قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين (1/91،82): للمتعلم عشرة وظائف.
/الوظيفة الأولى: تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف، إذ العلم عبادة القلب، وصلاة السر، وقربة الباطن إلى الله تعالى.
* فلا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته عن خبائث الأخلاق وأنجاس الأوصاف.
* قال ابن مسعود : ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذف في القلب.
/الوظيفة الثانية: أن يقلل علائقه من الإشتغال بالدنيا، فإن العلائق شاغلة وصارفة، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ومهما توزعت الفكرة قصرت عن درك الحقائق.
* قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه إياك بعضه على خطر.
/الوظيفة الثالثة: أن لا يتكبر على العلم ولا يتأمر على المعلم، بل يلقى إليه زمام أمره، ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق، وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويطلب الثواب والشرف بخدمته.
* فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ويتقلد المنة لمن ساقها إليه كائنًا من كان.
* قيل : العلم حرب للفتى المتعالي *** كالسيل حرب للمكان العالي.
* فلا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع، قال الله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: 37].
* قال علي : إن من حق العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته في الجواب، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشي له سرًا، ولا تغتابن أحدًا عنده، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى، ما دام يحفظ أمر الله تعالى، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته.
/الوظيفه الرابعة: أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس، سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة، فإن ذلك يدهش عقله ويحير ذهنه، ويفتر رأيه ويؤيسه عن الإدراك والإطلاع، بل ينبغي أن يتقن أولًا الطريق الحميدة الواحدة المرضية عند أستاذه (شيخه)، ثم بعد ذلك يصغي إلى المذاهب والشبه.
/الوظيفة الخامسة: أن لا يدع طالب العلم فنًا من العلوم المحمودة ولا نوعًا من أنواعه إلا وينظر فيه نظرًا يطلع به على مقصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه، وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه، وتطرف من البقية، فإن العلوم متعاونة، وبعضها مرتبط ببعض.
/الوظيفة السادسة: أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة، بل يراعى الترتيب، ويبتدىء بالأهم، فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبًا فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه، ويكتفي منه بشمه، ويصرف جمام قوته في الميسور من علمه إلى استكمال العلم الذي هو أشرف العلوم وهو علم الآخرة. وهو علم معرفة الله تعالى.
/الوظيفة السابعة: أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله، فإن العلوم مرتبة ترتيبًا ضروريًا، وبعضها طريق إلى بعض، والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدريج.
/الوظيفة الثامنة: أن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم، وأن ذلك يراد به شيئان: شرف الثمرة، ووثاقة الدليل وقوته.
* وأشرف العلوم العلم بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، والعلم بالطريق الموصل إلى هذه العلوم، فإياك أن ترغب إلا فيه، وأن تحرص إلا عليه.
/الوظيفة التاسعة: أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة، وفي المآل القرب من الله سبحانه والترقي إلى جوار الملأ الأعلى من الملائكة والمقربين، ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران.
* ومن قصد الله تعالى بالعلم رفعه لا محالة.
/الوظيفة العاشرة: أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد، والمهم على غيره، ومعنى المهم ما يهمك، ولا يهمك إلا شأنك في الدنيا والآخرة.
* وإذا لم يمكنك الجمع بين ملاذ الدنيا ونعيم الآخرة، فالأهم ما يبقى أبد الآباد، وعند ذلك تصير الدنيا منزلًا، والبدن مركبًا والأعمال سعيًا إلى المقصد.
ولا مقصد إلا لقاء الله تعالى ففيه النعيم كله، وإن كان لا يعرف في هذا العالم قدره إلا الأقلون.