تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: في مسألة التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي في مسألة التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله.

    مناقشة الدكتور حاتم العوني
    في مسألة التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله.
    الحمد لله حق حمده، وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
    أما بعد ففي مقطع منشور على اليوتيوب بعنوان ( التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ومسه عند الإمام الذهبي) على الرابط ( )
    أورد العوني كلام الحافظ الذهبي رحمه الله في (معجم الشيوخ 1/ 73) بعد أثر ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه كان يكره مس قبر النبي صلى الله عليه وسلم).
    قال الذهبي: ( قلت: كره ذلك لأنه رآه إساءة أدب، وقد سئل أحمد بن حنبل عن مس القبر النبوي وتقبيله، فلم ير بذلك بأسا، رواه عنه ولده عبد الله بن أحمد.
    فإن قيل: فهلاّ فعل ذلك الصحابة؟ قيل: لأنهم عاينوه حيا، وتملّوا به، وقبّلوا يده، وكادوا يقتتلون على وضوئه، واقتسموا شعره المطهر يوم الحج الأكبر، وكان إذا تنخّم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه، ونحن فلمّا لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل، ألا ترى كيف فعل ثابت البناني ؟ كان يقبل يد أنس بن مالك ويضعها على وجهه ويقول: يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذه الأمور لا يحركها من المسلم إلا فرط حبّه للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو مأمور بأن يحب الله ورسوله أشدّ من حبه لنفسه، وولده والناس أجمعين، ومن أمواله، ومن الجنة وحورها، بل خلق من المؤمنين يحبون أبا بكر، وعمر أكثر من حب أنفسهم...)
    وعلّق عليه ـ للأسف ـ بالتهكم واللمز وليس بالعلم، وإليك بعض ما ذكره مع التعقيب عليه:
    أولا: قال عن النص الذي نقله عن الذهبي : ( هذا النص يسبب مشكلة عند السلفية المعاصرة)!!
    التعقيب:
    1ـ كلمة (السلفية المعاصرة) كلمة يقصد بها لمزُ من سار على نهج السلف الصالح ممن وقف ضد التيارات الفكرية المعاصرة، والفرق المنحرفة من الصوفية، والرافضة، والمرجئة، والأشاعرة، وهي أحد مخرجات مؤتمر الصوفية المعاصرة المنعقد (بقروزني في الشيشان) فهل أدرك الدكتور هذا؟!
    2ـ هذا النص من الذهبي ليس بمشكلة بل هو خطأ من الذهبي رحمه الله، وبيان خطئه من وجوه:
    الوجه الأول: أن أثر ابن عمر رضي الله عنه ردّ على الحافظ الذهبي، وكذا إقراره بعدُ بأن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوه؛ فثبت بقول الذهبي أن هذا الفعل لم يكن من هدي الصحابة الكرام، فكيف لمن جاء بعدهم أن يخالفهم بفهم فهمه الذهبي؟!
    الوجه الثاني: أن ما ذكره الذهبي من التفريق بين الصحابة وغيرهم لا يصح أن يكون مناطا للحكم؛ لأنه معارض بأن من أدرك الشيء محبا له، ثم فاته كان أشد تعلقا به ممن لم يره مطلقا؛ فكيف لا يكون الصحابة أشد شوقا إليه ـ بأبي هو وأمي ـ صلوات ربي وسلامه عليه، وهم الذين حضروا التنزيل، وشاهدوا آيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وخبروا سيرته، ورأوا من كريم صفاته وأخلاقه مالم يروه في بشر قط، وتتبعوا آثاره، وفدوه بآبائهم وأمهاتهم، وقدّموا محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين؟! بل لو قيل إن الأمر على عكس ما ذكره الذهبي لكان هو الأصح.
    الوجه الثالث: أن هذا القول ( وهو المنع من التمسح بقبره عليه الصلاة والسلام وتقبيله) ليس قول المعاصرين كما زعم العوني، بل ذكره جماعات من أهل العلم ممن تقدّم الذهبي، وممن جاء بعده، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله، وحكى غير واحد من أهل العلم الاتفاق عليه، وهذه بعض نصوصهم:
    ـ قال القاضي عياض رحمه الله (الشفا 2/ 85): (قال مالك ـ في رواية ابن وهب ـ : إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا، يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم، ولا يمس القبر بيده).
    ـ وقال أبو بكر الأثرم رحمه الله ( الصارم المنكي ص145): (قلت لأبي عبد الله ـ يعني الإمام أحمد بن حنبل ـ قبر النبي صلى الله عليه وسلم يلمس ويتمسح به؟ قال: ما أعرف هذا، قلت له: فالمنبر؟ قال: أما المنبر فنعم، قد جاء فيه...، قلت لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر، وقلت له: ورأيتَ أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه، ويقومون ناحيته فيسلمون؟ فقال أبو عبد الله: نعم، وهكذا كان ابن عمر يفعل ذلك)، وسيأتي مزيد بيان لذلك ـ إن شاء الله ـ .
    ـ وقال الإمام أحمد رحمه الله ، كما في (الرد على الأخنائي ص171): ( سمعت أبا زياد حماد بن دليل قال لسفيان بن عيينة: كان أحد يتمسح بالقبر؟ قال: لا، ولا يلتزم القبر، ولكن يدنو). قال عبد الله بن أحمد: يعني أبي الإعظامَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم
    ـ وقال أبو عبد الله الحَليمي رحمه الله في (المنهاج في شعب الإيمان 2/ 457): ( نهى بعض أهل العلم عن الصاق البطن والظهر بجدار القبر ومسحه باليد، وذلك من البدع. وما قاله يشبه الحق، لأنه ما كان يتقرب في حياته بمسح جدار بيته، ولا بإلصاق البطن والظهر به).
    ـ وقال أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في (الحوادث والبدع ص 156): (ولا يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمسح كذلك المنبر، ولكن يدنو من المنبر، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم).
    ـ وقال النووي رحمه الله في (المجموع 8/ 275): ( لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم، ويكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر قاله أبو عبيد الله الحليمي وغيره، قالوا: ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضره في حياته صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصواب الذي قاله العلماء، وأطبقوا عليه، ولا يغتر بمخالفة كثيرين من العوام وفعلهم ذلك؛ فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم... ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع، وكيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب؟!)
    ـ وقال ابن الحاج رحمه الله (المدخل 1/ 263): ( فترى من لا علم عنده يطوف بالقبر الشريف كما يطوف بالكعبة الحرام، ويتمسح به ويقبله، ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم يقصدون به التبرك، وذلك كله من البدع؛ لأن التبرك إنما يكون بالاتباع له - عليه الصلاة والسلام - وما كان سبب عبادة الجاهلية للأصنام إلا من هذا الباب؛ ولأجل ذلك كره علماؤنا رحمة الله عليهم التمسح بجدار الكعبة، أو بجدران المسجد، أو بالمصحف إلى غير ذلك مما يتبرك به سدا لهذا الباب، ولمخالفة السنة؛ لأن صفة التّعظيم موقوفة عليه - صلى الله عليه وسلم -، فكل ما عظّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعظّمه ونتّبعه فيه، فتعظيم المصحف قراءته، والعمل بما فيه لا تقبيله ولا القيام إليه...).
    ـ وقال العيني رحمه الله في (البناية 3/ 262): ( وقال الزعفراني: لا يستلم القبر بيده ولا يقبله، قال: وعلى هذا مضت السنة، وما يفعله العوام الآن من البدع المنكرة شرعا. وفي " جوامع الفقه ": يزار القبر من بعد، ولا يقعد الزائر، وعند الدعاء للميت يستقبل القبلة، وكذا عند قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو اختيار الزعفراني من الشافعية أيضا).
    ـ وقال ابن فرحون رحمه الله في (إرشاد السالك 2/ 769): ( قال في "التحفة" : وليس من السنة أن يمس جدار القبر بيده، ولا يقبله، ولا يقبل الصندوق، ويبعد عن ذلك كله، ويقف في موقف الزائر ـ كما تقدم بيانه ـ وهذا يقتضي المنع جملة، وهو ظاهر كلام الجميع).
    ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (الرّد على الأخنائي ص31):(واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقبله، وهذا كله محافظة على التوحيد).
    وقال (مجموع الفتاوى 27/ 31): (ولهذا اتفق السلف على أنه لا يَستلم قبرا من قبور الأنبياء ولا غيرهم، ولا يتمسح به، ولا يستحب الصلاة عنده، ولا قصده للدعاء عنده أو به ؛ لأن هذه الأمور كانت من أسباب الشرك وعبادة الأوثان).
    وقال ـ أيضا ـ (مجموع الفتاوى 27/ 79): ( واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين - الصحابة وأهل البيت وغيرهم - أنه لا يتمسح به، ولا يقبله، بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود).
    ونَقْل كلام أهل العلم المماثل لهذا يطول، وفيما ذكر كفاية ـ إن شاء الله ـ .
    فماذا عسى الدكتور أن يقول عن هذه الأقوال التي تنسب التمسح بالقبر وتقبيله إلى العوام والجهلة، وتصفه بالبدعة، وتنهى عنه؟ أليس هو الذي وقع في المشكلة؟! فليدفع هذه المشكلة بالبرهان، وليذكر جوابه فيما زعم من النسبة إلى السلفية المعاصرة؛ ليروّج لرأيه، ويجعل الرأي المخالف له محدثا شاذا، مع أن العكس هو الصحيح، أليس هذا هو ضيق الأفق؟ أليس هذا هو احتكار الرأي؟ أليس هذا هو عدم الموضوعية في البحث؟ أليست هذه الانتقائية؟
    ليس صواب الرأي في التهويش، والتهميش، والصراخ، والتهكم، والاختيار بالتّشهّي، والتّعصب للرأي، والجدال بغير حق، ولكنّه في ثبوت الدليل، وصحة فهمه، واتّباع من سلف من أهل العلم والسنّة، والتجرّد للحق، وأطر النفس على ذلك.
    ثانيا: تمسك الدكتور العوني بقول الذهبي رحمه الله حين علّل كراهية ابن عمر رضي الله عنهما لهذا الفعل بأنه إساءة أدب، قال ـ وهذا لفظه ـ : (مُوْ عَشَان شرك، وذريعة شرك، لأنه إساءة أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم) أي أن الذهبي علّل كراهية ابن عمر رضي الله عنهما لمسّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إساءة أدب معه، وليس لكونه شركا أو ذريعة للشرك.
    التعقيب:
    1ـ حَصَر العوني الحق في كلام الذهبي وسفّه ما سواه، ومن المعلوم أن العلّة إما أن يكون منصوصا عليها، أو منبّهًا عليها أو مُومَأً إليها، أو مجمعًا عليها، أو مستنبطة بأحد المسالك المعتبرة، كالسبر والتقسيم، والمناسبة؛ فكان على القائل حين استروح لكلام الذهبي أن يبيّن هذا، وإلا كان مجرّد تقليد محض، والتقليد المحض مذموم!
    2ـ ما ذكره الذهبي ليس هو العلة الوحيدة؛ فقد عُلّل النهي عن ذلك بعلل، منها:
    أـ أنه من فعل الجاهلية، قال نصير الدين السامري رحمه الله في(المستوعب1/ 524) وهو يذكر أحكام زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم يأتي حائط القبر فلا يمسه ولا يلصق به صدره ؛ لأن ذلك عادة اليهود . وقال الأثرم : ذلك من فعل الجاهلية) .
    وقال العيني رحمه الله في (البناية 3/ 261): ( وقال أبو موسى الحافظ الأصبهاني قال: الفقهاء الخراسانيون: لا يمسح القبر، ولا يقبله، ولا يمسه، فإن كل ذلك من عادة النصارى. قال: وما ذكروه صحيح).
    وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى 27/ 31) ـ بعد أن أورد جملة مما يفعل بالقبور وعندها، ومنها التمسح بها وتقبيلها ـ أن ( هذه الأمور ونحوها هي من الزيارة البدعية ، وهي من جنس دين النصارى والمشركين).
    وكذلك ذكره زروق رحمه الله في ( شرح الرسالة لأبي زيد1/ 434)، والطحطاوي رحمه الله في (حاشيته على مراقي الفلاح ص620).
    ب ـ أنه ذريعة للشرك، كما مرّ في كلام ابن الحاج رحمه الله ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى27/ 79): ( وكان العكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها وفيها ونحو ذلك هو أصل الشرك وعبادة الأوثان ) وقال ـ أيضا ـ : (مجموع الفتاوى (27/ 80): ( وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله فكلهم كره ذلك ونهى عنه ؛ وذلك لأنهم علموا ما قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله رب العالمين).
    جـ أنه من الشرك الأصغر، قال أبو عبد الله بن مفلح رحمه الله في (الفروع 6/ 66) في سياق كلامه عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: (قال شيخنا ـ يعني ابن تيمية ـ : يحرم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقا. قال: واتفقوا أنه لا يقبله ولا يتمسح به فإنه من الشرك. وقال: والشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر) . وانظر: ( شرح المنتهى 1/ 594)، ( كشف المخدرات 1/ 330)، ( معونة أولي النهى 4/248) .
    د ـ أنه من البدع المحدثة، كما مرّ في كلام الحليمي والنووي وابن الحاج، وقال الرحيباني رحمه الله في (مطالب أولي النهى 2/ 442) على قول صاحب غاية المنتهى (ولا يمس قبره - صلى الله عليه وسلم - ولا حائطه، ولا يلصق به صدره، ولا يقبله) : (أي: يكره ذلك لما فيه من إساءة الأدب والابتداع، قال الأثرم: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقومون من ناحية فيسلمون. قال أبو عبد الله: وهكذا كان ابن عمر يفعل).
    ه ـ أن تركه أكمل في تعظيمه عليه الصلاة والسلام، كما مرّ ذكره عن الإمام أحمد رحمه الله ، وقال أبو الفتح الموصلي الحنفي رحمه الله في (الاختيار لتعليل المختار 1/ 175): ( ثم ينهض فيتوجه إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - فيقف عند رأسه - صلى الله عليه وسلم - مستقبلا للقبلة، يدنو منه قدر ثلاثة أذرع أو أربعة، ولا يدنو منه أكثر من ذلك، ولا يضع يده على جدار التربة؛ فهو أهيب، وأعظم للحرمة).
    وهذا الأخير يتفق مع قول الذهبي وإن كان نظر إليه من جانب الفعل، ونظر إليه غيره من جانب الترك.
    وبعد هذا أقول: يا دكتور أين أنت عن هذه العلل؟ أكنت غير مطّلع عليها؟ أم فرحت بما وجدته يوافق ما في نفسك فلم تكلّف نفسك البحث؟ أم ماذا؟!!
    ثالثا: ما نقله الذهبي رحمه الله من رواية عبد الله عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل موجود في (العلل 2/ 492) ونصه: (سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبرك بمسه، ويقبله، ويفعل بالقبر مثل ذلك، أو نحو هذا، يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز؟ فقال: لا بأس بذلك)، وهذا النقل طار به العوني فرحا، ولم يحتف بأثر الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه! ولمز محقق الكتاب الدكتور وصي الله بن محمد عباس حين استشكل هذا النقل!
    التعقيب:
    1ـ لئن نقل عبد الله عن أبيه رحمهما الله هذا فقد نقل عنه غيره خلافه، كما تقدم عن الأثرم رحمه الله ، وهي التي اعتمدها أبو محمد بن قدامة رحمه الله في (المغني) ولم يذكر سواها؛ فإنه قال (5/ 468): ( ولا يستحب التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله ، قال أحمد : ما أعرف هذا ...) وذكره. وهكذا فعل معاصره نصير الدين السامري رحمه الله في (المستوعب1/ 524)، وابن أخيه أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن قدامة رحمه الله في (الشرح الكبير 3/ 496) .
    كما نقلها عن الإمام: أبو الحارث أحمد بن محمد الصائغ رحمه الله ، وهي التي ذكرها وقدّمها: شمس الدين بن مفلح رحمه الله في ( الفروع 6/ 66)، وبرهان الدين بن مفلح رحمه الله في ( المبدع 3/ 237)، وعلاء الدين المرداوي رحمه الله في ( الإنصاف 4/ 53) وذكر أن هذا هو الصحيح من المذهب.
    وإذا عُلم هذا تبيّن أن الاعتماد على رواية عبد الله والإعراض عما سواها ـ مع أنه الأرجح بلا شك؛ بناء على قواعد المذهب، ولما علم من عناية الإمام أحمد بتتبع آثار ابن عمر رضي الله عنهما ـ مجانب للصواب؛ لضعف في النظر، أو تشه في الاختيار، والله المستعان.
    ويؤيد هذا أن أبا العباس بن تيمية قد حكى الاتفاق ـ كما سبق ـ على أن القبر لايتمسح به، ولا يقبّل، ولو كانت الرواية المعتمدة عن الإمام أحمد هي رواية عبد الله لم يحك الاتفاق؛ لأنه من المستبعد أن تفوت على مثل هذا العالم المحقق!.
    ومن المعلوم أنه إذا اختلفت الرواية عن الإمام سُلك طريق الجمع، ثم الترجيح، ثم التاريخ، فإن جهل التاريخ فمذهبه أقرب الروايات إلى الدليل، أو قواعد المذهب. ( انظر: المدخل المفصّل 1/ 291) .
    فلماذا أعرض الدكتور عن هاتين الروايتين مع أنهما المقدّمتان عند علماء المذهب؟ إن كان لم يطّلع ـ مع شهرة ذلك في أمّات مصادر الفقه الحنبلي وغيرها ـ فيقال له: لمَ الاستعجال في الكلام قبل البحث؟ وإن كان قد اطّلع عليها فيقال له: لمَ لمْ تذكرها؟
    ويقال له ـ أيضا ـ : ليست الرواية التي ذكرتها بأحق من الروايتين اللتين لم تذكرهما، وكان من الواجب عليه أن يتحقق قبل أن يتكلم، وأن يراجع قبل أن يُخَطّئ.
    رابعا: الأثر الذي ذكره عن ثابت أنه كان يقبل يد أنس ... ليس فيه دليل للذهبي رحمه الله، ولا لمن أقرّه على دلالته على التبرك بالقبر بتقبيله والتمسح به، وبيان ذلك من وجهين:
    أحدهما: منع الاستدلال به على التبرك أصلا؛ لأنه ليس منصوصا عليه، ولا مدلولا عليه بأي طريق من طرق الدلالة المعروفة، وإنما قبّل ثابت رحمه الله يد أنس رضي الله عنه إجلالا له ؛ لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والآخر: لو سلّمنا دلالته على التبرك فقياس التمسح بقبره وتقبيله باطل؛ لأن قوله: ( مسّت يد رسول الله) إيماء إلى علّة الفعل، أي أن ثابتا رحمه الله فعل ذلك الفعل لمسّ يد أنس رضي الله عنه ليد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه ثلاثة أمور: ثبوت المماسة، وكونها مباشرة بدون حائل، وكونها من حيّ؛ فوجب لصحة القياس إثبات هذه الأمور مجتمعة في المقيس عليه وإلا كان القياس باطلا، ولا يمكن لهذا القائل ولغيره إثباتها.
    هذا وأسأل الله أن يشرحنا صدرونا للحق، ويبصّرنا فيه، ويهدينا لإصابته، ويثبّتنا عليه حتى الممات، إنه سبحانه على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، والحمد لله رب العالمين.
    كتبه/ عبد العزيز بن محمد السعيد
    16/ 12/ 1441 هـ.<span style="box-sizing: border-box; font-family: arial, helvetica, sans-serif;"><span style="box-sizing: border-box; font-size: 22px;"><span style="box-sizing: border-box; font-weight: 700;">http://www.aalsaid.com/books_show.php?show=174
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: في مسألة التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله.

    مَسألةُ التمسُّحِ بقَبْر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتقبيلِه( [1] )
    علوي بن عبدالقادر السَّقَّافالمشرف العام على مؤسَّسة الدرر السَّنيَّة
    الحمدُ لله حمْدَ الشاكرين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ الأنبياء والمُرسَلين، نبيِّنا وسيِّدنا محمَّد بن عبد اللهِ وعلى آله وصحْبِه أجمَعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
    أمَّا بعدُ:
    فلا يَزالُ أصحابُ الأهواء بين فَينةٍ وأخرى يُثيرون الشُّكوكَ والشُّبهاتِ في أمورٍ مُسلَّمةٍ من دِينِ الله عزَّ وجلَّ، كمَسألة الاستغاثةِ بغير اللهِ، ومسألةِ التوسُّل بالأنبياء والصالحين، والتبرُّك بالقُبور وغيرها؛ تارةً بإيرادِ آثارٍ ضَعيفةٍ ومَوضوعةٍ، وتارةً بنقلِ أقوالٍ لكبارِ أئمَّة السَّلَف وعُلمائهم، إمَّا شاذَّة، أو فُهِمَت على غيرِ مُرادها؛ وذلك لزَعزعةِ عَقائدِ المسلمين، أو لضَربِ أقوالِ عُلمائِهم بَعضِها ببعضٍ، وزَعزعةِ ثِقتِهم فيهم. ومن هذه المسائلِ التي تُثار بين وقتٍ وآخرَ: مسألةُ (التمسُّح بقَبر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَقبيله والتبَرُّك به)، وممَّا أُثير حولَه الجَدلُ مُؤخَّرًا: قولُ عبدِ اللهِ ابن الإمامِ أحمدَ بنِ حنبل: (سألتُه -يعني: أباه- عن الرَّجُلِ يمَسُّ مِنبرَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويتبرُّك بمَسِّه، ويُقبِّلُه، ويَفعل بالقَبر مِثلَ ذلك أو نحوَ هذا؛ يُريد بذلك التقرُّبَ إلى اللهِ جلَّ وعزَّ؟! فقال: لا بأسَ بذلك).

    وقبل تَفنيدِ هذا النَّقل أتساءلُ:
    هل ناقِلُ هذا الكلامِ عن الإمامِ أحمدَ يَنقُلُه مؤيِّدًا له، مُعتقِدًا جوازَ التمسُّح بالقبر وتقبيلِه تقربًا إلى الله عزَّ وجلَّ؟!

    أمْ يَنقُلُه ليتحدَّى أتباعَ الإمام أحمدَ -الذين يُحَرِّمون التمسُّحَ بالقبر وتقبيلَه- أن يُفَسِّروا كلامَه، ويُوجِّهُوه؟!، أم يَنقُلُه تَهكُّمًا بهم؟!
    وإنَّه -والله- لَمُؤسِفٌ جدًّا أن تُفقِدَ الخصومةُ طالبَ العِلمِ حِرصَه على حِمايةِ جَنابِ التوحيد؛ فمن أجل التهكُّم والسُّخرية مِن شَخصٍ، أو طائفةٍ يَتبنَّى قولًا بِدْعيًّا باتِّفاقِ العُلماءِ ، كمَسألةِ التمسُّح بالقَبرِ وتقبيلِه، أو على الأقل يَنقُلُ كلامًا لإمامٍ مِن أئمَّة أهل السنة يُضَلِّل به المسلمين!!
    ولأجْل ألَّا يكونَ الدِّفاعُ عن الإمام أحمدَ مُقدَّمًا على حِمايةِ جَناب التوحيد من البِدَع ووسائل الشِّرك؛ سأقدِّمُ الحديثَ عن المسألةِ نفسِها، وأقوال العُلماء فيها، ثم أُعَرِّجُ على مدَى صِحَّةِ نِسبة هذا القولِ للإمامِ أحمدَ -رحمه الله.

    المسألة الأولى: بيانُ بُطلان جواز التمسُّح بقَبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَقبيلِه
    أولًا: الأدلَّةُ
    يَكفي للدَّلالةِ على بُطلان جواز هذا الفِعل: أنَّه لم يَرِدْ فيه حديثٌ واحدٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفاعِلُه إنَّما يتقرَّبُ به إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فهو مِن المُحدَثاتِ التي قال عنها رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيما روَتْه عنه عائشةُ رضي الله عنها: ((مَن أَحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ))( [2])، وفي رواية لمسلمٍ: ((مَن عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أَمْرُنا، فهو رَدٌّ)( [3]).
    لا شَكَّ أنَّ هذا الفِعلَ مِن تَعظيم القبور، وقد نَهى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك، فقال: ((لَعْنةُ اللهِ على اليَهودِ والنَّصارى؛ اتَّخَذوا قُبورَ أنبيائِهم مَساجِدَ))( [4])، وقال -كما في الحديثِ الحَسنِ-: (لا تَجْعَلوا قَبري عِيدًا، وصَلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صَلاتَكم تبلُغُني حيثُ ما كنتُم)( [5]).
    لم يثبُت عن صَحابيٍّ واحدٍ أنه كان يتبَرَّكُ بالتمسُّح بقبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو تَقبيلِه -رغمَ حُبِّهم الشديدِ له، وتبرُّكِهم به في حَياتِه بجَسَدِه، وما يخرُجُ منه مِن عَرَقٍ وغيرِه- وبآثارِه بعدَ مماتِه، وهذا كلُّه ثابتٌ في أحاديثَ وآثارٍ صحيحةٍ، ولو كان التبرُّك بالتَّمسُّحِ بالقَبرِ من جِنسِ هذا، لفَعلوه بعد مماتِه.
    وهذا الإمامُ البخاريُّ في صحيحِه يقولُ: (باب: ما ذُكِرَ من دِرعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعصاه، وسَيفِه وقدَحِه، وخاتَمِه، وما استَعمَلَ الخُلفاءُ بعدَه من ذلك ممَّا لم يُذكَر قِسمتُه، ومِن شَعَره، ونَعْلِه، وآنيتِه ممَّا يَتبَرُّك أصحابُه وغيرُهم بعدَ وفاتِه).
    وفي صحيحِ مُسلم: (باب: طِيبُ رائحةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولِينُ مَسِّه والتبرُّك بمسحِه).
    وباب: (طِيبُ عَرَقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والتبرُّك به).
    أين قَبرُه؟ وأين حُجرتُه؟ وأين الحائطُ؟!
    ثبَت عن ابنِ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما بإسنادٍ صحيحٍ، أنه: «كان يَكرَهُ مَسَّ قَبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»( [6]).
    ثانيًا: أقوالُ العُلماء
    بُطلان جواز هذا الفِعلِ ممَّا نُقِل فيه اتِّفاقُ عُلماءِ الأُمَّةِ عليه، وسأنقُلُ هنا بعضَ أقوال عُلماء وأتباعِ المذاهب الأربعةِ، ممَّن منَعوا ذلك ونهُوا عنه وعدَّه بعضُهم من البِدَعِ، بل مِن عادات اليهودِ والنَّصارى.

    ما نُقل عن الإمامِ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، واتِّفاق السَّلَفِ على ذلك:
    قال الشيخ خليل المالكيُّ (ت: 776هـ): (روى ابنُ وهبٍ في المختصَرِ قال: سُئِلَ مالكٌ: من أين يقِفُ من أراد التَّسليمَ؟ فقال: مِن عندِ الزاويةِ التي تلي القِبلةَ مِمَّا يلي المِنبرَ، ويَستقبِلُ القبلةَ، ولا أحِبُّ أن يمسَّ القبرَ بيَدِه)([7]).
    وقال الإمامُ النوويُّ (ت: 676هـ): (قالوا: ويُكرَهُ مَسحُه باليدِ وتَقبيلُه، بل الأدبُ أن يُبعَدَ منه كما يُبعَدُ منه لو حَضَره في حياتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، هذا هو الصوابُ الذي قاله العلماءُ وأطبقوا عليه)( [9]).
    وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّة (ت: 728هـ): (لا يُسَنُّ باتِّفاقِ الأئمَّة: أن يُقَبِّلَ الرَّجُلُ أو يستَلِمَ رُكنَيِ البيت -اللَّذين يَليانِ الحِجْرَ- ولا جُدرانَ البيتِ، ولا مَقامَ إبراهيم، ولا صخرةَ بيت المَقدِس، ولا قَبْرَ أحدٍ مِن الأنبياء والصالحين)( [10]).
    وقال الشريفُ السَّمْهوديُّ الشافعيُّ (ت: 911هـ): (قال الأَقشَهْريُّ: قال الزَّعفرانيُّ في كتابه: وضعُ اليد على القَبرِ ومَسُّه وتقبيلُه: مِن البِدَعِ التي تُنكَرُ شرعًا، ورُوِيَ أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ رضِي اللهُ عنه رأَى رجُلًا وضَع يدَه على قبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فنهاه، وقال: (ما كنَّا نَعرِف هذا على عَهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد أنكره مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ أشدَّ الإنكارِ)( [11]).

    وقال الشيخُ مرعي بن يوسف الحنبليُّ (ت: 1033هـ): (أمَّا تَقبيلُ القبورِ والتمَسُّحُ بها، فهو بِدعةٌ باتِّفاق السَّلف؛ فيشَدَّدُ النكيرُ على مَن يفعل ذلك، ممَّن تَزيَّا بزيِّ أهل العِلم؛ خوفَ الافتِتان به، والاقتداءِ بفِعلِه)( [12]).

    وقال العَلَّامة المُعَلِّميُّ اليمانيُّ (ت:1386هـ): (عُلماءُ الأُمَّة سَلَفًا وخَلَفًا مُجمِعون على أنَّ التبرُّك بالقُبور، بالاستلامِ والتمسُّح والتقبيل ووضعِ العينينِ ونحوه؛ كلُّه مُحادَّةٌ للهِ ورسولِه، وخروجٌ عن سواءِ سَبيلِه؛ فالعلماء بين مُكفِّرٍ ومُفسِّق. ولا يصِحُّ قياسُ قبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ على آثارِه؛ لأنَّ القبورَ -ولا سيَّما قُبورُ الأنبياء والصالحين- مَظِنَّةُ افتِتان الناسِ وضلالِهم) [13]).
    ما نُقل عن أتْباع المذاهب الأربعةِ:
    قال أبو البقاء محمَّد الضياء المكيُّ الحنفيُّ (ت: 854هـ): (ليس مِن السُّنة أن يَمَسَّ الجدارَ أو يُقبِّلَه، بل الوقوفُ من البُعدِ أقرَبُ إلى الاحترامِ. ومن الآدابِ: ألَّا يَرفعَ صوتَه بالتسليم، ولا يَمسَّ القبرَ بيدِه، ولا يَقِفَ عندَ القبرِ طويلًا)( [14]).

    وقال قطبُ الدِّين النهرواني الحنفيُّ (ت: 990هـ): (ليس مِن السُّنَّةِ أن يمسَّ الجدار أو يقبِّلَه) [15]).

    وقال مُلا علي القاري الحَنفيُّ (ت: 1014هـ) في مناسكه: (قوله: "ولا يَمسّ عند الزِّيارة الجِدارَ"، أي: لأنَّه خِلافُ الأدبِ في مقام الوقار، وكذا لا يُقَبِّله؛ لأنَّ الاستلامَ والقُبلةَ من خَواصِّ بعض أركانِ الكعبةِ)( [16]).

    وقال الأصوليُّ أبو بكر الطُّرْطُوشيُّ المالكيُّ (ت: 520هـ): (ولا يَتمسَّح بقبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا يَمْسَح كذلك المِنبرَ)( [17]).

    وقال الفقيه ابنُ الحاج المالكيُّ (ت: 737هـ): (فترَى مَن لا عِلمَ عنده يطوفُ بالقبرِ الشريفِ كما يطوفُ بالكعبةِ الحرامِ، ويتمسَّحُ به، ويُقَبِّله، ويُلقون عليه مَناديلَهم وثيابَهم؛ يَقصِدون به التبَرُّك، وذلك كلُّه من البِدعِ؛ لأنَّ التبركَ إنما يكون بالاتِّباعِ له عليه الصَّلاةُ والسَّلام، وما كان سَببُ عبادة الجاهلية للأصنام إلَّا مِن هذا الباب)( [18]).

    وقال الشيخ خليل المالكيُّ (ت: 776هـ): (ولْيَحذرْ ممَّا يفعلُه بعضُهم من طوافِه بقبره -عليه الصَّلاة والسَّلام- وكذلك أيضًا: تمسُّحهم بالبِناء، ويُلقون عليه مناديلَهم وثيابهم، وذلك كلُّه من البِدَع؛ لأنَّ التبركَ إنما يكون بالاتِّباع له -عليه الصلاة والسلام- وما كانتْ عِبادةُ الجاهلية الأصنامَ إلا مِن هذا الباب) [19]).

    وقال الإمام الغزاليُّ الشافعيُّ (ت: 505هـ): (ليس مِن السُّنةِ أنْ يَمسَّ الجدارَ، ولا أن يُقَبِّله، بل الوقوفُ مِن بُعد أقربُ للاحترامِ)( [20]).

    ونَقل الفقيه أبو شامة المقدسيُّ الشافعيُّ (ت: 665هـ) عن بدع العامَّة في المسجد النبوي عن الحليمي: (عَن بعض أهل الْعلم أَنه نهى عَن الصاق الْبَطن وَالظّهْر بجدار الْقَبْر ومسحه بِالْيَدِ وَذكر أَن ذَلِك من الْبدع) [21])

    وقال الإمام النوويُّ الشافعيُّ (ت: 676هـ): (قالوا: ويُكرَهُ مسْحُه -أي: قَبْر النبيِّ- باليد وتقبيلُه،....ولا يُغتَر بمخالفةِ كثيرين مِن العوامِّ وفعلِهم ذلك؛ فإنَّ الاقتداءَ والعملَ إنما يكونُ بالأحاديثِ الصحيحةِ وأقوالِ العلماء، ولا يُلتَفَت إلى مُحدَثاتِ العوامِّ وغيرِهم، وجَهالاتِهم،.... ومَن خطَر بباله أنَّ المسحَ باليدِ ونحوه أبلَغُ في البَركة؛ فهو من جَهالتِه وغفلتِه؛ لأنَّ البركةَ إنما هي فيما وافَقَ الشرعَ) [22]).

    وقال تقيُّ الدِّين السبكيُّ الشافعيُّ (ت: 756هـ): (... وإنَّما التمسُّحُ بالقبر وتقبيله، والسجودُ عليه، ونحو ذلك: فإنَّما يَفْعَلُه بَعضُ الجهال، ومَن فعَل ذلك يُنكَر عليه فِعلُه ذلك، ويُعَلَّم آدابَ الزِّيارة...)( [23]).

    وقال السيوطيُّ الشافعيُّ (ت: 911هـ): (ومِن البِدع أيضًا: ... طوافُهم بالقبرِ الشريف، ولا يحلُّ ذلك، وكذلك إلصاقُهم بُطونَهم وظُهورَهم بجدارِ القَبر، وتقبيلُهم إيَّاه بالصُّندوق الذي عند رأسِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومسْحُه باليد؛ وكل ذلك مَنهيٌّ عنه) [24]).

    وقال البُهوتيُّ الحنبليُّ (ت: 1051هـ): (لا يَمسَح قَبرَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا حائطَه، ولا يُلصق به صَدْرَه، ولا يُقَبِّله)( [25]).

    ونقَل الشيخُ المؤرِّخُ عبدُ الله بن الغازي المكيُّ الحنفيُّ -المتوفَّى سنة 1365هـ (معاصر)- في كتابه ((إفادة الأنام)) فتوى لعُلماء المدينةِ وقَّع عليها مُفتو المذاهب الأربعة آنذاك، جاء فيها: (وأمَّا التوجُّهُ إلى حُجرة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عند الدُّعاء؛ فالأولى منْعُه، كما هو معروفٌ من مُعتَبرات كتُبِ المذهب [26])، ولأنَّ أفضلَ الجِهات جِهةُ القِبلة، وأمَّا الطوافُ بها والتمسُّحُ بها وتَقبيلُها، فهو ممنوعٌ مُطلقًا). توقيع: (إبراهيم بري مفتي الحنفية، ومحمد صادق العقبى مفتي المالكية، وزكي برزنجي مفتي الشافعية، وحميد بن الطيب مفتي الحنابلة، وأكثر من عشرة من علماء المدينة المنورة)( [27]).

    ما نُقل أنَّه مِن عادةِ اليَهود والنَّصارى:
    قال الغزاليُّ الشافعيُّ (ت: 505هـ): (فإنَّ المسَّ والتقبيلَ للمَشاهِدِ: عادةُ اليهود والنَّصارى)( [28]).
    وقال عبد القادر الجيلانيُّ (ت: 561هـ): (وإذا زار قبرًا لا يَضَع يدَه عليه، ولا يُقَبِّله؛ فإنَّها عادةُ اليهود)( [29]).
    وقال عبد الرحمن العِماديُّ النقشبنديُّ (ت: 1051هـ): (يَتجنَّبُ مَسَّ الشِّباك ومسْحَه بيدِه ثُم المسْح على وجْهِه للتبرُّك؛ فإنَّ ذلك من عادة أهلِ الكِتاب، ولم يُنقَل ذلك عن أحدٍ من الأئمَّة المجتهدين، ولا مِن العلماء المعتَمَدين)( [30]).
    وقال أحمد الطحطاويُّ الحنفيُّ (ت: 1231هـ): (ولا يَمسَّ القبرَ، ولا يُقَبِّله؛ فإنَّه مِن عادةِ أهل الكتاب، ولم يُعهَدِ الاستلامُ إلَّا للحَجَرِ الأسود، والركْنِ اليَماني خاصةً)( [31]).

    المسألة الثانية: بيانُ شُذوذِ ما نُسِب للإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ مِن أنَّه يُجيز التمسُّحَ بقَبر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتقبيلَه
    جاء في كِتاب ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/492) لعبدِ الله ابن الإمام أحمدَ أنَّه سألَ أباه: (الرَّجُلُ يمسُّ منبرَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويتبرُّك بمَسِّه ويُقَبِّله، ويَفعَلُ بالقبرِ مِثلَ ذلك، أو نَحوَ هذا؛ يُريدُ بذلك التقرُّبَ إلى الله جلَّ وعزَّ؟ فقال: لا بأسَ بذلك).
    وهذا النَّقل ثابتٌ في الكِتابِ المذكور ولم يُشَكِّك في ثبوته أحدٌ، لكنَّه شاذٌ ومردودٌ مِن أربعةِ أوجُه؛ ليس منها أنَّ الإمامَ أحمدَ لم يُحَرِّر مسألةَ التبرُّك بقبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ! فهذا لا يجرؤُ على قَولِه أحدٌ، وأحمدُ إمامُ أهلِ السُّنَّة، وهو أجَلُّ مِن أن يُقالَ عنه: لم يُحرِّرْ مسألةَ التبرك!.
    الوجهُ الأوَّل:
    أنَّ تلاميذَ الإمامِ أحمدَ غير ابنِه عبدِ الله نقَلوا عنه خِلافَ ذلك؛ منهم أبو بكرٍ الأثرمُ، وهو مِن أجلِّ تلاميذِه، قال: (قلتُ لأبي عبد اللهِ: قَبرُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُمسُّ ويُتمسَّحُ به؟ فقال: ما أعرِفُ هذا. قلتُ له: فالمنبرُ؟ قال: أمَّا المنبرُ( [32]) فنَعَمْ؛ قد جاء فيه. قيل لأبي عبدِ الله: إنَّهم يُلصِقون بُطونَهم بجدارِ القَبر! وقيل له: رأيتَ مِن أهلِ العِلمِ مِن أهل المدينةِ لا يَمَسُّون ويقومون ناحيةً فيُسَلِّمون؟ قال أبو عبدِ الله -رحمه الله-: نعم، وهكذا كان ابنُ عُمَرَ يَفعَلُ)( [33]).
    بل نقَل أبو الفضْل صالحٌ عن أبيه الإمامِ أحمد خِلافَ ما ذَكره أخُوه عبدُ الله؛ حيثُ قالَ في الذي يَدخُلُ المدينةَ: (ولا يَمسّ الحائطَ، ويَضَع يدَه على الرُّمَّانة( [34]) والموضِعِ الذي جَلَس فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا يُقَبِّل الحائطَ)( [35]).
    الوجه الثاني:
    أنَّ عبدَ اللهِ نفْسَه نقَل عن أبيه أنَّه سمِع سُفيانَ بنَ عُيَينةَ منَعَ مِن ذلك، ولم يعْترِض عليه، فقال: (حدَّثَني أبي قال: سَمِعتُ أبا زيدٍ حمَّادَ بنَ دَليلٍ قال لسُفيانَ بنِ عُيينةَ: كان أحَدٌ يتمسَّحُ بالقبر؟ قال: لا، ولا يلتَزِمُ القبرَ)( [36]).
    الوجه الثالث:
    أنَّ الإمامَ أحمد كان لا يرى مَسَّ أركانِ الكعبة إلَّا الحجرَ الأسودَ واليَمَاني، وتوقَّف في حُكمِ تقبيلِ المُصحَفِ، وفيه كلامُ رب العالمين، فكيف يرى جوازَ التمسُّحِ بالقبر وتقبيلِه؟!
    قال إسحاقُ بن منصور الكوسج سائلًا الإمام أحمد: (قلتُ: يستلمُ الأركانَ كُلَّها؟ قال: لا، إلَّا اليماني والحَجَر)( [37])، وقال ابن تيمية: (سُئِل أحمدُ عن تقبيله -يعني المصحفَ- فقال: ما سمعتُ فيه شيئًا)( [38])
    الوجه الرابع:
    أنَّ أتْباعَ مذهبِ الإمام أحمدَ يَمنعون من التمسُّح بالقبرِ وتَقبيلِه، وهم أعرفُ الناسِ بمَذهبِه، ولا يَكادون يُخالفونه، فَضلًا عن أن يُطبِقوا على مخالفتِه، وهم أعرَفُ الناسِ برِواياته، بل لا تَكاد تجِد أثرًا لرواية عبدالله ابن الإمام أحمد في كُتُبهم..
    قال ابنُ قدامةَ: (ولا يُستحَبُّ التمسحُ بحائطِ قبرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولا تَقبيلُه، قال أحمد: ما أعرفُ هذا؛ قال الأثرمُ: رأيتُ أهلَ العِلمِ مِن أهل المدينةِ لا يَمسُّون قبرَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)( [39]).
    وقال المَرداويُّ: (لا يُستحَبُّ تمسحُه بقبرِه -عليه أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلام- على الصَّحيحِ من المذهبِ. قال في المستوعب: بل يُكرَهُ. قال الإمامُ أحمد: أهلُ العِلم كانوا لا يَمسُّونه)( [40]).
    وقال الحجاويُّ: (ولا يَتمَسَّحُ ( [41]) ولا يَمسُّ قَبرَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا حائطَه، ولا يُلصِق به صَدْرَه، ولا يُقَبِّله).( [42])
    وانظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لابن مفلح (2/237)، و((كشاف القناع)) للبهوتي (2/517) وغيرَها العشَراتِ من كُتب المذْهب( [43]).
    وكُلُّ مَن خَبَر المذْهبَ الحَنبليَّ علِم أنَّ هؤلاء من أشْهرِ أئمَّةِ المذْهبِ، وأنَّهم أصحابُ تَحريرٍ وتنقيحٍ وتصْحيحٍ له، وهم أعرَفُ برِواياتِ الإمامِ والترْجِيح بيْنها.
    وفي تنكُّبِ أئمَّةِ المذهبِ عن هذه الروايةِ دَلالةٌ على أنَّهم يَرَوْن شُذوذَها وعدَمَ اعتبارِها، وهم أربابُ المذهبِ وأدْرَى الناسِ بمُرادِ إمامِه، والذي يَنبغي لطالِب العِلمِ أنَّه إذا رأى قولًا لإمامٍ مُخالِفًا لبَقيَّةِ أقوالِه أنْ يَطويه ولا يَرويه، ويَرُدّ مُتشابِهَه إلى مُحْكَمِه، وإذا وجَد مِن ذلك شَيئًا فإنَّه يُبادِرُ إلى بيانِ كونِه غيرَ مُعتبَر، وهذا فيه -من جِهةٍ- حِفظٌ لمقامِ الأئمَّة، ومِن جِهةٍ أخرى فيه حِمايةٌ لجَنابِ الشريعةِ والتَّوحيدِ؛ طلبًا لسَلامةِ عَقيدةِ المسلمين مِن الزَّيغِ والانحرافِ.

    أسألُ اللهَ بمَنِّه وكَرمِه أن يُرِيَنا والمسلِمين جميعًا الحقَّ حقًّا ويَرزُقَنا اتِّباعَه، وأنْ يُرِيَنا الباطِلَ باطلًا ويَرزُقَنا اجتنابَه.

    ( [1])للاستزادة حول هذا الموضوع، يُنظر: كتاب ((بدع القبور)) للشيخ صالح العصيمي، وكتاب ((التذكرة في أحكام المقبرة)) للشيخ عبدالرحمن الشثري، وكتاب ((التعريف ببطلان ما نُسب إلى الإمام أحمد)) للشيخ صادق سليم، وقد استفدت منها -وخاصَّةً الأخير-كثيرًا.
    ( [2])رواه البخاري ( 2697 )، ومسلم ( 1718 ).
    ( [3])رواه مسلم ( 1718 ).
    ( [4])رواه البُخاريُّ (3453)، ومُسْلمٌ (531) من حديث عبدالله بن عباس وعائشة رضي الله عنهم.
    ( [5])أخرجه أبو داود (2042) واللفظ له، وأحمد (8804) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    ( [6])أخرجه محمد بن عاصم في ((جزء له)) (28) بإسناد متَّصل، رجاله كلُّهم ثقاتٌ أثبات، فقال: حدَّثَنا أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة الكوفي- عن عُبَيد الله -وهو ابنُ عُمر بن حفص- عن نافع -مولى ابن عمر- عن ابن عمر، وهذا إسنادٌ كالشمس.
    ورواه من طريقه الذهبي في ((معجم الشيوخ)) (1/45).
    وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (4150) عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا قدِمَ من سفرٍ بدأ بقَبر النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فصلَّى عليه وسلَّمَ، ودعا له، ولا يمَسُّ القبرَ، ثم يُسلِّم على أبي بكر...
    ;( [7])((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) (2/ 101).
    ( [9])((المجموع شرح المهذب)) (8/275).
    ( [10])((مجموع الفتاوى)) (27/79).
    ( [11])((وفاء الوفاء)) (4/ 215).
    ( [12])((شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور)) ص (42).
    ( [13])((آثار الشيخ المعلمي)) (4/255).
    ( [14])((البحر العميق في مناسك المعتمر والحاج إلى بيت الله العتيق)) (5/2900).
    ( [15])((تاريخ المدينة)) (ص: 192).
    ( [16])((مناسك ملا علي القاري)) (ص: 276).
    ( [17])((الحوادث والبدع)) (ص: 156).
    ( [18])((المدخل)) (1/ 263).
    ( [19])((مناسك الحج)) للشيخ خليل (ص: 164).
    ( [20])((إحياء علوم الدين)) (1/259).
    ( [21])((الباعث على إنكار البدع والحوادث)) (95)
    ( [22])((المجموع شرح المهذب)) 8/275.
    ( [23])((شفاء السقام في زيارة خير الأنام)) (ص: 312).
    ( [24])((الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)) (ص185) .
    ( [25])((بغية الناسك في أحكام المناسك)) (ص: 127).
    ( [26])كذا بالأصل، ولعل الصواب: المذاهب
    ( [27])((إفادة الأنام)) (5/135).
    ( [28])((إحياء علوم الدين)) (1/271).
    ( [29])((الغنية)) (1/ 91).
    ( [30])((المستطاع من الزاد لأفقر العباد)) (ص 18).
    ( [31])((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح)) (ص 620).
    ( [32])يعني: قبل احتراقِه. انظر: ((خلاصة الوفا للسمهودي)) (1/455).
    ( [33])((المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين)) (1/215) لأبي يعلى الفراء (ت: 458)، وانظر: ((المغني لابن قدامة)) (3/479).
    ( [34])وذلك قبل أن تُحرق. انظر: ((خلاصة الوفا للسمهودي)) (1/455) .
    ( [35])((مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه أبي الفضل صالح)) (3/61) .
    ( [36])((الرد على الإخنائي)) (ص416).
    ( [37])((مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه)) (5/ 2328)
    ( [38])((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص 265)
    ( [39])((المغني)) (5/468).
    ( [40])((الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف)) (4/53)
    ( [41])كذا بالأصل، ولعلها: ولا يَمْسَح.
    ( [42])((الإقناع في فقه الإمام أحمد)) (1/369)
    ( [43])وقد يشذ حنبليٌّ فيجيزه، والعبرة بكتب المذهب المعتمدة في تحريره.

    https://dorar.net/article/1992/%D9%8...8A%D9%84%D9%87
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: في مسألة التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة

    2ـ هذا النص من الذهبي ليس بمشكلة بل هو خطأ من الذهبي رحمه الله،
    نعم بارك الله فيك
    قال الشَّيخ صالح آل الشَّيخ
    جوبًا على سؤال عن حال الإمام الذَّهبي (رحمه الله):
    أمَّا الذَّهبي (رحمه الله ) فهو في توحيد العبادة جيِّد؛ على طريقة شيخ الإسلام ابن تيميَّة وفي الأسماء والصِّفات، وعقائد السَّلف في الإيمان والقدر وغيره، هو كذلك على عقيدة السَّلف الصَّالح، وله في ذلك مؤلَّفات كثيرةٌ
    كـ 'العلوِّ' و'الأربعين' وما أشبه ذلك، وأمَّا في وسائل الشِّرك فإنَّه حصل له عدم تحريرٍ فيها (رحمه الله)، خاصةً في كتابه هذا الأخير 'السِّيَر' الَّذي ألَّفه بعد وفاة شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ بعد وفاة شيخ الإسلام بعشر سنين،
    فـ[صار] عنده بعض العبارات الَّتي فيها تساهلٌ بوسائل الشِّرك؛
    كالدُّعاء عند القبور، والصَّلاة عندها، والتَّبرك برؤية الصَّالحين،
    أو التَّبرك بالدٌّعاء عند القبور أو بالأماكن؛ -المشاهد- أوأشباه ذلك،
    فعنده تساهلٌ في هذا راجعٌ إلى عدم تحريره لمسألة الوسائل؛ وسائل الشِّرك
    .

    المصدر: شريطٌ بعنوان: " جلسة خاصة مع الشَّيخ "
    قال الشيخ عبدالله السعد
    ( و لكنه رحمه الله عنده لين في هذا الجانب - فيما يتعلق ببعض قصايا بالتبرك بالأولياء و الصالحين و فيما يتعلق بشد الرحل إلى قبر الرسول صلى الله عليه و سلم...
    كان يجوز التمسح بالقبر ولاشك أن هذا باطل و لا يجوز بل هذا من الشرك)
    شرح الموقظة

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: في مسألة التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    الذَّهبي (رحمه الله ) فهو في توحيد العبادة جيِّد؛ على طريقة شيخ الإسلام ابن تيميَّة وفي الأسماء والصِّفات، وعقائد السَّلف في الإيمان والقدر وغيره، هو كذلك على عقيدة السَّلف الصَّالح،..... وأمَّا في وسائل الشِّرك فإنَّه حصل له عدم تحريرٍ فيها
    قال الشيخ صالح آل الشيخ - في محاضرة له - بعنوان: "الفتوى بين مطابقة الشرع ومسايرة الأهواء":
    إذا كانت المسألةُ ( متعلقةً بِعالِمٍ من أهلِ العلم في الفتوى في شأنِه بأمرٍ مِن الأمور؛ فإنَّه -هُنا- يَجبُ النَّظرُ فيما يؤُول إليه الأمرُ مِن المصالِح ودَفعِ المفاسد.
    لِهذا: ترى أئمةَ الدَّعوةِ -رحِمَهُم اللهُ تعالى- مِن وقت الشَّيخ عبدِ اللَّطيفِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ حسَنٍ-أحد الأئمَّةِ المشهورين إلى وقت الشَّيخِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ -رحِمهُ اللهُ تعالى-: إذا كان الأمرُ مُتعلِّقًا بإمامٍ، أو بِعالِمٍ، أو بِمَن له أثرٌ في السُّنَّة؛ فإنَّهُم يتورَّعونَ، ويَبتَعِدون عن الدُّخولِ في ذلك.
    مِثالُه: الشَّيخُ الصِّدِّيق حسَن خان القِنَّوجيُّ الهِنديُّ المعروفُ عند علمائنا، له شأنٌ، ويُقدِّرون كتابَه "الدِّين الخالِص"، مع أنَّه نَقَدَ الدَّعوةَ في أكثر مِن كتابٍ لهُ؛ لكنْ يَغُضُّون النَّظرَ عن ذلك ولا يُصعدون هذا؛ لأجلِ الانتفاعِ بأصلِ الشَّيءِ، وهو تحقيقُ التَّوحيدِ ودَرءُ الشِّركِ.
    المثالُ الثَّاني: الإمامُ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ الصَّنعانِيُّ المعروفُ، صاحبُ كتابِ "سُبُل السَّلام" [و]غيره، له كتابُ "تطهير الاعتِقادِ"، وله جهودٌ كبيرةٌ في رَدِّ النَّاسِ للسُّنَّةِ، والبُعدِ عن التَّقليدِ المذمومِ والتَّعصُّبِ وعن البِدَع؛ لكنَّهُ زَلَّ في بعض المسائلِ، ومنها: ما يُنسبُ إليه في قصيدتِه المشهورةِ لَمَّا أثنى على الدَّعوةِ، قيلَ إنَّه رَجعَ عن قَصيدَتِه تلكَ بِقصيدةٍ أُخرى يقولُ فيها:
    رَجعتُ عنِ القَولِ الذي قَد قُلتُ في النَّجدي
    ويعنِي بهِ الشَّيخَ محمَّدَ بنَ عبدِ الوهَّاب.
    ويأخذُ هذه القصيدةَ أربابُ البدعِ -وهي تُنسبُ له، وتُنسبُ-أيضًا-لابنِه إبراهيمَ-؛ وينشرونَها على أنَّ الصَّنعانِيَّ كان مُؤيِّدًا للدَّعوةِ لكنَّه رجعَ.
    والشَّوكانِيُّ -رَحمهُ اللهُ تعالى-، مَقامُه -أيضًا- معروفٌ، الشَّوكانيُّ له اجتهادٌ خاطئٌ في التَّوسُّل، وله اجتهادٌ خاطئٌ في الصِّفاتِ، وتفسيرُهُ في بعضِ الآياتِ فيهِ تأويلٌ، وله كلامٌ في عُمرَ بنِ الخطَّابِ -رضيَ اللهُ عنهُ- ليس بِجَيِّد، أيضًا في معاويةَ -رَضِيَ اللهُ عنْهُ- ليس بِجيِّدٍ؛ لكنَّ العُلماءَ لا يَذكُرون ذلك.
    وألَّف الشَّيخُ سُليمانُ بنُ سحمانَ كتابَه "تبرئة الشَّيخَين الإمامَيْن.." -يعني بِهما الإمامَ الصَّنعانيَّ والإمامَ الشَّوكانيَّ-.
    وهذا؛ لِماذا فعلوا ذلك؟
    لأنَّ الأصلَ الذي يَبنِي عليه هؤلاءِ العُلماءُ هو السُّنَّة.
    فهؤلاءِ ما خالفونا في أصلِ الاعتِقادِ،ولا خالفونا في التَّوحيدِ،ولا خالفونا في نُصرةِ السُّنَّة، ولا خالفونا في ردِّ البِدَع؛ وإنَّما اجتهدُوا فأخطؤُوا في مسائلَ.
    والعالِمُ لا يُتَّبع بِزَلَّتِه كما أنَّه لا يُتَّبع في زلَّتِه، هذه تُتركُ ويُسكتُ عنها، ويُنشرُ الحقُّ، ويُنشرُ مِن كلامِه ما يُؤيَّدُ به.
    وعُلماء السُّنَّةِ لَمَّا زلَّ ابنُ خُزيمةَ -رحمهُ اللهُ- في مسألة الصُّورةِ -كما هو معلومٌ- ونفَى إِثباتِ الصُّورةِ للهِ -جلَّ وعلا- ردَّ عليهِ ابنُ تيميَّةَ -رحمهُ الله- بأكثرَ مِن مائة صفحةٍ، ومع ذلك علماءُ السُّنَّة يقولون عن ابنِ خُزيمةَ إنَّه إمامُ الأئمَّة، ولا يَرضَون أنَّ أحدًا يَطعنُ في ابنِ خُزيمةَ لأجل أنَّ له كتابَ التَّوحيد الذي ملأه بالدِّفاع عن تَوحيدِ اللهِ ربِّ العالَمين، وإثباتِ أنواع الكمالاتِ له -جلَّ وعلا- بأسمائِه ونعوت جلالِه -جلَّ جلالُه، وتقدَّست أسماؤُه-.
    والذَّهبيُّ -رحمهُ الله- في "سِيرِ أعلامِ النُّبلاءِ" قال: وزلَّ ابنُ خُزيمةَ في هذه المسألة.
    فإذن -هُنا-:
    إذا وقع الزَّللُ في مثلِ هذه المسائل؛ فما الموقف منها؟

    الموقفُ:
    أنه يُنظرُ إلى مُوافقتِه لنا في أصلِ الدِّينِ، مُوافقتِه للسُّنَّة، نُصرتِه للتَّوحيدِ، نَشرِ العلمِ النَّافِع، ودَعوتِه للهُدى.. ونحوِ ذلك مِن الأصول العامَّة، ويُنصحُ في ذلك،
    ورُبَّما رُدَّ عليه؛ لكنْ لا يُقدَحُ فيه قَدحًا يُلغيهِ تَمامًا.

    وعلى هذا كان منهجُ أئمَّةِ الدَّعوةِ في هذه المسائلِ كما هو معروف

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •