الأسماء القبيحة والمستوردة جريمة في حق الأبناء
كمال عبد المنعم خليل


إنه لمن الجهل المطبق، والأمية الدينية، أن يظن الوالدان أحدهما، أوكلاهما أن الاسم القبيح يطيل عمر الأبناء، أو يصد عنهم سهام أعين الحاسدين، أو يحفظهم من الشيطان الرجيم، تماماً كما كان يفعل الجاهليون قبل الإسلام، فقد كانوا يسمون >صخر<، و>حرب< و>فاضح< و>مرة<، وغير ذلك مما كان شائعاً في جزيرة العرب، وهذا الفعل ليس عن جهل بالأسماء الطيبة التي تألف الآذان سماعها، وتستبشر القلوب بها، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك لأغراض في أنفسهم، فقد سئل أحد زعماء الجاهلية عن سبب اختيار الأسماء الجميلة الرقيقة لخدمهم وجواريهم، واختيار الأسماء الفظة الغليظة لأبنائهم فرد مبرراً: إننا نسمى أبناءنا لأعدائنا، ونسمى خدمنا وجوارينا لنا، وهذا عذر أقبح من ذنب!!
الاسم الحسن من صميم العقيدة
إن ما يحدث في زمننا الآن من تسمية للأبناء من قبل بعض الآباء والأمهات لأشد قبحاً وجرماً مما كان يحدث في الجاهلية، ونحن نتساءل: ماذنب الأبناء حتى نلصق بهم هذه الفظاظات فتلزمهم حتى مماتهم، بل سينادون بها يوم القيامه؟، فقد روى أبو داود وابن حبان في صحيحة عن أبي الدرداء ] قال: قال [ :>إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم<·
إن هذه القضية يعتبرها بعضهم بأنها ليست ذات أهمية، إلا أن العاقل يتأكد لدية أنها من صميم العقيدة والآداب، والأخلاق الإسلامية، والذي يتدبر سيرة الرسول [ يجد أنه يحب الاسم الحسن ويسمى به الناس، كما كان يغير الأسماء القبيحة، ليس من قبيل التشاؤم، بل من باب الاستبشار وتعليم الأمة أن تتخير أحسن الأسماء لفظاً وأجملها معنى، فقد روى الترمذي عند عائشة ] أن رسول الله [ كان يغير الاسم القبيح، فقد روى مسلم والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر >رضى الله عنهما< ان ابنة لـ>عمر<] كان يقلا لها >عاصية< فسماها رسول الله [ >جميلة<، وروى البخاري ومسلم، وابن ماجة عن أبي هريرة ] أن زينب بنت سلمة كان اسمها برة، فقيل: تزكى نفسها، فسماها رسول الله [ >زينب< وفي رواية لمسلم و>أبي داود< أن رسول الله [ قال:>لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بم نسميها؟ فقال: >سموها زينب<، قال أبو داود: >وغيَّر رسول الله [، اسم >العاصي<، و>عزيز< و>عتلة< و>شيطان< و>الحكم< و>غراب< و>حباب< و>شهاب< فسماه >هشاماً وسمى >حرباً سلماً< وسمى أرضا تسمى >عفرة<، خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وغير ذلك الكثير·
الاسم الحسن لا يحتاج إلى التكلف:
قد تعجب من أم تبحث وترهق نفسها في اختيار اسم وليدها، فتطالع عشرات الصحف والمجلات الخاصة بالأطفال، العربية منها والأجنبية، وتزور مواقع اليكترونية، فتجلس أمامها لساعات، وتستشير القاصي والداني، وأخيرا يقع اختيارها على اسم أوروبي أو أميركي، أو اسم لامعنى له، إن رسولنا الكريم [ علمنا ودلنا وأرشدنا الى أحب الأسماء وأفضلها، فقد روى >أبو داود<، واللفظ له، والنسائي عن أبي >وهب الجشمي<، وكانت له صحبة،] قال: قال رسول الله [ تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله، >عبدالله<، و>عبدالرحمن<، وأصدقها >حارث< و>همام<، وأقبحها >حرب ومرة< ويمكن أن تسمى بأسماء الصحابة، والسلف الصالح والتابعين والأئمة الأعلام وأبطال الإسلام الذين فتحوا الأمصار ورفعوا لواء الإسلام، ونشروا الهدى، وأضاؤوا الدنيا بعلمهم، ومنهم على سبيل المثال >أبو بكر< وعمر< و>عثمان< و>علي< و>حمزة< و>أسامة< و>طارق<، و>صلاح الدين<، و>مالك< و>الشافعي< و>أبوحنيفة<، و>ابن حنبل<، فهل بعد كل هذا نتسمى أو نسمي أبناءنا بالقبيح والمستورد من الأسماء؟!
الاسم القبيح جريمة في حق الأبناء
إن الاسم الحسن حق من حقوق الأبناء، إهدار هذا الحق أو الإساءة إليه يعد نوعاً من العقوق، فيروى أن رجلاً ذهب إلى عمر بن الخطاب ] يشكو له عقوق ولده فأرسل >عمر بن الخطاب< ] إلى الولد فجاء، فسأله >عمر<، لم عققت أباك؟ فقال الابن يا أمير المؤمنين: أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، أن يحسن اختيار أمه واسمه، وأن يعلمه القرآن، فعند ذلك قال الابن: لم يعطني حقاً واحداً من تلك الحقوق، فلم يحسن اختيار أمي، وسماني جعلاً ولم يعلمني حرفا واحدا من حروف القرآن، فعند ذلك قال أمير المؤمنين لوالد الغلام اذهب يارجل، لقد عققت ابنك قبل أن يعقك، فالاسم القبيح يدل على تفريط الأب في حق ابنه، ونذكر بأن الاسم القبيح ينفر منه صاحبه بعد أن يكبر، ويخجل من مشاركة الآخرين، فهل من عودة إلى الأسماء الجميلة التي تذكرنا بالعظماء من الرجال والنساء؟