المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السعيد شويل
.. ولو كان على شىء لكان محمولاً .. تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيرا ..
.. ليس متناهياً بحد ولامتقدراً بصورة ولامتغيراً بصفة أو مختصاً بجهة .. ................ وكل بيان فى وصف جلاله حصر وعىّ ..
فإنْ تجاوز أى إنسان عبوديته فى نظره وتأمله وتعدى فكره وتدبره من النظر فى خلق الله وآياته إلى البحث عن ذاته .. فقد اقترف أَمراً إِمرا وتجاوز مجاوزةً جوراً وظلماً وكان عن العقل خارجاً وفى تيه الجهل والجاً .. وإن ارتدت أفقاً لاعِلم لك به فقد جُبْت بحراً لامنجى لك منه وعمِيت من حيث أبصرت وجهلت من حيث استبصرت ولسوف تنأى عن اليقين والإيمان وستسبح فى ظلمات الشك والريب والخسران .
يقول جل ذكره : { َولا تقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }
ويقول سبحانه :{ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } .. فما بالك من الذات الإلهية ..
................
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السعيد شويل
.. ولو كان على شىء لكان محمولاً .. تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيرا ..
إن الله تعالى يكون على عرشه، وعرشه فوق جميع خلقه، والعرش وحملته مخلوقون، والله غني عن العرش ، وغني عن حملته، وهو الحي القيوم ، وهو القائم على كل شيء، وبه قيام كل شيء، وما حملت الملائكة عرشَه إلا بقدرته سبحانه، فهو الذي أقدرهم على ذلك.
قال الإمام الدارمي رحمه الله: " إِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَكْبَرُ مِنْ كُلِّ خَلْقٍ، وَلَمْ يَحْتَمِلْهُ الْعَرْشُ عِظَمًا وَلَا قُوَّةً، وَلَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ احْتَمَلُوهُ بِقُوَّتِهِمْ، وَلَا اسْتَقَلُّوا بِعَرْشِهِ بِشِدَّةِ أَسْرِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ حَمَلُوهُ بِقُدْرَتِهِ ، وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ ، وتأييده ؛ لَوْلَا ذَلِك مَا أطاقوا حمله.
وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ حِينَ حَمَلُوا الْعَرْشَ ، وَفَوْقَهُ الْجَبَّارُ ، فِي عِزَّتِهِ وَبَهَائِهِ ؛ ضَعُفُوا عَنْ حَمْلِهِ وَاسْتَكَانُوا، وَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ، حَتَّى لُقِّنُوا "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" ؛ فَاسْتَقَلُّوا بِهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ. لَوْلَا ذَلِكَ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الْعَرْشُ، وَلَا الْحَمَلَةُ، وَلَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَلَا مَنْ فِيهِنَّ... " انتهى من "نقض بشر المريسي " (1/ 457).
فحاصل الجواب على هذه الشبهة : أن الله تعالى هو الرب المالك القادر الذي يفعل ما يشاء، وقد شاء سبحانه أن يستوي على عرشه، وأن يكون لعرشه حملة، الآن ، ويوم القيامة، وأنه سبحانه أقدرهم على حمل هذا العرش العظيم ، ومكّنهم من ذلك بحوله وقوته.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وبيان ذلك هنا :
أن الله مستغن عن كل ما سواه، وهو خالقُ كلِّ مخلوق، ولم يصر عالياً على الخلق بشيء من المخلوقات، بل هو سبحانه خلق المخلوقات، وهو بنفسه عال عليها، لا يفتقر في علوه عليها إلى شيء منها، كما يفتقر المخلوق إلى ما يعلو عليه من المخلوقات، وهو سبحانه حامل بقدرته للعرش ، ولحملة العرش.
وفي الأثر: أن الله لما خلق العرش أمر الملائكة بحمله، قالوا: ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فإنما أطاقوا حمل العرش بقوته تعالى، والله إذا جعل في مخلوق قوة ؛ أطاق المخلوق حمل ما شاء أن يحمله ، من عظمته وغيرها .
فهو بقوته وقدرته الحامل للحامل والمحمول، فكيف يكون مفتقراً إلى شيء؟" انتهى من "درء التعارض" (7/ 19).
وقد حكى أبو الحسن الأشعري رحمه الله قولين في حملة العرش ماذا يحملون؟
قال في "المقالات" (ص211): " واختلف الناس في حملة العرش ما الذى تحمل ؟
فقال قائلون: الحملة تحمل البارىء وأنه إذا غضب ثقل على كواهلهم، وإذا رضى خف فيتبينون غضبه من رضاه وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل.
وقال بعضهم: ليس يثقل البارىء ولا يخف ولا تحمله الحملة، ولكن العرش هو الذى يخف ويثقل وتحمله الحملة" انتهى.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية"(3/ 238):
" فصل للناس في حملة العرش قولان: أحدهما: أن حملة العرش يحملون العرش ولا يحملون من فوقه.
والثاني: أنهم يحملون العرش ومن فوقه ، كما تقدم حكاية القولين .
فيُذكر ما يقوله الفريقان في جواب هذه الحجة؛ فإنهم ينازعونه في المقدمتين جميعا.
فيقال من جهة الأوَّلين: لا نسلم أن من حمل العرش ، يجب أن يحمل من فوقه ؛ فالمقدمة الأولى ممنوعة !!
وذلك : أن من حمل السقف ، لا يجب أن يحمل ما فوقه ؛ إلا أن يكون ما فوقه معتمدا عليه ؛ وإلا ، فالهواء والطير ، وغير ذلك مما هو فوق السقف : ليس محمولا لما يَحمل السقف، وكذلك السموات فوق الأرض ، وليست الأرض حاملة السموات ، وكل سماء فوقها سماء ، وليست السفلى حاملة للعليا .
فإذا لم يجب في المخلوقات أن يكون الشيء حاملا لما فوقه ، بل قد يكون ، وقد لا يكون ؛ لم يلزم أن يكون العرش حاملا للرب تعالى ، إلا بحجة تبين ذلك .
وإذا لم يكن العرش حاملا ؛ لم يكن حملة العرش حاملة لما فوقه ، بطريق الأولى.
الوجه الثاني: أن الطائفة الأخرى تمنع المقدمة الثانية فيقولون: لا نسلم أن العرش وحملته ، إذا كانوا حاملين لله ؛ لزم أن يكون الله محتاجا إليهم .
فإن الله هو الذي يخلقهم ، ويخلق قواهم وأفعالهم ؛ فلا يحملونه إلا بقدرته ومعونته ؛ كما لا يفعلون شيئا من الأفعال إلا بذلك .
فلا يحمل ، في الحقيقة ، نفسَه ، إلا نفسُه !!
كما أنه سبحانه ، إذا دعاه عباده ، فأجابهم ، وهو سبحانه الذي خلقهم ، وخلق دعاءهم وأفعالهم؛ فهو المجيب لما خلقه ، وأعان عليه من الأفعال" انتهى.
فتبين بهذا أنه لا إشكال في كون الملائكة تحمل العرش الآن ، ويوم القيامة .
والله سبحانه فوق عرشه بائن من خلقه، وهو غني عن العرش وحملته .
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ القصص/68.
وهو سبحانه : لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ الأنبياء/23 .
ليس شيء يقع عليه اسم شيء إلا وله حد وغاية وصفة، وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة، فالشيء أبداً موصوف لا محالة، ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية، وقولك لا حد له تعني أنه لا شيء،
************
قال شيخ الإسلام قدس الله روحه: وكذلك إذا قالوا إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات أوهموا الناس بأن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح ولكن مقصودهم أنه ليس مباينا للخلق ولا منفصلا عنه، وأنه ليس فوق السموات ولا على العرش إله، وأن محمداً لم يعرج به إليه ولم ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء ولا يتقرب إليه بشيء ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ولا غيره ونحو ذلك من معاني الجهمية. انتهى.
فإذا تبين لك هذا فاعلم أن قول الشارح على هذه اللفظة المحتملة الموهمة المطلقة حيث قال: تعالى الله أن يحد وفيه الرد على من زعم أنه يلزم
من كونه مستويا على عرشه أن يحد، تعالى الله عن ذلك، إذ المحدود محدث، والمحدث مفتقر للخالق إلى آخر كلامه هو من كلام أهل البدع من الجهمية وغيرهم ممن نحا نحوهم من المتكلمين. فإذا كان هذا هو المفهوم من كلام الناظم والشارح قطعا ولا محيد عنه لإطلاقه ألفاظا لم ينطق بها الكتاب والسنة ولا نطق بها أئمة السلف رضوان الله عليهم بل المتكلم بها من هؤلاء المبتدعة يوهمون الناس أن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح، ولكن مقصودهم هو ما تقدم بيانه عنهم من كلام شيخ الإسلام آنفا. وإذا كان ذلك كذلك فنحن نسوق كلام أئمة السلف رضوان الله تعالى عليهم في هذا المقام ليتبين لك خطأ الناظم والشارح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في العقل والنقل بعد أن ذكر كلاما طويلا قال: وقال حنبل في موضع آخر عن أحمد قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} في ذاته كما وصف به نفسه قد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء فنعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه، قال فهو سميع بصير بلا حدود ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون صفته وصفاته منه وله، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا نتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين؛ نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوه بعبده
يوم القيامة ووضعه كنفه عليه، هذا يدل على أن الله تبارك وتعالى يرى في الآخرة، والتحديد في هذا كله بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه، سميع بصير لم يزل متكلما، عالما غفورا، عالم الغيب والشهادة علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد كما قال تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل والاستطاعة ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وكما وصف نفسه سميع بصير بلا حدود ولا تقدير. قال إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ}، فنثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث، والخبر: "يضحك الله"، ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول، وبتثبيت القرآن، لا يصفه الواصفون، ولا يحده أحد تعالى الله عما تقول الجهمية والمشبهة. "قلت": والمشبهة ما يقولون؟ قال من قال: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، فقد شبه الله بخلقه، وهذا يحده – وهذا كلام سوء وهذا محدود والكلام في هذا لا أحبه.
وقال محمد بن مخلد، قال أحمد: نصف الله بما وصفه به نفسه وبما وصفه به رسوله. وقال يوسف بن موسى: إن أبا عبد الله قيل له: ولا يشبه ربنا شيئا من خلقه؟ قال نعم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فقول أحمد أنه ينظر إليهم ويكلمهم كيف شاء، وإذا شاء. وقوله: وهو على العرش بلا حد، كما قال: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، كيف شاء، المشيئة إليه والاستطاعة له ليس كمثله شيء يبين أن نظره وتكليمه وعلوه على العرش واستواءه على العرش مما
يتعلق بمشيئته واستطاعته، وقوله بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد ـ نفي به إحاطة علم الخلق به وأن يحدوه أو يصفوه علي ما هو عليه إلا بما أخبر به عن نفسه ليتبين أن عقول الخلق لا تحيط بصفاته، كما قال الشافعي في خطبة الرسالة: الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف به خلقه 1 ولهذا قال أحمد لا تدركه الأبصار يجد ولا غاية. فنفى أن يدرك له حد أو غاية. فهذا أصح القولين في تفسير الإدراك وقد بسط الكلام على شرح هذا الكلام في غير هذا الموضع.
وما في هذا الكلام من نفي تحديد الخلق وتقديرهم لربهم وبلوغهم صفته لا ينافي ما نص عليه أحمد وغيره من الأئمة كما ذكره الخلال أيضا. قال حدثنا أبو بكر المروذى قال سمعت أبا عبد لله لما قيل له: روى علي بن الحسن ابن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف الله عز وجل؟ قال على العرش بحد. قال قد بلغني ذلك عنه و أعجبه ثم قال أبو عبد الله، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَام} ثم قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}. قال الخلال: وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل يحكي عن
ابن المبارك وقيل له نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا هو عندنا وأخبرني حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق يعني ابن راهويه: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد، وذكر عن ابن المبارك قال: هو على عرشه بائن من خلقه بحد، قال: وأخبرني المروذي قال: قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة وفي قعور البحار ورؤس الآكام وبطون الأودية، وفي كل موضع كما يعلم علم ما في السموات السبع وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علما، فلا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة ظلمات البر والبحر إلا وقد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره. فهذا بينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره، كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فتبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا علم الخلق به، وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف والأئمة ينفون علم الخلق بقدره وكيفيته، وبنحو ذلك قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون في كلامه المعروف. وقد ذكره ابن بطة في الإبانة وأبو بكر الطلمنكي في كتابه الأصول ورواه أبو بكر الأثرم، قال حدثنا عبد الله بن صالح عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال: أما بعد، فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعت فيه الجهمية
ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول عن معرفة قدره، إلى أن قال: فإنه لا يعلم كيف هو، وكيف يعرف قدر من لا يموت ولا يبلى؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف، أو يحد قدره واصف، الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، – إلى أن قال: اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم تعرف قدر ما وصف، فما تكلفك علم ما لم يصف؟ هل تستدل بذلك على شيء من طاعته، أو تنزجر عن شيء من معصيته؟ وذكر كلاما طويلا إلى أن قال: فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال: لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا، فعمي عن البين بالخفي بجحد ما سمى الرب من نفسه ويصف الرب بما لم يسم فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، فقال لا يراه أحد يوم القيامة، فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر في وجهه {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} قد قضى أنهم لا يموتون فهم بالنظر إليه ينضرون. وذكر كلاما طويلا كتب في غير هذا الموضع، ثم ذكر بعد هذا كلام الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الذي سماه "رد عثمان بن
سعيد، على الكافر العنيد، فيما افتراه على الله في التوحيد" فقال:
"باب الحد والعرش"
قال أبو سعيد: وادعى المعارض أيضاً أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية، قال: وهذا هو الأصل الذي بنى عليه جهم جميع ضلالاته، واشتق منها جميع أغلوطاته، وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها أحد من العالمين. فقال له قائل ممن يحاوره: قد علمت مرادك أيها الأعجمي، تعني أن الله لا شيء، لأن الخلق كلهم قد علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم شيء إلا وله حد وغاية وصفة، وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة، فالشيء أبداً موصوف لا محالة، ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية، وقولك لا حد له تعني أنه لا شيء، قال أبو سعيد: والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه، لكن يؤمن بالحد وبكل علمه. انتهى.
إذا فهمت هذا وتحققته، تبين لك منافاة ما قاله الناظم والشارح لكلام أئمة السلف رضوان الله عليهم، لأن مرادهم في قولهم بلا حد كما قال أحمد وهو على العرش بلا حد، وقوله: وكما وصف نفسه سميع بصير بلا حد، وقوله لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد. فمرادهم بقوله بلا حد، معناه ما ذكره شيخ الإسلام قدس الله روحه بقوله بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد نفى به إحاطة علم الخالق به، وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه إلا بما أخبر به عن نفسه ليتبين أن عقول الخلق لا تحيط بصفاته كما قال الشافعي في خطبة الرسالة: الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق
ما يصفه به خلقه. ولهذا قال أحمد: لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، فنفى أن يدرك له حد أو غاية، وكذلك ما ذكره الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون حيث قال: وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف، أو يحد قدره واصف إلى آخر كلامه.
فهذا ما ذكره أئمة السلف رضوان الله عليهم في معنى قولهم بلا حد، وهو خلاف ما فهمه الشارح في معنى قولهم بلا حد، فإنه قال: وفيه رد على من زعم أنه يلزم من كونه مستويا على عرشه أن يحد تعالى الله عن ذلك، إذ المحدود محدث، والمحدث مفتقر للخالق، وهذا يوافق ما قاله أهل البدع من أهل الكلام وغيرهم ممن أخذ بأقوال الجهمية المنكرين لعلوه على عرشه، ومباينته لمخلوقاته كما ذكر ذلك عنهم الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي حيث قال: وادعى المعارض أيضا أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية، قال: وهذا هو الأصل الذي بنى عليه جهم جميع ضلالاته واشتق منها جميع أغلوطاته، وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها أحد من العالمين، فقال له قائل ممن يحاوره: قد علمت مرادك أيها الأعجمي، تعني أن الله لا شيء لأن الخلق كلهم قد علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وغاية أو صفة، وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة، فالشيء أبداً موصوف لا محالة، ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية، وقولك لا حد له، تعني أنه لا شيء، قال أبو سعيد: والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن يؤمن بالحد، وبكل علم، انتهى.
فإذا كان ذلك كذلك تعين ما ذكره أئمة السلف حيث قالوا: كيف نعرف الله عز وجل؟ قال: على العرش بحد كما رواه علي بن الحسين بن شقيق عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه، وكما رواه الخلال بإسناده إلى الإمام أحمد أنه قيل له: يحكى عن ابن المبارك وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ قال: على عرشه بحد، قال أحمد: هكذا هو عندنا، وذكر أيضا عنه حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق، يعني ابن راهويه: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد. وذكر عن ابن المبارك، قال: هو على عرشه بائن من خلقه بحد. ثم قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر أقوال أئمة السلف: إنه بحد، قال رحمه الله: بينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا علم الخلق به. واعلم أني أعدت هذا الكلام وكررته ليتبين لك ما بين اللفظين من قوله: بلا حد، ومن قوله: بحد، لتعلم الفرق بين هاتين اللفظين كما بينه شيخ الإسلام فيما تقدم. والله أعلم [من كتاب تنبيه ذوي الألباب السليمة-للشيخ سليمان بن سحمان ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وَقَوْلُهُ: " «خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ» " لَمْ يُرِدْ بِهِ تَشْبِيهَ الرَّبِّ وَتَمْثِيلَهُ بِالْمَخْلُوقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَحْقِيقَ الْوَجْهِ وَإِثْبَاتَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ صِفَةً وَمَحَلًّا" الفتاوى الكبرى (1/539.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه ، وأن الله سبحانه خلق آدم على صورته . فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث ؟
فأجاب رحمه الله :
الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" وفي لفظ آخر : " على صورة الرحمن " وهذا لا يستلزم التشبيه والتمثيل والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا ، متكلما إذا شاء ، وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء ، وله وجه جل وعلا .
وليس المعنى التشبيه والتمثيل ، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء ، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم ، لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر ، وليس المتكلم كالمتكلم ، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته ، وللعبد صفاته التي تليق به ، صفات يعتريها الفناء والنقص ، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء ، ولهذا قال عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى / 11 ، وقال سبحانه : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) الإخلاص / 4 ، فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه ) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ 4/ 226
ويقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله:
" وَشِبْهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّمَاثُلَ الَّذِي يُوجِبُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَهَذَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، فَتَشَابَهَا فِي مُسَمَّى الْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ - لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُسَمَّى مُمَاثِلًا لِهَذَا الْمُسَمَّى فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ.
، بَلْ هُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، الَّذِي تَشَابَهَا فِيهِ، وَهُوَ مَعْنًى كُلِّيٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَلَا يُوجَدُ كُلِّيًّا عَامًّا مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي عِلْمِ الْعَالِمِ.
وَالثَّانِي: مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا، كَمَا يَخْتَصُّ الرَّبُّ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ.
وَالثَّالِثُ: مَا يَخْتَصُّ بِهِ (ذَاكَ، كَمَا يَخْتَصُّ بِهِ) الْعَبْدُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْمَقْدِرَةِ ، فَمَا اخْتَصَّ بِهِ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ النَّقَائِصِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَى صِفَاتِ الْعَبْدِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَبْدُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الرَّبُّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كَالْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الثَّابِتِ فِي ذِهْنِ الْإِنْسَانِ فَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ خَصَائِصَ الْخَالِقِ وَلَا خَصَائِصَ الْمَخْلُوقِ، فَالِاشْتِرَاكُ فِيهِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.
وَلَفْظُ التَّوْرَاةِ فِيهِ: (سَنَخْلُقُ بَشَرًا عَلَى صُورَتِنَا يُشْبِهُنَا) ، لَمْ يَقُل: عَلَى مِثَالِنَا وَهُوَ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم: قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ) فَلَمْ يَذْكُرِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِم كَمُوسَى، وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا لَفْظَةَ شِبْهٍ دُونَ لَفْظِ مِثْلٍ.
]الجواب الصحيح-لشيخ الاسلام بن تيمية]
يقول الشيخ صالح ال الشيخ-س3/ ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق آدم على صورته»(1)؟
ج/ هذا الحديث يطول الكلام عليه؛ لكن خلاصة الكلام أن الصورة هنا بمعنى الصفة؛ لأن الصورة في اللغة تطلق على الصفة كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر» يعني على صفة القمر من الوضاءة والنور والضياء، فقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق آدم على صورته»؛ يعني خلق آدم على صورة الرحمن أ؛ يعني على صفة الرحمن، فخص الله ? آدم من بين المخلوقات بأن جعله مجمع الصفات وفيه من صفات الله ? الشيء الكثير؛ يعني فيه من أصل الصفة على التقرير من أن وجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق ، فالله ? له سمع وجعل لآدم صفة السمع، والله ? موصوف بصفة الوجه وجعل لآدم وجها، وموصوف بصفة اليدين وجعل لآدم صفة اليدين، وموصوف بالقوة والقدرة والكلام والحكمة، وموصوف ـ بصفة الغضب والرضا والضحك إلى غير ذلك مما جاء في الصفات.
فإذن هذا الحديث ليس فيه غرابة كما قال العلامة ابن قتيبة رحمه الله قال (وإنما لم يألفه الناس فاستنكروه).
فهو إجمال لمعنى الأحاديث الثانية الأخرى في صفات الله ?، «خلق آدم على صورته» يعني خلق آدم على صفة الرحمن ? فخصه بذلك من بين المخلوقات.
الحيوانات قد يكون فيها سمع فيها بصر لكن ما يكون فيها إدراك ما يكون عندها حكمة ما يكون كلام خاص إلى آخره.
فآدم خص من بين المخلوقات بأن جعل الله ? فيه من الصفات ما يشترك بها في أصل الصفة لا في كمال معناها ولا في كيفيتها مع الرحمن جل جلاله، تكريما لآدم كما ذكرنا لك.
وهذا ملخص الكلام فيها وإلا فالكلام يطول لأن هذا الحديث كثيرون لم يفهموا المراد منه، ولا حقيقة قول أهل السنة والجماعة في ذلك.[شرح الطحاوية-الموسوعة الشاملة][/quote]