تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ

    قال الشيخ عبد الرحمن السعدى
    التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ، ..،
    فكلُّ قولٍ أو [فعل] يُفضِي إلى الغلوِّ الَّذي يُخشَى مِنه الوقوعُ في الشِّركِ ،
    فإنَّه يَتَعَيَّنُ اجتنابُه ولا يَتِمُّ التوحيدُ إلاَّ بتَرْكِهِ.
    والحاصِلُ أنَّ تمَامَ التوحيدِ:
    - بالقيامِ بشروطِه.
    - وأركانِه.
    - ومُكَمِّلاَتِهِ .
    - ومُحَقِّقاتِه.
    - وباجتنابِ نواقِضِه.
    - ومُنَقِّصاتِه
    ظاهِرًا وباطِنًا.

    - قوْلاً وفِعْلاً.
    - وإرادةً واعْتِقَادًا.
    [القول السديد فى مقاصد التوحيد]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ

    في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه: ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني...).

    نحتاج معرفة الشياطين و مصائدهم لبني آدم ... نسأل الله العفو والعافية...
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه: ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني...).

    نحتاج معرفة الشياطين و مصائدهم لبني آدم ... نسأل الله العفو والعافية...
    نعم بارك الله فيك
    الشيطان حريص كل الحرص على إضلال بني آدم وإيقاعهم في المعاصي والمنكرات وصدهم عن الطريق المستقيم
    كما أقسم بذلك فقد حكى الله تعالى عنه قوله:
    قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
    فالشيطان يستدرج الإنسان إلى ما فيه هلاكه من سخط الله تعالى وغضبه،
    وخطواته هي تزيين كل معصية وبدعة،

    وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله خطوات الشيطان التي يتدرج فيها لإهلاك بني آدم
    يقول في بدائع الفوائد:

    ولا يمكن حصر أجناس شره فضلا عن آحادها.
    إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه.
    ولكن ينحصر شره في ستة أجناس لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحدا منها أو أكثر.

    الشر الأول:
    شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله،
    فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه مع
    ه وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى يناله منه.

    فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره واستنابه على أمثاله وأشكاله فصار من دعاة إبليس ونوابه،
    فإن يئس منه من ذلك وكان ممن سبق له الإسلام في بطن أمه نقله
    إلى المرتبة الثانية من الشر وهي:
    البدعة
    وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي،
    لأن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد وهي ذنب لا يتاب منه وهي مخالفة لدعوة الرسل، ودعا إلى خلاف ما جاؤوا به وهي باب الكفر والشرك، فإذا نال منه البدعة وجعله من أهلها بقي أيضا نائبه وداعيا من دعاته،
    فإن أعجزه من هذه المرتبة وكان الجد ممن سبق له من الله موهبة السنة ومعاداة أهل البدع والضلال
    نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر وهي:
    الكبائر على اختلاف أنواعها فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها. ولاسيما إن كان عالما متبوعا فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه،
    فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة وهي:
    الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاجها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض. وذكر حديثا معناه أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا نارا عظيمة فطبخوا واشتووا، ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالا منه.
    فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة وهي:
    إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها،
    فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب. نقله إلى المرتبة السادسة
    وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل. فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له. إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه.

    ثم قال الامام ابن القيم رحمه الله:
    فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيا عليه سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    نعم بارك الله فيك
    الشيطان حريص كل الحرص على إضلال بني آدم وإيقاعهم في المعاصي والمنكرات وصدهم عن الطريق المستقيم
    كما أقسم بذلك فقد حكى الله تعالى عنه قوله:
    قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
    فالشيطان يستدرج الإنسان إلى ما فيه هلاكه من سخط الله تعالى وغضبه،
    نعم
    الشيطان هو العدوّ الاكبر للعباد
    فلا بد للعبد أن يتذكّر هذه العداوة دائما
    ولا ينسى أن هناك قَرِينًا من الشيطان مُلازِمًا له لا يفارقه،
    يتربّص به من يوم ولادته إلى يوم فراقه للحياة،
    يحاول هذا العدو هذا القَرِين إضلاله وإبعاده عن سبيل الله،
    وقد توعّد وأقسم بعزّة الله على إضلال بني آدم:
    (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ..
    يقول الله تعالى: (ألَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَـانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـذَا صِراطٌ مُّسْتَقِيمٌ)
    وقال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ)
    هذه العداوة نشأت منذ أن خلق الله آدم -عليه السلام- ونفخ فيه الروح،
    قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *
    قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ *
    قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ *
    قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ *
    قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *
    إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ *
    قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
    )

    وقد توعّد وأقسم بعزّة الله على إضلال بني آدم: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ)
    في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من عندي ليلاً، فغِرْتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: "ما لك يا عائشة؟!"، قلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟! فقال: "أقد جاءك شيطانك؟!"، قلت: يا رسول الله: أَوَمعي شيطان؟! قال: "نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟! قال: "نعم"، قلت: ومعك يا رسول الله؟! قال: "نعم، ولكنّ ربي أعانني عليه حتى أسلَمَ"، وفي صحيح مسلم وأحمد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينُهُ من الجن وقرينُهُ من الملائكة
    فأخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لكل إنسان عدوًّا وقرينًا من الشيطان يتربّص به جاهدًا ومحاولاً لإضلاله عن صراط الله المستقيم. ولله الحكمة البالغة في ذلك، فقد سلّطه الله على عباده ابتلاءً وامتحانًا، قال تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَـانُ إِلاَّ غُرُورًا) [الإسراء: 64].
    وقد ثبت في صحيح البخاري أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم
    سماه الله تعالى بالوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس،
    قال ابن كثير:
    "الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ أي: أن الشيطان جاثِم على قلب ابن آدم،
    فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذَكَر الله خَنَس
    ".
    الشيطان، يستغِلّ ضعف الإنسان، فإنّ للإنسان نقاط ضعف كثيرة، وهي في الحقيقة أمراض تقع في قلبه، فتصبح مدخلاً من مداخل الشيطان،
    ومن هذه الأمراض:
    الغضب والشهوة والكِبْر والعُجْب والغرور والحسد والعَجَلة والجهل والغفلة والكذب والظلم والطغيان والحزن والفرح وحبّ المال والافتتان بالدنيا والنساء وغيرها،
    وكلّ هذه منافذ يدخل منها الشيطان للوسوسة.
    وللشيطان هدفين:
    إيقاع العباد في الشرك والكفر، وإيقاعهم في الذنوب والمعاصي.
    والثانى إدخال العباد إلى النار معه،
    و للشيطان مكائد ومصايد يصطاد بها الإنسان،
    كما أن له أساليب عديدة لإضلاله،
    فالشيطان لا يأتي إلى الإنسان ويقول له: اترك هذه الأمور الخيّرة،
    ولا يأتي إلى الإنسان ويقول له اكفر بالله،
    فلو فعل ذلك فلن يطيعه أحد،
    ولكن يأتيه بأساليب ذكية ومختلفة،
    ويتدرّج معه بخطوات متعاقبة ومتتالية،
    ولو تطلّب ذلك وقتًا طويلاً وزمانًا بعيدًا.
    ومن أساليبه الخبيثة أنه يأتي ويُظهِرُ النُصحَ للإنسان،
    فالشيطان يدعو المرءَ إلى المعصية، يزعم أنه ينصح له، ويريد له الخير،
    وقد أقسم لأبينا آدم أنه ناصِحٌ له،
    كما أخبر تعالى: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 21].
    وفي هذا الباب قصة وقعت في بني إسرائيل،
    ذكرها ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس،
    وهي قصة يرويها المفسرون عند قوله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) عن وهب بن مُنبِّه أحد التابعين،
    ونذكرها على سبيل الاعتبار والحذر من أساليب الشيطان في إضلاله للإنسان:
    إن عابدًا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثةُ إخوة لهم أخت، وكانت بِكْرًا ليس لهم أخت غيرها، فخرج البعث في غزوة من الغزوات على ثلاثتهم، فلم يدروا عند من يُخَلّفون أختهم، فأجمع رأيهم على أن يُخَلّفوها ويتركوها أمانة عند هذا العابد من بني إسرائيل، وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه وسألوه أن يُخَلّفوها عنده غاية رجوعهم من الغزو، فأبى ذلك عليهم، وتعوّذ بالله منهم ومن أختهم، فلم يزالوا به حتى أطاعهم، فقال: أنزلوها في بيت تحت صَوْمعتي، بعيدًا عني، فأنزلوها في ذلك البيت، ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانًا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد إلى الصومعة، ثم يأمرها فتخرج من بيتها، فتأخذ ما وضع لها من الطعام، فبعد زمان ومدة تلطّف له الشيطان، فلم يزل يرغّبه في الخير، ويعظّم عليه خروج الجارية من بيتها نهارًا، ويخوّفه أن يتعرّض لها أحد أو يؤذيها عند خروجها، فقال له: فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها لكان أعظم أجرًا وأسلم لها من الخروج، فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها ووضعه على باب بيتها، فلبث على هذه الحالة زمانًا، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، وقال له: لو تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك، فلم يزل به حتى فعل ذلك، فلبث على ذلك زمانًا، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، فقال: لو كنت تكلّمها وتحدّثها فتأنس بحديثك، فهي مسكينة وحيدة، وقد استوحشت وحشة شديدة، فلم يزل به حتى حدّثها زمانًا، ثم أتاه إبليس فقال: لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدّثها وتقعد هي على باب بيتها وتحدّثك لكان آنس لها، فلبث زمانًا على ذلك، ثم جاءه إبليس فقال: لو دخلت وحدّثتها بداخل البيت لكان أسلم لكما والسترة لها أفضل، فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدّثها ويأكلان الطعام معًا، فلم يزل إبليس يزيّنها له ويحسّنها في عينيه حتى لمسها ووقع بعد ذلك ما لا يحمد عُقْباه، فحملت الجارية منه، ووضعت له غلامًا، فجاءه إبليس بعد ذلك فقال له: أرأيت إن جاء إخوة الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع؟! لا آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك، فقال له إبليس: الحل هو أن تعمد إلى ابنها فتقتله وتدفنه، فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها، ففعل العابد ذلك، ثم بعد ذلك جاءه إبليس فقال له: أتظن أن الجارية ستكتم إخوتها ما صنعت بها أو أنها ستصبر على أنك قتلت ابنها؟! فالحل الوحيد لك هو أن تقتلها وتدفنها مع ابنها، فلم يزل به حتى قتلها وألقاها في الحفرة مع ابنها، وأطبق عليهما صخرة عظيمة.
    وبعد فترة أقبل إخوتها من الغزو، فجاؤوا وسألوه عن أختهم، فعزّاهم في أختهم، وأخبرهم أنها ماتت بعد مرض شديد، وترحّم عليها وبكى عليها، وقال: كانت خير امرأة، وهذا قبرها، فانظروا إليه. فأتى إخوتها القبر، فبكوا أختهم، وترحموا عليها، فأقاموا على قبرها أيامًا، ثم انصرفوا إلى أهاليهم، فلما جَنّ عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم جاءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر، فسألهم عن أختهم فأخبروه بقول العابد، فأكذبهم الشيطان، وأخبرهم أن العابد لم يصدقهم في أمر أختهم، وأنه قد أَحْبَلَ أختكم وولدت له غلامًا فقتلهما معًا خوفًا منكم، وألقاهما في حفرة خلف باب البيت، فاستيقظ الإخوة الثلاث على منام واحد متواطئ، فتعجّبوا من ذلك، فقال كبيرهم: هذا حلم ليس بشيء، فقال أصغرهم: والله لا أمضي حتى آتي إلى ذلك المكان فأنظر فيه، فانطلقوا جميعًا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم، فبحثوا الموضع كما وصف لهم في المنام، فوجدوا أختهم وابنها مقتولين في الحفرة. فأمسكوا بالعابد وسألوه، فصدق قول إبليس فيما صنع بهما، فقدّموه ليُصلَب، فلما أوثقوه على خشبة أتاه الشيطان فقال له: لقد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة حتى أَحْبَلتها وقتلتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك وصوّرك خلّصتك مما أنت فيه من محنة، فكفر العابد، فلما كفر بالله تعالى، خلّى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه وقتلوه ومات على الكفر.
    هذه القصة تبين أساليب الشيطان يتدرّج خطوة بعد خطوة،
    لا يكَلّ ولا يَمَلّ،
    ومن أساليبه تزيين الباطل،
    وهذا هو السبيل الذي كان الشيطان ولا يزال يسلكه لإضلال العباد،
    فهو يُظهِر الباطلَ في سورة الحق، ويُظهِر الحقَّ في صورة الباطل،
    قال تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر:39، 40]، وقال الله تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ) [النمل: 24].
    الشيطان يزين الكفر والشرك يزيّن الحرامَ، ويزيّن المعاصي،
    زيّن لقوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مَدْين وقريش الشرك والكفر وعبادة الأصنام، وزيّن لهم المعاصي، زيّن لقوم لوط الفاحشة، وزيّن للقرون الخالية المتمرّدة أنواع الذنوب والمعاصي،
    قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
    ومن أساليبه لإضلال الإنسان الوعد والتمنية،
    فالشيطان يعد الناس بالمواعيد الكاذبة،
    ويُعلّقهم بالأماني المعسولة، تشجيعًا لهم ليوقعهم في المعاصي والضلال،
    قال تعالى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)
    وبرغم ما لهذا العدو من المكائد والأساليب الكثيرة لإضلال الإنسان
    إلا أن كيدَه ضعيف،
    قالجلّ وعلا-: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
    فكيد الشيطان ضعيف لمن آمن بالله وأطاعه، واتبع صراطه المستقيم، ولازم التوبة والاستغفار بعد كل زلّة وخطيئة،
    ففي الحديث الصحيح من رواية أحمد والحاكم: "إن الشيطان قال: وعزّتك وجلالك، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب -جلّ جلاله-: وعزّتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"، وقال تعالى: (إِنَّ الذِينَ اتقوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)
    ومن أهم ما يعصم من مكائد الشيطان ووساوسه،
    توحيد الله جل وعلا والتوكّل عليه والانقطاع إليه وإخلاص العبادة لله،
    قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
    قال سبحانه (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌِ إلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)
    وقال تعالى عن إبليس : (قال فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ)
    وعباد الله المخلصين هم الذين أخلصوا دينهم وعبادتهم لله وحده لا شريك الله.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله خطوات الشيطان التي يتدرج فيها لإهلاك بني آدم
    يقول في بدائع الفوائد:
    نعم
    ويبين الامام ابن القيم فى مدارج السالكين
    سبع عقبات يحرص الشيطان الرجيم أن يهزم ابن آدم فيها ، ولا ينتقل من العقبة الأشد إلى التي تليها إلا عند عجزه عن الأولى
    يقول رحمه الله :
    " الْعَقَبَةُ الْأُولَى :
    عقبة الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِدِينِهِ وَلِقَائِهِ، وَبِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَبِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَفِرَ بِهِ فِي هَذِهِ الْعُقْبَةِ بَرُدَتْ نَارُ عَدَاوَتِهِ وَاسْتَرَاحَ، فَإِنِ اقْتَحَمَ هَذِهِ الْعَقبَةَ وَنَجَا مِنْهَا بِبَصِيرَةِ الْهِدَايَةِ، وَسَلِمَ مَعَهُ نُورُ الْإِيمَانِ، طَلَبَهُ عَلَى:
    الْعَقبَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِيَ عقبَةُ الْبِدْعَةِ، إِمَّا بِاعْتِقَادِ خِلَافِ الْحَقِّ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ، وَإِمَّا بِالتَّعَبُّدِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ مِنَ الْأَوْضَاعِ وَالرُّسُومِ الْمُحْدَثَةِ فِي الدِّينِ، الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهَا شَيْئًا...
    فَإِنْ قَطَعَ هَذِهِ الْعَقبَةَ، وَخَلَصَ مِنْهَا بِنُورِ السُّنَّةِ، وَاعْتَصَمَ مِنْهَا بِحَقِيقَةِ الْمُتَابَعَةِ، وَمَا مَضَى عَلَيْهِ السَّلَفُ الْأَخْيَارُ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَهَيْهَاتَ أَنْ تَسْمَحَ الْأَعْصَارُ الْمُتَأَخِّرَة ُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ! فَإِنْ سَمَحَتْ بِهِ نَصَبَ لَهُ أَهْلُ الْبِدَعِ الْحَبَائِلَ، وَبَغَوْهُ الْغَوَائِلَ، وَقَالُوا: مُبْتَدِعٌ مُحْدِثٌ.
    الْعقَبَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ عقبَةُ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ ظَفِرَ بِهِ فِيهَا، زَيَّنَهَا لَهُ، وَحَسَّنَهَا فِي عَيْنِهِ، وَسَوَّفَ بِهِ...
    فَإِنْ قَطَعَ هَذِهِ الْعُقْبَةَ بِعِصْمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَوْ بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ تُنْجِيهِ مِنْهَا، طَلَبَهُ عَلَى:
    الْعَقَبَةِ الرَّابِعَةِ: وَهِيَ عقبَةُ الصَّغَائِرِ، فَكَالَ لَهُ مِنْهَا بِالْقُفْزَانِ، وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ إِذَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ مَا غَشِيتَ مِنَ اللَّمَمِ، أَوَمَا عَلِمْتَ بِأَنَّهَا تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبِالْحَسَنَات ِ، وَلَا يَزَالُ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَهَا حَتَّى يُصِرَّ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ مُرْتَكِبُ الْكَبِيرَةِ الْخَائِفُ الْوَجِلُ النَّادِمُ، أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ، فَالْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ أَقْبَحُ مِنْهُ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَا رِ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، ثُمَّ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا بِقَوْمٍ نَزَلُوا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَعْوَزَهُمُ الْحَطَبُ، فَجَعَلَ هَذَا يَجِيءُ بِعُودٍ، وَهَذَا بِعُودٍ، حَتَّى جَمَعُوا حَطَبًا كَثِيرًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، فَكَذَلِكَ فَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ تَجْتَمِعُ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ يَسْتَهِينُ بِشَأْنِهَا حَتَّى تُهْلِكَهُ) .
    الْعقبَةُ الْخَامِسَةُ: وَهِيَ عقبَةُ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا حَرَجَ عَلَى فَاعِلِهَا، فَشَغَلَهُ بِهَا عَنْ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَعَنْ الِاجْتِهَادِ فِي التَّزَوُّدِ لِمَعَادِهِ، ثُمَّ طَمَّعَ فِيهِ أَنْ يَسْتَدْرِجَهُ مِنْهَا إِلَى تَرْكِ السُّنَنِ، ثُمَّ مِنْ تَرْكِ السُّنَنِ إِلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، وَأَقَلُّ مَا يُنَالُ مِنْهُ تَفْوِيتُهُ الْأَرْبَاحَ، وَالْمَكَاسِبَ الْعَظِيمَةَ، وَالْمَنَازِلَ الْعَالِيَةَ، وَلَوْ عَرَفَ السِّعْرَ لَمَا فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَلَكِنَّهُ جَاهِلٌ بِالسِّعْرِ.
    فَإِنْ نَجَا مِنْ هَذِهِ الْعقبَةِ بِبَصِيرَةٍ تَامَّةٍ وَنُورٍ هَادٍ، وَمَعْرِفَةٍ بِقَدْرِ الطَّاعَاتِ وَالِاسْتِكْثَا رِ مِنْهَا، وَقِلَّةِ الْمُقَامِ عَلَى الْمِينَاءِ، وَخَطَرِ التِّجَارَةِ، وَكَرَمِ الْمُشْتَرِي، وَقَدْرِ مَا يُعَوِّضُ بِهِ التُّجَّارَ، فَبَخِلَ بِأَوْقَاتِهِ، وَضَنَّ بِأَنْفَاسِهِ أَنْ تَذْهَبَ فِي غَيْرِ رِبْحٍ، طَلَبَهُ الْعَدُوُّ عَلَى:
    الْعقَبَةِ السَّادِسَةِ: وَهِيَ عقبَةُ الْأَعْمَالِ الْمَرْجُوحَةِ الْمَفْضُولَةِ مِنَ الطَّاعَاتِ، فَأَمَرَهُ بِهَا، وَحَسَّنَهَا فِي عَيْنِهِ، وَزَيَّنَهَا لَهُ، وَأَرَاهُ مَا فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ وَالرِّبْحِ، لِيَشْغَلَهُ بِهَا عَمَّا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَأَعْظَمُ كَسْبًا وَرِبْحًا، لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ تَخْسِيرِهِ أَصْلَ الثَّوَابِ، طَمِعَ فِي تَخْسِيرِهِ كَمَالَهُ وَفَضْلَهُ، وَدَرَجَاتِهِ الْعَالِيَةَ، فَشَغَلَهُ بِالْمَفْضُولِ عَنِ الْفَاضِلِ، وَبِالْمَرْجُوح ِ عَنِ الرَّاجِحِ، وَبِالْمَحْبُوب ِ لِلَّهِ عَنِ الْأَحَبِّ إِلَيْهِ، وَبِالْمَرْضِيّ ِ عَنِ الْأَرْضَى لَهُ.
    وَلَكِنْ أَيْنَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْعقبَةِ؟ فَهُمُ الْأَفْرَادُ فِي الْعَالَمِ، وَالْأَكْثَرُون َ قَدْ ظَفِرَ بِهِمْ فِي الْعُقْبَاتِ الْأُوَلِ.
    فَإِنْ نَجَا مِنْهَا بِفِقْهٍ فِي الْأَعْمَالِ وَمَرَاتِبِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَنَازِلِهَا فِي الْفَضْلِ، وَمَعْرِفَةِ مَقَادِيرِهَا، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ عَالِيهَا وَسَافِلِهَا، وَمَفْضُولِهَا وَفَاضِلِهَا، وَرَئِيسِهَا وَمَرْءُوسِهَا، وَسَيِّدِهَا وَمَسُودِهَا، فَإِنَّ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ سَيِّدًا وَمَسُودًا، وَرَئِيسًا وَمَرْءُوسًا، وَذِرْوَةً وَمَا دُونَهَا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ...) الْحَدِيثَ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (الْجِهَادُ ذِرْوَةُ سَنَامِ الْأَمْرِ) ، وَفِي الْأَثَرِ الْآخَرِ ( إِنَّ الْأَعْمَالَ تَفَاخَرَتْ ) فَذَكَرَ كُلُّ عَمَلٍ مِنْهَا مَرْتَبَتَهُ وَفَضْلَهُ، وَكَانَ لِلصَّدَقَةِ مَزِيَّةٌ فِي الْفَخْرِ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يَقْطَعُ هَذِهِ الْعُقْبَةَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ وَالصِّدْقِ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ، السَّائِرِينَ عَلَى جَادَّةِ التَّوْفِيقِ، قَدْ أَنْزَلُوا الْأَعْمَالَ مَنَازِلَهَا، وَأَعْطَوْا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
    فَإِذَا نَجَا مِنْهَا لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عقبة يَطْلُبُهُ الْعَدُوُّ عَلَيْهَا سِوَى وَاحِدَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَوْ نَجَا مِنْهَا أَحَدٌ لَنَجَا مِنْهَا رُسُلُ اللَّهِ وَأَنْبِيَاؤُهُ ، وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ، وَهِيَ عقبة تَسْلِيطِ جُنْدِهِ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى، بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، عَلَى حَسَبِ مَرْتَبَتِهِ فِي الْخَيْرِ، فَكُلَّمَا عَلَتْ مَرْتَبَتُهُ، أَجْلَبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، وَظَاهَرَ عَلَيْهِ بِجُنْدِهِ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ حِزْبَهُ وَأَهْلَهُ بِأَنْوَاعِ التَّسْلِيطِ، وَهَذِهِ العقبة لَا حِيلَةَ لَهُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ كُلَّمَا جَدَّ فِي الِاسْتِقَامَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَالْقِيَامِ لَهُ بِأَمْرِهِ، جِدَّ الْعَدُوُّ فِي إِغْرَاءِ السُّفَهَاءِ بِهِ، فَهُوَ فِي هَذِهِ الْعُقْبَةِ قَدْ لَبِسَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ، وَأَخَذَ فِي مُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ " انتهى " مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين " (1/237) .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ

    نفع الله بكم، نسأل الله العفو والعافية
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •