تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: لحظة... قبل أن تطلق!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي لحظة... قبل أن تطلق!

    لحظة... قبل أن تطلق! (1)


    كتبه/ وائل عبد القادر


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فمع هذا الإنتشار المروع لظاهرة الطلاق في المجتمع المصري بالقدر الذي باتت معه مصر أولى الدول عالميًّا في معدلاته بما ينذر بكارثة متعددة الآثار والجوانب، فقد رصدت إحصاءات جهاز التعبئة والإحصاء نسب الطلاق في مصر في الأعوام الأخيرة (حتى عام 2015) حالة طلاق كل أربع دقائق، أغلبها فى الفئة العمرية من (20ـ 34 سنة) بنسبة تجاوز الـ 60% من حالات الطلاق، وأغلبها في السَّنة الأولى من الزواج.

    كما رصدت الإحصاءات الرسمية: أن المحاكم المصرية شهدت تداول نحو أربعة عشر مليون قضية طلاق عام 2015 يمثِّل أطرافها نحو 28 مليون نسمة، أي: بما يقرب من ثلث تعداد سكان مصر آنذاك؛ فمن هنا كانت هذه الكلمات بين يدي هذه الظاهرة التي عمت وطمت، وضربت جنبات المجتمع ونالت من كل طبقاته، فلم تستثنِ من ذلك أحدٍ.

    مقدمة:

    خلق الله -تعالى- الخلق لحكمة بالغة وغاية سامية؛ ألا وهي تحقيق العبودية له وحده -جل وعلا-، فقال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، وحتى يسهل على العباد تحقيق هذه الغاية على النحو المرضي عند الله -تعالى-، وكان تحقيق هذه العبودية يحتاج إلى الجو الإيماني المناسب والمناخ الصالح للعبادة، فقد هيأ الله -تعالى- لعباده مِن أسباب السكن والهدوء والاستقرار ما يعينهم على تحقيق هذه الغاية السامية والوظيفة العالية.

    ومن بين هذه الأسباب:

    1ـ جعل الله -تعالى- الليل محلًّا للسكينة لينال به العباد قسطًا من الراحة، وتنقطع فيه أعمالهم لتنشط هممهم على مواصلة السعى وتحقيق العبودية لله -تعالى-، قال -تعالى-: (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) (الأنعام:96)، وقال -عز وجل-: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) (غافر:61).

    وجعل ذلك منه رحمة بالعباد: (وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص:73)، وجعلها آية من آياته -جل وعلا-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (يونس:67)، وقال -تعالى-: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النمل:86).

    وهى بذلك نعمة تحتاج إلى شكر المنعم: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (غافر:61)، وعرّف عباده بهذه النعمة وذكّرهم بها بأن يتخيلوا لو نزعت منهم نعمة الليل الذي هو محل سكنهم وقطع أشغالهم كيف يكون عيشهم وحياتهم: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (القصص:72)، والمعنى: قل لهم: أخبروني إن جعل الله عليكم النهار دائمًا إلى يوم القيامة، مَن إله غير الله يأتيكم بليل تستقرون وتهدؤون فيه؟! أفلا ترون بأبصاركم اختلاف الليل والنهار؟! (التفسير الميسر).

    2ـ جعل الله -تعالى- البيوت محلًّا لسكن الإنسان وإيوائه، نعمة منه وفضلًا على عباده كما في سورة النحل التي هي سورة النعم، فقال -تعالى- في معرض الإمتنان على عباده: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَه َا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ) (النحل:80).

    3ـ جعل الله -تعالى- لهذه البيوت الزوجات الصالحات اللائي يمثلن ركن السكينة الأعظم فى حياة الزوج المسلم والأسرة المسلمة، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، وقال -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف:189).

    ولتحقيق عناصر السكينة كلها شرع الله -تعالى- لعباده الزواج، وجعله آية عظيمة من آياته، وطريقة طاهرة لتكاثرهم وتناسلهم بهذه الصورة الشريفة العفيفة المحفوظة، وذلك تلبية لنداء الفطرة وتهذيبا لغرائز البشر وشهواتهم، وتأسيسًا مصونًا لكيان الأسرة التي هي اللبنة الأولى فى بناء المجتمع، والتي بصلاح مجموعها صلاح للمجتمع بأسره، فاهتم الإسلام ببناء هذا الكيان الشامخ منذ الخطوات الأولى لاختيار الزوج والزوجة اللذين هما طرفا هذه العلاقة الطاهرة والعفيفة، وقد أضفى عليها قدسية وتشريفًا، ولا أدل على ذلك من تسميته عقد الزواج بـ(الميثاق الغليظ)، قال -تعالى-: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء:21).

    قال الشوكانى -رحمه الله- في تفسيره المسمَّى (فتح القدير): "قوله: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)... وقد أخذن منكم ميثاقًا غليظًا، وهو عقد النكاح، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله".

    إلا أن الحياة الزوجية لا تخلو من مشكلات ومنغصات كبرت هذه المشكلات أو صغرت، عظمت أو حقرت، ومع تعدد أسبابها ودوافعها (سلوكية - إجتماعية - أسرية - مالية - سياسية - ... )، فتارة تكون المشكلة بسبب سلوكيات من أحد الزوجين أو منهما معًا، أو كان السبب من أبنائهما أو تدخلات الأهل بينهما، أو بسبب النفقة أو غير ذلك من الأسباب؛ فكيف التعامل مع هذه المنغصات والعقبات فى طريق البحث عن حياة زوجية فاضلة، ومن أجل المحافظة على كيان الأسرة شامخًا ثابتًا كمقصدٍ مهمٍّ مِن مقاصد الشريعة ليعان الجميع على طاعة الله -تعالى-، ويعاد المسير إلى الله من جديد؛ لتحقيق العبودية التى من أجلها خلق الله الخلق.
    هذا ما نتناوله في المقال القادم -بمشيئة الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: لحظة... قبل أن تطلق!

    لحظة... قبل أن تطلق! (2)


    كتبه/ وائل عبد القادر



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فإليك -أخي الكريم- القواعد والضوابط التى تحكم حل المشكلات الزوجية:
    القاعدة الأولى: اعرف عدوك:
    عداوة الشيطان للإنسان عداوة قديمة ومعلومة من خلال الآيات والأحاديث الكثيرة، قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6)، (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (يس:60)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (النور:21).
    وقد أخذ الشيطان العهد على نفسه بالأيمان المغلظة بإغواء بني آدم وإضلالهم، وتنكيبهم الصراط المستقيم، (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ) (ص:82).
    وقال -تعالى- على لسان إبليس: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (الأعراف:16).
    وذلك من خلال وسائل وأساليب تمثِّل في مجموعها حربًا ضروسًا واضحة المعالم ضد الإنسان، فقال -سبحانه-: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) (الإسراء:64).
    جاء في "التفسير الميسر": "واستَخْفِف كل مَن تستطيع استخفافه منهم بدعوتك إياه إلى معصيتي، واجمع عليهم كل ما تقدر عليه مِن جنودك مِن كل راكب وراجل، واجعل لنفسك شِرْكة في أموالهم بأن يكسبوها من الحرام، وشِرْكة في الأولاد بتزيين الزنى والمعاصي، ومخالفة أوامر الله حتى يكثر الفجور والفساد، وعِدْ أتباعك مِن ذرية آدم الوعود الكاذبة؛ فكل وعود الشيطان باطلة وغرور".
    فأهل البصيرة أشعروا أنفسهم عداوة الشيطان وترصده فألزموها الحذر واشتغلوا بعداوته ما عاشوا، وأهل الغفلة تناسوا ذلك؛ فوقعوا في شراكه، واستجابوا لحبائله ولبوا دعواته، فكان الخسار والبوار، ولم يفيقوا إلا بعد وقوع المحذور وانتهاء الأعمار، فتحسروا وندموا ولات حين مناص؛ فهو لا يترك ما يمكن أن يلقي العداوة بين الناس إلا ويأتيه ويحرص عليه، ومن ذلك: إلقاء الفتن والتحريش بينهم لما يجره ذلك من التقاطع والتدابر والتقاتل بين المسلمين.
    وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) (رواه مسلم). وَمَعْنَاهُ: أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَهْلُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْحُرُوبِ، وَالْفِتَنِ وَنَحْوِهَا.
    وأعظم أنواع التحريش: أن يسعى للفرقة بين المرء وزوجه؛ فهذا منتهى أمانيه من بني آدم بعد الكفر، وقد صوَّر هذا المعنى حديث مسلم -رحمه الله- في بَابُ تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ وَبَعْثِهِ سَرَايَاهُ لِفِتْنَةِ النَّاسِ، فأخرج بسنده عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: (فَيَلْتَزِمُهُ).
    والعرش هو: سرير الملك، ومعنى إن عرش إبليس على البحر: أن مركزه البحر، ومنه يبعث سراياه في نواحي الأرض. (قاله النووي -رحمه الله- في شرح مسلم).
    فالمسلم العاقل هو الذي يعرف عدوه ويعي جيدًا ما يبتغيه منه؛ فيفوت عليه فرصة التحريش بينه وبين زوجته، فيعرف كيف يحل الأمور قبل أن تتضخم وتتكاثر عليه فلا يقيم الدنيا على أتفه الأمور، ولا يبحث عن دقائق الأشياء ويثيرها ويلهب الحديث عنها، ولا تستفزه بُداءات المشاكل أو مطالب الزوجة المتكررة بطلاقها مع أول مشكلة تقع، ولا يتتبع العثرات والزلات التي لا تخلو منها البيوت، بل هو العاقل اللبيب الذي قالت عنه العرب: (العاقل: هو الفطن المتغافل)، فيمرر ما يقبل التمرير مِن الحوادث والأشياء، ولا يقف على صغيرها وحقيرها فيضيق منافذ الجدال، والقيل والقال، بما يعني تضيق منافذ الشقاق والخلاف، فيحل مشاكله بعيدًا عن التلفظ بالطلاق أو الحلف به أو التوعد بإيقاعه، فيا له من زوج عاقل لبيب!
    وَمـن لَـم يُغـمّـض عَـينَهُ عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهُوَ عاتِبُ
    وَمـَن يـَتـَبَّـع جَـاهِــدًا كُــلَّ عَــــثــرَةٍ يجدها وَلا يَسلَم لَهُ الدَهرَ صـاحِــبُ
    ومِن هنا ندرك أن كثيرًا مِن حالات الطلاق مرجعها إلى: تضخيم الأمور والمشكلات التى بدأت صغيرة، والتي يمكن أن توأد في مهدها؛ إلا أن الاستجابة إلى وساوس الشيطان جعلها تكبر حتى استعصت على الحلول إلا بفصم عرى الزوجية.
    القاعدة الثانية: إدراك طبيعة المرأة وما جبلت عليه فى أصل خلقتها:
    ويخبرك عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ) قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: (يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) (متفق عليه)، وكذا ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا).
    وفي هذه الأحاديث عدة فوائد، منها:
    1- ما جبلت عليه المرأة فى أصل خلقتها من عوج أخلاقهن وضعف عقولهن، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يكمل منهن سوى أربعة نسوة من نساء البشر كلهن.
    2- أن كفرانها العشير، أي: جحودها لحق الزوج وما له من فضل عليها؛ فهو دأب المرأة مع زوجها، وحالها الذي لا يكاد تنخلع عنه أو تنفك منه كالمصرة عليه دائمًا.
    قال ابن حجر -رحمه الله- في "الفتح": "فيه إشارة إلى وجود سبب التعذيب؛ لأنها بذلك كالمصرة على كفر النعمة، والإصرار على المعصية من أسباب العذاب".
    3- أن تقويم الاعوجاج يكون برفقٍ حتى لا يكسر بالكلية، وكذا لا يترك فيستمر على عوجه... خاصة إذا تعدى الاعوجاج من نقص هو في طبيعة المرأة إلى معصية بمباشرة منكر أو ترك واجب.
    4- قال الإمام النووي -رحمه الله-: "وَفِي هَذَا الْحَدِيث: مُلَاطَفَة النِّسَاء وَالْإِحْسَان إِلَيْهِنَّ وَالصَّبْر عَلَى عِوَج أَخْلَاقهنَّ وَاحْتِمَال ضَعْف عُقُولهنَّ، وَكَرَاهَة طَلَاقهنَّ بِلَا سَبَب، وَأَنَّهُ لَا يَطْمَع بِاسْتِقَامَتِه َا وَاَللَّه أَعْلَم".
    5- قال الإمام ابن حجر -رحمه الله-: "وفي الحديث: سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن، وأن مَن رام تقويمها فاته الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها".
    فمفاد ذلك كله: أن الزوج العاقل هو مَن يتعامل مع زوجته على مقتضى هذه الفطرة والجبلة التى قال عنها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ)، والتي فسَّرها الأئمة الأعلام بقولهم: "وَأَنَّهُ لَا يَطْمَع بِاسْتِقَامَتِه َا"، فيلزمه التحمل والصبر لهذا العوج الناشئ عن جبلة خلقية فيهن، والذي لا سبيل لاستقامته؛ إلا بالمداراة تارة، والتغافل تارة، والصبر والتحمل تارة أخرى.
    ولا ينقص أبدًا من قدر الرجل أن يلعب كل هذه الأدوار وغيرها فى تعامله مع زوجته؛ فنظرة تأمل لسيرة خير الأزواج لأهله -صلى الله عليه وسلم-، سيطالع فيها الزوج كل هذه الأساليب كنموذج عملي لما قاله ونصح به -عليه الصلاة والسلام-.
    ومِن ذلك مثلًا: هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري -رحمه الله- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ) ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ".
    ومِن هنا نعلم: لماذا تفشل كثيرٌ مِن العلاقات الزوجية، والتي قد يرجع السبب فيها غالبًا إلى الزوج الذي لا يتعامل مع زوجته على مقتضى هذه الخلقة والفطرة، فينسى نفسه، ويظن أنه يتعامل مع رجل مثله فينتظر كمال العقل والسؤدد والحكمة، وهذا لا شك إن حدث في بعض الأوقات؛ فلن يسلم له في أحوالٍ أخرى كثيرة.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: لحظة... قبل أن تطلق!

    لحظة... قبل أن تطلق! (3)


    كتبه/ وائل عبد القادر



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    القاعدة الثالثة: أن يُقْسِط الزوج من نفسه:

    فالزوج في حال غضبه مِن زوجته وحنقه عليها، إن لم يكن صاحب دين وتقوى؛ جار عليها، وبخس بعض أو كل حقوقها، وتغافل عما تحْمِله من المحاسن، مُسلِّطًا الضوء على ما يعيبها فقط، والله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)، وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء:135)، وقد أرشد القرآن ودلت السُّنة عما يسلكه الزوج في هذه الحالة، فقال -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء:19).

    فندبت الآية إلى إتباع الآتي:

    أولًا: إحسان معاشرة الزوج لزوجته، وذلك بالتحبب والتودد إليها كي تستقيم الحياة الزوجية، وأن يتكلف هذا الحب ويبالغ فيه ولو بالكذب، فهذا مِن مواطن الرخصة فيه، وهذا كله قاعدة مهمة وفعّالة في استقامة واستقرار واستمرار الحياة الزوجية.

    ورضي الله عن فاروق هذه الأمة المُلْهَم حين جاءته امرأة تشتكي من عدم حبها لزوجها، حيث أجابها بكلمات توزن بقناطير الذهب فقال: "إِذَا كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ لَا تُحِبُّ أَحَدَنَا فَلَا تُخْبِرْهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ أَقَلَّ الْبُيُوتِ مَا بُنِيَ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَاشَرُ النَّاسُ بِالْحَسَبِ وَالْإِسْلَامِ"
    أَيْ: إِنَّ حَسَبَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَشَرَفَهُ إِنَّمَا يُحْفَظُ بِحُسْنِ عِشْرَتِهِ لِلْآخَرِ، وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ يَأْمُرُهُمَا بِأَنْ يَتَعَاشَرَا بِالْمَعْرُوفِ"
    (تفسير المنار).


    ثانيًا: ندبت الآية إلى احتمال المرأة والصبر عليها، ولو رأى منها ما يكره في خَلق أو خُلُق طالما لم يصل إلى حدِّ الفاحشة أو النشوز.

    قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنّ َ): "أَيْ: لِدَمَامَةٍ أَوْ سُوءِ خُلُقٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ فَاحِشَةٍ أَوْ نُشُوزٍ، فَهَذَا يُنْدَبُ فِيهِ إِلَى الِاحْتِمَالِ؛ فَعَسَى أن يؤول الْأَمْرُ إِلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ مِنْهَا أَوْلَادًا صالحين... قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى: مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) أَوْ قَالَ: (غَيْرُهُ). الْمَعْنَى: أَيْ: لَا يُبْغِضْهَا بُغْضًا كُلِّيًّا يَحْمِلُهُ عَلَى فِرَاقِهَا. أَيْ: لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، بَلْ يَغْفِرُ سَيِّئَتَهَا لِحَسَنَتِهَا وَيَتَغَاضَى عَمَّا يَكْرَهُ لِمَا يُحِبُّ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْتَخِيرُ اللَّهَ -تَعَالَى- فَيُخَارُ لَهُ، فَيَسْخَطُ عَلَى رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْعَاقِبَةِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خِيرَ لَهُ".

    وقال ابن الجوزي في تفسيره: (زاد المسير)، والخطيب الشربيني فى تفسيره (السراج المنير): "بيَّنت الآية: جواز إمساك المرأة مع الكراهة لها، ونبَّهت على معنيين:

    أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح؛ فرب مكروهٍ عاد محمودًا، ومحمودٍ عاد مذمومًا.

    والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبًا ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يحب".

    القاعدة الرابعة: التدرج في تقويم النساء:

    قال الله -تعالى-: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء:34).

    هذه الآية الكريمة تبيِّن مراحل الإصلاح عند نشوز المرأة، وذلك على الترتيب الموجود بها حتى تؤتي ثمرتها المرجوة، والنشوز هو: الارتفاع. والمعنى: أن المرأة ترتفع على أوامر زوجها فلا تطيعه فيما أمرها به من المعروف، ولا تنتهي عما نهاها عنه من المنكر.

    فأول مراحل التقويم هي: العظة والإرشاد. أي: التذكير بالله -عز وجل- بالترغيب فيما عنده من ثواب إن هي أطاعت زوجها في المعروف، والتخويف بما لديه من عقاب إن هي عصته ونشزت عليه، ويعرفها بما يجب عليها من حسن الأدب فى العشرة بينهما، والوفاء بزمام الصحبة والقيام بحقوق الطاعة للزوج والاعتراف بالدرجة التي له عليها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ حَقِّهِ) (رواه ابن حبان، وقال الألباني: "حسن صحيح")، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    وعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ: أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: (كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟) قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: (فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    فاذا لم تفلح هذه المرحلة، انتقل إلى أسلوب الهجر: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)، فإن الهجر في المضجع قد يؤثِّر في المرأة بما لا يؤثره الضرب؛ فالمرأة الصالحة يزعجها هجر زوجها لها، فإنها تحس أنها غير مرغوبة من زوجها، فلا تنشغل إلا بالتفكير في حالها وما آل إليه، فتنزجر بهجره، وترتدع بتركه لها، وهو علاج له تأثيره النفسي، وبه تعلم المرأة مدى تأثر الزوج بنشوزها، فتعود عن غيها وتطاولها.

    قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ): يوليها ظهره في فراشه.

    وقيل: ينفرد عنها بفراش داخل البيت. وقيل: يهجرها خارج البيت، وعلى ذلك جَرَت الأدلة والجمع بينها كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال".

    فإن لم ينجع الهجر في ردها عن غيها ونشوزها، انتقل الزوج إلى الضرب، وهو مقيَّد بأن يكون ضرب تأديب غير مبرِّح، فلا يكسر عظمًا ولا يتلف عضوًا، ولا يترك أثرًا، ويتجنب الوجه والمقاتل، ولا يكرر الضرب على العضو الواحد فيؤذيه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ َ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُ مْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ، أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) (رواه مسلم).

    قال الدكتور محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله- تحت عنوان: "الطريقة الفضلى: عدم ضرب النساء البتة: اعلم -أصلحك الله-: أن الأَوْلَى والأفضل ترك الضرب مع بقاء الرخصة فيه بشرطه، فقد اتفق العلماء على أن ترك الضرب، والاكتفاء بالتهديد أفضل" (المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية).

    قلتُ: وخاصة إذا علمنا أن الرجل حين يضرب امرأته في حال الغضب غالبًا ما يتجاوز حدود الضرب المباح، فيشج رأسها أو يدمي عضوًا لها أو يترك أثرًا على الجلد ونحوه، فتظل تذكره المرأة كلما رأته، فيستمر حنقها وبغضها لزوجها، فعندئذٍ قد يتدخل أهلها لنصرتها وتتسع رقعة الخلاف، وينفث الشيطان سمومه وتتعقد الأمور ولا تنحل. فكان الأجدر والأولى بالزوج ترك الضرب؛ لما قد يتركه من آثار سيئة فى العلاقة مع زوجته.

    أخرج أبو داود وغيره عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ) قَالَ: فَذَئِرَ النِّسَاءُ وَسَاءَتْ أَخْلَاقُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ذَئِرَ النِّسَاءُ وَسَاءَتْ أَخْلَاقُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ مُنْذُ نَهَيْتَ عَنْ ضَرْبِهِنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَاضْرِبُوا)، فَضَرَبَ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَأَتَى نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ الضَّرْبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَصْبَحَ: (لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ اللَّيْلَةَ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ الضَّرْبَ وَايْمُ اللَّهِ لَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارُكُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

    فهذا النص وغيره يضبط المرحلة الثالثة -الضرب- الواردة في النص: (وَاضْرِبُوهُنَّ) إلى التنفير من الضرب؛ لمدى تأثيره على العشرة المطلوبة؛ ولذا فإن صيغة الأمر هنا ليست من باب الوجوب، وإنما هي من باب الإباحة والإذن، وهذا ما أشار إليه عطاء بقوله: "لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه، ولكن يغضب عليها"، خاصة إذا علمنا: أن هذا هو خُلُق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث ثَبَت عنه أنه لم يضرب بيده إمرأة قط، فأخرج مسلم عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ".

    وتبقى الرخصة قائمة بضوابطها وقيودها التي ذكرنا كعلاج ودواء لا كانتقام وتشفي من المرأة؛ فيراعي فيه وقته ونوعه، وكيفيته ومقداره، وقابلية المحل، وهو إنما يلجأ إليه عند الضرورة، وهذا أمر ظاهر، فمِن النساء مَن يصلحهن الضرب، ومنهن مَن يرجع ذلك عليهن بالفساد؛ فكل امرأة بحسبها.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: لحظة... قبل أن تطلق!

    لحظة... قبل أن تطلق! (4)


    كتبه/ وائل عبد القادر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛



    القاعدة الخامسة: بعث الحكمين إذا لم تحل المشكلة:

    إن الزوجين في حالة الشقاق يدَّعي كلٌّ منهما الحق لنفسه، وقد يؤدي ذلك إلى هضم صاحب الحق حقه، وتُظلم المرأةُ حينئذٍ أو تَظلم، فبعث الحكمين ضمان للزوجين من الوقوع في الظلم أو الجور، وقد أمر الله -تعالى- ببعث الحكمين لإصلاح الشقاق بين الزوجين في قوله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء:35).

    والحَكمَ: هو مَن يصلح للحكومة بين الناس، والفصل بين المتنازعين، والسعي لإصلاح ذات البيّن.

    والمراد ببعثهما: إرسالهما إلى الزوجين؛ لينظرا في شكوى كل منهما، وما يدعيه على الآخر، وليعرفا ما يرجى أن يصلح بينهما، فإن رَأَيا أن النشوز من قِبَل الزوجة ذكَّراها بالله ونصحاها لترجع إلى رشدها، وإن رَأَيا أن النشوز من قِبَل الزوج فَعَلا معه مثل ذلك، فيجتهدا في الإصلاح والتوفيق بينهما، وإزالة ما بينهما من الوحشة والشقاق، ومعرفة مصدر الشكوى مِن كلٍّ منهما، وإقناع كل منهما بالحق، وتذكيره بما أوجب الله عليه لصاحبه من حسن الصحبة وجميل العشرة، وما يلحقه من الإثم والعقاب بالمخالفة والعصيان، وما عسى أن يترتب على ذلك مِن انحلال عرى الزوجية، وهدم كيان الأسرة، وضياع الولد إن كان.


    وقد اشترط العلماء في الحكمين شروطًا، وهي:

    1- أن يكون أحدهما من أهل الزوج، والآخر من أهلها، وهو ظاهر الآية، وإن حمله البعض على الاستحباب؛ فجوَّز بعث حكمين أجنبيين عنهما؛ لأن فائدة الحكمين التعرف على أحوال الزوجين، وإجراء الصلح بينهما، والشهادة على الظالم منهما، وهذا الغرض يؤديه الأجنبي كما يؤديه القريب؛ إلا أن الأقارب أعرف بحال الزوجين من الأجانب، وأشد طلبًا للإصلاح، وأبعد عن الظنة بالميل إلى أحد الزوجين، وأقرب إلى أن تسكن إليهم النفس، فيطلعوا على ما في ضمير كل من الزوجين من حب وبغض، وإرادة صحبة أو فرقة، وموجبات ذلك ومقتضياته،

    2- أن يكونا عدلين مسلمين.

    3- أن يُعرفا بالاستقامة والصلاح والإصابة في الرأي، وحسن السياسة والنظر في حصول المصلحة، عالمين بحكم الله في الواقعة التي حكِّما فيها.

    4- أن يتفقا على حكمٍ واحدٍ ليكون نافذًا، وأما إذا اختلفا؛ فلا اعتبار لحكمهما.

    وعلى الحكمين أن ينويا بعملهما هذا الإصلاح بين الزوجين، فاستحضار هذه النية سبب في حدوث التوفيق بينهما كما قال -تعالى-: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)؛ فينظر كلُّ حكم ما ينقم طرفه الذي هو مِن قِبَله من الآخر حتى يتصالحا فيما بينهما على ما لهما من الحقوق وما عليهما من الواجبات، حتى يصلا إلى نقاط اتفاقٍ فيتنازل كل طرف عما يمكنه مِن بعض الحقوق لدى الآخر، والتغلب على شح الأنفس الذى ذكره الله -تعالى- فى قوله: (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) (النساء:128)، فتنظر النفس لما لها مِن الحقوق، ولا تنظر لما عليها مِن الواجبات.

    قال السعدي -رحمه الله- في تفسير الآية: "جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخُلُق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك، فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخُلُق الحسن سَهُل حينئذٍ عليه الصلح بينه وبين خَصْمِه ومُعامِلِه، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب، بخلاف مَن لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنه لا يرضيه إلا جميع ما له، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر" (تفسير السعدي).

    فإن وفقهما الله للإصلاح؛ فهو المبتغى، وأما إن لم يقْدِرا على الصلح بينهما، فهل لهما أن يُفرِّقا بين الزوجين إن رأيا المصلحة في ذلك؟


    قولان للعلماء، والجمهور على أنهما إن رأيا التفريق بين الزوجين، كان حكمهما نافذًا، دون حاجة إلى إذن الزوجين بالتفريق، أو إذن من الحاكم. والله تعالى أعلى وأعلم.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: لحظة... قبل أن تطلق!

    لحظة... قبل أن تطلق! (5)


    كتبه/ وائل عبد القادر



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


    القاعدة السادسة: آخر العلاج الكي:


    أيها الزوج: إن الإسلام لا يغفل عن الواقع، فقد ينشب الخلاف بين الزوجين، وتستحيل العشرة بينهما ولا يكون هناك بديل عن الطلاق، ولكن لا يجوز أن يكون الطلاق الخطوة الأولى في حسم خلافك مع زوجتك؛ بل لا بد من أن تلجأ إلى ما ذكرنا من الوسائل السباقة قبل الطلاق لعلاج هذا الخلاف؛ فلا تعجل ولا تتسرع بالطلاق، فتندم بعد فوات الأوان.

    أيها الزوج الكريم: إن الصلة بينك وبين زوجتك من أقدس الصلات وأوثقها، وليس أدل على قدسيتها من أن الله -عز وجل- سمَّى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ؛ ولذلك كان حل رابطة الزواج، وإنهاء العلاقة الزوجية -بلا سبب حقيقى- أمرًا بغيضًا في الإسلام؛ لما يترتب عليه من تفكيك للأسرة، وتشتيت لأفرادها. فلا ينبغي للمسلم أن يقدِم عليه دون مسوغ مقبول.

    إن الطلاق لم يشرع في الإسلام ليكون سيفًا مسلطًا على رقبة المرأة كما يعتقد بعض الأزواج، ولا شُرع ليكون يمينًا تؤكَّد به الأخبار كما يفعل بعض الجهال، ولا ليكرم به الضيوف، ولا لحمل المخاطب على فعل شيء أو الامتناع عن شيء مثل ما اعتاد عليه بعض الناس! فهذا خطأ عظيم، وانحراف كبير في استعمال هذا الأمر الشرعي.

    - إذا لم يكن إلا الطلاق؛ فعليك بطلاق السنة، وإياك وطلاق البدعة.

    إذا استحالت العشرة بين الزوجين ووصلت المشكلات إلى طريق مسدود ولم تصل محاولات الحكمين إلى الصلح، ولم يكن ثم إلا الطلاق فإن الإسلام العظيم قد نظَّم للمسلم طريق الطلاق ولم يتركه لأهوائه أو ميوله، فالإسلام يحرص كل الحرص على كيان الأسرة حتى عند انفراط عقدها، ويضع من الإجراءات والتنظيمات ما تحد من خسائر انهدام هذا الكيان قدر المستطاع، بل بما قد يؤدي إلى عودة الحياة من جديد إلى علاقة الزوجية، فأنزل مما أنزل في كتابه سورة سُميت بالطلاق، تنظمه وتحدد حدوده وضوابطه، فقال -تعالى- فى مطلع السورة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (الطلاق:1).

    جاء فى التفسير الميسر: "يا أيها النبي إذا أردتم -أنت والمؤمنون- أن تطلِّقوا نساءكم فطلقوهن مستقبلات لعدتهن -أي في طهر لم يقع فيه جماع، أو في حَمْل ظاهر-، واحفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم أن تراجعوهن، وخافوا الله ربكم، لا تخرجوا المطلقات من البيوت التي يسكنَّ فيها إلى أن تنقضي عدتهن، وهي ثلاث حيضات لغير الصغيرة والآيسة والحامل، ولا يجوز لهن الخروج منها بأنفسهن، إلا إذا فعلن فعلة منكرة ظاهرة كالزنا، وتلك أحكام الله التي شرعها لعباده، ومَن يتجاوز أحكام الله فقد ظلم نفسه، وأوردها مورد الهلاك. لا تدري -أيها المطلِّق-: لعل الله يحدث بعد ذلك الطلاق أمرًا لا تتوقعه فتراجعها" (انتهى).

    فنظمت هذه الآية وغيرها، وكذا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ضوابط إيقاع الطلاق على السنة بما سماه الفقهاء بـ"الطلاق السني"، وسموا ما انتقص فيه شرط أو أكثر بالطلاق البدعي.

    والطلاق السني يُشترط فيه ما يلي:

    1- أن يوقعه الزوج على زوجته وهو مستقبلة لعدتها، وتكون كذلك إذا طلقها فى طهر لم يجامعها فيه، أو طلقها وهى حامل.

    2- أن يوقع الطلاق بلفظ الطلاق لا بلفظ الظهار أو التحريم أو الحلف بالطلاق، قاصدًا إيقاعه.

    3- أن يوقعه طلقة واحدة لا ثلاث ولا أكثر.

    فإن طلقها بهذه الضوابط لزمها أن تبقى طوال عدتها فى بيت الزوجية، ولا يحل لها أن تخرج، ولا أن يسارع أهلها لأخذها كما يفعل كثير من المسلمين خلافًا لما شرعه الله رحمة بالعباد، وحكمة منه بالغة كما قال -عز وجل-: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)؛ فأكثر مشكلات الطلاق إنما تحدث بسبب الجهل بهذه الأحكام الشرعية الحكيمة، الرحيمة بالعباد.

    فبمجرد أن تُطلق المرأة ينهي الطرفان جميعَ الأمور ويقطعان حبائل العلاقة الزوجية بالكلية، ويتناسى كل منهما أن المرأة المطلقة رجعيًّا لا تزال زوجة حكمية طالما أنها فى عدتها، فيجعلونها كالبائنة بينونة كبرى فيأتي أولياء المرأة فيأخذونها بعيدًا عن بيت زوجها طوال فترة العدة؛ فتتفاقم الأمور وتتضخم المشكلات، ويتشدد كل طرف عند رأيه، وتنتهي العدة، وتنتهي العلاقة الزوجية مخلِّفة وراءها آثارًا سلبية، وجراحًا عميقة على الجميع.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: لحظة... قبل أن تطلق!

    لحظة... قبل أن تطلق! (6)


    كتبه/ وائل عبد القادر



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    أخي الحبيب:

    حتى مع فوات عدة المرأة، لا تظنن أن الأمر انتهى أو أن علاقتك بمَن كانت زوجتك قد انتهت إلى الأبد، لا بل لا يزال لك ولها بحبوحة من العيش وسعة مِن عودة الألفة والمودة بينكما، خاصة بعد أن ذُقت وذاقت ألم الفراق، وأنين الوحشة والغربة.

    فإن كانت قد بانت منك بينونة صغرى بعد انتهاء عدتها عقب الطلقة الأولى أو الثانية، فلا يزال باب العود مفتوح يناديكما: هلمَّ إلى جمع الشمل، ودحر الشيطان، ويحذِّر أولياء المرأة أن يستجيبوا لنداء الحنق والعزة بالإثم فيمنعوا موليتهم من العودة لزوجها إذا تراضوا بينهم بالمعروف، قال -تعالى-: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:232).

    قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث، إذا خرجت من العدة، وأراد زوجها أن ينكحها ورضيت بذلك، فلا يجوز لوليها من أب وغيره أن يعضلها، أي: يمنعها من التزوج به حنقًا عليه وغضبًا واشمئزازًا لما فعل مِن الطلاق الأول" (تفسير السعدي).

    ومن هنا يظهر لنا سبب كثرة حالات الطلاق في المجتمع المصرى خاصة، ولماذا كثرت المشكلات وتعمقت الخلافات، وراجت سوق الشيطان في التفريق بين المرء وزوجه؟!

    فالمتهم الأول: انتشار الطلاق البدعي -بسبب الجهل بالدِّين-: فأصبح شائعًا بين الكثير؛ لجهلهم كيفية إيقاع الطلاق بالصورة الشرعية، وخاصة خروج الزوجة من بيت زوجها أثناء عدتها فى الطلقة الأولى والثانية بما يوسِّع من رقعة الخلاف بينهما، ويعمِّق جراح الشقاق على النحو الذي يمتلأ معه قلبا الزوجين غلًّا وكراهية للآخر، وبالقدر الذي يروج به سوق الطلاق.

    قال العَلّامَة عَبْد الرّحمن بْن يحْيَي المُعَلّمِيّ اليَماني -رحمه الله- في كلامٍ جامع بديع له عن ضوابط إيقاع الطلاق: "فحدَّ الله -تعالى- له حدودًا تمنع أو تقلِّل هذا الضرر، فلم يجعل له أن يطلق وهي حائض، ولا في طهر قد قاربها فيه، والسر في ذلك -والله أعلم- أن الرجل إذا بُعد عهده بالمرأة قوي ميله إليها، فإذا طلَّقها مع ذلك كان الظاهر أن رغبته عنها قد استحكمت، وهذا هو المقتضي للرخصة في الطلاق.

    وإذا كانت المرأة حائضًا كان محتملًا أن يكون قاربها في الطهر الذي قبل تلك الحيضة، فعهده بها قريب، وقرب العهد يُضعِف الميل، بل ربما أوجب النفرة.

    وينضم إلى ذلك أن نفس الرجل تنفر من الحائض؛ إما للأذى، وإما لليأس من مقاربتها، وهذه نفرةٌ عارضةٌ، لا يصح أن يكتفَى بها لاستحقاق رخصة الطلاق.

    وهكذا إذا كانت طاهرًا وقد قاربها في ذلك الطهر، فعهده بها قريبٌ، وقرب العهد يُضعِف الميل، أو يوجب النفرة كما مرَّ، فإذا أراد أن يطلقها وهي طاهرٌ في طهرٍ لم يقاربها فيه، فالظاهر أن رغبته عنها قد استحكمت، ولكن ربما تضعف هذه الرغبة أو تزول إذا ازداد العهد بُعدًا.

    مع أن موجب النفرة قد يكون سببًا عارضًا، من ذنب وقع منها، أو إساءة، وإذا طال العهد غفر الذنب، ونسيت الإساءة، فرخص له أن يطلقها، على أن له أن يراجعها ما دامت في عدتها.

    فإذا طلَّق كان عليه أن لا يقطع عنها النفقة والسكنى، ومن الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن يبقى باب الصلح مفتوحًا ميسرًا، والغالب أن يكون بيتها الذي أمر أن يُسكِنها فيه هو بيته أو قريب منه، وذلك أدعى إلى الصلح، فقد تهيج به الذكرى وهو على فراشه في أثناء العدة، فلا يكون بينه وبينها إلا كشف الستر أو طَرْق الباب، ولعله لو صبر إلى الصبح لفترت رغبته، فلا يراجع، ولعله يبدو له خطؤه في إيقاع الطلاق، ومضرته عليه، ويلومه هذا، وتعذله هذه، ومع ذلك فقد جرَّب الفرقة وجرَّبتها، وذاق كل منهما مرارتها، فإذا وقعت الرجعة، فقد ذاقت هي من الفرقة ما يجعلها تخاف من وقوعها مرةً أخرى، فيدعوها هذا الخوف إلى حسن الطاعة والحرص على رضاه، وتحري ما يوافق هواه، وذاق هو ما يحمله على التأني والتريث في المستقبل، فلا يستعجل بإيقاع الطلاق، مع علم كل منهما بأنهما قد صارا على ثلث الطريق من الفرقة الباتة.

    فإن لم تعطفه العواطف حتى انقضت العدة، فالظاهر أن النفرة قد استحكمت، ومع ذلك بقي له أن يراجعها، ولكن برضاها، ومهر آخر، وعقد جديد.

    فإذا راجع من المرة الأولى، ثم طلَّق مرة أخرى بالشروط السابقة، وشرعت في العدة على الصفة الأولى، كان ذلك أدعى إذا وقعت رجعة أن لا تعصيه بعدُ ولا يطلقها؛ لعلمهما أنهما على ثلثي الطريق، وأنه إن طلَّقها المرة الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، فتخاف هي أن لا يرغب فيها أحدٌ، وإن رغب فيها فلعله يسيء عشرتها، ويظلمها ويمسكها على البؤس والشقاء، ويخاف هو إن طلَّقها أن تتبعها نفسه كما تبعتْها المرتين الأوليين، فلا يجد إلى ذلك سبيلًا، إذ لعلها لا تتزوج بعده، وإن تزوجت فلعل الزوج الجديد يكون أسعد بها، وأحرص عليها، وإن فارقها هذا الزوج الجديد فلا ترجع إلى الأول إلا بعقد جديد، ومهر جديد، ثم ترجع إليه بعد أن ذاقت عسيلة غيره، وعرفت ما عرفت، إلى غير ذلك.

    فإذا علمتَ ما تقدم، فاعلم أن الله -تعالى- أرحم بعباده من أنفسهم، وأنه لا يُحِلُّ لهم أن يضروا بأنفسهم فضلًا عن غيرهم؛ فكيف يجعل لأحدهم أن يطلق زوجته ابتداءً طلاقًا يحرمها عليه البتة حتى تنكح زوجًا غيره؟!

    مع العلم بأن نظر الإنسان قاصرٌ، فقد يظن أنه لم يبقَ له إليها حاجة، وأنها قد استحكمت نفرته منها، وأن لا ضرر عليه في بينونتها منه، ويكون مخطئًا يتبيِّن له خطؤه بعد ساعة، كما هو مشاهد بكثرة فاحشة في هذه الأزمان" (انتهى).

    وهذا آخر ما يسر الله جمعه.
    سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •