٍ) هذه أيضا فيها صفة (العلم) يعني مضمنة صفة (العلم) لأن هذا الكِتَابٍ بيّن في نفسه واضح ، وهذا معناه يحتاج إلى (علم) - علم مَن كتبه - أيضا (مُبِينٍ) لغيره ، وهذا أيضا يقتضي (علم) من كتبه على التفصيل ، يعني علمه بالتفصيل والدقائق جميعا ، كما قال سبحانه في أول الآية ?وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ? .هذه الآية فيها إثبات صفة (العلم) لله جل وعلا وإحاطة (علم) الله جل وعلا بجميع المخلوقات ، يعني أنه لا يعزب شيء عن (علم) الله جل وعلا بل كل المعلومات معلومة لله جل وعلا ، كل شيء يعلمه الله تبارك وتعالى ، لا يعزب عنه علم أي شيء ، لا يعزب عنه جل وعلا علم أي شيء ، بل كل المعلومات ، كل شيء يعلمه الله سبحانه وتعالى .
    قال هنا ?وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ?
    هذا فيه ذكر صفة (العلم) لله جل وعلا بقوله ?إِلا بِعِلْمِهِ? والكلام عليها كالكلام على ما سبق

    ثم قال ?وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا?
    (قَدْ أَحَاطَ) (الإحاطة) له جل وعلا أحاط هو سبحانه ?بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا? و (عِلْمًا) هنا متعلقة بـ (أَحَاطَ)
    إذن فأَحَاطَ في هذه الآية مخصوصة بالإحاطة بـ(العلم) وهذا بعض معنى (إحاطة) الله جل وعلا بخلقه ، التي هي من معنى اسم الله ، أو من معنى قول الله جل وعلا ?أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ? .
    ?أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ?
    (الإحاطة) هنا أعم من كونها إحاطة علم ، لأن (الإحاطة) تُفَسر - يعني في قوله ?أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ? - تُفسر بأنها :
    إحاطة (علم) و (قدرة) و (سعة) و (شمول) .
    يفسر أهل السنة الـ (مُحِيطٌ) بهذه الأربعة إحاطة (علم) و (قدرة) و (سعة) و (شمول).
    وقوله هنا - قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا? هذا إحاطة بالعلم ، فليس فيها نفي لأنواع الإحاطة الأخرى بل هذا تخصيص للاحاطة العلمية بالذكر جل تعالى وتقدس وتعاظم .
    [شرح الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ ]


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: وهو العليم أحاط علما بالذي في الكون من سر ومن إعلان

    واعلم أن علم الله سبحانه وتعالى يتعلق بكل شيء،
    ولذلك جاء متعلقاً بجميع الأشياء في قوله:
    {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ،
    وقال سبحانه وتعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً}
    ،
    وقال: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} أي: وسع علمه كل شيء،
    فعلم الله سبحانه وتعالى يتعلق -من حيث الزمن- بالماضي والمستقبل والحاضر،
    ومن حيث الأشياء
    - يتعلق بالممكنات والمعدومات والممتنعات، ويتعلق علمه سبحانه وتعالى بفعله وبفعل غيره،
    فعلمه سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء،
    ولبيان هذا ذكر المؤلف رحمه الله قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} ،
    (ما يلج في الأرض)
    أي: ما يدخل فيها، (وما يخرج منها) من النبات وغيره،
    (وما ينزل من السماء) أي: من الملائكة والمطر والوحي وغير ذلك،
    (وما يعرج فيها)
    أي: ما يصعد إليها من الملائكة، ومن أعمال العباد وغير ذلك مما لا نعلمه، ولبيان تفصيل علم الله عز وجل وأنه أحاط بالكليات والجزئيات
    قال المؤلف رحمه الله في الاستدلال في هذا:
    [وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} ، و (مفاتح): جمع مفتح، وهو آلة فتح المغلق كالمفتاح، ولكن (المفتح) أفصح كما قال بعضهم، والغيب كل ما خفي على الإنسان ولم يدركه، سواء أكان غيباً كلياً أم غيباً جزئياً، فالغيب الكلي يكون في المستقبلات كعلم الساعة، والغيب الجزئي النسبي هو ما يعلمه غيرك ويخفى عليك، ومفاتح الغيب هي التي ذكرها الله عز وجل في قوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، وهكذا بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيح حيث قال: (مفاتح الغيب خمسة) ، وبينها بهذه الآية.
    قال تعالى: {لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}
    ، فبعد أن بين أن مفاتح الغيب عنده نفى علمها عن غيره، فقال: {لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} ، وبين شمول علمه فقال: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا} ، وهذا لبيان إحاطة علمه لما في الجو؛ لأنه ذكر البر والبحر، ثم ذكر الجو في قوله: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} ؛ لأن الأوراق الغالب فيها أن تكون في الجو.
    قال تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ} وهذا ليبين أن علمه يشمل ما خفي واندثر في باطن الأرض، قال تعالى: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} ، وهذا يعم كل شيء، والمخلوق لا يخلو أن يكون رطباً أو يابساً من العاقلات ومن غير العاقلات، قال تعالى: {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ، فهو يعلم كل ذلك، وكل ذلك في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ، وهذا يدل على سعة علم الله سبحانه وتعالى، وأنه محيط بكل شيء، فما من حركة ولا سكون في هذا الكون إلا بعلمه، فحركة الأشجار والأسماك في قاع المحيطات لا تكون إلا بعلمه جل وعلا، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة، قال سبحانه وتعالى في بيان اتصافه بهذه الصفة: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} فقوله تعالى: ((وما تحمل من أنثى)) يصدق على كل أنثى من البشر وغيرهم، (وَلا تَضَعُ) يعني: ولا تضع ما في بطنها (إِلاَّ بِعِلْمِهِ) يعني: إلا وذلك بعلم منه سبحانه وتعالى، فالباء هنا للمصاحبة والملابسة، أي أن ذلك حاصل بعلم منه سبحانه وتعالى.
    قال رحمه الله تعالى: [وقوله: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}
    هذا أيضاً فيه إثبات سعة علمه سبحانه وتعالى، وأن علمه محيط بكل شيء.
    [شرح الواسطية - للشيخ خالد المصلح]
    https://majles.alukah.net/t172597/

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •