تتكون الاستعاذة- كما يقول بعض أهل العلم[1]- من خمسة أركان هي:
أ- صيغة الاستعاذة ولفظها، وقد تقدم.
ب- المستعيذ، وهو المؤمن الذي رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً، ونطق بالاستعاذة، وواطأ عنده القلب اللسان، فأيقن أن هذه الاستعاذة تحميه، بإذن الله من الشيطان الرجيم.
ج- المستعاذ به وهو الله- جل وعلا- الذي مَن استعاذ به أعاذه، وأجاره وعصمه، وحفظه وحماه، كما أعاذ مريم ابنة عمران وذريتها وعصمها بسبب دعاء والدتها امرأة عمران وإعاذتها إياها بالله من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 36، 37].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخًا إلا ابن مريم وأمه»[2].
فالاستعاذة إنما تكون بالله -جل وعلا- وأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وكلماته التامة، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.
وأكثر ما ورد في القرآن الاستعاذة باسمه تعالى «الله».
قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]، وقال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200]، وقال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 56].
وقال موسى عليه السلام فيما ذكر الله عنه: ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67]، وقال يوسف عليه السلام: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ [يوسف:23، 79]. أي: عياذًا بالله.
كما وردت الاستعاذة كثيرًا باسمه تعالى: «الرب».
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1].
وقال موسى عليه السلام: ﴿ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 27]، وقال عليه السلام: ﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾ [الدخان: 20].
أو بمضمر يعود على الرب، قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 97، 98].
وقال نوح -عليه السلام: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾ [هود: 47].
وقالت امرأة عمران: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36].
ووردت الاستعاذة باسمه «الرحمن» مرة واحدة. قال الله تعالى عن مريم -عليها السلام: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18].
وفي الحديث: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق»[3].
«أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق وذرأ وبرأ» الحديث[4].
ولا تصح الاستعاذة بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ لأن الاستعاذة بالمخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله لا تدفع شرًّا، ولا تجلب خيرًا، بل مما يزيد المستعيذ خوفًا ورهقًا، كما قال تعالى في سورة الجن: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6] [5].
د- الركن الرابع من أركان الاستعاذة: المستعاذ منه، وهو الشيطان الرجيم، أعاذنا الله منه.
هـ- الركن الخامس من أركانها: المطلب الذي من أجله يستعيذ المسلم، وهو السلامة في دينه ودنياه، من الشيطان ووسوسته ومكايده وجميع شروره.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ [الناس: 1 - 4].
وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 97، 98].
وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم»[6].
قال ابن القيم في «إغاثة اللهفان»[7] بعد أن ذكر هذا الحديث: «فتضمن هذا الحديث الشريف الاستعاذة من الشر وأسبابه، وغايته، فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس، أو من الشيطان، وغايته: إما أن يعود على العامل أو على أخيه المسلم...».
وقال الطبري[8] في كلامه على معنى الاستعاذة: «أستجير بالله- دون غيره من سائر خلقه- من الشيطان، أن يضرني في ديني، أو يصدني عن حق يلزمني لربي».
وقال ابن كثير[9]: «أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم، أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه».


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/142871/#ixzz6cjqthDU4