أريد العلم والتجارة




أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة


السؤال
الملخص:
شاب وقع في حيرة بين العمل في التجارة وكسب الأموال، وبين طلب العلم ليُصبح من كبار العلماء، ويسأل: ماذا يفعل؟
التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لديَّ طموحان في الحياة؛ الأول: أن أكون عالِمًا عظيمًا في علم من العلوم الدنيوية مثل العلماء العظماء، وأن أكون رقمَ واحد فيه، وقد أنتهيتُ دراسة البكالوريوس فيه، والآن أنا في بداية الماجستير، مع العلم أنني أحب هذا المجال وهو موافق لميولي، الثاني: أن أكون رجل أعمال (مليونير)، وأنا متعلق بهذا الحلم، ولكن ليس عندي رأس مال ولا خبرة، وأستطيع التخطيط لاكتسابهما.
الآن أنا في مفترق طُرُقٍ؛ فيجب أن أختار أحد المجالين بسبب التخصص؛ ذلك أن الإنسان لا يمكن أن يكون عظيمًا في مجال من المجالات إلا إذا كان متخصِّصًا فيه، تعطيه كل وقتك وجهدك (الوقت العملي)، وهذا هو الملاحظ؛ فعلى سبيل المثال: في العلوم الشرعية برز ابن باز وابن عثيمين، لم أسمع في حياتي أنهما كانا تاجِرَيْنِ، وفي الكيمياء برز أحمد زويل، لم أسمع به يومًا أنه كان تاجرًا، أو بالنسبة لهم جميعًا لم يخوضوا أيَّ مجال آخر، فالتخصص في شيء يجعلك بارعًا فيه، فيجب أن تختار طموحًا واحدًا؛ لكي تحقِّقه وتَبْرَعَ فيه، لكنني إذا اخترت طموحي الأول، حُرمتُ من أن أكون مليونيرًا؛ فـ((تسعة أعشار الرزق في التجارة))، نعم قد يكون للإنسان هوايات أخرى، لكن التخصص مطلوب، فماذا أختار منهما؟ وحتى إن اخترتُ الطموح الأول (عالم)، ستبقى عيني ونفسي تهفو إلى الثاني، بسبب المكاسب المالية، ولن أستطيعَ أن أخرجه من عقلي، أو هل يمكن الجمع بينهما؛ مثلًا: بعض الشيوخ متخصص في الدين وفي نفس الوقت لديه ثروة؟ أرجو إسداء المشورة، وفَّقكم الله.

الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فأولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: نحمد لك حماستك وهِمَّتك ورغبتك في تحصيل النافع لك في الحياة؛ سواء بالانشغال بالعلوم الشرعية أو الدنيوية، فالمسلم لا بد أن ينشغل بالنافع له ولغيره.
ثالثًا: لا بد من التوازن بين طلب العلم وطلب الرزق، فلا يحق لك ترك التكسب بحجة طلب العلم وأنت فقير ولا تجد ما تنفقه، فتُضيع نفسك ومَن تعول، ولا يجوز لك ترك الواجب العيني من العلوم الشرعية بحُجة السعي وراء الدنيا، والسعيد مَن وضع الأشياء في أماكنها.
فالنصيحة لك إذا كنت فقيرًا وتحتاج إلى المال، فاطلب الرزق بقدر الحاجة، واطلب العلم وقت فراغك، وإذا كنت مقتدرًا أو تجد مَن ينفق عليك، فتفرَّغ لطلب العلم، فالأمر ليس له قاعدة ثابتة يسير المرء عليها، فمن العلماء مَن جمع بين هذا وذاك؛ لذا تجد في تراجم وسير العلماء فلان البزاز؛ أي: يعمل في البَزِّ وهو القماش، وفلان الزيَّات، ومنهم من اشتغل في بداية طلبه بالتكسب، ثم تركه لما تمكن وأصبح يُحتاج إليه في العلم والفتوى، وفتح الله عليه سبل الرزق، ومنهم مَن كان ينفق عليه غيره، كأمه، أو أبيه، أو أخيه، أو أحد أهل الإيمان من أصحاب الأموال.
فاستعن بالله، وتوكل عليه، والموفَّق مَن وفَّقه الله، ومَن طلب شيئًا بصدقٍ نالَهُ، وأبواب الرزق كثيرة، وقد تكفَّل الله لمن توكَّل عليه واتَّقاه بالرزق والكفاية، فاجتهِدْ في طلب العلم، مع طَرْق أبواب الرزق، ولا تكن عالة على أحد، والله أعلم.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6ekv8jmGa