نعم.. إنها هوية الأمة المسموعة
أميمة بنت أحمد الجلاهمة
من المؤلم أن نرى خيرة شبابنا لا يجيدون التعامل مع اللغة العربية، إما جهلا منهم بأصولها أو من باب التساهل، فقد قيل لهم إن إجادتها لا تؤهلهم لسوق العمل، بل إن معرفتهم بالإنجليزية ترفع من إمكانية حصولهم على وظيفة جيدة
غربة اللغة العربية في أرضها حقيقة نشهدها بيننا وبشكل يومي، فنحن عندما نتصل عبر الهاتف مطالبين بخدمة ما.. نبدأ حديثنا باللغة الإنجليزية.. بل قد نسأل الطرف الآخر وباللغة الإنجليزية (هل هناك من يتحدث اللغة العربية؟) وفي الكثير من الحالات يأتي الجواب بالنفي.. عندها نضطر وفي بلادنا العربية، في المملكة العربية السعودية أن نكمل حديثنا بتلك اللغة.
لو ذاقت بلادي طعم الاستعمار وهوانه لقلت إن ذلك من مخلفات المستعمر، والذي في الغالب يفرض لغته وثقافته على لغة أهل البلاد التي يستعمرها، كما يفرض ثقافته وفكره، ولكننا بحمد الله لم نمر بتجربة مثل تلك.. أدام الله علينا نعمه، إذاً ما هي أسباب هذا التراجع المذل في استخدامنا للغة ليست كغيرها من اللغات، فيكفي أنها لغة كتاب الله سبحانه الذي اختارها دون غيرها من اللغات لتكون لغة آخر كتبه السماوية.. الكتاب الذي يتعبد به المسلم في صلاته ودعائه وتهجده وتلاوته..
والمؤلم أننا نرى شبابنا وهم من خيرة الشباب المثقف والمتعلم، ولكنهم لا يجيدون التعامل مع اللغة العربية، إما جهلا منهم بأصولها أو من باب التساهل، فقد قيل لهم إن إجادة اللغة العربية لا تؤهلهم لسوق العمل، بل إن معرفتهم البسيطة باللغة الإنجليزية ترفع من إمكانية حصولهم على وظيفة جيدة، في حين أن إجادتهم للغة العربية لا تمكنهم للعمل إلا في وظائف معدودة، كمعلم أو في المؤسسات الصحفية والإعلامية، ويكون العائد المالي من كليهما قليلا جدا إذا ما قورن بدخل الموظف المجيد للغة الإنجليزية.
هذا الواقع نتعايش معه ولا نستطيع إنكاره، والحقيقة لا أفهم السبب في محاربة ذواتنا بهذا الشكل المهين، فنحن إذا كنا نجحد فضل لغتنا العربية كلغة قومية، فهل سنجحدها كلغة كتابنا المقدس؟.. وأنا هنا كغيري لا أطالب بترك تعلم اللغات الأخرى بل أطالب بذلك وأشجع عليه.. لكن دون هجر لغتنا الأم.
والمؤلم حقا.. هو واقع العمالة الوافدة التي فرضت على مجتمعنا التحدث باللغة الإنجليزية فنحن غير قادرين على شراء أو الاستفسار عن دواء أو غذاء أو خدمة فندقية إلا باللغة الإنجليزية والمضحك أن العمالة الوافدة غير العربية قد صنفت لها "رطنة" خاصة بها وفرضتها علينا لا لنفهمها.. بل لنستخدمها في التعامل معها.
أذكر أن قريبة لي سافرت مع زوجها إلى إسبانيا وبقيا هناك عدة أشهر بسبب عمله الذي تطلب منه إنهاءه لدورة تدريبية، ذكرت لي أن بائعة في مركز تجاري يبيع المواد الغذائية كانت تتعنت في التعامل معها بسبب عدم إجادتها للغة الإسبانية، وبعد أن تلقت دروسا مكثفة باللغة الإسبانية، وأصبحت قادرة نوعا ما على استخدامها، غيرت البائعة طريقة التعامل معها، بل أفهمتها بطريقة غير مباشرة أنها تجيد التحدث باللغة الإنجليزية ولكنها لا تقبل التعامل بها في وطنها إسبانيا، هذه البائعة احترمت لغتها وتمسكت بها.. وطالبت الزبائن بذلك.. لا جهلا منها بلغة المتحدث بل تمسكا منها بلغتها الأم التي تمثل هويتها القومية.
ومن خلال عملي في الكليات الصحية أتابع وبشكل دوري ضعف تعلق الطالبات باللغة العربية فعندما أطلب من إحداهن التوقيع على كشف ما أعجب من أن معظمهن مع الأسف يكتبن أسماءهن باللغة الإنجليزية، وعندما أستفسر عن أسباب ذلك يكون جواب معظمهن لقد تعودن على استخدام اللغة الإنجليزية، بل هناك من تكتب اسمها بالعربية مقلوبا فتبدأ من الحرف الأخير باتجاه الجهة اليمنى من الورقة.
وكثيرا ما كنت أمازحهن قائلة.. إني متفهمة لوضعهن، فقد تعلمن باللغة الإنجليزية طوال مراحل التعليم النظامي الابتدائي والمتوسط والثانوي والتي استغرقت 12 سنة، ولم يتعاملن باللغة العربية إلا منذ أشهر معدودات في مراحل دراستهن الجامعية، لذا كان علي وعلى غيري تفهم تمسكهن بكتابة أسمائهن العربية في الأصل بحروف أجنبية وعلى كشوف رسمية طبعت باللغة العربية.. وكن دوما يعدن كتابة أسمائهن والابتسامة لا تفارق وجوههن.
ومن هنا أستوعب الأسباب التي أثارت حفيظة المجتمعين في (الملتقى التنسيقي للجامعات والمؤسسات المعنية باللغة العربية في دول الخليج) الأسبوع الماضي، وأتفهم دوافع عميد كلية الآداب سابقا بجامعة الكويت الدكتور "عبدالله المهنا" لكلمته التي أطلقها في الجلسة الافتتاحية.. فهو لم يبالغ مطلقا عندما حذرنا من تعرض اللغة العربية للتشويه المستمر، ولم يكن مجحفا عندما أعلن تعرض اللغة العربية للتشويه المستمر فهي كما أشار مزدحمة بأنماط وصور من الأساليب اللغوية المتسمة بالهجنة والعجمة، وله الحق في قوله إن طريقة استخدامهم لها (تكشف بصورة مخجلة عن ضعف أصحابها في لغتهم القومية وكأنهم لم يتعلموا شيئا من أصولها).