قال الشيخ صالح الفوزان فى شرح مسائل الجاهلية
المتن
قال الامام محمد ابن عبد الوهاب
[إن دينهم مبني على أصول:
أعظمها التقليد، فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار، أولهم وآخرهم، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ، وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21] ، فأتاهم بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ... } [سبأ: 46] الآية، وقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] .
الشرح
من مسائل الجاهلية:
أنهم لا يبنون دينهم على ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنما يبنون دينهم على أصول أحدثوها هم من عند أنفسهم، ولا يقبلون التحول عنها منها:
التقليد، وهو المحاكاة، بأن يقلد بعضهم بعضاً، وإن كان المقلد لا يصلح للقدوة، كما قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] .ومترفوها هم: أهل الرفاهية والمال في الغالب؛ لأنهم أهل الشر وعدم قبول الحق، خلاف الضعفاء والفقراء فإن الغالب عليهم التواضع وقبول الحق. فأهل الترف هم أصحاب الجاه وأصحاب المال {إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} أي أصحاب المال والجاه فيهم {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 23] أي: على ملة ودين، وإنا متبعون لهم على دينهم، يعني: لسنا بحاجة إليكم أيها الرسل، يزعمون أن هذا يغنيهم عن اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهذا هو التقليد الأعمى، وهو من أمور الجاهلية.أما التقليد في الخير فهذا يسمى اتباعاً واقتداء، قال تعالى عن يوسف عليه السلام: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 38] .وقال تعالى: {وَالسَّابِقُون الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} .
ولهذا قال الله تعالى في أهل الجاهلية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]
فالذي لا يعقل ولا يهتدي ليس محلاً للقدوة، إنما القدوة فيمن يعقل ويهتدي،
فالتقليد الأعمى من أمور الجاهلية،
وهذا يسمى بالتعصب؛ لأن القدوة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه.
ثم قال الشيخ رحمه الله: وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21] .
وإذا قيل للمشركين والكافرين {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وهو القرآن
{قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ}
أي يدعو هؤلاء الآباء {إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} أتتبعونهم للسعير؟ يعني: تقتدون بآبائكم وإن كانوا من أتباع الشيطان، ومآلهم إلى السعير؟
العاقل يجب أنه ينظر في أمره، وفيمن يقلد.
ثم قال الشيخ رحمه الله: فأتاهم بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ: 46] ، وقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] .أي: أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية،
فهم يقولون: نحن نتمسك بما عليه آباؤنا، ولا نطيع هذا الرجل، يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم. والله جل وعلا يقول: انظروا وتفكروا فيما قال لكم هذا الرجل، تفكروا، ولا تأخذكم العصبية، {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} [ (سبأ: 46] جماعات وفرادى، تنظرون فيما دعاكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كان حقاً وجب عليكم اتباعه، ولا يجوز لكم البقاء على ما كان عليه الآباء والأجداد.{أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} يعني: لا للهوى والعصبية؛ بل يكون قيامكم لله، تريدون الحق {مَثْنَى وَفُرَادَى} اثنين اثنين، يفكرون ويجتمعون، ويعقدون جلسة؛ لأن تعاون الجالسين أو الجماعة فيه رجاء الوصول إلى الحق، أو فرادى، أن يخلو بنفسه ويفكر، ويتأمل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيجد أنه حق فيجب عليه اتباعه، {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي تقولون: إنه مجنون، وهو ليس به جنون؛ بل هو أعقل الرجال وأعقل الخلق صلى الله عليه وسلم، وأنصح الخلق وأعلم الخلق، عليه الصلاة والسلام، فكيف تقولون: إنه مجنون؟ فكروا، انظروا في عقله، انظروا في تصرفاته، هل هي مثل تصرف المجنون؟ {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] إنْ لم تؤمنوا به وتتبعوه، فإنه سيحل بكم العذاب الشديد، فهو جاءكم ناصح لكم، يريد لكم الخير، ويريد لكم النجاة، ويريد لكم الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، فكيف تصفونه بهذا الوصف، تقولون إنه مجنون، بدون رويّة وبدون تفكر وبدون تأمل لما جاء به؟
وهكذا يجب على كل عاقل أن ينظر في أقوال الناس، فيميزها ويفحصها، ويرى الخطأ من الصواب، فيقبل الحق ويرد الخطأ، ولا يحمله التقليد الأعمى على البقاء على الباطل