البرامج والأفلام وآثارها السلبية على الأطفال
حسن بن محمد الشمراني
يتعرض الأطفال يومياً إلى العديد من البرامج والأفلام المتنوعة والتي قد تحمل الكثير من الآثار السلبية والضارة، وقد ازدادت تأثيرات هذا التعرض بعد أن أصبح هناك قنوات خاصة موجهة للأطفال، وأصبح الطفل كالأسير الوقع في قبضة هذه القنوات صباحاً ومساءً، وأطفال منسوبي القوات المسلحة كغيرهم من الأطفال يتعرضون لمثل هذه البرامج والتي قد لا تتناسب مع بيئتهم، وخصوصاً أولئك الذين يكون مقر إقامتهم مع ذويهم في مناطق مختلفة من البلاد، وعلى وجه الخصوص تلك المناطق التي تعتبر مناطق حدودية؛ بحيث يتعرض الأطفال أثناء فترة إقامتهم في تلك المناطق إلى العديد من برامج تلك الدول، والتي قد لا تكون ملائمة لبيئتنا وثقافتنا.
والطفل إذا لم يجد التوجيه الصحيح من قبل الوالدين فإن تأثير تلك البرامج عليه سيكون قوياً؛ حيث تؤكد الأبحاث أن الأطفال الذي تقل أعمارهم عن الحادية عشرة أكثر مشاهدي التلفزيون ثباتاً وانتظاماً، كما تشير الإحصائيات العديدة من مختلف بلدان العالم أن متوسط ما يقضيه الأطفال الذين تتراوح أعمارهم مابين ست إلى ست عشرة سنة أمام الشاشة الصغيرة نحو (12-24) ساعة أسبوعياً (1)؛ ومما لاشك فيه فإن للبرامج التلفزيونية آثاراً سلبية وأخرى إيجابية في حياة الطفل، وقد أشارت الكثير من الدراسات والبحوث التي تربط بين بعض جرائم الأطفال وبين بعض الأفلام التلفزيونية إلى أن للأفلام دوراً مباشراً في تلك الجرائم؛ إذ أنها تساعد على بلورة بعض الميول الإجرامية لدى الأطفال، كما أن الطفل يتشرب مفهوماً جديداً للصراع فبعد أن كان مفهومنا للصراع في قصصنا وحكاياتنا هو انتصار الخير على الشر دائماً في النهاية فإن قضايا الصراع المطروحة في الأفلام هذه الأيام تنحصر حول الصراع إما من أجل البقاء أو الدفاع عن الأرض وصد العدوان الخارجي. وتقول دراسة قام بها المركز القومي المصري لثقافة الطفل: إن الإنتاج الأمريكي من هذه الأفلام يقارب حوالي (93%) من العينات، وهذه يدل على مدى سيطرة المادة على معظم البرامج التي تبث للمشاهدين الصغار (2).
كما أن بعض هذه الأفلام لا تقدم للأطفال القيم والمفاهيم التي نريد حتى لو تضمنت جوانب ثقافية، فقد لا تكون هي الجوانب التي نريدها لأطفالنا، ولربما تكون هذه الأفلام أداة لمحو ما نطمح إلى تثبيته في أذهان أطفالنا من قيم ومفاهيم ثقافية (3).
وقد دلت الكثير من الدراسات إلى أن الطفل عادة يحاول التشبه بالشخصيات التي يعرضها التلفزيون، نظراً لاعتقاد كثير من الأطفال أن العالم الذي يشاهدونه على الشاشة هو مرآة صغيرة للعالم الحقيقي (4).
الآثار الضارة لمشاهدة الأطفال لأفلام العنف:
يمكن تصنيف الآثار الضارة لمشاهدة الأطفال لأفلام العنف في الأنواع الستة التالية:
1- التقليد:
يميل الأطفال الصغار أثناء لعبهم إلى أن يعكسوا أو يعيدوا تمثيل الموقف والأحداث التي تواجههم في البيئة التي يعيشون فيها، ويأخذ التلفزيون في هذه الصدد أهمية كبيرة بالنسبة للطفل منذ السنة الثالثة من عمره.
2- الإثارة والانفعال:
أكدت الأبحاث أن مشاهدة بعض مناظر العنف على شاشة التلفزيون تزيد من التوتر العاطفي لدى الفرد، وهي الحالة التي تتضمن ضعف مقدرة الشخص على السيطرة على عواطفه وانفعالاته، وبهذا يصبح من الصعب على الطفل أن يواجه دافع التحريض على العنف الذي تتضمنه بعض المشاهد التلفزيونية.
3- تشكيل مثال:
ويقصد بذلك أن التعرض المستمر لمشاهد العنف يؤدي إلى قناعة لدى الطفل مفادها أن العنف هو الوسيلة الفعالة لحل المشاكل، وبالتالي فإنها تدفع الطفل إلى أن يستخدم العنف في بعض المواقف ويستخدم أيضاً معلوماته حول هذه الظاهرة.
4_ تعزيز القوة:
حيث تقوم الطريقة التي يقدم بها العنف على شاشة التلفزيون بدور تعزيزي لقوة القيم والمعايير في الأوساط الاجتماعية التي تمارس هذه العنف، وتكون النتيجة تثبيت وتدعيم وتخليد هذه المعايير والقيم وليس انتقادها ومجابهتها.
5- الخوف والرعب:
توصل الكثير من الباحثين إلى نتيجة تؤكد حدوث تأثير معاكس لمشاهد العنف على المدى الطويل، فقد يكون تأثير الخوف إيجابياً؛ مما قد يقود إلى رد فعل فعّال ونشيط تجاه الإثارة والتحريض، وذلك مثل: الانتباه عند اجتياز الشارع، ولكن عندما يتطور الخوف ليصبح مؤذياً ومضراً فإن هذه التأثير يعتبر تأثيراً سلبياً (5).
6- ضعف الإحساس:
ضعف الإحساس أو تبلد الإحساس ينتج عن زيادة التعرض ولفترات طويلة لمثل هذه المشاهد؛ مما يؤدي إلى أن يعتاد الطفل أية محرضات ودوافع بيئية سواءً كانت جيدة أم سيئة نتيجة للتجارب التي تستخدم أسلوب تكرار عرض الفلم في المعالجة، فقد أظهرت هذه التجارب أن هذا التأثير دائم، وأنه ينتقل بشكل كامل إلى مواقف الحياة الواقعية، وأن ضعف الإحساس نتيجة التعرض الدائم لمشاهد العنف من الممكن أن يحدث الاستجابات التالية:
1- يؤدي إلى تقليل وإضعاف الاستجابة (رد الفعل) ضد العنف كأداة.
2- يؤدي إلى تقليل وإضعاف الاستجابة (رد الفعل) ضد الشخص الذي يستخدم العنف.
3- يؤدي إلى تقليل وإضعاف الاهتمام بالضحية.
4- والخوف كل الخوف هو أن يؤدي ضعف الإحساس إلى عدم الاكتراث الكامل (6).
أسس اختيار برامج الأطفال:
هناك مجالات واسعة تغني الأطفال ثقافياً، وتثري حياتهم، وتزيد في متعتهم، فالقصص، والحكايات، والمسرحيات، والشعر الإسلامي، والأخبار، والمسابقات، والألعاب الفردية والجماعية، وسير الأبطال والمبدعين كلها تتيح لثقافتهم أن تنمو وتتبلور، وتسهم في تنمية قدراتهم اللغوية، والعاطفية، والاجتماعية، والنفسية، وتشارك في تربيتهم الخلقية، ونتيجة لهذا فإن من المستحسن أن تلتزم برامج الأطفال ببعض الأسس التي منها:
1- استخدام المؤثرات البصرية والحيل السينمائية بما يتفق ومراحل نمو الأطفال؛ ولكي تشيع الحركة والحيوية في البرنامج كله.
2- استخدام اللغة العربية الفصيحة السهلة التي تناسب قدرة الأطفال اللغوية؛ وأن لا تستخدم اللهجة المحلية إلا في أضيق نطاق.
3- انتقاء الموضوعات الخيالية بحذر ودقة لتنمية الخيال التكويني لدى الأطفال بما لا يتيح المجال للجنوح إلى مستوى التوهم والخيال الهدام.
4- ينبغي أن لا تكون الإثارة التي تتميز بها البرامج طاغية إلى الحد الذي يؤدي إلى لفت انتباه الأطفال واجتذابهم إلى مستوى الانقياد.
5- الابتعاد عن الأسلوب الخطابي والتعليمي، وأن يكون هناك لونان من البرامج على الأقل: لون للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (3-6) سنوات، ولون آخر لمن هم بين(6-12) سنة (7).
6- أن تتضمن البرامج ما ينمي عواطف الطفل وتهذيب ضميره وانفعالاته، وتنمية حب الوطن، وحب القادة والعلماء والمبدعين، وحب العمل الخلاق (8).
دور الأسرة في اختيار البرامج المفيدة للأطفال:
يأتي دور الأسرة هنا إضافة إلى واجب التنشئة السليمة والتربية الإسلامية الصحيحة كموجه لاختيارات الطفل وكمراقب لتصرفاته وسلوكياته، وذلك امتثالاً لقول الله - تعالى -: (يأيها الذي أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (9)، وكذلك قوله – صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها))(10).
فالأسرة يترتب عليها دور كبير في كيفية تنظيم استخدام هذا الجهاز الخطير، ولعل من أهم الطرق المساعدة على ذلك هي:
1- يجب على الوالدين أن يوضحا لأبنائهما أهداف ومعاني مشاهداتهم؛ بدلاً من تركهم يحصلون على تلك المعلومات من مصادر أخرى.
2- ينبغي على الأسرة أن تضع برنامجاً دقيقاً ومنظماً للأطفال يتعلق بأوقات وساعات مشاهدة برامج التلفزيون بحيث لا يؤثر على ساعات نومهم.
3- يجب على الأسرة أن تحدد نوعية البرامج التي يمكن للأطفال مشاهدتها، وكذلك البرامج التي لا يجور للوالدين والأبناء مشاهدتها، وخصوصاً تلك التي تعتمد على الإثارة الجنسية، واستثارة دوافع العدوان والعنف لدى الإنسان (11).
منهجية المشاهدة:
وفي الختام: فإنه يجب أن تكون هناك منهجية واضحة تتبع عند مشاهدة الأطفال للتلفزيون، ومن أهم نقاط هذه المنهجية ما يلي:
1- يجب أن تكون برامج التلفزيون مجرد شكل واحد من الأشكال الكثيرة للنشاطات التي يمارسها الطفل في وقت فراغه وراحته، فمتى ما احتل التلفزيون المكان الصحيح والمناسب له بين نشاطات وفعاليات وقت الفراغ لدى الطفل فإنه سيكون شيئاً نافعاً ومفيداً، وعليه فإن التلفزيون سيصبح اهتماماً إضافياً ومكملاً يستخدمونه وقت فراغهم.
2- انتقاء البرامج التي يشاهدها الأطفال من بين جميع البرامج والمواد التي يقدمها التلفزيون، وبموجب هذه المبدأ يجب على الآباء أن يختاروا لأطفالهم البرامج التي يشاهدونها بطريقة مدروسة، وتوجيههم قبل كل شيء لمشاهدة البرامج المناسبة لسنهم، وذلك للحد من أن تكون رغبات واهتمامات الطفل هي الجهة الوحيدة التي تحدد وتتحكم في مشاهدة الطفل للتلفزيون، وبهذا نرى أن منهجية مشاهدة الأطفال للتلفزيون تقع بكاملها في أيدي الأبوين (12).
ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
الهوامش:
1- أثر وسائل الإعلام على الطفل، أحمد محمد الزيادي وآخرون، (1989م)، (ص:47).
2- مجلة الأسرة، العدد: 14/ ربيع الأول/ 1415هـ، أغسطس/ 1994م، (ص:61).
3- أثر وسائل الإعلام على الطفل، مصدر سابق، (ص:34).
4- أثر وسائل الإعلام على الطفل، مصدر سابق، (ص:35).
5- التلفزيون والأطفال، مجموعة من الباحثين، ترجمة أديب خضور، ط:1، دمشق (1990م)،(ص:83).
6- التلفزيون والأطفال، مصدر سابق (ص:84).
7- أثر وسائل الإعلام على الطفل، مصدر سابق، (ص:35).
8- أثر وسائل الإعلام على الطفل، مصدر سابق، (ص:36).
9- [التحريم:6].
10- أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة في القرى والمدن (2/380) رقم (893).
11- التلفزيون والأطفال، مصدر سابق، (ص: 73)، (ص: 74).