هل اللعب ضروري لنمو شخصية الطفل؟
نجيب الجباري
لماذا يصر بعض الآباء والأمهات على اعتبار اللعب نوعاً من الجهد الضائع وانحطاطاً في السلوك؟ وهل اللعب فعلا كما يرى هؤلاء الراشدون مضيعة للعوقت وملهاة عن التحصيل وعائقاً للنجاح الدراسي؟ وهل يحق للآباء مخاطبة فلذات أكبادهم بعبارات من قبيل: كفى من اللعب، المزيد من الجدية، عليكم أن تكونوا جديين أكثر··<؟؟ ظناً منهم أن اللعب سلوك فارغ من كل محتوى وظيفي، ومجرد تسلية مريحة أو تفريغ لطاقة كامنة!!
يخطئ الآباء عندما يعتقدون أن اللعب مجرد استمتاع عاديٍ وكمالية غير ضرورية، تضيع وقت الطفل وتجعله يهمل واجباته المدرسية وتؤدي به إلى الفشل في حياته الدراسية·
لقد غاب عن مثل هؤلاء الآباء أن اللعب ضرورة أساسية عند الطفل، وحاجة مهمة ونشاط مرغوب وتلقائي مرغوب فيه نظرا لما يوفره للطفل من متعة وفائدة وتسلية وترويح عن النفس·
لقد أصبح موضوع اللعب من الموضوعات التي تحظى بالكثير من المقاربات والأبحاث التربوية والنفسية المتخصصة إيمانا منها بأهميته وضرورته باعتباره نشاطاً لازماً لنجاح الطفل في حاضره كما في مستقبله عندما يصير راشداً·
فباللعب يستطيع الطفل أن يعبر عن ميوله ورغباته، وبواسطته يتصل بالعالم الخارجي، ومن خلاله يكون شخصيته وينميها علـى المستوى الحركي والنفسي والاجتماعي·
واللعب يبدأ منذ الشهور الأولى لولادة الطفل >فالطفل يحرك باستمرار يديه وأصابع يديه وقدميه، ويثرثر بالكلام ويصيح فيتعلم السيطرة على جسمه< (1)
وهكذا تكون هذه الأنشطة الحركية الخاصة بالإمساك بالأشياء وتحريكها وتفحصها والاهتمام بها البداية الحقيقية لسلوك اللعب لدى الطفل، وهو سلوك يرتبط بشكل واضح بحب الاستطلاع والاستكشاف لديه، كما يرتبط أيضاً بعمليات التذوق والإبداع بعد ذلك·
ويرى الدكتور شاكر عبدالحميد أن هناك >ثلاثة عوامل تدعو الطفل إلى تناول الأشياء ومحاولة استكشافها واللعب بها، هي الجدة والتعقيد والغرابة< (2)·
إن ما يعتبره بعضنا إتلافاً للوقت وهدراً للطاقات هو في الواقع >نشاط ضروري يقوم به الطفل لنمو شخصيته وليس ميولاً شريرة كما يظن آخرون< (3)·
اللعب والنمو الحسي - الحركي:
إن النمو سيرورة تطور وتغير لحالة أو وضعية في اتجاه تصاعدي كمياً وكيفياً، إنه كما يرى >وولمان wolman< >يعني الزيادة في التعقيد، وتنظيم العمليات والبناء من الميلاد إلى الوفاة، وذلك نتيجة كل من النضج والتعلم<(4)
تعرف حياة الطفل منذ ولادته تطورات بيولوجية وفزيولوجية سريعة ودقيقة على المستوى العظمي والعضلي والفزيولوجي الحركي والسيكو-حركي وتعتبر التقنيات التربوية والتنشيط وإبراز دور اللعب في التعلم والاعتماد على الأنشطة الحس، حركية من أهم ما أتى به المشروع الذي أبدعه المفكر التربوي >فروبيل< والذي أبرز أهمية التربية النشيطة وضرورة منح حرية أكبر للطفل، وربط التعلم بالفعل في الأشياء وبها·
وتعتبر الحركات الأولى التي يقوم بها الطفل الصغير كملامسة الأشياء أو القبض عليها ووضعها في فمه أو إخراج اللعاب أو الابتسام وتحريك الفم ومختلف الأعضاء·· هي سلوك لعبي يتمتع به الطفل منذ ولادته بالرغم من أنه يكون في هذه المرحلة غير قادر على التحكم فيه إلا أنه يساعده في عملية التعلم·
وفي هذه السنين المبكرة يرتبط اللعب بسلوك استكشافي ينمي ذكاء الطفل ويكسبه المزيد من الخبرات والتجارب وإدراك العلاقات بين الأشياء وما ينتج عنها· فخلال هذه الفترة يكون عليه أن يعرف عالم الأشياء وعالم الموضوعات·
لكن من العسير الإلمام بكل الألعاب التي تؤدي إلى النمو الحركي للطفل لكثرتها واختلافها من بيئة إلى أخرى، ولكن يمكن أن نذكر من هذه الألعاب الركض والقفز، فتح عين وإغلاق أخرى، وضع اليد على الأذنين لسماع صدى الأصوات، التأرجح، تعلم ركوب الدراجة ومحاولة قيادتها دون الإمساك بالمقود، اللعب بالرمال والماء وخصوصا على شاطئ البحر·
كل هذه الألعاب تحقق للطفل متعة كبيرة وتغيرات ظاهرة بشكل مستمر وفوري في شخصيته، وينصح الدكتور >هشام شرابي< الآباء والمربين بعدم إزعاج الطفل عندما يكون في حالة اللعب، لأنه في هذه الحالة >·· لا يلعب فحسب بل يقوم بتنمية مهاراته< (5)
اللعب والنمو المعرفي:
يعتبر مشروع >بياجي< في السيكولوجيا التكوينية أو ما سمي بعلم تكوين المعرفة من أكبر المقاربات العلمية لسيكولوجيا النمو المعرفي الطفولي وأهمها في الوقت الحاضر·
وقد حظي مبحث اللعب في مشروع >بياجي< التربوي بحظ وافر من الاهتمام باعتباره وسيلة للتعلم عند الصغار، قوية وفعالة إلى حد أن الأطفال يتحمسون للأشغال التي يكرهونها عادة كتعلم القراءة والحساب وإلاملاء كلما توصلنا إلى تحويل هذه الاشغال إلى ألعاب<(6)·
ويسهم اللعب الإيهامي أو التمثيلي في تنمية شخصية الطفل عندما يلجأ الى تمثيل أدوار من يكبرونه سناً· ويقوم هذا النوع من اللعب على الخيال، إنه عملية معرفية وتخيل يصور ذهنية تنبئ بوجود قدرة على التمثيل والإبداع والابتكار وتنظيم العناصر والأشياء وتحويل الموضوعات إلى رمز، وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه عملية التفكير ذاتها·
يتبع