وقفة
مع قول الإمام أحمد: "هو أورع وأقول بالحقِّ من مالك"

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه الصَّادق الأمين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:

فهذا بحثٌ ممَّا قد أردنا أن نشارك فيه القارئ الكريم، لعلَّه يجد معنا فيه أيضاً؛ بغيته المنشودة ونهمته المفقودة، حتَّى ولو كان هذا البحث وعراً خطراً؛ والذي قلَّما ـ على ما أظنُّ ـ يجده تحت يده، أو قلَّما يتردَّد على مسمعه. والأهمُّ ـ بارك الله فيه وسدَّد خطاه، ورزقه الفهم والعلم ـ هو حتَّى لا يذهب فيه لا بعيداً ولا حَيْداً، ولا ظنًّا ولا مَيْناً؛ وهو القصد من إيراده هنا بلا شكٍّ.
فنقول وبالله التَّوفيق:
لقد جاء في كتاب "السِّير"(7/142) و"التَّاريخ"(4/203 للإمام الذَّهبيِّ ما يلي:
"قال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أنَّ مالكاً لم يأخذ بحديث: (البيِّعان بالخيار)؛ فقال: يستتاب؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه. ثمَّ قال أحمد: هو أورع وأقول بالحقِّ من مالك.
قلت: لو كان ورعاً كما ينبغي لما قال هذا الكلام القبيح في حقِّ إمامٍ عظيم".
وقد رواه عنه أيضاً تلميذه حربٌ الكرمانيُّ في "مسائله"(ص/481)؛ فقال: سمعته؛ يقول: "بلغ ابن أبي ذئب أنَّ مالك بن أنسٍ؛ قال: ليس البيِّعان بالخيار؟ فقال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك، فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه".
وكذا هو عند ابن مفلح في "المقصد الأرشد"(2/306) وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(2/56) عن عمر بن محمَّد بن بكَّار القلافلائيِّ أبي جعفرٍ حدَّث بمسائل أبي إسحاق إبراهيم بن هانىء النَّيسابوريِّ؛ قال: سمعت أبا عبد الله؛ يقول: فذكره.
وأيضاً من رواية الفضل بن زياد أبو العبَّاس القطَّان البغداديُّ عنه كما في "المقصد الأرشد"(2/312) عن أبي بكرٍ الخلاَّل.
وفي روايةٍ عن ابنه عبد الله كما في "العلل"(1275)؛ قال: سمعته؛ يقول: "قالوا لابن أبي ذئب: إنَّ مالكا؛ يقول: ليس البيِّعان بالخيار، فقال ابن أبي ذئب: هذا خبر موطوء في المدينة. قال أبي: وكان مالك؛ يقول: ليس البيِّعان بالخيار. سمعت أبي؛ يقول: قال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك فإن تاب، وإلاَّ ضربت عنقه.
وأخرجه الفسويُّ في "المعرفة والتَّاريخ"(1/686) ومن طريقه الخطيب البغداديُّ في "تاريخه"(3/515) وابن أبي يعلى في "طبقاته"(1/251) عن الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل؛ قال: "بلغ ابن أبي ذئب أنَّ مالكا لم يأخذ بحديث البيِّعين بالخيار؛ قال: يستتاب وإلاَّ ضربت عنقه. ومالك لم يرد الحديث ولكن تأوَّله على غير ذلك".
وقد ذكرها أيضاً الإمام الذَّهبيُّ في "تذهيب التَّهذيب"(8/190).
وأخرجه أيضا الإمام أبو إسماعيل الأنصاريُّ الهرويُّ في "ذم الكلام"(885)؛ قال: أخبرنا محمَّد بن موسى، حدَّثنا محمَّد بن يعقوب، حدَّثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل، سمعت أبي؛ يقول: "قيل لابن أبي ذئب: مالك بن أنس؛ يقول: ليس البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا. فقال: يستتاب مالك؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه".
قلت: فمدار هذه الرِّواية ـ كما رأينا آنفاً ـ هي فقط على الإمام أحمد، ومنه اشتهرت بواسطة تلامذته: الفضل بن زياد وحربٌ الكرمانيُّ وابن هانئ النَّيسابوريُّ وابنه عبد الله؛ وهؤلاء جميعهم أئمَّة ثقات أثبات. إلاَّ أنَّ علَّتها الإنقطاع كما هو ملاحظٌ فيها؛ فالإمام أحمد لم يسندها، ولعلَّها لم تصح كما قال ذلك الذَّهبيُّ في "السِّير".
ومع ذلك يكون لنا فيها ـ أو عليها ـ كلاماً في مقامين:
(المقام الأوَّل): وهو مدخلٌ مهمٌّ للغاية، وهو في الوقوف على أصل هذه الرِّواية إن كان لها وجوداً أصلاً أو لا، وذلك بمعرفتنا بأنَّ لأهل المدينة ثلاث أئمَّة كبار ـ هم: مصدر الفتوى فيها وأصل العلم لمن قصدها؛ ـ وهم: مالك بن أنس وابن الماجشون وابن أبي ذئب، فهؤلاء هم أئمَّتها الأعلام وحفَّاظها الأثبات الثِّقات، كما هو معروف عند أهل السِّير والتَّراجم، وإن كان الإمام مالك رحمه الله ـ كما قرَّره أئمَّة هذا الفنِّ ـ بأنَّه "إمامٌ في الفقه والحديث والسنَّة"؛ ممَّا تكون عنده مزيَّة قد لا تكون عند غيره وبالخصوص الباقييْن، فضلاً أيضاً بما قد امتاز به عنهم من تنقيته للرِّجال ومعرفتهم بهم أشدَّ المعرفة، ولذلك قدَّموه العلماء على سائر من كان في عصره؛ ومنهما طبعاً ابن الماجشون وابن أبي ذئب.
فهؤلاء الثَّلاثة ـ وأعني بهم طبعاً مالك وابن الماجشون وابن أبي ذئب ـ كلُّ واحدٍ منهم جبلاً في دينه وعقيدته ومنهجه، وكذا من أشدِّ النَّاس المتمسِّكين بالسُّنَّة والذَّابِّين عنها والدَّاعين إليها، وأئمَّة الرِّجال ـ جرحاً وتعديلاً وغمزاً ـ هم من أعرفهم بهذا، وخاصَّة منهم الإمام أحمد رحمه الله. فمن أحبَّهم فقد أحبَّ السُّنَّة، ومن أبغضهم فقد أبغض السُّنَّة؛ وهو إلى البدعة والضَّلالة أقرب. ثمَّ الطَّعن فيهم ـ وهذا وارد بشكلٍ أو بآخر ـ هو الطَّعن في الدِّين، وفيه قولان:
أحدهما: طعن النَّاس فيهم، وهذا لا يجوز البتَّة بحالٍ من الأحوال، ولا يكون إلاَّ عند أهل الأهواء كالرَّوافض وغيرها؛ فهؤلاء معلوم طعنهم في أهل السُّنَّة. وكونهم كذلك فلا حاجة لنا بطعنهم ولا ببغضهم المعلوم والمكشوف.
والآخر: وهو المقصود؛ وهو طعن الأئمَّة بعضهم في بعضٍ كما هو الحال عندنا هنا من مقالة ابن أبي ذئب السَّابقة في الإمام مالك: "يستتاب؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه". وهذا ما يسمَّى بـ (جرح الأقران!!!)؛ والمعروف بأنَّه: "يطوى ولا يروى". وفيه ـ يقال أيضاً كما جاء في كتاب "الرَّفع والتَّنكيل"(ص/415) للإمام اللَّكنوي ـ: "لا يقبل جرح المعاصر على المعاصر، أي إذا كان بلا حجَّة، لأنَّ المعاصرة تُفضي غالباً إلى المنافرة". ولا ننسى كذلك ما جاء من التَّحذير القويِّ لابن عبَّاسٍ لمَّا قال رضي الله عنه: "استمعوا علم العلماء ولا تصدِّقوا بعضهم على بعضٍ، فوالذي نفسي بيده لهم أشدُّ تغايراً من التُّيوسِ في زروبها". وهذا أخرجه الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم"(2123) من طريق بشير بن زادان، عن الحسن بن السَّكن، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس؛ قال: فذكره.
وقال الذَّهبيُّ في "الميزان"(1/111): "وكلام الأقران بعضهم في بعضٍ لا يُعبأ به لاسيما إذا لاح أنَّه لعداوةٍ أو لحسدٍ، ما ينجو منه إلاَّ مَن عصم اللَّه، وما علمتُ أنَّ عصراً من الأعصارِ سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصِّدِّيقين".
ومثله قاله أيضاً في "السِّير" تحت هذه الرِّواية؛ فقال: "وبكلِّ حال: فكلام الأقران بعضهم في بعضٍ لا يعوَّل على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعَّف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما رضي الله عنهما".
قلت: وبهذا يتبيَّن لنا جليًّا بأنَّ طعن ـ أو جرح ـ ابن أبي ذئب للإمام مالك ليس في محلِّه، ولا يعتدُّ بقوله فيه البتَّة، فهو وكما قلنا آنفا: "يطوى ولا يروى". ثمَّ مالكٌ هو إمامٌ مشهورٌ معروف، وقد شدَّت إليه الرِّحال، وفيه قال الشَّافعيُّ: "إذا ذكر الحديث فمالك النَّجم". وقد عرفنا بأنَّه لا يعرف قولاً عنه غير ما قاله ابن أبي ذئبٍ فيه؛ إمَّا بالعاطل وإمَّا بالباطل إلاَّ هو رحمه الله. وأيضاً عرفنا من خلال تخريج هذه الرِّواية والتَّدقيق فيها كما يجب، بأنَّ فيها علَّتان؛ وهما:
الأولى: الغرابة في متنها.
والثَّانية: الإنقطاع كما رأيناه سابقاً، وهو ما يؤكِّد ـ على الأقلِّ لنا ـ بعدم صحَّتها، وهو ما ذهب إليه أيضاً الإمام الذَّهبيُّ؛ والله أعلم.
(المقام الثَّاني): وهو الذي نبغيه من هذا البحث، وهو في التَّركيز على ما جاء في العلَّة الأولى من تلك الغرابة، وهي: "فقال: يستتاب؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه. ثمَّ قال أحمد: هو أورع وأقول بالحقِّ من مالك"؛ فهنا تكمن الغرابة لمن له لمسةٌ فهمٍ وهمسة فطنة، في إطلاق مثل هذا الكلام على مثل هذا الإمام، وكأنَّه أطلقه صاحبه على واحدٍ من أهل البدعة ـ أو على واحدٍ من أهل الأهواء الضَّالَّة ـ الذي يستحقُّ فعلاً أن يطلق عليه ذلك، أمَّا وأن يطلق هكذا على الإمام مالك فهذا مع الفارق كما يقال، أو كما تعلم من حقيقة الحال. ثمَّ هنا نقطتان دقيقتان يجب بيانهما حتَّى نكون منصفين وناصفين لهذه الرِّواية من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى لما جاء من قول ابن أبي ذئب فيها، وكذا من قول الإمام أحمد رحمهما الله؛ وهما:
الأولى: في قول ابن أبي ذئب: "يستتاب؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه"؛ وهذا الحكم عليه فيه شدَّةٌ واضحة وغلظةٌ قاسية، وذلك فقط باعتبار ـ زعماً ـ أنَّ مالك قد ردَّ حديث: "البيِّعان بالخيار"؛ أو كما قال: لم يأخذ به، لذلك حكم عليه بذلك الحكم المذكور. لكنَّ مالك ـ وكما قال أحمد وأكَّد بأنَّه: ـ لم يرد الحديث ولكن تأوَّله على غير ذلك. أو ما قاله الذَّهبيُّ في "السِّير"(1/49): "إنَّما لم يعمل بظاهر الحديث لأنَّه رآه منسوخا. وقيل: عمل به، وحمل قوله: "حتَّى يتفرَّقا"؛ على التلفُّظ بالإيجاب والقبول. فمالكٌ في هذا الحديث وفي كلِّ حديثٍ له أجرٌ ولابدَّ، فإن أصاب ازداد أجراً آخر".
ثمَّ كيف له أن يردَّ حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!؟ وهو من هو في إمامته وجلالته واتِّباعه، إذ كان رحمه الله لا يحدِّث أبداً بحديثه صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ وهو على وضوءٍ لإجلاله له صلَّى الله عليه وسلَّم. فقد روى إبراهيم بن المنذر؛ قال: سمعت معن بن عيسى؛ يقول: "كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدِّث بحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اغتسل وتبخَّر وتطيَّب، فإذا رفع أحدٌ صوته عنده؛ قال: أغضض من صوتك فإنَّ الله عزَّ وجلَّ؛ يقول: {يا أيُّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النَّبيِّ}، فمن رفع صوته عند حديث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فكأنَّما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم"(1).
ونحوه للحافظ ابن كثير في "البداية والنِّهاية"(10/174)؛ يقول:
"وكان إذا أراد أن يحدِّث تنظَّف وتطيَّب وسرَّح لحيته ولبس أحسن ثيابه؛ وكان يلبس حسناً".
وفي لفظ عند النَّوويِّ من طريق أبي سلمة الخزاعىِّ؛ قال: "كان مالك إذا أراد أن يخرج يحدِّث توضَّأ وضوءه للصَّلاة، ولبس أحسن ثيابه، ومشط لحيته، فقيل له فى ذلك؛ فقال: أوقِّر به حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم"(2).
وفي لفظ آخر عند القاضي عياض من طريق ابن أبي أويس؛ قال: "كان مالك إذا أراد أن يحدِّث توضَّأ وجلس على صدر فراشه، وسرَّح لحيته، وتمكَّن في الجلوس بوقار وهيبة، ثمَّ حدَّث فقيل له في ذلك؛ قال: أحبُّ أن أعظِّم حديث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا أحدِّث به إلاَّ على طهارة متمكِّناً"(3). وعن مطرِّف رواية شبيهة بهذه: "..وتلقى له المنصَّة فيخرج إليهم وقد لبس وتطيَّب وعليه الخشوع، ويوضع عود. فلا يزال يبخَّر حتَّى يفرغ من حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم".
بل هو بهذا وبقاعدة التأسِّي والإتِّباع قد يشبَّه بابن عمر رضي الله عنه، كونه رحمه الله ـ أي الإمام مالك ـ (عظيم المحبَّة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مبالغاً في تعظيم حديثه، حتَّى كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنِّه؛ ويقول: "لا أركب في بلدٍ فيها جسد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مدفون"(4)). كما قد أفتى فيمن قال: "تربة المدينة رديئة"؛ بضرب ثلاثين درَّة، وأمر بحبسه وكان له قدرٌ؛ وقال: "ما أحوجه إلى ضرب عنقه، تربةٌ دفن فيها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يزعم أنَّها غير طيِّبة!"(5).
ثمَّ الأهمُّ أنَّه رحمه الله قد أخرج الحديث الذي ادَّعى ابن أبي ذئب بأنَّه يردَّه؛ في "موطَّئه"(1356) عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال: "المتبايعان كلُّ واحدٍ منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرَّقا، إلاَّ بيع الخيار".
قال مالك: وليس لهذا عندنا حدٌّ معروف، ولا أمرٌ معمول به فيه.
هذه رواية يحيى اللَّيثيُّ، وكذا هي في رواية أبي مصعب الزُّهريِّ (2664) في البيوع، والحدثانيِّ (252)، والشَّيبانيِّ (785) في البيوع والتِّجارات والسِّلم.
وفيه قال أحمد: "ومالك لم يرد الحديث ولكن تأوَّله على غير ذلك". فسواءٌ أصاب الإمام مالك في هذا أو أخطأ فيه، المهمُّ أنَّه قد روى هذا الحديث ـ أو أخرجه ـ في "موطَّئه" كما رأيناه؛ وحتَّى وإن لم يقل به فروايته حجَّة عليه، ورأيه في ترك القول به متروك. ثمَّ هذا محلُّه هنا ـ لمن أراد الزِّيادة في الأمر ـ كتب الفقه والأصول؛ التي تشفي ما خفى وتكفي ما بقى.
ثمَّ الأهمُّ في الأمر أن نعلم بأنَّ التَّابعين وأتباعهم قد تأوَّلوا رضي الله عنهم في الإمام مالك بن أنس بأنَّه هو: العالم الذي بشَّر به النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث: "يوشك أن يضرب النَّاس أكباد الإبل فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة"(6). قال ابن عيينة: "كانوا يرونه ـ مالكاً ـ عالم المدينة". وقال ابن مهديٍّ: "يرونه يعني التَّابعين". وعلى هذا التَّأويل: ابن جريج وابن مهديٍّ ووكيع والأوزاعيُّ. وقال عبد الرزَّاق: "كنَّا نرى أنَّه مالك؛ ولا يعرف هذا الاسم (عالم المدينة) لغيره، ولا ضربت أكباد الإبل إلى أحدٍ مثل ما ضربت إليه". وقال أبو مصعب: "كان النَّاس يزدحمون على أبواب مالك، ويقتتلون عليه من الزِّحام؛ أي لطلب العلم".
كما قد شهد له سبعون شيخاً من كبار علماء الحجاز بأنَّه أهلٌ للفتيا ورواية الحديث. فهذا سفيان بن عيينة؛ يقول: "مالكٌ عالم أهل الحجاز، وهو حجَّة زمانه". وقال عنه أيضاً: "ما نحن عند مالك؛ إنَّما كنَّا نتَّبع آثار مالك، وننظر الشَّيخ إن كان كتب عنه مالك كتبنا عنه".
وقال الشَّافعيُّ: "إذا ذكر العلماء فمالك النَّجم". وهو القائل أيضاً: "مالكٌ معلِّمي وعنه أخذت العلم". وقال: "إذا جاءك الحديث عن مالكٍ فشدَّ يدك عليه".
وقال ابن مهديٍّ: "أئمَّة النَّاس في زمانهم أربعةٌ: الثَّوريُّ ومالكٌ والأوزاعيُّ وحمَّاد بن زيدٍ". وقال عنه: "ما رأيت أحداً أعقل من مالك".
وكان الأوزاعيُّ إذا ذكر مالك؛ يقول: "عالم العلماء ومفتي الحرمين".
وقال يحيى بن سعيدٍ القطَّان: "هو إمامٌ يقتدى به".
وقال يحيى بن معينٍ: "مالكٌ حجج الله على خلقه".
وقال حمَّاد بن سلمة: "لو قيل: اختر لأمَّة محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم إماماً يأخذون عنه دينهم ـ لابدَّ من ذلك ـ: لرأيت مالكاً لذلك موضعاً، ورأيت ذلك صلاحاً للأمَّة".
وقال النَّسائيُّ: "أمناء الله على علم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: شعبة بن الحجَّاج ومالك بن أنس ويحيى بن سعيدٍ القطَّان"(7).
وقال عبد الله بن المبارك: "ما رأيت أحداً ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلاَّ أن تكون له سريرة"(8).
قلت: فقول ابن أبي ذئب فيه: "يستتاب؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه"؛ مع ما فيه من شدَّةٍ وغلظة وقسوة زائدة ومفرطة، فإنَّه لا يقبل منه هذا أبداً أمام هؤلاء الجمهور في الثَّناء عليه، وفي مدحه بما يليق ويستحقُّ من جلالةٍ وإمامة ورياسة معهودة معلومة، وكذا في إطباقهم على ثقته وعدالته. وهو قولٌ ينكر عليه إطلاقه هكذا على قريناً له في (السُّنَّة) مشهوراً بها كما قيل؛ فلا هو من أهل الأهواء ولا هو من أهل الضَّلالة، بل هو ـ وعلى علمه ومعرفته به تمام العلم والمعرفة باعتبار أنَّه بلديُّه ـ من أشدِّ المنكرين لهما. فكان الأولى أن يقول فيه مثلاً ـ وعلى سبيل المأخذ الحسن ـ: أنَّه أخطأ فيه أو تأوَّله خطأ؛ فهذا هو المرضي منه بلا شكٍّ. كما أنَّه لا يقبل منه بما فعل أو قال فيه؛ فهذا منه فقط ينبي على حسدٍ وتنافسٍ شديد كما هو ظاهر الحال؛ على الأقلِّ منه هو، وبالخصوص إذا علمنا مسبَّقاً بأنَّه قد صنِّفت ـ قبل هذين الإمامين الجبلين وفي زمانهما ـ كتبٌ وموطَّآت كثيرةٌ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "موطَّأ مالك" و"موطَّأ ابن أبي ذئب"؛ وهذا الأخير الذي قال فيه الحافظ الدَّارقطنيُّ: "كان ابن أبي ذئب صنَّف (موطَّأ)؛ فلم يخرج"(9). كما حكى كذلك كلٌّ من السُّيوطيِّ والصَّنعانيِّ نقلاً أنَّ: "لابن أبي ذئب موطَّأ أكبر من (موطَّأ مالك) بأضعافٍ، حتَّى قيل لمالك: ما الفائدة في تصنيفك؟ فقال: ما كان لله بقي"(10).
فإنَّ هذه المصنَّفات أو الموطَّآت لم يكتب الله لها الدَّوام والإستمرار والقبول، كما قد كتب لـ "موطَّأ مالك" في انتشاره واشتهاره، وفي روايته ودرايته، وقد صدق القرآن الكريم إذ نطق قائلاً: {فأمَّا الزَّبد فيذهب جفاء، وأمَّا ما ينفع النَّاس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال}(11)، وقول القائل أيضاً: "فالرَّعد الذى لا ماء معه لا ينبت العشب، كذلك العمل الذى لا إخلاص فيه لا يُثمر الخير"، وهذا الإمام ابن المبارك صادعاً بالحقِّ ناشداً:
إنِّي وزنت الذي يبقــى ليعدله...........ما ليس يبقـى فلا والله ما اتَّزنا
زيادة عن ذلك؛ أنَّه كان عمدة للفتوى والرِّحلة أيضاً، وهذا ممَّا يولِّد عند صاحب تلك المقولة مثل هذه الحساسيَّة المفرطة، أو مثل هذه الكراهيَّة والغيرة والحسد الواضح في قسوة قوله عليه.
والنُّقطة الثَّانية: وهي أنَّ الإمام أحمد يعلم هذا جيِّداً، وليس هو من يخفى عليه ذلك، كما يعلم أيضاً أنَّ مالكاً هو أثبت في رواية الزُّهريِ، بعكس من ابن أبي ذئب الذي ضعفَّوه فيها. قال ابن معين: ابن أبي ذئب ثقة، وكانوا يقولون: حديثه عن الزُّهريِّ فيه شيء. وقال أيضاً: حديثه عن الزُّهريِّ ضعيف. يضعِّفونه في الزُّهريِّ(12). بينما مالك ـ وكما قال الجوزجانيُّ لمَّا سئل: من أثبت في الزُّهريِّ؟ قال: ـ مالك من أثبت النَّاس فيه(13). ونحوه ابن القطَّان وابن معين وأبو حاتم، وكذا هو عند أحمد. وذكر الفلاَّس: أنه لا يختلف في ذلك(14).
فبالرَّغم من ذلك وعلمه به تجده يقول مادحاً له: "هو أورع وأقول بالحقِّ من مالك"؛ وهنا هو مربط الفرس كما يقال، والنُّكتة التي يدور عليها الكلام ويتبيَّن من خلالها وجه الغرابة والنَّكارة في هذه الرِّواية، ولنا عليها ملاحظات:
الأولى: أنَّ المقام هنا هو مقام بيان وتوجيه وليس مقام مدحٍ وثناء، كما رأيناه في سياق الرِّواية. وخاصَّة وأنَّ ما رواه الإمام أحمد عن ابن أبي ذئب في طعنه للإمام مالكٍ يعتبر طعناً خطيراً وقدحاً حقيراً. إذ الأصل في وجود هذا الطَّعن المشار إليه يتوقَّف عليه، ولا يتعدَّاه راويه إلى غيره مثل المدح وما شابهه؛ لأنَّه لا حاجة لنا فيه إذا عرفنا عن ابن أبي ذئب أنَّه ورعٌ وقوَّالٌ بالحقِّ أو لا نعرف. فهذا يكون فقط إذا كان مقابل ذلك غير الإمام مالك؛ كضعيفٍ أو متروك أو مبتدع، فهذا لا بأس به إذا عرفناه. أمَّا وكون الأمر هو ليس كذلك؛ وجب ـ عندئذٍ ـ الوقوف على ذلك الطَّعن للهول الذي فيه، وللجسارة التي عليه، فضلاً عن فظاعة الرِّواية والقول. كما قال ابن عبد البر: "...بكلامٍ فيه جفاءٌ وخشونة، كرهت ذكره، وهو مشهور عنه".
والثَّانية: وهي إذا ما عملنا هنا بالقاعدة المشهورة القائلة: "أنَّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة"؛ وعلمنا أيضاً أنَّ الإمام أحمد هو من أئمَّة هذا الشَّأن، وأعني به طبعاً علم الرِّجال أي الجرح والتَّعديل، فإنَّه كان من الواجب واللاَّزم عليه ـ لإمامته وجلالة قدره ـ أن يعقِّب على ذلك بما يجب، وكما يجب أن يكون عليه التَّعقيب الحسن والتَّوجيه اللاَّئق منه؛ كونه من أعرف النَّاس بالرَّجلين، بل لا يجب أبداً أن يسكت في هذا المقام، ومن غير أن يقول فيه شيئاً أو تكون له فيه وقفة، كما لا يكفي منه أن يقول معقِّباً فقط ـ ما حكاه القاضي ابن أبي يعلى في "طبقاته"(1/251) برواية الفضل له عن شيخه الإمام أحمد ـ: "ومالكٌ لم يردَّ الحديث، ولكن تأوَّله على ذلك"؛ بل كان عليه أن يأخذ موقفاً صارماً كما فعل مع ابن معينٍ في عيبه على الإمام الشَّافعيِّ لمَّا قيل له أنَّه يتكلَّم فيه؛ فقال: "ومن أين يعرف يحيى الشَّافعيِّ؟ هو لا يعرف الشَّافعيُّ ولا يعرف ما يقول الشَّافعيُّ؟"(15). ولا فرق عندنا هنا إن أراد ابن معينٍ الشَّافعيُّ نفسه أو غيره كما قيل، وهو ابن عمِّه إبراهيم بن محمَّد الشَّافعي. ثمَّ المهمُّ أنَّ ما ينطبق شدَّة وغيرة هنا ينطبق شدَّة وغيرة هنالك؛ وهو المقصود.
وبما أنَّ الإمام أحمد ـ وهو إمام أهل السُّنَّة والجماعة ـ وكما هو معروف من خلال ترجمته الحافلة ومن نقلوا لنا كذا مناقبه، فإنَّه ليس هو منْ لا يعقِّب أو يسكت في هذا المقام الذي يحتاج إلى كلامٍ وتعقيب. وإذ الأمر كذلك؛ علمنا حينها وجه الغرابة في هذا السُّكوت من هذا الإمام، وبالتَّالي غرابة في أصل الرِّواية؛ فتنبَّه.
والملاحظة الثَّالثة: وهي في قوله: "هو أورع وأقول بالحقِّ من مالك"، وفي روايةٍ بلفظ: "أصلح في بدنه، وأورع ورعاً وأقوم بالحقِّ من مالك عند السُّلطان"(16)؛ التي تحتاج إلى توجيه سليم، في كون الإمام ابن أبي ذئب قوَّالٌ بالحقِّ؛ وهي مسألة نسبيَّة وليست مطلقة، ولا يستطيع أحدٌ أن يدَّعيها هكذا على الإطلاق، وإن كنَّا لا نختلف أنَّه ـ رحمه الله ـ هو قوَّالٌ بالحقِّ كما قال الإمام أحمد، والبخاريُّ في "تاريخه"(17)؛ قال: "كان ابن أبي ذئب يأمر بالمعروف". وفي "مسائل صالح"(1224) عن أحمد؛ قال: "صاحب أمر بالمعروف، وكان أكثر من مالك، وعبد العزيز بن أبي سلمة كان أكثر ـ في اللَّسان ـ من مالك، كان مالك قطيع اللِّسان".
وفي "العلل"(1195) برواية عبد الله؛ قال: سمعت أبي؛ يقول: "كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء، فيتكلَّم ابن أبي ذئب يأمرهم وينهاهم، ومالك ساكت".
وقال: "وقال حمَّاد بن خالد: كان يشبه ابن أبي ذئب بسعيد بن المسيَّب في زمانه، وما كان ابن أبي ذئب ومالك في موضع عند سلطان، إلاَّ تكلَّم ابن أبي ذئب بالحقِّ والأمر والنَّهي، ومالكٌ ساكت، وإنَّما كان يقال: ابن أبي ذئب وسعد بن إبراهيم أصحاب أمرٍ ونهيٍ"(18).
وفي "بحر الدَّم" (1266) عن أحمد في رواية محمَّد بن الشَّافعيِّ ـ وذكر له أمر ابن أبي ذئب، فأثنى عليه؛ فقال ـ: "كان ابن أبي ذئب يشبه بسعيد بن المسيَّب في خشونته ومذهبه".
وقد نُقل لنا بعضٌ من نماذج هذه القوَّة عنده وإصداعه بالحقِّ، كما جاء مثلاً عند صاحب "التُّحفة اللَّطيفة"(1/363) عن الواقديِّ؛ قال: "طلب زياد بن أبي ذئب ليستعمله فأبى؛ فحلف ليعملنَّ، وحلف ابن أبي ذئب لا يعمل، فأمر زياد بسجنه؛ فقال: يا ابن الفاعلة! وقال ابن أبي ذئب: والله ما هيبتك تركت الرَّدَّ عليك ولكن لله".
وفي "طبقات ابن سعد"(ص/416) قال: أخبرنا محمَّد بن عمر؛ قال: "دعا زياد بن عبيد الله الحارثي بن أبي ذئب ليستعمله على بعض عمله فأبى، فحلف زياد ليعملنَّ، فحلف ابن أبي ذئب أن لا يفعل. فقال زياد: ادفعوا إليه كتابه. قال: لا أقبله. قال: ادفعوه إليه شاء أو أبى، واسحبوه برجله، وقال له زياد: ابن الفاعلة. فقال له ابن أبي ذئب: والله ما هو من هيبتك تركت أن أردَّها عليك مائة مرَّة، ولكن تركتها لله تعالى".
وروى أيضا (ص/418) عن الحسن بن زيد؛ قال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين إلاَّ سألته عن نفسك. قال: فقال أبو جعفر لابن أبي ذئب: نشدتك بالله ما تعلم منِّي؟ ألست أعمل بالحقِّ؟ أليس تراني أعدل؟ فقال ابن أبي ذئب: "أمَّا إذ نشدتني بالله؛ فأقول: اللَّهمَّ لا، ما أراك تعدل، وإنَّك لجائر، وإنَّك لتستعمل الظَّلمة وتدع أهل الخير والفضل".
وكذا هو في "تاريخ الموصل"(ص/178) للأزديِّ و"تذكرة الحفَّاظ"(1/192).
وفي "تاريخ الإسلام"(4/203) للذَّهبيِّ روى عن أبي العيناء؛ قال: "لمَّا حجَّ المهديُّ دخل مسجد الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يبق أحدٌ إلاَّ قام إلاَّ ابن أبي ذئب، فقال له المسيَّب بن زهير: قم هذا أمير المؤمنين؛ فقال ابن أبي ذئب: إنَّما يقوم النَّاس لربِّ العالمين، فقال المهديُّ: دعه! فلقد قامت كلُّ شعرة في رأسي".
وعنه أيضا قال: "وقال ابن أبي ذئب للمنصور: قد هلك النَّاس فلو أعنتهم من الفيء؟ قال: ويلك لولا ما سدَّدت من الثُّغور لكنت تؤتى في منزلك فتذبح، فقال: قد سدَّ الثُّغور وأعطى النَّاس من هو خيرٌ منك عمر، فنكس المنصور رأسه، والسَّيف بيد المسيَّب؛ ثمَّ قال: هذا خير أهل الحجاز".
وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يهله أن قال له الحقَّ؛ قال: "الظُّلم فاشٍ ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر!!"(19).
قلت: هذه هي القوَّة التي يتمتَّع بها هذا الإمام، وهي التي عناها ـ بلا ريبٍ!! ـ الإمام أحمد في روايته ومدحه إيَّاه، وهو الأمر الذي يعتزُّ به كلَّ طالب حقٍّ، ويفتخر به كلَّ صاحب سنَّة، كيف لا؟!! وهو إمامٌ من أئمَّة السُّنَّة؛ من أحبَّه فقد أحبَّ السُّنَّة، ومن أبغضه فقد أبغض السُّنَّة. وكذلك هو الحال بالنِّسبة للإمام مالكٍ رحمه الله؛ فما ينطبق على ذاك ينطبق على هذا، ولا فرق بينهما أبداً كونهما من أئمَّة السُّنَّة، ويدافعان عنها ظاهراً وباطناً، وفي المجالس العامَّة والخاصَّة. فابن أبي ذئب هو ناطقٌ وقوَّالٌ بالحقِ كما رأيناه آنفاً، وكذلك مالكٌ هو ناطقٌ وقوَّالٌ بالحقِّ؛ كلٌّ بحسب قوَّته، وكلٌّ بحسب قدرته.
روى الإمام الذَّهبيُّ عن أحمد بن مسعود المقدسيِّ؛ قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنينيُّ؛ قال: "كان مالك؛ يقول: والله! ما دخلت على ملكٍ من هؤلاء الملوك حتَّى أصل إليه؛ إلاَّ نزع الله هيبته من صدري"(20).
بل كانت السَّلاطين هي التي تهابه، كما روى ذلك الذَّهبيُّ أيضاً عن أبي مصعب؛ قال: "كانوا يزدحمون على باب مالك، حتَّى يقتتلوا من الزِّحام، وكنَّا إذا كنَّا عنده لا يلتفت ذا إلى ذا؛ قائلون برؤوسهم هكذا. وكانت السَّلاطين تهابه،...".
وروى الذَّهبي أيضاً عن أبي حاتم الرَّازيِّ، حدَّثنا عبد المتعال بن صالح ـ من أصحاب مالك ـ قال: "قيل لمالك: إنَّك تدخل على السُّلطان! وهم يظلمون ويجورون؛ فقال: يرحمك الله! فأين المكلِّم بالحقِّ"(21).
وعنه أيضاً عن ابن سعدٍ، حدَّثنا الواقديُّ؛ قال: "ما دعي مالكٌ، وشوور وسمع منه، وقبل قوله؛ حسد وبغوه كلِّ شيء".
وقد دخل يوماً على الرَّشيد، فحثَّه على مصالح المسلمين؛ وقال له: "لقد بلغني أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان في فضله وقدمه ينفخ لهم عام (الرِّمادة!!!) النَّار تحت القدور، حتَّى يخرج الدخَّان من تحت لحيته رضي الله عنه، وقد رضي النَّاس منكم بدون هذا"(22).
وروى ابن العماد(23) عن عتيق بن يعقوب الزُّبيدي؛ قال: "قدم هارون الرَّشيد المدينة وكان قد بلغه أنَّ مالك بن أنس عنده (الموطَّأ) يقرؤه على النَّاس، فوجَّه إليه البرمكيِّ؛ فقال: أقرئه السَّلام! وقل له: يحمل إليَّ الكتاب ويقرؤه عليَّ. فأتاه البرمكيُّ؛ فقال: أقرئه السَّلام! وقل له: إنَّ العلم يؤتى ولا يأتي. فأتاه البرمكيُّ فأخبره؛ وكان عنده أبو يوسف القاضي؛ فقال: يا أمير المؤمنين! يبلغ أهل العراق أنَّك وجَّهت إلى مالك في أمرٍ فخالفك؛ أعزم عليه. فبينما هو كذلك؛ إذ دخل مالك فسلَّم وجلس؛ فقال له الرَّشيد: يا ابن أبي عامر! أبعث إليك وتخالفني؟ فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني الزُّهريُّ، عن خارجة بن زيد، عن أبيه؛ قال: (كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم {لاَّ يستوي القاعدون من المؤمنين}(24)؛ وابن أمِّ مكتوم عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فقال: يا رسول الله! إنِّي رجلٌ ضرير، وقد أنزل الله عليك في فضل الجهاد ما قد علمت. فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا أدري! وقلمي رطبٌ ما جفَّ. ثمَّ وقع فخذ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على فخذي، ثمَّ أغمي على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثمَّ جلس النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ فقال: يا زيد! اكتب {غير أولي الضَّر}(25)).
ويا أمير المؤمنين! حرفٌ واحدٌ بعث فيه جبريل والملائكة ـ عليهم السَّلام ـ من مسيرة خمسين ألف عام، ألا ينبغي لي أن أعزَّه وأجلَّه؟! وإنَّ الله تعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعملك، فلا تكن أنت أوَّل من يضيِّع عزَّ العلم فيضيِّع الله عزَّك.
فقام الرَّشيد يمشي مع مالك إلى منزله ليسمع منه (الموطَّأ)؛ فأجلسه معه على المنصَّة، فلمَّا أراد أن يقرأه على مالك؛ قال: تقرؤه عليَّ. قال: ما قرأته على أحدٍ منذ زمان؛ قال: فيخرج النَّاس عنِّي حتَّى أقرأه أنا عليك؛ فقال: إنَّ العلم إذا منع من العامَّة لأجل الخاصَّة لم ينفع الله تعالى به الخاصَّة.
فأمر معن بن عيسى القزَّاز ليقرأه عليه، فلمَّا بدأ ليقرأه؛ قال مالكٌ لهارون: يا أمير المؤمنين! أدركت أهل العلم ببلدنا وإنَّهم ليحبُّون التَّواضع للعلم. فنزل هارون عن المنصَّة! وجلس بين يديه وسمعه رحمهما الله تعالى".
وروى ابن الجوزي(26) وابن العماد(27)؛ وقال: "..سعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عبَّاس. وقيل له: إنَّه لا يرى خلافتكم، فضربه سبعين سوطاً، ومدَّت يده حتَّى انخلعت كتفه؛ فلم يزل بعد ذلك في علوٍّ ورفعةٍ كأنَّما كانت السِّياط حليًّا حلِّي به".
وروى الحافظ أبو نعيم عن بعض أصحاب ابن وهب، عن ابن وهبٍ: "أنَّ مالكاً لمَّا ضرب حلِّق وحمل على بعير؛ فقيل له: ناد على نفسك؛ قال: فقال: ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحيُّ، وأنا أقول: طلاق المكره ليس بشيء. قال: فبلغ جعفر بن سليمان أنَّه ينادي على نفسه بذلك؛ فقال: أدركوه أنزلوه"(28).
وغيرها من الرِّوايات المثيرة والنَّماذج الطيِّبة، التي تبيِّن لنا حقيقة قوَّة الإمام مالك، وكذا صلابته في باب الحقِّ والصَّبر فيه.
فإذا عرفنا هذا وجب حينها الوقوف على قول الإمام أحمد: "فيتكلَّم ابن أبي ذئب يأمرهم وينهاهم، ومالكٌ ساكت"، وفي رواية: "إلاَّ تكلَّم ابن أبي ذئب بالحقِّ والأمر والنَّهي، ومالكٌ ساكت"؛ والشَّاهد فيها هو قوله: (ومالكٌ ساكت!!!) التي تقتضي عدَّة احتمالات يجب ذكرها؛ وهي:
الأوَّل: وهو الذي يبدو جلياً عند البعض في قراءة هذه الرِّواية، بأنَّه يخاف ويخشى السُّلطان، ومن سطوته وغضبه التي تشلُّ الأقوال والأفعال. لكن هذا الإحتمال هنا غير لائق به لإمامته، فهو يرفض تماماً ولا ينظر إليه حتَّى؛ فضلاً أن يقبله العاقل، وخصوصاً بما قد ذكرناه آنفاً من تلك النُّقول والنَّماذج الحيَّة في الباب، وبالتَّالي فهو غير مقبول.
الثَّاني: وقد يقال بأنَّه كان يسكت توقيراً فقط لمن هم أكبر منه سنًّا، وهذا هنا مطلبٌ شرعيٌّ وخلقيٌّ. ودليل هذا التَّوقير مثلاً ـ إذا ما سلَّمنا به كدليل ـ ما رواه ابن كثير في "التَّكميل"(3/67) عن مصعب بن عبد الله الزُّبيريِّ؛ قال: "وسأل أبو جعفر المنصور مالكاً: من بقي بالمدينة من المشيخة؟ فقال: ابن أبي ذئب، وابن أبي سلمة، وابن أبي سَبْرة".
وفي "المعرفة والتاريخ"(1/685) من طريق معن، عن مالكٍ؛ قال: "لمَّا لقيت أبا جعفر قال لي: يا مالك! من بقي بالمدينة من المشيخة؟ قلت: يا أمير المؤمنين! ابن أبي ذئب، وابن أبي سلمة، وابن أبي سبرة".
الإحتمال الثَّالث: وقد يقال أيضا ـ وهذا ليس ببعيدٍ! ـ أنَّه كان يقدِّره، وذلك باعتبار أنَّ ابن أبي ذئب كان صاحباً كما قيل لشيخه؛ وهو الإمام الزُّهريِّ.
الإحتمال الرَّابع: أنَّه من الممكن جدًّا أن يقال بأنَّهما لم يجتمعا أبداً معاً في مجلس من مجالس السُّلطان، لا في دعوى خاصَّة ولا في دعوى عامَّة كما هي تقاليد البلاط. إلاَّ أنَّ هذا يكون هنا مجرَّد دعوى ليس إلاَّ، ويكذِّبه ما نقل إلينا كما رأيناه سابقاً، وإلاَّ فإنَّ هذا يكون فقط مبنيًّا على صحَّة تلك الرِّوايات المذكورة، وأمَّا في حالة ضعفها أو كذبها ـ وهذا طبعاً محلُّه في بحثٍ خاص ليس هذا مكانه!! ـ تكون لفرضيَّة هذا الإحتمال فقط تأسيساً ومحلاً. فالأمر إذن بينهما؛ فتنبَّه.
الخامس: وهو أنَّ تقويل الإمام ابن أبي ذئب كلمة الحقِّ أمام الخليفة جعفر المنصور كما في الرِّواية، وكذا إنعات الإمام مالك بن أنس بالسُّكوت فيها، فلأنَّ مالكاً لم يكن حاضراً أو موجوداً أصلاً؛ فكيف والحال ذلك يقال بعدها: فلان قوَّال وفلان ساكت!؟ فهذا لعمري ضربٌ من التَّخمين ورجمٌ بالغيب. وإلاَّ فإنَّ الإمام أحمد هو ـ نفسه ـ صاحب الرِّواية وعمدتها كما تعلم، يؤكِّد لنا بعكس الرِّواية الأخرى عنه، لمَّا سأله ابنه صالح ـ كما في "مسائله"(805) ـ سائلاً وقائلاً: "مالك بن أنس قدم على أبي جعفر؟ قال: لا. إنَّما ابن أبي ذئب قدم على أبي جعفر، مالك لم يقدم عليه، لم يبرح المدينة".
وبالتَّالي: الذَّهاب إلى تقوية هذا الإحتمال، وإلى صحَّة الإعتماد عليه والعمل به هنا، وكذا وهو الأهمُّ موافقته ـ جملة وتفصيلاً ـ لقرائن الأحوال ووقائع الأدلَّة. ثمَّ القول حينذاك: أنَّ تقويل بالحقِّ لفلانٍ أو لعلاَّن هي مسألة نسبيَّة وليست مطلقة؛ كما ذكرنا ذلك سابقاً. وهذا من باب العدل فيه، ومن غير إفراطٍ ولا تفريط. وإلاَّ فإنَّ من وقع عليه الضَّرب الشَّديد والإمتحان الخطير ليس كمن لم يقع عليه ذلك، فهذا الضَّرب والإمتحان قد وقع ـ حقيقة! ـ على شخص مالك بن أنس ولم يقع على ابن أبي ذئب. لذلك ذهب الإمام الذَّهبيُّ ـ وهو المحقِّق المدقِّق ـ إلى القول معبِّراً عن حال الإمام مالكٍ بعد المحنة: "هذا ثمرة المحنة المحمودة! أنَّها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكلِّ حالٍ"(29). وقال الجيانيُّ: "مازال مالكٌ بعد ذلك الضَّرب في رفعةٍ من النَّاس وإعظامٍ، حتَّى كأنَّما كانت تلك الأسواط حلياً حلي به رحمه الله تعالى"(30).
فيكفيه رحمه الله ـ وأعني به الإمام مالك ـ أنَّه كان يتمثَّل ذاكراً بقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "ما أغبط أحداً لم يصبه في هذا الأمر أذى"(31)، ويقول: "ضربت فيما ضرب فيه محمَّد بن المنكدر وربيعة بن المسيَّب"(32).
قلت: فإذا عرفنا هذا وما ذكرناه مناقشة ـ إطناباً وإسهاباً، وتوسُّعاً وإطالةً ـ وخطوةٌ بخطوةٍ، للوقوف كما يجب على هذه الرِّواية التي اكتنفتها النَّكارة والغرابة، من جهة إسنادها ومتنها؛ وقلنا إسنادها: فللتَّفرَّد الذي فيها والإنقطاع، فإنَّ الإمام ابن حنبل لم يسندها كما نعلم، وبينه وبين الإمام ابن أبي ذئب رجلان أو ثلاثة على الأكثر، ومن الممكن أن يكون ثمَّة رجلاً واحداً فقط، وهذا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ثلاثياته. ثمَّ هما ـ أي: التَّفرُّد ذاك والإنقطاع ـ علَّتان واضحتان في هذه الرِّواية، والتي لا يمكن الإعتماد عليها والحالة هذه.
وقلنا متنها: فلأنَّه يستحيل تماماً ـ وهو من منهج السَّلف ـ أن يطعن إمامٌ في السُّنَّة على نظيره، حتَّى ولو وقع بينهما اختلافٌ في باب الإجتهاد أو خلافٌ شخصي؛ كما هو الحال ما بين الإمامين مالك بن أنس وابن أبي ذئب. فالأصل عدم ذلك، لأنَّه لا يجوز أبداً أن يحصل ما بين أهل السُّنَّة فُرقة أو وحشةٌ، كما لا يجوز أيضاً أن يضلِّل بعضهم بعضا، ولا يبدِّع بعضهم بعضا، ولا يعيب بعضهم بعضاً؛ لا بالطَّعن الخشن ولا بالذَّمِّ الجافي، فهم مجتمعون متَّفقون ومتآلفون متحابُّون؛ بخلاف أهل البدع. وأمَّا وإن وقع بينهم ذلك ولابدَّ كما في قول ابن أبي ذئب: "يستتاب؛ فإن تاب وإلاَّ ضربت عنقه"؛ فحينها يكون كلام المعاصر في حقِّ المعاصر غير مقبولة منه كما هو مقرَّرٌ ومحرَّرٌ عند علماء هذا الشَّأن، والمعبَّر عندهم فيه بقولهم: "لا يسمع كلام الأقران بعضِهم في بعض". كما جاء منقولاً في "المبسوطة" من قول عبد الله بن وهبٍ: "أنَّه لا يجوز شهادة القارئ على القارئ ـ يعني العلماء ـ، لأنَّهم أشدُّ النَّاس تحاسداً وتباغضاً"؛ قاله سفيان الثَّوريُّ ومالك بن دينار(33).
ثمَّ العبرة هي ليس فيما قاله ابن أبي ذئب في مالكٍ، وإنَّما العبرة هي في كون أنَّ الإمام أحمد لم يُغضب لها أو على ما قيل في مالكٍ، كما قد غضب ـ فعلاً ـ على ابن معينٍ في قوله على الشَّافعيِّ بما لا يجوز في حقِّه؛ مع أنَّ الأمر فيهما سيان لو تنتبه، ولا فرق في صورتهما أو حالتهما، وهذا ممَّا قد يزيدها ـ وأعني بها الرِّواية ـ غرابة ونكارة على ما هي عليه في موقف هذا الإمام المتجرِّد، بل الذي زادها تعجُّبا قوله رحمه الله: "هو أورع وأقول بالحقِّ من مالك"؛ فهذا ممَّا لا يهضمه عاقلٌ فضلاً عن جاهلٍ، لذلك تعقَّبه الإمام الذَّهبيُّ في "سيره"(7/142) بقوله قائلاً: "لو كان ورعاً كما ينبغي، لما قال هذا الكلام القبيح في حقِّ إمامٍ عظيمٍ"، وهذا من الذَّهبيِّ ـ كما ترى هو فقط ـ غضبٌ وغيرة من هول الكلام الذي قاله ابن أبي ذئبٍ في حقِّ الإمام مالك رحمهم الله جميعاً، ومن إطلاق كذا الإمام أحمد عليه بأنَّه: "هو أورع..."؛ والتي جاءت في غير محلِّها، مع وجود هول الكلام الذي سبقها. وهنا تكمن الغرابة والنَّكارة في مسمَّى هذه الرِّواية التي ضعفت بسببها. ولذلك حكم عليها من قبل الذَّهبيُّ بقوله: "ولم يسندها الإمام أحمد، فلعلَّها لم تصح"؛ بل هي لا تصح وهو الصَّواب.
ونافلة القول: أنَّ المنصف هنا لا يعتمد مطلقاً على مثل هذه الرِّواية؛ تقليداً لغيره أو تعصُّباً لمنهجه، أو على شبهها كما هو الحال في رواية الإمام ابن حزمٍ الظَّاهريِّ في حقِّ الإمام مالك رحمه الله وأرضاه، وقد جمعت لنا كذلك هي الأخرى كلاماً ساقطاً وحكماً لاقطاً، وليس هذا محلُّها؛ فمثلهما ـ أي رواية أحمد وكذا رواية ابن حزم(34) ـ في باب الغرابة والنَّكارة مثل الحديث الضَّعيف الذي لا يعتدُّ به، وهو الحقُّ المتَّبع والإنصاف المعتدل عند أهل الحديث، في التَّعامل مع مثل هذه الأخبار والرِّوايات. وبالتَّالي: براءة الإمام مالكٍ في ردِّه لحديث الباب المشار إليه، وبراءة ابن أبي ذئبٍ أن يكون صدر منه ـ أو عنه ـ مثل هذا الكلام القاسي في حقِّ إمام من أئمَّة السُّنَّة؛ وهو من أعلم النَّاس بذلك، وكذا وهو الأهمُّ في براءة الإمام أحمد من الإعتماد عليها أو في عدم الدِّفاع عن مالك بن أنس؛ في كونه ـ رحمه الله ـ لم يسندها كما رأينا، وهذا من أمانته وصدقه وتجرُّده للحقِّ؛ رضي الله عن الجميع.
وصلَّى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.


كتبه ببنانه راجي عفو ربِّه المنَّان:
أبو حامد الإدريسي
يوم الخميس 28 صفر 1442هجرية الموافق 15 أكتوبر 2020 ميلادية



ـــــــــــــــ ـــــــــــــ

(1) انظر "المنتظم"(5/2532) لابن الجوزيِّ و"تهذيب الأسماء"(2/76) للنَّوويِّ وغيرهما.
(2) انظر "تهذيب الأسماء واللُّغات"(2/76) للنَّوويِّ.
(3) انظر "ترتيب المدارك"(2/15) للقاضي عياض.
(4) انظر "شذرات الذَّهب"(ص/350) لابن العماد.
(5) انظر "تاريخ مكَّة المشرَّفة"(ص/232) لابن الضياء و"خلاصة الوفا"(1/256) للسمهودي و"السَّيف المسلول على من سبَّ الرَّسول"(ص/525) للسبكي.
(6) أخرجه التِّرمذيُّ في "جامعه"؛ وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ". وروى نحوه ابن حبَّان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وأحمد في "مسنده"، والنَّسائيُّ في "سننه". وأخرجه عبد الرزَّاق الصَّنعانيُّ؛ رواه عنه أبو عبد الله الرَّازيُّ في "فوائده".
قلت: وقد ضعَّفه الشَّيخ الألباني في "مشكاة المصابيح"(246" وفي "التَّعليق على التَّنكيل"(1/385) و"الضَّعيفة"(4833) و"ضعيف الجامع الصَّغير" (6448).
(7) انظر هذه الآثار المذكورة في "الجرح والتَّعديل"(1/12 وما بعدها ـ المقدِّمة) لابن أبي حاتم، وكذا "الإنتقاء"(ص/53 وغيرها) لابن عبد البر، و"آداب الشَّافعي ومناقبه"(ص/204 وغيرها)، و"الحلية"(6/318 وغيرها، و"أسماء شيوخ مالك بن أنس"(ص/80 وما بعدها) للقاضي ابن خلفون الأندلسي، و"إسعاف المبطأ برجال الموطَّأ"(المقدّ ِمة)؛ وغيرها.
(8) انظر "الحلية"(6/330) لأبي نعيم.
(9) أخرج الخطيب البغداديُّ في كتابه "الجامع لأخلاق الرَّاوي والسَّامع"(1859) بإسناده قال: أنا أحمد بن محمَّد بن غالب، أنا أبو الحسن الدَّارقطنيُّ؛ قال: "أوَّل من صنَّف من البصريِّين سعيد بن أبي عروبة وحمَّاد بن سلمة، وصنَّف ابن جريج ومالك بن أنس، وكان ابن أبي ذئب صنَّف موطَّأ فلم يخرج، والأوزاعيُّ والثَّوريُّ وابن عيينة؛ ولم يرو عن جميعهم إلاَّ روح بن عبادة".
قلت: هو في كتاب "العلل للدَّارقطني"(12/246)، ثمَّ كتاب "موطَّأ ابن أبي ذئب" هذا هو من ضمن الكتب التي هي في عداد المفقودة.
(10) انظر "تدريب الرَّاوي"(1/89) للسُّيوطي و"توضيح الأفكار"(1/49) للصَّنعاني.
(11) سورة الرَّعد، الآية: 17.
(12) انظر "شرح علل التِّرمذي"(2/809) لابن رجب الحنبلي.
(13) نفس المصدر (2/674).
(14) نفس المصدر (2/671) بتصرُّف.
(15) انظر "جامع بيان العلم وفضله"(2/1113) للحافظ ابن عبد البر.
(16) انظر "طبقات الحنابلة"(1/251).
(17) انظر "التَّاريخ الكبير"(2/336).
(18) انظر "المعرفة والتاريخ"(1/686ـ687) و"تاريخ بغداد"(2/302) و"تهذيب الكمال"(25/637 ـ638).
(19) نفس المصدر السَّابق.
(20) انظر "سير أعلام النُّبلاء"(8/66) للذَّهبي.
(21) نفس المصدر (8/111).
(22) انظر "الدِّيباج"(ص/27) و"ترتيب المدارك" للقاضي عياض.
(23) انظر "شذرات الذَّهب"(2/352) لابن العماد.
(24) سورة النِّساء، الآية:95.
(25) سورة النِّساء، الآية:95.
(26) انظر "المنتظم"(5/2533).
(27) انظر "شذرات الذَّهب"(2/351).
(28) انظر "حلية الأولياء"(6/316).
(29) انظر "سير أعلام النُّبلاء"(7/170و8/81) للإمام الذَّهبيِّ.
(30) انظر "الدِّيباج المذهَّب في معرفة أعيان علماء المذهب"(1/132) لابن فرحون.
(31) نفس المصدر.
(32) نفس المصدر. انتبه القائل هنا هو الإمام مالك وليس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما.
(33) انظر "أربع رسائل في علوم الحديث"(ص/21و22).
(34) من الممكن أن تكون لنا معها وقفة إن شاء الله.