العنف المسلط على الزوجة -- الأسباب - الأشكال - الحلول

عبدالحميد غزي بن حسن



إن الأمر المتوقع من قراءتك لمقولة: >إن زوجاً ما اعتدى على زوجته< هو وجود معتد قوي على ضحية ضعيفة،·· ولا تزال الزوجة >في مجتمعنا العربي< هي الضحية الرئيسة لمثل هذا النوع من السلوك العنيف الذي يتناقض مع حقوق المرأة وحريتها الشخصية·

والسؤال الذي يلوح في الأفق
لماذا يمارس الزوج هذا النموذج من السلوك العنيف تجاه زوجته؟!
وتفيد نتائج الدراسات العربية حول هذه المشكلة بالذات >العنف ضد الزوجة<، أن الأسباب الاقتصادية أو الفقر، هي من أهم الأسباب في المجتمع العربي، حيث يسهم بما نسبته 45.6 في المئة ثم يليه الأسباب الاجتماعية المتمثلة بالخلافات الزوجية، ومستويات التفاعل بين الزوجين، إضافة إلى انخفاض المستويات التعليمية لدى الزوجين··، إلا أن الأسباب الأساسية، تكمن في تربية الزوج (العنف المتوارث)، وربما كان هو ضحيته، وقد تعود بالتالي عليه، ووجد فيه الطريقة المثلى لمواجة المشكلات وحلها، ووضع حد لكل ألوان الاختلاف مع الآخرين·
وربما يكون هذا الزوج محبطاً خارج المنزل، ومستغلاً، فتكون المرأة هي الحلقة الأضعيف التي يمارس عليها >فش الخلق<·
وربما هناك أسباب نفسية مرضية، كأن يكون الرجل حاقداً على أمه، فينتقل حقده على زوجته التي يرى فيها صورة الأم، وأحياناً تظهر هذه الحال بعد أن تلدالمرأة، فتكون نوعا من الغيرة، ويعزى السبب في هذه الحالة إلى إنصراف المرأة للاهتمام بالأولاد·· ولهذا العنف المتسلط على الزوجه من قبل الزوج أشكال مختلفة، منها العنف الصحي والعنف اللفظي والعنف الجسدي، وثمة مشكلات اجتماعية وأخرى صحية·· يصاحب هذا العنف الموجه للزوجة، كإجبارها على الحمل المتعدد، وعدم السماح لها بالتنظيم، وحرمانها من التمتع برعاية صحية مناسبة لظروفها، ولا سيما حرمانها من مراجعة الطبيب لسبب أو لآخر، وحرمانها من التغذية الجيدة ما قد يوثر سلباً على صحة المرأة وسوء أحوالها البدنية·


وثمة دراسة عربية أخرى، أثبتت >أن أكثر النساء شكوى من هذه الناحية، اخضاع المرأة لرغبات الرجل الإنجابية- وهي أن الزوجات اللواتي تنجبن البنات فقط<·
وتفيد الدراسة، أن سيدة كانت لديها سبع بنات، ونصحها الطبيب التوقف عن الإنجاب مدة >4< سنوات، لعدم قدرتها على الإنجاب، صحياً، وتحت ضغط الزوج اضطرت أن تنجب، والنتيجة: أنجبت له ولداً مشوهاً·· ناهيك عن تعرضها>الزوجة< لمرض ما استوجب عملية جراحية·
وأما العنف اللفظي، فهو أشد أنواع العنف على الصحة النفسية للمرأة، مع أنه لا يترك آثاراً مادية عليها، وبخاصة قيام الزوج بتوجيه التوبيخ والتعنيف بالصراخ والشتم لزوجته واللجوء إلى أسلوب التجاهل وإهمال شؤون الأسرة نكاية بالزوجة·· ولكن أقوى ما في العنف هو التهديد بالطلاق الذي يترك آثاراً نفسية على المرأة·· ناهيك عن العنف الاجتماعي الذي بموجبه، تمنع المرأة من ممارسة حقوقها الاجتماعية والشخصية وكذلك تمنع من الانخراط في المجتمع وممارسة أدوارها الاجتماعية خارج نطاق الأسرة،مما يؤثر سلباً على نموها العاطفي ومكانتها الاجتماعية·
ومن مظاهر العنف التي تعاني منها المرأة العربية،لجوء الزوج إلى الاحتكاك والتدخل المستمر في شؤون البيت، كوسيلة ضغط على الزوجة، وكذلك، منع الزوجة من زيارة الأهل والأقارب، كوسيلة لعزلها اجتماعياً·
وإضافة لما تقدم، إن العنف الجسدي من استخدام الأيدي والأرجل أو أي أداة أخرى، تترك آثاراً واضحة على جسد الزوجة، وفي هذا الصدد، تفيد إحصائية في >المغرب< أن نسبة الرجال الذين مارسوا العنف 50 -60 في المئة، حيث كانوا ضحاياه في صغرهم، وعاشوا في أسر مارس الأب فيها القوة والضرب ضد الأم·· وتفيد دراسة عربية أيضاً، أن صبية متزوجة وبرفقتها والدتها جاءتا إلى طبيب نفسي لاعتقاد الوالدة أن الابنة مجنونة، واتضح بعد جلسات عدة، أن المرأة، كانت تتعرض للضرب على مدار ثمانية عشر عاماً وقد تسبب لها الضرب ببعض الكسور ، ولكن أهلها لم يصدقوها، وظلوا يقولون لها أنت مجنونة·


ونظرت الطبيبة إلى والدتها وبحضور والديها، وقالت لهما: أنتما المجنونان، وليست ابنتكما، فما كان من المرأة إلا أن ركعت على قدمي الطبيبة وقالت: (هذه أول مرة أجد فيها من يصدقني)·
ومن الملفات التي وقعت بين يديَّ من محكمة النساء العربيات في بيروت، ثمة ملف يبحث عن واقع أستاذة جامعية في تونس وأم لطفلين تقول (اعترافات): أعيش حال انفصام في الشخصية·· أعود من الجامعة إلى البيت ليضربني زوجي أمام أولادي، وعندما عرضت مشكلتي على والدي، كان الجواب: (كل النساء تُضرب·· وهذا طبيعي)·
وملف آخر، تحكي قصة (فاطمة نور) التي قالت أمام محكمة النساء التي عقدت في بيروت: >تعرضت للعنف الجسدي ثلاث مرات ·· إلا أن آخر مرة·· والدي زوجني وأنا ابنة الثانية عشرة من العمر برجل يكبرني بخمسين عاماً، وتحت تأثير الضرب<·
ويحضرني في هذا الصدد، ما قام به موظف كبير وله مركزه المرموق، بضرب زوجته أمام أولاده، وتكرر هذا الأسلوب لأكثر من مرة، وبتدخل من بعض الأصدقاء بغية وقف هذا>العنف الجسدي< ولكن من دون جدوى، وفي النهاية وبحضور جمع من الأهل، قام أحد أولاده اليافعين بتهديد والده بالقتل، إن تجرأ ومد يده على أمه مرة أخرى، ولم يكتف بذلك، وإنما أكد له (لوالده)، أنه مستعد لدخول السجن في سبيل ذلك،·· ماجعل الوالد يتوقف عن ضرب الأم نهائيا·· بعد أن شعر بتأثير ذلك على الأولاد·
ومن جملة الآثار التي تتركها مظاهر العنف المتسلط على الزوجة، التوتر الأسري العام داخل الأسرة، وبالتحديد في مجال العلاقات الوالدية، وسيطرة جو من عدم التفاهم والإحساس بالكبت، ناهيك عن إحساس الأبناء بنوع من الصراع لديهم بين القيم الدافعة لاحترام الأب من جهة، وبين القيم الدافعة لحماية الأم والدفاع عنها، عند الضرورة - من جهة أخرى·
ومن الأبعاد اللافتة للانتباه لهذه الظاهرة- العنف الزوجي- عدم إدراك المرأة ذاتها لخطورة المشكلة، رغم أنها الضحية، ولا سيما أن نسبة مرتفعة مازالت لا ترغب حتى في رفض هذا السلوك، حرصاً منهن على العلاقات الأسرية وتماسكها ولما يلي من الاعتبارات:
-اعتقادهن للحفاظ على الدور القيادي الضابط لسلوك أفراد الأسرة·


-إن مبدأ مخالفة الزوج أو التصرف بطريق تغضبه، ربما تعكر صفوة الوئام داخل الأسرة، وهذان الاعتباران متوافقان مع بعض خصائص التنشئة الأسرية في المجتمع العربي·
-نمط الحياة الصحراوية التي كانت ومازالت سائدة مما فرض وصاية الرجل على المرأة، ما جعله هو المسؤول عن سلوك المرأة عرفياً وإلى حدٍ ما قانونياً·

ولكن! أين يكمن الحل؟
- هل في القانون؟ إيجاد قوانين رادعة لممارسي العنف، وعدم اسقاط الحق العام·
- هل في تغيير عقلية المجتمع ؟! ولا سيما إن كان العامل الوراثي له الدور الأساسي في جعل المرأة أضعف من الرجل جسدياً، لكنها من دون شك مساوية له عقلياً وفكرياً·



وماذا بعد ؟!
لماذ لانشدد على الناحية التربوية سواء في المدرسة أو في الجامعة، أو من خلال وسائل الإعلام؟!
لماذا لا نشدد على قول الحقيقة أن للإنسان ركيزتين أساسيتين، ركيزة المعرفة، وركيزة الأخلاق، والعمل على التوازن بين المعرفة والتطبيق، وكذلك ارتقاء الإنسان إلى درجة العدالة، والأهم في ذلك التربية الاجتماعية؟!
لماذا لا نحدث قوانين تحمي الزوجة؟!



وبالرغم من ذلك!
علينا أن ندرك تماماً، أن أول ما أعلن الإسلام على لسان رسولنا الأعظم صلوات الله، أن المرأة كالرجل في الإنسانية سواء بسواء، لقوله تعالى:
{يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً} >النساء - 1<
وأيد ذلك الحديث الشريف:
>إنما النساء شقائق الرجال<·
ولقد ساوى الإسلام المرأة مع الرجل في اعتبارها أهلاً للتدين والعبادة ودخول الجنة إن أحسنت ومعاقبتها إن أساءت، فقال عزَّ من قائل:
{من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلتحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون} >النحل - 97<·
{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أوأنثى بعضكم من بعض} >آل عمران -195<·
وهكذا·· نرى في كثير من الآيات الكريمة تأييداً وتأكيداً على مبدأ المساواة في المعاملة بين الرجل والمرأة·· كما حارب الإسلام التشاؤم بالأنثى، والحزن حين ولادتها، ورفع الإسلام والقرآن من شأن المرأة، وذلك بإعطائها حق الإرث وحق التصرف بمالها، أي جعلها سيدة نفسها تتصرف بحياتها وأموالها كما يحلو لها·
ومن مظاهر تكريم المرأة أيضاً، أن جعل سبحانه وتعالى خلق المرأة وإيداعها من نفس الرجل فكانت سكناً له، وكانت فيئا يفيء إليه عند الشدة، فقد جاء في القرآن الكريم: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} >الروم - 21<·
ولم ينس الإسلام أن يصون حق المرأة في الحياة الكريمة، فنظم علاقتها مع زوجها وجعلها علاقة مودة وحب وعلاقة بذل وعطاء من كلا الجانبين·
فقال تعالى:
{هُن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنَّ} >البقرة - 187<·
{وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} >الروم - 21<·
ولنتذكر جميعاً موقف المرأة العربية موقفاً أخلاقياً، وبطولتها بطولة تتحدى بها العقول القاصرة، في أقصى بلاد العالم وأدناه، فهي التي ضربت الأمثلة الرائعة في الشمم، والاعتداد بالنفس والكرامة·· فها هي >زينب< في كرمها، و>الخنساء< في بطولاتها، و>أسماء< في تضحياتها، و>سمية أم عمار< في قوة إيمانها وصبرها، و>الزباء< في حنكتها وقوتها·· وهاهي كل فتاة عربية آمنت بالإسلام ديناً وبالمرأة شرفاً وعزة وأخلاقاً·
وهذا·· غيض من فيض مما ورد في أبواب الشريعة الإسلامية الغراء من تكريم الإسلام للمرأة، سواء في كتاب اللّه تعالى أو السنة الشريفة من قول أو فعل أو تأييد أو ما أجمع عليه المسلمون وتعارف عليه المؤمنون وتوارثوه خلفاً عن سلف، والأخذ بتطبيق ما تقدم ·· هو الحل لهذه المشكلة أي (العنف المسلط على الزوجة)>·


المصادر
< تحقيقات ميدانية للكتاب·
< القرآن الكريم
< العنف ضد المرأة·· ظاهرة عامة أم خاصة·
مؤسسة الحق- عمان- تأليف: رندة سنيورة، إصدار العام 1994م
< العنف العائلي
دار المدى للنشر والثقافة - بيروت - إصدار العام 1994م - الأستاذة: ليلى عبدالوهاب·
< نظرية العنف في الصراع الأيديولوجي- دار دمشق - إصدار1981م·
ترجمة: سمر سعيد - تأليف دينسيوف - ف·
< القضاء على التمييز ضد الفتيات والنساء في العالم العربي·
اليونيسيف- عمان - للأستاذة: رائدة الزغبي - إصدار العام 1955 م·
< مجلة الشرطة - دمشق - العدد 390 تموز - العام 1999م·
< مجلة الشاهد - العدد 145 - السنة الثانية عشرة العام 1997م- قبرص·