بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه سلسلة جديدة أبدأ فيها بعون الله تعالى الكلام على كعب الأحبار.
والغرض منها بيان الموقف العلمي الصحيح تجاه مرويات كعب الأحبار وتراثه وآثاره.
وليس الغرض من هذا البحث الدفاع أو الانتصار لكعب الأحبار وكذلك ليس الغرض الانتقاص أو الطعن فيه.
وليس من صفات البحث العلمي الدخول فيه بنية الدفاع أو الطعن فهذا يؤدي إلى التعصب وقلة البصيرة في عرض الأدلة ومعرفة الحقيقة.
والباحث إذا أراد أن يكتب شيئاً بغرض الدفاع أو الانتصار لفكرة أو عقيدة أو شخص فهذا يسمى مقالاً أو تعليقاً أو رداً أو غير ذلك.
أما البحث العلمي فمن شروطه الاهتمام بجمع المعلومات والأدلة المتعلقة بموضوع البحث ثم عرضها كما هي ثم تحليلها واظهار النتائج والفوائد المستفادة منها.

سواء كانت هذه النتائج تتوافق مع أفكارك المسبقة أم لا.

فنتائج البحث هي التي تحكم على أفكارك السابقة وليس العكس.

والسلسلة ستكون على حلقات في موضوع واحد والله الموفق.


اسمه ونسبه ووفاته:

هو كعب بن ماتع الحميري ويكنى أبا إسحاق من حمير من آل ذي رعين باليمن.
وهو يهودي من بني اسرائيل أسلم وقدم المدينة في خلافة عمر بن الخطاب وصاحب عمر حتى مات ثم صحب عثمان في أول خلافته ثم خرج إلى الشام فسكن حمص حتى تُوُفّي بها في خلافة عثمان بن عفان وتحت إمرة معاوية بن أبي سفيان سنة اثنتين وثلاثين في قول بعض العلماء أو سنة أربع وثلاثين على قول البعض الآخر.
(انظر الجرح والتعديل 7/161والتاريخ الكبير 7/224 وحلية الأولياء 5/364 والطبقات الكبرى 7/309 والمنتخب للطبري ص116 ومشاهير علماء الامصار ص190 وتاريخ دمشق 50/151 وسير أعلام النبلاء 3/489 وتهذيب الكمال 24/189)

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قال ابن سعد مات بحمص سنة اثنتين وثلاثين وفيها أرّخه غير واحد وقال ابن حبّان في الثقات مات سنة أربع وثلاثين وقيل سنة اثنتين وقد بلغ مائة وأربع سنين وقال البخاريّ: قال حسن يعني ابن رافع عن ضمرة هو ابن ربيعة وابن عياش هو إسماعيل لسنة بقيت من خلافة عثمان. قلت: وهو يوافق ابن حبان لأن قتل عثمان في آخر سنة خمس وثلاثين وقال ابن سعد مات سنة اثنتين وثلاثين بحمص. ه الاصابة لابن حجر 5/484

قلت: فعلى ما نقله ابن حبان هو أكبر سناً من أبي بكر وعمر.

قال ابن عساكر: قرأت على أبي محمد بن حمزة عن عبد العزيز بن أحمد أنبأنا تمام بن محمد أخبرني أبي حدثنا أبو العباس محمد بن جعفر بن ملاس حدثني الحسن بن محمد بن بكار عن أبيه عن يحيى بن حمزة عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد الحضرمي أن كعب الأحبار مات بذات الجوز من درب الحدث في سنة أربع وثلاثين وكان اسم أبيه ماتع. قال ابن عساكر: ولا أظن قوله بالدرب محفوظا والله أعلم. ه
تاريخ دمشق 50/175

وقد ذكر له الحافظ ابن عساكر نسباً طويلاً غريباً فقال:
كعب بن ماتع بن هيسوع ويقال هلسوع بن ذي هجري بن ميتم بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد ويقال كعب بن ماتع بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن عوف بن حمير بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ ويقال كعب بن ماتع من ولد زهير سواودي هجران بن ميتم بن مثرة بن يريم بن ذي رعين الأكبر بن سهل بن زيد بن الجموهر بن عمرو بن قيس بن معاوية بن حسن أبو إسحاق الحميري من آل ذي رعين ويقال من ذي الكلاع ثم من بني ميتم المعروف بكعب الأحبار من مسلمة أهل الكتاب أدرك النبي (صلى الله عليه وسلم) وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق ويقال في خلافة عمر. ه تاريخ دمشق 50/151

وقد استقر كعب الأحبار في حمص تحت إمرة معاوية ومات بها.
هذا هو المعروف المشهور الذي عليه جمهور علماء الحديث والأثر.
وقيل دفن بمصر نقله السخاوي وغيره.
قال السخاوي في مدينة الجيزة بمصر: وَيُقَال إِن كَعْب الْأَحْبَار مدفون بِهَا وَإِن مَسْجِدا مِنْهَا كَانَ فِيهِ التابوت الَّذِي قذفت بِهِ أم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام فِي النّيل وَهُوَ فِيهِ. ه البلدانيات للسخاوي 1/142

قلت: وهو قولٌ لبعض المؤرخين والرحالة كالمقريزي وابن جبير.
وعندنا في مصر مقام يعرف بمقام كعب الأحبار وهو تحديداً في شارع الناصرية بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة وعليه مسجد قديم يعرف بمسجد كعب الأحبار.
والصحيح أن هذا الضريح إنما هو مقام تشريف ككثير من المقامات والأضرحة التي بنيت في عصر الدولة الفاطمية والمملوكية وهي في الحقيقة مقامات شرفية لم يدفن بها أصحابها ومنها هذا الضريح المنسوب إلى كعب والله أعلم.

قال ابن حجر: وَسَكَنَ الْمَدِينَةَ وَغَزَا الرُّومَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ تَحَوَّلَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ إِلَى الشَّامِ فَسَكَنَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِحِمْصٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَالْأول أَكثر. ه
فتح الباري 13/335

فالصحيح أنه مات بحمص الشام قبيل وفاة عثمان رضي الله عنه وهو الذي أثبتته الرواية:

قال أبو فَوزَةَ حُدَيْرٍ السُّلَمِيِّ: حَضَرْتُ بَعْثَ الصَّائِفَةِ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ كَانَ كَعْبٌ أَوْقَعَ اسْمَهُ فِي الْبَعْثِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقِيلَ: لَهُ إِنَّكَ مَرِيضٌ فَقَالَ: أَخْرَجُونِي فِي الْبَعْثِ فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَمُوتَ بِحَرَسْتَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ بِدِمَشْقَ وَلَأَنْ أَمُوتَ بِدَوْمَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ بِحَرَسْتَا هَكَذَا قَدِمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ أَبُو فَوزة: فَأَخْرَجْنَاهُ فَمَاتَ حِينَ انْتَهَى إِلَى حِمْصَ. ه
التاريخ الكبير للبخاري 3/98 والكنى والأسماء للدولابي 1590 وتاريخ دمشق 50/174