قواعد فقهية متفرقة


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد:
القواعد الفقهية: هي حكم أغلبي ينطبق على معظم الجزئيات.
تعريف آخر: هو جملة من العلم في الفقه يندرج تحتها مسائل كثيرة.
فوائدها:
1- اختصار المسائل الكثيرة في جملة واحدة:
فلو أن المتفقة أو طالب العلم أو المفتي أراد أن يتتبع جميع الجزئيات لكل مسألة أو لكل قاعدة قبل أن يرجع إلى القواعد فإنه لن يستطيع أن يحيط بكل المسائل, فإذا عرف قاعدة واحدة مثل قاعدة " لا واجب مع العجز" فسيعرف ما ينطبق تحتها من الفرعيات أو التي يسميها علماء القواعد الفقهية الفروع وتبعا لهذا الاختصار يأتي اختصار الوقت الذي قد كثرت إضاعته عند بعض طلبة العلم والدعاة.
2- ضبط المسائل الفقهية الكثيرة في باب واحد أو في أبواب متفرقة:
فلو أن طالب العلم أو الداعية أو المفتي أراد أن يتتبع كل مسألة فرعية ما استطاع إلا أن يضبطها في باب واحد، ففيه اختصار للمسائل، واختصار للوقت، وضبط للمسائل، لأن طالب العلم قد ينسى التفاصيل الشرعية في مثلا مسألة التخفيفات في الشريعة فيتذكر قاعدة المشقة تجلب التيسير وأن من خلال هذه القاعدة تخفيف الشريعة بالنقص أو الانتقال إلى بدل مثل من لم يستطع أن يصوم فإنه ينتقل إلى ما بعده, أو من لم يستطع على جزئية من الكفارات ينتقل إلى ما بعدها إلى آخره مما هو معلوم.
3- حتى يقيس الفقيه كل مسألة جديدة من المسائل الجديدة على المسائل السابقة و يدخلها في القاعدة:
فمثلا إذا عرف المفتي أو طالب العلم أن الأصل في الحيوانات الحل إلا ما ورد الشرع بتحريمه وهي قاعدة معروفة، فلو نشأ عندنا حيوان لا يعرف هل هو حرام أم حلال فالأصل الحل.
**نشأ هذا العلم سنة 200 للهجرة وهي مستمدة من القرآن, والسنة, والإجماع, وربما من قواعد مهذبة أو مختصرة من عموم الشريعة، وقد يلتبس بالقواعد الفقهية علم مقاصد الشريعة:
مثال/ من مقاصد الشريعة الاجتماع والائتلاف، يقول الشاطبي في الاعتصام والموافقات: " كل مسألة سببت الفرقة والبغض والتناحر بين المسلمين فليست من مسائل الإسلام في شيء". وهذه تنزل على كل مسألة من المسائل إن سببت تراشق بالعبارات, أو النبز بالألقاب, أو الذم أو السخرية, أو الاشتباك بالأيدي أو التقاتل، فاعلم أن هذه المسألة ليست من مسائل الإسلام في شيء.
من أمثلة القواعد المستمدة من القرآن:
قاعدة "أحل الله البيع وحرم الربا" وهذه قاعدة نص عليها بعض العلماء وهي أن كل بيع فهو حلال وكل ربا فهو حرام.
من أمثلة القواعد المستمدة من السنة:
1- قوله - صلى الله عليه وسلم -: " الخراج بالضمان" رواه الخمسة وفيه اختلاف لكن تلقاه العلماء بالقبول كما ذكر الطحاوي عن هذا الحديث وله شواهد يرتقي بها إلى الحسن.
2- قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لاضرر ولا ضرار" يعني لا يجوز أن توقع الضرر ابتداء ولا أن تقابل الضرر الواقع عليك بالإضرار بالناس. وهذا الحديث رواه أحمد وابن ماجة (للتوسع فيه انظر كلام الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية).
** القواعد الفقهية كثيرة جدا تصل إلى المئات, ولكن اختلف العلماء في أصول هذه القواعد إلى كم قاعدة ترجع؟ وأرجع العلماء هذه القواعد جميعا المنثورة في الشريعة إلى خمس قواعد تسمى القواعد الكلية الكبرى المتفق عليها بين أصحاب المذاهب, وقد يحكي بعض العلماء الإجماع على الاتفاق عليها. وتسمى القواعد الكبرى التي يرجع كل الفقه إليها كما أن مدار الأحاديث النبوية على أربعة أحاديث أو ثلاثة عليها مدار الإسلام كما هو معلوم أيضا عند من يدرس أو يبتدئ بدراسة الأربعين النووية, ويعرف كلام العلماء في حديث إنما الأعمال بالنيات وأنه ثلث الإسلام ثم أحاديث بعده معلومه في بابها.
والقواعد الكلية الكبرى هي:
1- الأمور بمقاصدها.
2- اليقين لا يزول بالشك.
3- العادة محكمة: يعني يرجع إلى العرف عندما ينعدم النص.
4- المشقة تجلب التيسير.
5- لاضرر ولاضرار.

والقواعد الفرعية التي تتبع إحدى هذه القواعد الكلية:
1- لا واجب مع العجز:
قال - تعالى -: "فاتقوا الله ما استطعتم" وقال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
فالوجوب يتعلق بالاستطاعة والعاجز يسقط عنه الواجب أحيانا إلى بدل وأحيانا إلى غير بدل.
الأمثلة:
أ- في الصوم العاجز عنه له تفاصيل وأحكام ينتقل من الصوم إلى إطعام إن كان مريضا مرضا لا يرجى برؤه، أما إن كان مريضا مرضا يرجى برؤه فإنه ينتظر حتى يبرأ.
ب- وفي الصلاة من لم يستطع أن يصلي قائما يصلي قاعدا فإن لم يستطع قاعدا فعلى جنب جاء في البخاري عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -.
ج- في الحج من لم يستطع أن يأتي بأي واجب عليه من واجبات الحج فإنه يسقط عنه أحيانا له بدل وأحيانا ليس له بدل.
د- في الوضوء من لم يستطع أن يأتي بالواجب عليه ينتقل إلى ما سواه كما لو كان الإنسان في بدنه حروق أو جروح لا يستطيع أن يبلغها الماء أو يمسها الماء فانه يتيمم.
ه- المبيت بمنى هو واجب كما هو قول أكثر أهل العلم وهو الصواب فيما يتعلق بالوجوب لأنه - صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت خارج منى لأجل سقاية الحاج, وهذه في الصحيحين عن ابن عمر لكن قد يعجز الإنسان عن هذا, كما لو كانت منى مكتظة بالناس والإنسان لا يستطيع أن يستأجر ولا يسكن ولا يجلس في الرصيف, ولا يبقى بين الناس في الطريق فهو يذهب إلى ما شاء ولا يلزمه أن يجلس عند آخر خيمة من خيام منى, ولا يلزمه أن يجلس في نهاية اتصال الخيام وإن كان يفتي به بعض أهل العلم, لكن القول بعدم لزوم البقاء عند آخر خيمة كذلك يفتي به بعض أهل العلم, فبما أن البقاء في منى واجب ولم يستطع الإنسان عن تحصيل الواجب ينتقل إلى ما شاء, ولو ذهب إلى الطائف أو إلى جدة لا بأس عليه في ذلك والله أعلم.
2-الإحرام عقد لازم لا خروج منه إلا بأداء الأفعال:
سواء كان هذا في حج أو في عمرة ومعنى لازم يعني لا يفسخ إلا بالأداء الشرعي للحج والعمرة.
والدليل قوله - تعالى -: " وأتموا الحج والعمرة لله ".
واتفق أهل العلم على أن من شرع في الحج أو العمرة أنه يجب عليه إتمامها وأنه لا يجوز له أن ينبذ الإحرام ولا يفسخ الإحرام, وأنه يجب عليه الإكمال وهذا بالاتفاق بلا خلاف وهذا بالنسبة للمكلف, أما بالنسبة للصغير الذي يعقد له الإحرام ولا يستطيع وليه أن يتم له الحج والعمرة أو هما معا يجوز له أن يفسخ عنه الإحرام مجانا (يعني بلا فدية) وليس على وليه شيء, وهذا قول أبي حنيفة وترجيح الشيخ ابن عثيمين - رحم الله الجميع-؛ لأن الصغير أصلا لم يكلف بالحج والعمرة فهو غير مخاطب بقوله - تعالى -: "وأتموا الحج والعمرة لله" فإذا دخل فيه ابتداءا جاز له أن يرجع عنها بدون فدية, وهذا فيما يتعلق بالحج والعمرة- أن من دخل فيهما ولو تطوعا ولو نفلا أو مستحبا وجب عليه الإتمام, وأما ما عداهما من العبادات من صلاة أو صيام أو إرادة الوقف أو عزل المال لأجل الصدقة فإن هذا لا يلزم الشروع به ولو صلى الإنسان النفل ويلحق بجماعة أخرى إن كان يريد الجماعة وهو فرد.
هذه أمثلة ما لا يجب عند أكثر أهل العلم إتمامه وإكماله, وهي كل العبادات ماعدا الحج والعمرة بالاتفاق, وأما باقي العبادات فلا يجب بعد الشروع في شئ منها الإتمام, وفي بعض المسائل والجزئيات خلاف بين بعض أهل المذاهب, لكن هذا في الأعم الأغلب الذي يسمى في الجملة هذا قول أكثر أهل العلم. وأما ما جاء في سنن الترمذي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لحفصة وعائشة لما أفطرتا في يوم تطوع: "اقضيا يوما مكانه" فإنه ضعيف قد ضعفه الإمام الترمذي بعد ما رواه.
3-النية إذا تجردت عن العمل لا تكون مؤثرة في الأمور الدنيوية:
يخرج من هذا إذا كانت النية متجردة عن العمل في الأمور الأخروية فإن الإنسان يؤجر عليها بمجرد النية كما في صحيح البخاري عن ابن عباس عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة". فالنية في الأمور الدنيوية لا تؤثر إلا بعمل, ومثال هذا إذا طلق الإنسان أو باع بنيته فإنه لا أثر للنية أبدا في هذا الباب, فزوجته باقية والبيع يكون في ملكه مازال لم ينتقل عن ملكه إلى غيره؛ لأن النية فقط وحدها لا تؤثر في الأمور الدنيوية إنما أثرها في الأمور الأخروية.
4-إذا شرع الإنسان في عبادة ثم طرأ عليه عذر هل يتم عنه النائب أم لا؟
الأمثلة:
أ- إذا بدأ الإنسان في الأذان ثم انقطع بسبب سعلة أو مرض أو لم يستطع أن يتم. اختلف أهل العلم إذا أتى بعده
شخص هل يكمل الأذان من حيث وقف المؤذن أو يعيد؟ على قولين لأهل العلم.
ب- إذا خطب الإمام الخطبة الأولى ثم عذر وقام عنه غيره هل يتم الخطبة أو يعيدها؟ أيضا هذه محتمله. أما بالنسبة للصلاة فإنه يتم إذا أقام بعده شخصا يصلي بالناس, كما لو صلى الإمام وكان في الركعة الأولى أو الثانية أو أي جزء من أجزاء الصلاة ثم طرأ عليه عذر وأناب أحدا فإن النائب يكمل من حيث وقف الإمام حتى لو كان الإمام قد دخل الصلاة وهو على غير طهارة بلا فرق خلافا لبعض الحنابلة الذين يفرقون بين من طرأ عليه العذر وبين من كان قد دخل الصلاة وهو على غير طهارة فالقضية لا فرق لأنه لا يلزم المأموم ولو يكلف الله الناس أنهم يسألون كل إمام تقدم بهم هل هو على وضوء أم لا؟ فهذا فيه تنطع فدل على أن الأمر مبناه على التيسير والتخفيف لا على التنطع والتشديد فإذا انقطع عن الصلاة أو طرأ عليه عذر فإنه يخرج من الصلاة وينيب عنه.
ج- من كانت عليه أيام صيام فصام بعضها ولم يستطع أن يكمل الباقي أو مات فان الذي يصوم عنه سواءا كان وليه أو غيره يكمل.
5- الأصل براءة الذمة:
هذه قاعدة فرعية تابعة للقاعدة الكبرى اليقين لا يزول بالشك وهذه قاعدة مهمة ومعناها أن الإنسان بريء من أي تكليف بعبادة أو مطالبة بمال أو بدين أو بإلزام أو التزام حتى يثبت عليه بيقين، فمن ادعى أن له على شخص مال أو أي التزام فإنه بقوله لا يقبل إلا بدليل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " البينة على المدعي واليمين على من أنكر ".
6- إذا تعارضت مفسدتان ولابد أن تقع أحداهما على المكلف فإن له أن يرتكب أخفهما عليه:
مثال/ إذا كان الإنسان عنده ميتة مأكوله اللحم وعنده حمار ميت فإنه يقدم المأكولة اللحم؛ لأن أصله طاهر وطرأت عليه النجاسة, أما الحمار فإن أصله نجس مطلقا. فلهذا يقدم الإنسان إذا اضطر لأكل ميتة أن يأكل مأكولة اللحم ثم ينتقل إلى الميتة التي فيها خلاف مثل الضبع, ثم إلى غير مأكول اللحم مثل الحمار, وكان أصله حلال ثم حرم يوم خيبر في الصحيحين عن أنس، ثم السباع (وهذا إن كانت المفسدتان لابد أن تقع إحداهما فله أن يختار أخفهما).
ولذلك قال بعض علماء السلف: ليس الفقيه الذي يعرف الخير من الشر لكن الفقيه الذي يعرف خير الشرين(يعني أخف الشرين) وخير الخيرين (يعني أفضل الخيرين).
مثال آخر/ يجوز شق بطن المرأة إذا كان في بطنها جنين يخشى عليه من الموت وجرح بني آدم غير مأذون به أصلا, ولكن جاز لمصلحة أعظم وخشية مفسدة الموت على المرأة أو على الجنين نفسه.
*قواعد تتعلق بالكلام*
7- إعمال الكلام أولى من إهماله:
يعني إذا ورد عندك نصان عن الله - عز وجل - أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو آية أو حديث في ظاهرهما التعارض ولا تستطيع أن تهمل أحدهما, فالواجب أولا التوفيق بينهما كما يقول صاحب المراقي:
الجمع واجب متى ما أمكنا وإلا فللأخير نسخ بينا
فالواجب على طالب العلم أولا أن يجمع بأي طريقة من طرق الجمع سواء من طريق الإسناد, أو من طريق المتن أو من مرجح خارجي، وهذا يسمى علم التعارض والترجيح أو التمانع والترجيح عند علماء أصول الفقة. لكن نتكلم عن قضية الكلام فعندك قوله - تعالى -كلام وقوله - صلى الله عليه وسلم - كلام فإن عملت بأحد النصين تكون قد أهملت أحدهما، فإن عدم الجمع تعمل بترجيح أحدهما على الآخر، ولكن الأصل أن تعمل بهما جميعا.
مثال آخر في التفسير/ قد يكون عندك في تفسير الآية الواحدة أكثر من تفسير للسلف فخلاصة تفاسير السلف ومن بعدهم كما فصله واختصرها ابن تيمية في أمرين إما أن يكون اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد. مثل قوله - تعالى -: " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "، فبعض أهل العلم قالوا النعيم هو الماء البارد, وبعضهم قال الظل وبعضهم قال نعمة الإسلام والإيمان والقرآن. فهذه التفاسير غير متعارضة لأن المفسرين المتقدمين يعنون بذلك مجرد المثال، فمن أهم النعم الماء البارد كما ورد في بعض الأحاديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أوى إلى بستان أحد من الأنصار فقدم لهم ماءا باردا وجلسوا بالظل فقال - صلى الله عليه وسلم -: " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم". وبعض أهل العلم رأى أن أعظم نعمة هي نعمة الإسلام والإيمان, وبعضهم رأى أنها بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره من التفاسير التي هي من باب المثال أو التنوع ليس من باب التضاد، ولكن التضاد الذي يجعلنا لا نستطيع أن نجمع بينهما ربما يكون نادر أو قليل أو غير موجود أصلا في بعض الآيات، والأصل في الكلام الحقيقة ولا يصار إلى المجاز إلا بدليل, فإذا قلت مثلا رأيت أسدا فالأصل أنك رأيت أسدا حقيقيا، ولكن إذا قال الإنسان رأيت أسدا يخطب فالمراد به المجاز. وهذا علم الحقيقة والمجاز معروف عند علماء البلاغة وتسمى المحسنات البديعية وهي من مسائل وأبواب أصول الفقة فإذا لم تستطع أن تأخذ الكلام على حقيقته فخذه على مجازه مثل قوله - تعالى -: " واسأل القرية"فكل عاقل يعرف أن المراد اسأل أهل القرية.

8- الأصل في الكلام المطلق أنه على إطلاقه حتى يرد دليل على تقييده:
فإذا ورد إليك كلام تجعله مطلقا ولا تأخذ الحيثيات ومفهوم الكلام والذي يسمى عن بعض الناس ظاهرية في الفهم أو سطحية في الفهم عند بعض المفكرين.
مثال/ لو أوصى شخص إلى شخص وأعطاه مالا لشراء سيارة نوعها كذا فله أن يشتري من أي لون لكن لو قيده بلون وموديل معين فعليه أن يتقيد بما أوصاه به الوكيل أو المنيب, فلو اختلفوا عند القاضي على من الصواب، فيرجع إلى أصل الإطلاق فالقضية مبناها على الثقة وإبراء الذمة والتحرز والتحري فيسألهما القاضي, فإذا قال صاحب المال للوكيل فإن كان قد أطلق فيحمل الكلام على إطلاقه وإلا فعل ما قيده به.

9- إذا زال المانع عاد الممنوع:
المانع عند المناطقة وهم علماء المنطق: ما يلزم من وجوده العدم. فمثلا الصغر والجنون من الموانع في تسليم المال لأحدهما فلا يسلم المال للصغير والمجنون (المال الذي به قوامه) فإذا زال السفة أعطي أحدهم ماله كما قال - تعالى -: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم".
كذلك المانع من وجوب إتمام الصلاة السفر، وكذلك المانع من وجوب الصوم في رمضان السفر، فإذا زال المانع للوجوب وجب الإتمام والصيام، وكذلك الجنون والصغر والحيض والنفاس والكفر فهذه تسمى موانع التكليف عند علماء القواعد الفقهية أو موانع الأهلية. فإذا زالت هذه الموانع وجب الالتزام بالحكم.
10- الأجر والضمان لا يجتمعان:
مثال/رجل غصب مالا (كمن استأجر سيارة ولم يرجعها) ثم قبض عليه فإنه لا يجب عليه دفع الأجرة للمدة التي كانت فيها السلعة عنده وهذا إذا تلفت السيارة, أما إذا ردها كاملة فإنه يردها مع أجرة الغصب.
مثال آخر/ السارق إذا قطعت يده فانه لا يضمن المسروق فيكفيه حدا أنه قطعت يده.
11- البدل لا يقع في الحدود:
أي من وجب عليه حد أو جلد فإنه لا يسقط عنه الحد بدفع مال أيا كان المال, أو إذا تبرع عنه أحد فإنه لا يسقط عنه الحد فلايقتل غير القاتل ولا يجلد غير الشارب ولا يرجم غير الزاني. وقد غضب - صلى الله عليه وسلم - على أسامة بن زيد كما في الصحيحين لما قال: " أتشفع في حد من حدود الله ".
12- العقود تصح بكل مادل على مقصودها من قول أو فعل:
وهذه من قواعد شيخ الإسلام ابن تيمية. فكل عقد بين طرفين من بيع أو وقف أو إجارة أو نكاح فإنه يصح بكل لفظ يفهمه أحد المتعاقدين ولم يكلف الله - عز وجل - الناس أن يقول أحد المتبايعين للآخر " بعت" والآخر يقول "اشتريت" وهذا لم يرد به نص لا من كتاب الله - تعالى – ولا من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان قد اشترطه بعض الحنابلة وهذا الذي ساروا عليه في زاد المستقنع ولكنه ليس بصواب. وحتى البيع بالمعاطاة بدون لفظ فجائز وهذا قول ابن تيمية - رحمه الله تعالى -, وهو قول بعض أهل العلم من أرباب المذاهب. وحتى إجراء العقد باللغة الأجنبية يجوز وحتى بالكتابة والمراسلات إن وجدت الإثباتات. وهذا كله مما يدل على يسر الشريعة وتخفيفها ولكن بعض الحنابلة منعوا وشددوا في قضية النكاح وهو أنه لابد أن يكون بلفظ أنكحت أو زوجت ويقول وليها قبلت أو زوجتكها وعللوا بذلك أن النكاح عبادة وليس مجرد مباح فقط والعبادات لا تصح إلا بالألفاظ الشرعية, وبناءا عليه عندهم لا يجوز أن يكون باللغة الأجنبية وبناءا عليه أيضا عندهم (أي عند الحنابلة) فيما يتعلق بالعبادات أنها لا تكون بغير اللفظ العربي مثل الأذان وخطبة الجمعة وهذه القولية تحتاج لتفصيل أما القرآن فلا يجوز باتفاق العلماء أن يترجم ترجمة حرفية؛ لأنه متعبد بتلاوته وبألفاظه وحروفه. وأما بالنسبة للأذان فلا يجوز أن يكون بغير العربية، وأما خطبة الجمعة ففيها خلاف ولكن الذي أفتى به بعض أهل العلم ومنهم العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - أنه يجوز أن يخطب الإنسان بغير العربية؛ لأنه لو خطب بالعربية في بلد لا يحسنونها فإنهم لن يستفيدوا من الخطبة.
وأما الحنابلة فألحقوا النكاح بالعبادات فلذلك استحب بعضهم أن يكون في المسجد وفي مساء الجمعة أي قبل المغرب, وأن يكون في الأماكن الفاضلة مثل الحرمين، ولكن هذا لا دليل عليه فالنكاح يجوز بأي لغة وحتى بدون لفظ ويكون العقد بالعربية احتراما لقول من قال بذلك من العلماء. وأما بالنسبة لباقي العقود أيا كانت فيجوز أن تعقد بغير العربية أو بأي قول أو فعل أو إشارة أو رسالة تعقد بها هذه العقود.
13- الأصل في الشروط من أحد المتعاقدين الصحة والجواز:
وهذه من قواعد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -، فكل شرط اشترطه أحد المتعاقدين في المعاملات أو في النكاح فإنه جائز ولو كان مائة شرط, والدليل ما في البخاري عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " المسلمون عند شروطهم". وكذلك في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - في حديث بريرة لما خطب على المنبر وقال: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط". والذي سبب إبطال الشروط في ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لها أنها ليست في كتاب الله أنها معارضة لكتاب الله. والذي يمنع كون الشرط غير مقبول إذا كان معارضا لكلام الله - عز وجل - أو لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في سنته فدل على أن الشروط وإن كثرت تجوز وهذا قول المالكية والحنابلة أن الإنسان إذا باع بيعا أو عقد عقدا له أن يشترط مائة شرط.
مثاله/ لو أنه اشترى حطبا من بائع واشترط نقله وإنزاله وترتيبه في البيت فهذه الثلاثة شروط كلها تجوز.
ويقول ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: ليس في الفقهاء أكثر تصحيحا للشروط من الإمام أحمد. ومع ذلك فالحنابلة في كتبهم يمنعون أكثر من شرط (يعني لا يجيزون أكثر من شرط واحد). والرواية الأخرى عن الإمام أحمد أن جميع الشروط جائزة.
14- المأمور به أعظم من المنهي عنه:
مثال/ معصية إبليس كانت مخالفة أمر ولم يتب الله - جل وعلا - عليه وعاقبه ولعنه وطرده وجعل جهنم مأواه, أما بالنسبة لآدم فإنه ارتكب النهي وتاب الله - جل وعلا - عليه. فدل على أن مخالفة الأمر أعظم عند الله - تعالى -من ارتكاب النهي.
فالذي يترك الصلاة أعظم عند الله - تعالى - ممن يأتي بجميع الكبائر ولابد من معرفة الأمر قد يكون مستحب وقد يكون واجب وقد يكون ركن. لكن لو كان عندك أمر ونهي على درجة واحدة أي الأمر واجب والنهي محرم فالذي يترك الأمر أعظم عند الله - جل وعلا - ممن يرتكب النهي.
15- إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد دخلت احداهما في الأخرى:
وهي العبادات التي من جنس واحد وليس بينهما تعارض.
مثال/ إذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحد فالقول الذي ذهب إليه بعض أهل العلم بناءا على الأدلة الشرعية أن من حضر العيد وصلى العيد ولو لم يستمع فإنه تسقط عنه الجمعة ويصلي ظهرا غير مقصورة ولا تسقط عنه الظهر ولا الجمعة وإن صلى الجمعة فهو أفضل وأكمل، ولم يقل أحد بالقصر وأما بالنسبة لسقوط الجمعة والظهر وأن العيد يكتفي به عن الجمعة والظهر فهذا قول عن بعض السلف، وهذا قول شاذ مردود للإجماع الذي عليه أهل العلم أن الصلوات في كل يوم وليلة خمس صلوات فهذه سبب لإسقاط فرض بنفل أو مستحب وإن كان احتج به بعض أهل العلم بوجوب صلاة العيد على كل مسلم بأنها تسقط الجمعة وعند التعارض لا يسقط الواجب إلا واجب مثله, أو أعلى منه فدل على وجوب صلاة العيد على قول عند بعض العلماء وهو قول أبي حنيفة وترجيح ابن تيمية وله وجة وقوة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يخرجو الحيض وذوات الخدور أن يشهدن الخير ودعوة المسلمين(في الصحيحين عن أم عطية).
مثال آخر/ إذا اجتمع حدث أصغر وأكبر فإن الغسل يكفي عن الوضوء بشرط المضمضة والاستنشاق، والمضمضة والاستنشاق يتبعان الوضوء مطلقا، وهذه رواية عن الإمام أحمد وهو الصواب.
مثال آخر/ غسل الجنابة والجمعة يكفي لهما غسل واحد. وما ورد عن بعض السلف من إيجاب غسلين فهذا مخالف للقاعدة التي فيها من مقاصد الشريعة أن كل ما اجتمع أمران متشابهان أحدهما أعلى من الآخر يدخل الأصغر في الأكبر.
مثال آخر/ شخص عليه أكثر من كفارة لعمل واحد من جنس واحد فإن جميع هذه الكفارات للعمل المحدد الواحد يدخل بعضها في بعض وتكفيه كفارة واحدة إلا إذا كفر عن ذنبه أو فدى كما في الحج ثم ارتكب نفس المحظور فإنه يفدي مرة ثانية.
مثال آخر/ إذا سهى المصلي أكثر من مرة فإنه يسجد سجدتين قبل السلام ويكتفي بهما عن كل سهو في الصلاة وهذا العمل عليه عند أهل العلم، وأما ما جاء في الترمذي: " لكل سهو سجدتان" فهذا ضعيف ضعفه الإمام الترمذي.
مثال آخر/ تكبيرة الإحرام تكفي عن تكبيرة الركوع. مثل إذا دخل المأموم مع الإمام وهو راكع، لكن يجب على المأموم أن ينوي الأكبر وهو الركن وهو تكبيرة الإحرام وتكون تكبيرة الركوع تبع. وإن كبر تكبيرتين تكبيرة الإحرام ثم تكبيرة الركوع سواء برفع اليدين أو بدون بالنسبة للركوع فإنه أفضل وأكمل، فيأتي بالركن ثم الواجب وان اكتفى بتكبيرة واحدة ينوي بها التكبيرة الكبرى وهي تكبيرة الإحرام.
16- المفضول قد يصبح فاضلا لمصلحة راجحة:
ذكرها ابن تيمية في فتاويه.
إن معرفة الأولى والأفضل وتقديم الأوجب هو المطلوب، بل الترتيب بين الأولويات يعد من أسباب نجاح العمل عند الإداريين وهي مأخوذة من قواعد فقهية.
مثال/ قراءة القرآن أفضل من الذكر ولكن أذكار الصلاة البعدية أفضل من قراءة القرآن؛ لأن كل عبادة في موضعها أفضل من غيرها.
مثال آخر/ الصلاة في المنزل أفضل فيما يتعلق بالنوافل, ولكن قد يعرض للإنسان إن أجل الصلاة النافلة إلى البيت شغل أو نسيان أو تثاقل فالصلاة في حقه في المسجد أفضل.
ومن هذا أيضا ترك المفضول أو يعمل به تأليفا للقلوب فيما يتعلق بترك القنوت مطلقا حتى قنوت النوازل فلا تقنت عند قوم لا يرون القنوت وهم الحنفية, فإن القنوت عندهم لا يشرع بحال من الأحوال إلا في قنوت الوتر, ومن العلماء من يرى القنوت مطلقا في كل فجر وهو قول الشافعية وبعض المالكية والصواب قول أهل الحديث، قول الإمام أحمد وغيره أن قنوت النوازل إن نزلت في المسلمين نازلة أما قنوت الوتر فالأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يقنت فإذا كنت عند قوم من مذهب أبي حنيفة فلا تقنت عندهم, أو إذا كانوا لا يرون الجهر بالتأمين فلا تؤمن, أو المالكية يرون أن الإمام فقط يقول آمين بعد الفاتحة والمأموم لا يؤمن وكذلك رفع اليدين في تكبيرة الإحرام باتفاق المذاهب الأربعة سنة, لكن باقي التكبيرات الثلاث عند الأئمة الثلاثة تشرع أما عند أبي حنيفة فلا يشرع إلا التكبير الأول (يعني رفع اليدين مع التكبير الأول وما عداه فليس بمشروع).
وكذلك الإمام أحيانا يجهر بالبسملة قبل الفاتحة في القراءة الجهرية كالركعة الأولى, وفي الثانية إذا كان معه قوم على مذهب الإمام الشافعي ولا بأس أيضا أن يجهر أحيانا, وهذا قول ابن تيمية وابن القيم وقبلهما الامام أحمد رحم الله الجميع.
17- العبادة التي تفوت مقدمة على العبادة التي لا تفوت:
أحيانا قد تكلف بعمل دعوي أو عملي موسمي (في وقته) يكون في حقك القيام به أفضل من عمل عظيم جدا في نفس الوقت، والذي جعله أفضل كون هذا الوقت هو وقته.
مثال/ إذا سمع المسلم المؤذن يؤذن وهو يقرأ القرآن فالأفضل هو الترديد مع المؤذن؛ لأن عبادة ترديد الأذان تفوت بمجرد سكوت المؤذن إلا من ترك ترديد الأذان لعذر أو كان يصلي النافلة مثلا كما في يوم الجمعة فله أن يردد وهو يصلي على قول ابن تيمية. وعند ابن تيمية قاعدة في الصلاة أن كل ذكر طرأ سببه أثناء الصلاة فإنك تتلفظ به. مثاله من عطس أثناء الصلاة فإنه يحمد الله وهو يصلي حتى وهو راكع لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قراءة القرآن وهو راكع أو ساجد فقط وما عداه فقل ما شئت, وإذا سمع الإنسان المؤذن وهو يصلي النافلة فلا بأس أن يردد معه، ولكن لو لم يردد ورجح القول الثاني وأراد أن ينشغل بالصلاة فإنه يردد الأذان بعد أن ينتهي.
وكذلك تشميت العاطس مقدم على قراءة القرآن وإن لم يكن هناك تعارض، لكن هناك بعض الناس قد يترك تشميت العاطس بحجة انشغاله بقراءة القرآن.
والطواف للغريب القادم من خارج مكة أفضل من الصلاة في مكة وهذا قول ابن عباس, وأما بالنسبة للمقيم في مكة فصلاته للتراويح أفضل من طوافه والله أعلم.
18- ما كان من شعائر الإسلام الظاهرة فالقيام به يعتبر واجبا:
إما وجوبا عينيا على كل فرد أو يكون فرض كفاية. والشعائر الظاهرة: هي شعارات الإسلام وهي العبادات التي لا تخفى على أحد مثل الأذان وصلاة الجماعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأضحية وصلاة العيد.
19- كل نجس هو محرم الأكل وليس كل محرم الأكل نجسا:
النجس مثل البول والغائط ودم الحيض فهذه جميعا لا يجوز أكلها، وأما التداوي بأبوال الإبل فالأبوال والأرواث من حيوان مأكول اللحم طاهرة عند جمهور أهل العلم, بل يقول ابن تيمية: لا أعلم قائلا يقول بتنجيس أرواث وأبوال مأكولة اللحم مثل الإبل والبقر والغنم.
فالنجاسات جميعا لا يجوز أكله مطلقا. وجميع الدماء المنهمرة بعد الذبح نجسة وهذا ضابط في المطاعم والمشروبات فالتداوي في أي دم منهمر نجس والله - عز وجل - لم يجعل الشفاء فيما حرم علينا وهذه قاعدة قالها - صلى الله عليه وسلم -.
والأمثلة على أن ليس كل محرم الأكل نجسا هو جميع الحيوانات التي لا يؤكل لحمها، والسم محرم الأكل وليس بنجس، والحصا محرم الأكل، والتراب محرم الأكل لكنه طاهر، والطعام المسروق أيضا، والمغصوب محرم الأكل لكن لا يعد من النجاسات فلا تلازم بين النجاسة وتحريم الأكل.
والله - تعالى - أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين