السؤال:
♦ الملخص:
رجل ادَّخر مبلغًا من المال، وأصبح في استطاعته أن يحج، ويريد تأجيل الحج حتى يُصبح لديه فائض من المال، وفي الوقت ذاته هو في شوق عظيم للحج، ويسأل: ماذا يفعل؟
♦ التفاصيل:
أرجو إجابتي إجابة شافية كافية:
أنا رجل مقيم في دولة غير دولتي، أعمل في مجال التجارة والحمد لله، وأريد الحج وحاليًّا أملك 13500 دولار، هذا مبلغ خاصٌّ بي ومن جهدي وعملي؛ حيث أقوم بالادخار، وأخرج عن هذا المبلغ الزكاة إذا حال عليها الحول، ويبلغ راتبي حوالي 1000 دولار شهريًّا، وسيصبح معي حتى يحين وقت الحج حوالي 19000 دولار؛ إذ إن الحج بعد ستة أشهر، وتكلفة الحج حوالي 3000 دولار، تشمل كافة المصاريف والفندق والطيران ذهابًا وإيابًا، وإذا تم قبولي وذهبت للحج يبقى من مالي المدَّخَر 15000 دولار، وأريد أن أقدم، لكن هناك احتمال لعدم قبولي بسبب عمري، فهناك قرعة، وهي تعتمد على الحظ، وأنا ما أدخر من مالي خوفًا من ضيق العيش وتقلبات الزمان، والحمد لله فقد ملكت الزاد والراحلة مثلما قال رسولنا الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، لكنني متردد كثيرًا؛ فأنا أخشى تكلفة الحج المادية، وكثرة المصاريف، وتدهور عملي، وأريد أن أبنيَ نفسي ومستقبلي، ومع ذلك فأنا في شوق عظيم لأداء فريضة الحج؛ لذلك أرسلت سؤالي حتى ترشدوني، وتذكروا لي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على أداء فريضة الحج، وهل ما أملِك من المال يُدخلني في دائرة الاستطاعة ووجوب الحج على الفور، وقد استشرتُ والدي، فقال لي: تريَّثْ حتى تمتلك ما يؤهِّلك لبناء نفسك بشكل مناسب، ويكون لديك فائضٌ من المال، أرجو من فضيلتكم نصحي وتوجيهي، وهل الحج سبب لسَعة الرزق؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فاعلم أخي الكريم أن هذه الخواطر التي تجول بخاطرك إنما هي من الشيطان؛ الذي قال الله تعالى عنه: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].
وأما الله تعالى، فقد وعدك الغِنى بالحج والعمرة، وذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما يَنفِيَانِ الفقرَ والذنوب كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة، وليس للحَجَّةِ المبرورة ثوابٌ إلا الجنة))[1].
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: ((إن لكِ من الأجر على قدر نَصَبِكِ ونفقتِكِ))[2].
وبيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم فضلَ الحج والعمرة في أحاديث كثيرة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور))[3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حجَّ لله فلم يَرْفُثْ، ولم يَفْسُقْ، رجع كيوم ولدته أمه))[4].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لِما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة))[5].
وعن ابن شماسة قال: ((حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلًا، وقال: فلمَّا جعل الله الإسلام في قلبي، أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ابسُطْ يمينك لأُبايعَكَ، فبسط يده، فقبضتُ يدي، فقال: ما لك يا عمرو؟، قال: أردتُ أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قال: أن يُغفَرَ لي، قال: أَمَا علِمْتَ يا عمرو أن الإسلامَ يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحجَّ يهدم ما كان قبله))[6].
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ((أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضلَ العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن أفضل الجهاد حجٌّ مبرور))[7].
فتوكَّلْ على الله أخي الكريم، وقدِّمْ أوراق طلب الحج، وفَّقنا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى.
---------------
[1] أخرجه ابن أبي شيبة (12638)، وأحمد (3669)، والترمذي (810)، والنسائي (2631)، وصححه الألباني.
[2] أخرجه الدارقطني في سننه (2729)، والحاكم في مستدركه (1733).
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح"، وصححه الألباني.
[3] متفق عليه: أخرجه البخاري (26)، ومسلم (83).
[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (1521)، ومسلم (1350).
[5] متفق عليه: أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349).
[6] أخرجه مسلم (121) بسياق أطول من هذا، وابن خزيمة (2515)، وهذا لفظه.
[7] أخرجه البخاري (1520).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6cVnxF9fW