شُعاعُ الوحي العظيم
رافع علي الشهري


نورٌ أزاحَ غياهبَ الظلماءِ *** وأنارَ وجهَ الأرضِ بالأضْواءِ
نورٌ تنزَّل نحو مكةَ ساطعاً *** في الخافقَين وفي ذُرى الجوزاءِ
من قمّةِ الجبلِ الأشمّ بَدَا الهُدَى *** فانسابَ مِن عَلْياءِ غارِ حِرَاءِ
أنسابَ وحْياً من فَمِ الغارِ الذي *** يرنو لبيتِ اللهِ والبطْحَاء
وهو الذي يَعْلو القُرَى بشموخِه *** ويُطلُّ فوق الدُور والأحْياءِ
نَزَلَتْ بهِ إقرا وكان محمدٌ *** في جَوفِه يدْعو بخيرِ دُعاءِ
وبَدا في الأفاقِ جبريلُ الذي *** غَطّى سماءَ الأرضِ والأجْواءِ
غطّى بأجنحةٍ عِظامٍ أذهلتْ *** خيرَ الأنامِ.. فَغابَ في إغمَاء
فدنا إليه الروحُ حتى غطّهُ *** وأزالَ كلَّ الرُعبِ والإعْياءِ
وتَلا بوحي اللهِ آياتِ الهُدَىَ *** فَتبجّستْ نُوراً على البيْدَاءِ
وتبسّمَ الزمنُ الذي في وجْههِ *** وسْمٌ من الضُلال والجُهلاءِ
ورمَى بثوبِ الجهلِ في حُفَر الدُجىَ *** وبَدا بثوبٍ ناصِعٍ وضّاءِ
وتَزيّنَ التاريخُ في أثوابِهِ *** ليخُطَّ في صفحاتِهِ البيضَاءِ
ويُسطّرَ المجدَ الذي شرُفَتْ بهِ *** أم القُرىَ في أعْظمِ الأبْناءِ
ويقولُ للدنيا بأن محمداً *** قد جاء مبْعوثاً على السَمْحاءِ
قد جاء بالقرآنِ فيهِ مَواعظٌ *** وهُدىً وخيرُ فضيلةٍ وشِفَاءِ
صورٌ البلاغةِ في الكتابِ روائعٌ *** مَنْ ذا يُجاريها مِنَ البُلَغاءِ
مَنْ ذا يُجاري روعةً قد أذهلَتْ *** أهلَ البيانِ وسادةَ الفُصَحاءِ؟
يا مَنْ يرى ساداتِ مكةَ في الدُجىَ *** تَسري لتسمعَ سيدَ الأمناء
تسري على صمتِ السكونِ بظلمةٍ *** أوفي شُعاع الليلةِ القمْراء
تَهوىَ سماعَ الآي في روعاتِها *** والمصطفى يتلو بخيرِ أداء
وجَمَتْ.. كأن الطيرَ فوقَ رؤوسِها *** وتسمَّرت في قمّةِ الإصْغَاء
سقطتْ بلاغتُهم وذابَ بريقُها *** كالملحِ يفقدُ لونَه في المَاءِ
سقطتْ بلاغةُ يَعْربٍ وهي التي *** فاقتْ شعوبَ الأرضِ في الأدباء
وهي التي سمعَ الزمانُ لصوتِها *** بمحافلِ الدنيا من الخُطباءِ
سقطتْ أمام بلاغةِ النورِ التي *** تزهو وتسمو دون أي مِرَاء
شهدَ الوليدُ بأنه يعْلو ولا *** يُعلى عليه ويأتِ في العلياء
وبأن أعلاه مليءٌ مثْمرٌ *** ويفيضُ أسفلُه بكلِ عَطاءِ
وله من الذوقِ الرفيعِ حلاوةٌ *** وطلاوةٌ في رونقٍ وبَهاء
وبأنه قولٌ عظيمٌ لم يكنْ *** قولاً لأهلِ النظم والشعراء
هذا هو الوحي الذي شهدتْ له *** ساداتُ مكةَ أشهرُ الخُصَماءِ
هذا الذي يَهدي القلوب لربِّها *** ولأقومِ الأعمالِ والأشْياء
لو أنزلَ الوحيُ على طَودٍ بَدا *** متذللا مُتصدّعَ الأنحاء
هذا كلامُ اللهِ نورُ صدورِنا *** وجللاُ كلِّ رزيةٍ وبَلاء
الله نزّله وكان منَجّماًً *** أثناءّ سيرةِ أعظمِ العُظَماءِ
ليُثبَّتّ اللهُ فؤادَ محمدٍ *** ويشرِّعَ الأحكامَ في الغَراء
ولتظهرَ الأحكامُ في أحداثِها *** في البأسِ والضراءِ والسراءِ
في كلِّ آياتِ الكتابِ هدايةٌ *** وسكينةٌ في أنْفسِ السُعداء
هو رمزنا هو عزّنا هو مجْدنا *** هو مِنْ أجلِّ وأعظمِ الآلإ
وهو الصراطَ المستقيمُ إلى الهُدىَ *** مَن زاغَ عنه يتيه في الدّهماءِ
ومن اقتدىّ بهُدَاه فاز وارتقىَ *** للمجد..أرفعَ قمّةٍ شّماء
وبهِ تحققُ أمتي غاياتِها *** والنصرُ تُحْرزه على الأعْداء