تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين

    ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين (1)


    خالد سعد النجار


    {بسم الله الرحمن الرحيم }
    الحمد لله، يجيب المضطر، ويكشف السوء، فارج الهم، كاشف الغم، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه، وأسأله الفرج القريب والنصر العزيز، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل الشاكرين، وقدوة العالمين -صلى الله عليه وسلم-، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الشاكرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
    أما بعد
    ** يحكى أنّ فأرةً رأت جملاً فأعجبها، فجرّت خطامه فتبعها، فلمّا وصلت إلى باب بيتها، وقف الجمل متأمّلا صُغر باب بيت الفأرة مقارنةً بحجمه الكبير جدًّا. فنادى الجمل الفأرة قائلاً :
    إمّا ان تتخذي دارًا تليق بمحبوبك أو تتخذي محبوبًا يليق بدارك !
    قال ابن القيم بعد أن أوردها في (بدائع الفوائد)، مخاطبًا كل مؤمن وَمؤمنة:
    "إمّا أن تصلّي صلاةً تليقُ بمعبودك!، أو تتخذ معبودًا يليقُ بصلاتك"
    من تعود على تأخير الصلاة،، فليتهيأ للتأخير في كُل أمور حياته!!.. زواج، وظيفة، ذُرية، عافية .
    قالُ الحَسنُ البَصري: إذَا هَانَت عَليكَ صَلاتك فَمَا الذي يَعـزُ عَليـكْ؟!
    بقدر ما تتعدل صلاتك تتعدل حياتك ..
    ألم تعلم أن الصلاة اقترنت بالفــلاح “حي على الصــــــــلاة، حي على الفـــلاح”، فكيف تطلب من الله التوفيق، وأنت لحقه غير مجيب.
    إن أسعد أهل الأرض: من يعي أن الصلاة هي الصلة بالله وليست الحمل الذي نذهب لنرميه عن كاهلنا و نتمللّ !
    {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}

    يقول ابن تيمية: فلفظ الذوق يستعمل في كل ما يحس به ويجد ألمه أو لذته
    قال -صلى الله عليه وسلم-:
    ** «(ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا)»
    ** «(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)»
    قال ابن القيم: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا، فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور.
    يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول.

    فالصلاة قرة عين الموحدين، ومحك أحوال الصادقين، وجعل الله تعالى حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمها، وهو إقباله على ربه وفرحة وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه.
    قال تعالى: {{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}} [الزمر:22]

    فلله في كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخصه، وطاعة مطلوبة منها، خلقت لأجلها، وهيئت لها .. فدعا الله سبحانه الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم، وهيأ لهم فيها أنواع العبادة لينال العبد من كل قول وفعل وحركة وسكون حظه من عطاياه.
    والله تعالى جعل الصلاة سببا موصلا لقربه ومناجاته ومحبته والأنس به

    وما بين صلاتين تحدث له الغفلة والجفوة والإعراض والزلات والخطايا، فيبعده ذلك عن ربه، وينحيه عن قربه، ويصير كأنه أجنبي عن العبودية، وربما ألقى بيده إلى أسر العدو فأسره وسجنه في سجن نفسه وهواه، فضاق صدره وجعل يعالج الهموم والغموم .. فاقتضت رحمة أن جعل في الصلاة خلاص من كل هذا.
    الوضوء
    بالوضوء يتطهر العبد من الأوساخ الظاهرة، هذا مع طهارة القلب من أوساخه بالتوبة، لأن الوضوء له ظاهر وباطن، ولهذا يقرن الله تعالى بين التوبة والطهارة {{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ} } [البقرة:222]

    وبعد الفراغ من الوضوء يقول المرء: «(اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)» ، وقال -صلى الله عليه وسلم- «(من قال إذا فرغ من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك؛ طبع عليهن وجعلت تحت العرش فلم تفض حتى يلقى بها يوم القيامة)» فبالشهادة يتطهر من الشرك، وبالتوبة يتطهر من الذنوب، بالوضوء يتطهر من الأوساخ .. وتلك أعلى مقامات الطهارة


    ثم أمر العبد أن يستقبل القبلة بوجهة، ويستقبل الله تعالى بقلبه، فقال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «(لا يزال اللَّهِ مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه)»



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين

    ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين (2)

    د. خالد سعد النجار

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الله أكبر

    ثم كبره بالتعظيم والإجلال وواطئ قلبه التكبير بلسانه، فكان الله تعالى في قبله أكبر من كل شيء، وصدق هذا التكبير بأنه لم يكن شيء يشغله عن الوقوف بين يديه.
    أيضا التكبير يخرجه من لبس رداء الكبر المنافي للعبودية، ويمنعه من التفات قلبه إلى غير الله

    دعاء الاستفتاح

    ثم يقول في دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك) فامتدح الله تعالى بما هو أهله، وخرج عن الغفلة التي هي حجاب بين العبد وربه، وأتي بالتحية اللائقة بملك الملوك وفي هذا من أدب العبودية ما يستجلب رضا الله تعالى ورحمته وعفوه وإسعافه بحوائجه.

    القراءة
    فإذا شرع في القراءة قدم أمامها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأن وقوف العبد بين يدي ربه من أعلى وأشرف المقامات، وكان الشيطان أحرص على صرفه عنه، فأمر العبد بالاستعاذة ليسلم منه، ويحيى قلبه ويستنير بما يتدبره من كلام سيده، خاصة وأن العبد أعجز عن صرف الشيطان عنه ولا طاقة له به، فأمر أن يلجأ إلى مولاه
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته، وعليك بالراعي فاستغث به فهو يصرف عنك الكلب.

    فإذا شرع في قراءة القرآن فقد قام في مقام مخاطبة ربه ومناجاته، فليحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه أن يناجيه ويخاطبه وهو معرض عنه ملتفت إلى غيره، وليستحضر جواب ربه له
    ففي الحديث القدسي:

    قال اللَّهِ - تبارك وتعالى -: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال: حمدني عبدي، فإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال اللَّهِ: أثنى على عبدي [والثناء يكون بتكرار المحامد]، وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي [والتمجيد هو الثناء بصفات العظمة والجلال]- وقال مرة: فوض إلي عبدي - فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل

    {الْحَمْدُ للّهِ ..}
    .. فيها إثبات كل كمال لله تعالى فعلا ووصفا واسما، وتنزيهه عن كل سوء فعلا ووصفا واسما
    فهو محمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه، منزه عن النقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه
    فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل
    وأوصافه كلها أوصاف جمال وجلال
    وأسمائه كلها حسنى
    وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة، والسماوات والأرض، وما بينهما وما فيهما
    فالكون كله ناطق بحمده

    {... رَبِّ الْعَالَمِينَ}
    .. فيها الإقرار بتفرده سبحانه بالربوبية، فهو رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم وموجدهم ومفنيهم، فهو وحده إلههم ومعبودهم وملجأهم ومفزعهم عند النوائب

    {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
    .. فهذه عبودية خاصة، وهي شهود عموم رحمته وسعتها لكل شيء، ولا سيما الرحمة الخاصة بعباده الموحدين المؤمنين
    فرحمته سبحانه وسعت كل شيء، كما أن حمده وسع كل شيء

    {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
    .. فيه إثبات الميعاد، وتفرد الرب فيه سبحانه بالحكم بين خلقه
    فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: (اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فأغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين

    ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين (3)


    خالد سعد النجار

    ثم شرع له أن يكبر ويخر ساجدا، ويعطي في سجوده كل عضو من أعضائه حظه من العبودية، مسبحا له بعلوه في أعظم سفوله، لذلك يكون أقرب ما يكون من ربه
    التصنيفات: فقه الصلاة -
    {بسم الله الرحمن الرحيم }
    { {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}} .. إذا قالها انتظر جواب ربه: (هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)
    والقرآن يدور حول هاتين الكلمتين، بل يدور عليهما الخلق والأمر والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.
    { {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} } .. فيها إظهار ضرورته وفاقته ومضمونها: معرفة الحق، وقصده وإرادته، العمل به، الثبات عليه، الدعوة إليه، والصبر على المدعو
    وهذه الأمور بكمالها يستكمل العبد الهداية.
    { {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} }
    فبين سبحانه وتعالى أن سبيل أهل هذه الهداية مغاير لسبيل أهل الغضب وأهل الضلال، فانقسم الخلق إذا إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى هذه الهداية:
    1/ منعم عليهم بحصولها، واستمرار حظه من النعم بحسب حظه من تفاصيلها
    2/ ضال لم يعط هذه الهداية ولم يوفق إليها
    3/ مغضوب عليه، عرفها ولم يوفق للعمل بموجبها
    مشروعية التأمين
    ثم شرع للمصلي التأمين عند هذا الدعاء تفاؤلا بإجابته وحصوله، ولهذا اشتد حسد اليهود للمسلمين عليه حين سمعوهم يجهرون به في صلاتهم
    عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا- فَحَدَّثَتْنِى قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا قَاعِدَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَاسْتَأْذَنَ أَحَدُهُمْ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «(تَدْرِينَ عَلَى مَا حَسَدُونَا). قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (فَإِنَّهُمُ حَسَدُونَا عَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هُدِينَا لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي هُدِينَا لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الإِمَامِ آمِينَ)» .
    وفي رواية: «(لم تحسدنا اليهود بشيء ما حسدونا بـثلاث: التسليم والتأمين واللهم ربنا لك الحمد)» [صحيح الجامع]
    عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ يَهُودِيًّا مَرَّ بِأَهْلِ مَسْجِدٍ، وَهُمْ يَقُولُونَ: آمِينَ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي عَلَّمَكُمْ آمِينَ، إِنَّكُمْ لَعَلَى الْحَقِّ.
    الركوع
    ثم شرع له رفع اليدين عند الركوع، تعظيما لأمر الله وزينة للصلاة وعبودية خاصة لليدين
    ثم شرع معه التكبير الذي هو في انتقالات الصلاة من ركن إلى ركن، كالتلبية في انتقالات الحاج من مشعر إلى مشعر، فهو شعار الصلاة، ليعلم العبد أن سر الصلاة هو تعظيم الرب تعالى وتكبيره بعبادته وحده.
    ثم شرع له أن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعا لعظمته واستكانة لهيبته وتذللا لعزته، فثنى العبد له صلبه ووضع له قامته ونكس له رأسه وحنى له ظهره معظما له ناطقا بتسبيحه المقترن بتعظيمه، فاجتمع له خضوع القلب وخضوع الجوارح وخضوع القول على أم الأحوال
    الاعتدال من الركوع
    ثم شرع له أن يحمد ربه ويثني عليه بآلائه عند اعتداله .. ولذلك الاعتدال ذوق خاص وحال يحصل للقلب سوى ذوق الركوع وحاله، وهو ركن مقصود لذاته كركن الركوع والسجود سواء، ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيله كما يطيل الركوع والسجود ويكثر فيه من الثناء والحمد والتمجيد، وكان في قيام الليل يكثر فيه من قوله (لربي الحمد، لربي الحمد) يكررها
    السجود
    ثم شرع له أن يكبر ويخر ساجدا، ويعطي في سجوده كل عضو من أعضائه حظه من العبودية، مسبحا له بعلوه في أعظم سفوله، لذلك يكون أقرب ما يكون من ربه
    فأشرف أفعال الصلاة السجود، وأشرف أذكارها القراءة، وأول سورة نزلت افتتحت بالقراءة وختمت بالسجود، ووضعت الركعة على ذلك، أولها قراءة وآخرها سجود
    الرفع من السجود
    فشرع للعبد إذا رفع رأسه من السجود أن يجثو بين يدي الله راغبا إليه أن يرحمه ويغفر له .. فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني وارزقني).
    وفي رواية كان يقول بين السجدتين: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) وجلس بقدر سجوده
    فإن العبد محتاج بل مضطر إلى تحصيل مصالحه في الدنيا والآخرة، وقد تضمنها هذا الدعاء


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين

    ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين (4)


    خالد سعد النجار


    {بسم الله الرحمن الرحيم }
    السجدة الثانية
    ثم شرع له أن يعود ساجدا كما كان ولا يكتفي منه بسجدة واحدة كما الركوع وذلك لفضل السجود وشرفه وموقعه من الله، فأقرب ما يكون العبد من الله تعالى وهو ساجد، وهو أدخل في العبودية وأعرق فيها من غيره، ولهذا جعل خاتمة الركعة وما قبله مقدمات.
    فمحله من الصلاة محل طواف الزيارة، وكما أن العبد أقرب ما يكون من الله وهو ساجد كذلك يكون أقرب في المناسك وهو طائف
    ولهذا قال بعض الصحابة لمن كلمه وهو في طوافه بأمر من الدنيا: "أتقول هذا ونحن نتراءى لله في طوافنا"
    جلوس التشهد
    فلما قضى الصلاة وأكملها ولم يبق إلا الانصراف شرع له الجلوس بين يديه مثنيا عليه بأفضل «التحيات» التي لا تصلح إلا له ولا تليق بغيره
    التحيات لله
    عن ابن مسعود رضي الله قال: «"عَلَّمَنِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَفِّي بين كَفَّيْهِ «التَّشَهُّدَ» كما يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ من الْقُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وهو بين ظَهْرَانَيْنَا فلما قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي على النبي صلى الله عليه وسلم"» [البخاري ومسلم]
    وفي رواية: "فإنه إذا قال ذلك [يعني: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ] أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ في السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".
    ** قوله: "التحيات" يحتمل عدة معاني هي:
    أ ـ المُلك وهذا من التفسير باللازم لأنه التحية للملوك، ولم يكن يحيا بها غير الملوك.
    ب ـ البقاء، لأنها من الحياة.

    ج ـ السلامة، أي السلامة من الآفات والنقائص.
    د ـ العظمة.
    وقيل: "إنها تجمع ذلك كله، وما كان بمعناه وهو أحسن" قاله ابن رجب رحمه الله.
    وفي هذا من تعظيم الله ما يُرهب قلب المؤمن خشيةً لربه، فاجتمع في قلب المؤمن من تعظيمه لربه الهيئة واللفظ.
    فالهيئة هي جلسة التشهد، فهي جلسة العبد بين يدي سيده، وهي تحمل في هيئتها من الذل والانكسار ما يليق بالعبد المذنب، كما تحمل من التعظيم لمن هو بين يديه ما يستحقه الله سبحانه وأكثر من ذلك.
    ** جُمِعَ لفظ "التحيات" لأن الجمع أليق بمخاطبة الملوك، والله ملك الملوك سبحانه وتعالى، وليدخل في ذلك كل تحية في الوجود، فالله أولى بها سبحانه.
    ** ابتدأ بالتحية قبل ذكر الصلوات فقال: "التحيات لله والصلوات" فقدم ذكر التحيات على الصلوات؛ لأن التحية تتقدم على غيرها من عبارات الثناء والتمجيد.
    ** قوله: "لله" أي الله مختص بها، ومستحق لها سبحانه، وهي تفيد وجوب إخلاص العبادة له وحده، ولهذا -والله أعلم- قدمت بعد قوله "التحيات" فقال:" لله " ثم عطف عليها غيرها من "الصلوات والطيبات"، فَسِرُ هذا التقديم يكمن في وجوب الإخلاص وأهميته.
    يقول الإمام ابن القيم
    ولما كان من عادة الملوك أن يحيوا بأنواع التحيات من الأفعال والأقوال المتضمنة للخضوع لهم، والذل، والثناء عليهم وطلب البقاء، والدوام لهم، وأن يدوم ملكهم.
    فمنهم: من يحيّي بالسجود، ومنهم من يحيي بالثناء عليه، ومنهم من يحيي بطلب البقاء والدوام له، ومنهم من يجمع له ذلك كلّه فيسجد له، ثم يثني عليه، ثم يدعي له بالبقاء والدوام.
    وكان الملك الحق المبين، الذي كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه أولى بالتحيات كلِّها من جميع خلقه، وهي له بالحقيقة وهو أهلها؛ ولهذا فُسرت التحيات بالملك، وفسرت بالبقاء والدوام، وحقيقتها ما ذكرته، وهي تحيات المُلك والمَلِك والمليك.
    فالله سبحانه هو المتصف بجميع ذلك، فهو أولى به فهو سبحانه المَلك، وله المُلك، فكل تحية تحي بها ملك من سجود أو ثناء، أو بقاء، أو دوام فهي لله على الحقيقة؛ ولهذا أتى بها مجموعة معرَّفة بالألف واللام إرادة للعموم، وهي جمع تحية، تحيا بها الملوك، وهي "تُفعُلة" من الحياة فإذا كان أصلها من الحياة، والمطلوب منها لمن تحي بها دوام الحياة، فذلك جميعه لا ينبغي إلا لله الحي القيوم الذي لا يموت.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين

    ذوق الصلاة في كلام العلماء الربانيين (5)


    خالد سعد النجار




    {بسم الله الرحمن الرحيم }
    والصلوات والطيبات
    ** قوله: "والصلوات" أي الصلوات المفروضة والنافلة، وتحتمل الأدعية، لأن الصلاة في اللغة بمعنى الدعاء.
    ** قوله: "والطيبات" تشمل كل طيب من الأقوال والأفعال، فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، ومن عمل عملاً أشرك فيه مع الله تركه الله وشركه، ومن أسمائه الطيب، وقال في كتابه { {إليه يصعد الكلم الطيب} }.
    ** قوله: "والطيبات" تَردُ على كل من وصف الله بوصفٍ لا يليق بالله؛ لأنه ليس من طيب الأقوال، وتَمحق كل عمل يُراد به غيرُ الله لأنه ليس من طيب الأفعال، فليتأمل الإنسان أقواله وأفعاله من حيث طيبها وعدمه.
    ** هذه الألفاظ تربي الإنسان على الإخلاص لله، وتعظيمه، فإن من تأمل ألفاظ هذا الدعاء وجدها تصرف العبادة والثناء لله وحده إعلاما بهذا الأصل.
    ثم عطف عليها الصلوات بلفظ الجمع والتعريف؛ ليشمل ذلك كلّما أُطلق عليه لفظ الصلاة خصوصا وعموماً، فكلّها لله ولا تنبغي إلا له، فالتحيات له ملكاً، والصلوات له عبودية واستحقاقاً، فالتحيات لا تكون إلا لله، والصلوات لا تنبغي إلا له .
    ثم عطف عليها بالطيِّبات، وهذا يتناول أمرين: الوصف والملك.
    يقول الإمام ابن القيم
    فأما الوصفُ: فإنه سبحانه طيِّب، وكلامه طيِّبٌ، وفعله كلّه طيب، ولا يصدر منه إلا طيّب، ولا يضاف إليه إلا الطيِّب، ولا يصعد إليه إلا الطيّب...
    فالطيبات له وصفاً وفعلاً وقولاً ونسبةً


    عبودية التَّسليم على الأنبياء والصالحين
    ** قوله:" السلام عليك " يحتمل:
    أ ـ أن يكون الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة من المكاره والنقص والعيب.
    ب ـ ويحتمل أنه تبريك عليه باسم الله السلام.
    ج ـ ويحتمل معناه التعويذ بالله والتحصين به، فإن السلام اسم له سبحانه تقديره: الله عليك حفيظ وكفيل، قاله الألباني رحمه الله.
    ** قوله: "عليك أيها النبي" مع أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي، أي أن الخطاب خطاب شاهد مخاطب، وفي هذا دليل على اتباعنا لألفاظ الأحاديث من غير تغيير ولا تبديل، فرحم الله أمةً حفظت دينها وألفاظها.
    ** في قوله: " فلما قُبض قلنا السلام يعني على النبي " يدل على جواز أن يقول المصلي في تشهده "السلام على النبي".
    ** في الحديث فضيلة الصلاح، فمن كان صالحا فقد حاز على فضل الدعاء له من إخوانه المصلين، ويتضمن الحث على تحصيل الصلاح.
    ** دل على أن العبودية لله أشرف منازل الصالحين، ولهذا والله أعلم وصفوا بها في هذا الحديث، فنقول: "عباد الله الصالحين" وعلى قدر تحقيق العبودية لله يكون الصلاح، وهذا أيضا من أسرار الاقتران بين العبادة والصلاح "عباد الله الصالحين" وقد جُمعت أيضا العبودية مع الرسالة للنبي -صلى الله عليه وسلم- «عبده ورسوله» وهذا يزيد مكان العبودية.
    قال الترمذي الحكيم: "من أراد أن يَحظى بهذا السلام الذي يُسلِمُهُ الخلق في الصلاة فليكن عبداً صالحاً وإلا حُرِم هذا الفضل العظيم"
    يقول الإمام ابن القيم
    ثم شرع له أن يسلِّم على سائر عباد الله الصالحين، وهم عباده الذين اصطفى بعد الثناء، وتقديم الحمد لله فطابق ذلك قوله: { {قُل الحمدُ للهِ وسلامٌ على عباده الذين اصطفى} } [النمل :59]

    الشهادتين في التحيات
    ** في الحديث تسمية الشيء بجزئه الأهم، فالتحيات تسمى التشهد؛ لأن أهم ألفاظها لفظ الشهادتين في آخرها، وهذا عائد لمنزلة الشهادتين في الدين.
    ** جاء لفظ الشهادتين في آخرها إشارة إلى أن الأعمال ينبغي أن تختم بالشهادتين، ولهذا من كان آخر كلامه من الدنيا الشهادة دخل الجنة، كما ثبت في الأحاديث، فيناسب لفظ الشهادة التأخير.
    يقول الإمام ابن القيم
    ثم شرع له أن يشهد شهادة الحق التي بنيت عليها الصلاة، والصلاة حق من حقوقها، ولا تنفعه إلا بقرينتها وهي الشهادة للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، وختمت بها الصلاة، كما قال عبد الله بن مسعود: "فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك، فإن شئت فقم وإن شئت فاجلس".
    فجعلت شهادة الحق خاتمة الصلاة. كما شرع أن تكون هي خاتمة الحياة. فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ".
    وكذلك شرع للمتوضئ أن يختتم وضوءه بالشهادتين، ثم لما قضى صلاته أذن له أن يسأل حاجته.
    ** دعاء التشهد من أجمع الأدعية حيث جمع عدة أمور عظيمة:
    الثناء على الله بما هو أهله، ثم السلام على رسوله، ثم الدعاء لنفسه، ثم الدعاء لإخوانه، ثم الشهادتين، وهذا من أعجب ما فيه مع اختصار ألفاظه.
    ** تعدد صيغ التشهد تدل على الإنسان عليه أن يعمل بما عَلِم، من غير تخطئة لغيره إن كان معه دليل، فابن مسعود وابن عباس وأبو موسى رضي الله عنهم أجمعين كلٌ له تشهده الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكلٌ عمل وعلّم ما تعلمه من غير تخطئه لغيره، والاختلاف بين الألفاظ يسير
    ** في تعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابة على المنبر دليل على الهدف الحقيقي من المنبر الإسلامي يوم الجمعة، وأنه أحد مصادر تعليم الناس.
    ** حكم التشهد: فقد اختلف أهل العلم في التشهد على قولين:

    1ـ الجمهور إلى أنه سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نسيه لم يرجع إليه كما في حديث ابن بحينة رضي الله عنه في الصحيح.
    2ـ وأحمد إلى أنه واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجود سهو كما في حديث ابن بحينة رضي الله عنه أيضا.

    الصلاة على النبيِّ
    وشرع له أن يتوسل قبلها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها من أعظم الوسائل بين يدي الدعاء، كما في السنن عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، وليصل على رسوله ثم ليسل حاجته).
    ثم جعل الدعاء لآخر الصلاة كالختم عليها.


    فجاءت التحيات على ذلك، أولها حمدٌ لله، والثناء عليه ثم الصلاة على رسوله ثم الدعاء آخر الصلاة، وأَذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي بعد الصلاة عليه أن يتخير من المسألة ما يشاء.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •