أنا تائهة!
أجاب عنها : أسماء عبدالرازق


السؤال:
السلام عليكم.. أنا عمري ١٨ سنة، في المرحلة الثانوية، تغيرت في هذه الفترة للنقيض بسبب الضغط النفسي، أول شيء إني تعبانة بسبب العين فصرت ما أقدر أخرج وإذا خرجت تعبت فكرهت الخروج من البيت.
ثانيا بسبب الفراغ العاطفي، أمي حنونة لكن تغيرت بعض الشيء وصارت تخاصمنا، صحيح الحنان موجود لكنه قليل ما يظهر، وأحيانا أكون محتاجة أضمها لكنها لا تريد، وإذا ضممتها تضمني لكن ليس من قلبها، وإخواني أيضاً نادراً ما يحنون علينا، خاصة واحد منهم دائما يحرق أعصابي أنا بالذات ومهما فعلت له ما أسمع غير الاستفزاز، وأختي الأصغر مني لا تحترمني أبداً، غيَّرت أسلوبي معها لكن لا فائدة، صرت حساسة من ناحيته وصرت أتأثر بسرعة..




ثالثا أنا الحمد الله أعيش في عائلة محافظة ومتشددة من ناحية امتلاكي للجوال أو التواصل مع بعض الصديقات عن طريق الهاتف أو الإنترنت.. كنت مقتنعة بهذا المنع وراضية، لكن الآن اشتريت جهاز (الآي بود) من خلاله اكتشفت أشياء كثيرة وصرت أفعل ما أريد (أتفرج مسلسلات وأفلام)، أنا لا يعجبني حالي، وحاولت تركها ونجحت مبدئياً، لكن أخاف أنجرف إلى الطريق الحرام وأغرق فيه، مع العلم أني معروفة بين البنات بالتزامي وحبي لأكون داعية إن شاء الله مستقبلا.
رابعا أنا كتومة جداً وما أحكي مهما صار، حتى الدمعة لا تنزل بسبب هذه الأشياء، أكون محتاجة أفضفض، لكن ما أثق بأحد أبداً، وهذه أكبر مشكلة، لم أعد أتحمل..
لذا أرسلت لكم فأنا بحاجة لحل، ولا أريد الذهاب لطريق الحرام بسبب الضغوط التي أعيشها.. ساعدوا ابنتكم المحتاجة إلى رأيكم..


الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. حياك الله ابنتنا الداعية الصغيرة، ومرحباً بك في موقع المسلم.
ابنتنا المباركة، أولاً أعتذر لك عن التأخر في الرد لأسباب خارجة عن إرادتي.
مشكلتك أيتها الكريمة تتلخص في:
• تغيرك بسبب الضغط النفسي.
• عدم قدرتك على الخروج بسبب العين.
• الفراغ العاطفي، وتغير الوالدة قليلاً رغم حنيتها.
• استفزاز أحد إخوانك لك.
• تأثرك من عدم احترام أختك التي تصغرك لك.



• مشاهدتك بعض ما لا ينبغي مشاهدته وخوفك من التمادي في ذلك.
• لا تجدين من تفضفضين له.
إن عرفت أيتها الفاضلة خصائص المرحلة العمرية التي تمرين بها، لاكتشفت أن كثيراً من الأمور التي تصنفينها في قائمة المشكلات أمور معتادة الأجدر بك تجاوزها وعدم الالتفات إليها.
من الخصائص التي تميز من هم في مثل سنك:
- الحساسية الانفعالية: ويقصد بها عدم التناسب بين الفعل المثير والأثر الذي يتركه على نفس الفتى أو الفتاة. فتصرفات كانت معتادة جداً من أخيك أو أختك ترينها مستفزة جداً، أو فيها نوع من قلة التقدير والاحترام. وبالطبع الطرف الآخر لا يرى ما ترين فيواصل التصرف على النحو الذي يراه معتاداً وقد يستغرب من ردة فعلك ويعتبرها نوعا من الدلال أو التحكم أو غير ذلك حسب تصرفك فيتضاعف إحساسك بقلة الاحترام والاستفزاز وتستمر الدورة.



- المرور بحالات من الضيق والملل، والإحساس بأن الحياة "طفش" كما يقال، وهذا ما سميته بالضغط النفسي.
- التذبذب العاطفي، والتقلب بين مشاعر متناقضة حيال الأشخاص القريبين.
- الإحساس بنوع من الفراغ العاطفي والحاجة لصديق حميم متفهم.
وغير ذلك من الخصائص، ويمكنك الرجوع لأي كتاب في علم نفس النمو والاستفادة من الشبكة المعلوماتية للتعرف على خصائص مرحلتك العمرية التي يشاركك فيها كل من هم في مثل سنك تقريباً، فتتمكني من تفسير التغيرات التي تطرأ عليك.
مما سبق يتضح أن ما ترينه مشكلة هو في الواقع أمراً طبيعياً، وكل المطلوب منك عدم الاستغراق في الإحساس بالضيق، والشعور بأن المشكلات تحيط بك من كل جانب. بل انظري إلى ما عندك من ميزات وانشغلي بتنميتها وتطويرها.



اعتبري مضايقات إخوانك حفظهم الله تدريب على تحمل الأذى في الدعوة إلى الله. إن تلفت حولك أيتها الفاضلة ستجدين أن المضايقات بين الإخوان تفضي للتحاسد والتقاطع والأمر عندكم لا يعدو مجرد الاستفزاز، فقابليها بالتوجيه والإرشاد والدعاء، وتذكري أن سببها نزغ الشيطان، فتعاوني مع إخوتك، وخذي بأيديهم لمواجهة العدو المشترك.
تذكري أيتها الداعية الكريمة أن نبيك صلى الله عليه وسلم كانت تنوشه المشكلات من كل جانب وهو يبلغ دعوة ربه، فكان يستعين عليها بالصبر والصلاة والدعاء. فالفضفضة للناس غايتها شماتة الشامت، أو شفقة المحب، وكلاهما يوجع القلب، ويشعر بالضعف والعجز.
لا تظهرن لعاذر أو عاذل *** حاليك في السراء والضراء
فلرحمة المتوجعين مرارة *** في القلب مثل شماتة الأعداء
فلوذي بالشكوى لربك المنعم المتفضل، القادر على رفع البلاء. لكن هذا لا يعني عدم الاستعانة بالناصحين إن كان ثمة مشكلة تحتاجين فيها لرأي العقلاء الناصحين.



أما مخاصمة أمك حفظها الله لك، وشعورك بأنها تغيرت فمرده لكونها تراك قد كبرت، فاستبدلت أسلوبها العاطفي الذي تعودت عليه وصارت تعاملك كالكبار، كما تفعل مع الصديقات والقريبات، وهذا لا ينافي المحبة والحنان.كما أنها تريد أن تدربك على تحمل المسئولية فربما تلجأ لما تظنينه مخاصمات، وهو في الواقع نوع من التوجيه. عندما تتقدم بك الأيام ستشعرين بالامتنان العميق لهذه الأم المربية الحريصة على استقامة أبنائها.
أما مسألة العين فربما تكون حقاً، وربما كان الأمر خلاف ذلك. في كل الأحوال احرصي بارك الله فيك على أذكار الصباح والمساء، وارجعي لأحد كتب الرقية الشرعية، وارقي نفسك وسلي الله الشفاء، وثقي أن الأمر يسير، وعن قريب تتعافين بإذن الله.



ابنتنا الكريمة أكثر مشكلات الشباب الصغار مبعثها الفراغ، فاجتهدي في ملء الوقت بالنافع المفيد، وتذكري أنك عن قريب ستتزوجين، وستقاسمك أطراف كثيرة وقتك، وجهدك، فاحرصي على استغلال هذه الفرصة. وتذكري أنك فتاة متميزة، فأنت مسلمة في زمان يكثر فيه أهل الكفر والإلحاد، وأنت ممن هداهم الله للاستقامة في زمان افتتن فيه الناس وزاغوا عن الطريق المستقيم، وأسرتك بحمد الله تعينك على الثبات على الحق. وأنت فوق ذلك تحبين دينك وتتمنين أن تكونين ممن يدعون إليه. وأنت فتاة عاقلة تحرصين على البعد عن المنكر الذي لا يحول بينك وبينه شيء. هذه أيتها الكريمة من أسبغ النعم التي يمتن الله بها على عبد من عباده ففكري في السبل التي تعينك على شكرها.
من البرامج المفيدة التي تملأ الوقت والعقل في نفس الوقت:
- حفظ القرآن الكريم، وشيئاً من السنة النبوية سواء بالانتساب لدور التحفيظ، أو عن طريق الحلقات الموجودة في الشبكة العنكبوتية أو غير ذلك.
- السعي لاكتساب المهارات المختلفة؛ لغوية، أو يدوية، أو حاسوبية، أو فنية، أو غيرها مما ستحتاجينه في مستقبل الأيام.
- الاجتهاد في التحصيل الدراسي.



- القراءة في المجالات التي تستهويك سواء كانت كتباً أدبية، أو علمية، أو غيرها.
- الحرص على مساعدة الوالدة في بعض الأعمال المنزلية والاستفادة من خبرتها، وفي ذلك بر بها، وتقرب منها، وكسب لرضاها.
- تعلم العلوم الشرعية التي يحتاجها كل مسلم، عن طريق حضور الدروس والمحاضرات الحية والمسجلة الموجودة على موقع البث الإسلامي أو غيره.
هذه مقترحات يمكنك أن تضيفي إليها كثيراً من الأفكار والبرامج الفردية أو الجماعية.
أما بالنسبة لمشاهدة الأفلام وغيرها، فجميل أنك تقاومين تيارها، لكن الإنسان يضعف في بعض الأحيان، وقد يقع في المنكر لمجرد أنه متاح، فاحرصي حفظك الله على التخلص منها، وربما كان سماحك لإخوانك الكبار باستعمال الآي بود من وقت لآخر والإطلاع على ما فيه مانعاً لك من تحميل أي منكر عليه. صحيح من لم تزعه نفسه عن فعل المنكر، فلن يمنعه عنه شيء، لكن كذلك من طبيعة النفس البشرية أن تبعد عن فعل ما يشين إن علمت أن الآخرين مطلعين على ما تفعل، وفي النهاية نيتك الاستقامة، والحرص عن البعد عن مثل هذه المنكرات، لاسيما أنها من النوع الذي قد يتحول لنوع من الإدمان، ويجر لمصائب أعظم، قد يصعب البعد عنها. فاجعلي الآي بود شاهداً لك لا عليك، واستعمليه فيما ينفعك، ولا تقابلي ثقة والديك فيك بما لا يرضيهم.
وفقك الله وسددك، وجعلك مباركة أينما كنت.