بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
فيظن بعض الناس أن الاشتغال بالأدب خلاف الأولى و هو لون من ألوان الترف الفكري أو مضيعة للوقت أو صرف الوقت فيما لا فائدة فيه، و هذا فهم سقيم من خلال تجربتي الشخصية.
إن الاشتغال بالأدب يشحذ الفكر و العقل و الهمة و يزيد من مساحة الوعي و التمييز و الإدراك و القدرة على عقد المقارنات الفريدة المثمرة التي تجلي الحق و تسر أهله و تمحق الباطل و تغيظ أهله، كما أن الأدب رافد لتقوية الفصاحة و البلاغة و البيان، و سأضرب مثالاً واحداً على ذلك.
قال الفلتان الفهمي [1]:
العبد يقرع بالعصا *** و الحر تكفيه الإشارة
هذا البيت بليغ جداً و هو يمثل جوهر الخلاف بين المسلمين المؤمنين و الكافرين، فالشطر الأول مثل الكافرين و الشطر الثاني مثل المسلمين المؤمنين.
كل مخلوق هو عبد لله لكن المسلم المؤمن هو عبد الله بالاختيار أما الكافر فهو عبد الله بالاضطرار.
قال الله تعالى: (إن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم و عدهم عداً * و كلهم آتيه يوم القيامة فرداً) [سورة مريم: آية 93-95].
الإنسان إما أن يكون عبداً لله و حراً من كل عبودية لغير الله أو يكون عبداً للشيطان و الهوى و النفس إذا استكبر عن عبادة الله.
قال الله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * و أن اعبدوني هذا صراط مستقيم) [سورة يس: آية 60-61].
و قال الله سبحانه و تعالى: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً) [سورة الفرقان: آية 43].
و إلى هذا المعنى أشار العلامة ابن القيم رحمه الله في قصيدته الشهيرة بـ: (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) إذ قال عن أهل النار:
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** فبلوا برق النفس و الشيطان
نعود لبيت الفلتان الفهمي و كيفية تعبيره عن حال المسلمين المؤمنين و الكفار.
المسلمون المؤمنون كفتهم الإشارة من الله عز و جل للتأهب للقاء الله و الفوز بالجنة و النجاة من النار، و هذه الإشارة هي الوحي، و الوحي عند أمة محمد عليه الصلاة و السلام هو القرآن الكريم و السنة الشريفة.
أما الكفار فلم يؤمنوا بالقرآن الكريم و لا السنة الشريفة إلا عند معاينة العذاب عند قبض أرواحهم في الدنيا و عند رؤية نار جهنم في الآخرة.
قال الله تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * و لو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) [سورة يونس: آية 96-97].
و قال الله تبارك و تعالى: (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم) [سورة الشعراء: آية 200-201].
و قال الله سبحانه و تعالى: (و لو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون) [سورة السجدة: آية 12].
إن إشارة الوحي كفت للمؤمنين للاستجابة لربهم عز و جل أما الكافرون فلم يكفهم إلا أن يقرعوا بالعصا (العذاب).
كما ترون يمكن توظيف الأدب لخدمة الإسلام و الذب عنه و نصر الله و رسوله و زيادة إيمان المؤمنين و إغاظة أعداء الله من الكافرين و المنافقين، و هذا هو خير و أسمى استخدام للأدب.
و ختاماً ما كان من صواب و خير فبفضل الله و توفيقه و أحمد الله عليه، و ما كان من خطأ أو قصور فمن نفسي و الشيطان و أستغفر الله من ذلك و أتوب إليه.
و الحمد لله أولاً و آخراً و صلى الله و سلم على نبينا و محمد و على آله و صحبه أجميعن.
المصادر:
[1] البيان و التبيين للجاحظ.