من الغريب ملاحظة تعاطف المستشرقين من اليهود والنصارى مع المعتزلة الاوائل ثم جاء بعد ذلك تلاميذ المستشرقين من العرب وحذوا حذو اساتذتهم امثال رضوان السيد والجابري واركون وغيرهم
والسبب في ذلك كما كشفه الشيخ ابراهيم السكران حفظه الله في كتابه الباهر [كتاب: التأويل الحداثي للتراث: التقنيات والاستمدادات ص 217] عندما قال:
بداية كان المستشرقون في القرن التاسع عشر جزءاً من المجتمع الغربي الذي يعيش أوج سحر النموذج الليبرالي, ولما بدؤوا ينتجون الدراسات عن الفرق العقدية في تاريخ الإسلام لاحظوا أن المعتزلة يعظمون النظر العقلي, وأنهم ينكرون القدر ويرون أنه إجبار للإنسان, ففهم الباحثون الغربيون أن هذه الفرقة هي أقرب الفرق إلى روحهم الغربية الليبرالية لأنهم يعظمون العقل ويقولون بحرية الإنسان, وشعر المستشرقون بحميمية غريبة تجاه المعتزلة كأنها هي التي تجسدهم في تاريخ التراث, كانوا يتعاملون مع المعتزلة كأنما هم نسخة فكرية من الليبرالية في عصر السلف, حتى قال المستشرق النمساوي المشهور في عصره ألفرد فون كريمر (ت 1889م) في كتابه ذائع الصيت عن (الأفكار المهيمنة في الإسلام)المنشور عام (1868م) : لقد كشف لنا الشرق ذات النزاع الفكري بين المحافظين والليبراليين, بين الرجعيين والتقدميين, كما نسميه في لغتنا الحديثة, أو كما كان يسميه العرب قبل آلاف السنين: بين أهل السنة والمعتزلة).
وهذا شاهد ثمين ومبكر يوضح لنا كيف فهم كبار المستشرقين النزاع العقدي في الإسلام من وحي رهانات وطموحات الثقافة الفكرية الغالبة في مجتمعاتهم. أهـ