ترجمات المستشرقين للقرآن الكريم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :
فلقد منّ الله عليّ بالانتهاء من جرد موسوعة المستشرقين , لعبد الرحمن بدوي , منذ زمن قريب , وقد كان من منهجه أن يذكر في كل ترجمة النتاج العلمي لكل واحد منهم , وقد لفت نظري في ذلك النتاج عدة أمور , منها : كثرة تأليف المستشرفين في السيرة النبوية , وتنوع طرائقهم في بيانها , ومنها : كثيرة تأليفهم في ترجمة القرآن وكثرة تنوعهم فيها أيضا , وهذه الكثرة دعت بدوي أن يفرد القرآن بمادة خاصة في هذه الموسوعة يذكر فيها جهود المستشرقين حول القرآن .
وحرصا مني على جمع ما تفرق في هذه الموسوعة عن ترجمات المستشرقين للقرآن , فقد قصدت أن جمعها في موطن واحد , وألخص فيه ما ذكره من معلومات عن كل ترجمة , والترجمات التي ذكرها بدوي في موسوعته إما أن تكون مفرقة في كل ترجمات الأعلام , وإما أن تكون في المادة التي جعلها للقرآن , وسأجمع أولا ما تفرق , ثم ألخص ثانيا ما ذكره في تلك المادة .

أولا : سرد ترجمات القرآن .
1 – آربري (1969) , بدأ في أوائل الخمسينيات بترجمة جديدة للقرآن , فأصدر أولا ترجمة لمختارات من بعض آيات القرآن , مع مقدمة طويلة , وهي تعتبر المجلد التاسع من سلسلة بعنوان " الكلاسكيات الأخلاقية والدينية للشرق والغرب " , وفي عام 1955م أصدر ترجمته المفسرة للقرآن , وهي ليست ترجمة حرفية , وإنما هي ترجمة مفسرة , تعطي المعنى في أسلوب رشيق جميل , ولا تتقيد بحرفية الآيات ولا يتسلسل تركيبها اللغوي , وهذه الترجمة - كما يقول بدوي- أجمل في القراءة من أية ترجمة أخرى للقرآن , ولكنها لا تُغني عن الترجمات الأخرى الدقيقة , مثل ترجمة رودول الانجليزية , أو ترجمة بلاشير الفرنسية , ومع ذلك فهي من أجلّ أعمال الاستشراق , وأعظم إنتاج أربري
الموسوعة (7) .
2 - يوحنا الأشقوبي (1456) , أراد يوحنا أن يكتب ردا ضد الإسلام , واستعدادا لذلك رأى أن يعمل على ترجمة القرآن إلى اللاتينية أولاً , ولما كان لا يعرف العربية , فقد استقدم من أسبانيا فقيها مسلما يعرف الإسبانية والعربية بالطبع , ويرى بدوي أن هذا الفقيه مزعوم وليس له حقيقة , وكان هذا الفقيه فيما زعموا يتولى الترجمة فيصوغها يوحنا باللغة اللاتينية , وبعد أن قام بتلك الترجمة أخذ يوحنا في تأليف كتابه في الرد على الإسلام , وكان بعنوان " طعن المسلمين بسيف الروح " وقد ضاع هذا الرد , وتلك الترجمة .
الموسوعة (41) .


3- بارت رودي (1983) , أكبر عمل قام وارتبط به اسمه هو ترجمته للقرآن إلى اللغة الألمانية , وقد كانت الترجمة في مجلد , وعلق عليها في مجلد آخر , وفي هذه الترجمة لم يشأ بارت أن يدخل في مغامرات " تشير ربل " الذي قطع القرآن تقطيعا اعتباطيا , ولم يبين دواعيه وأسبابه حتى فرق القرآن إربا إربا , ولا في محاولات " رجي بلاشير " حيث وضع تريب تاريخي للسور حسب نزولها فيما تخيل , بل ترجم بارت القرآن بحسب الترتيبي العثماني المتعارف عليه .
وقد التزم في الترجمة الدقة , وإن جاءت أحيانا على حساب الأناقة في العبارة الألمانية , وأما في فهم النص فقد ابتعد عن إيغالات المفسرين ذوي النزعات الخاصة , وتعلق بالنص كما هو في أبسط فهم له , ومتى تكون الترجمة الحرفية غير واضحة فإنه يضع بين قوسين كلمات إضافية ابتغاء الإيضاح .
وفي المجلد الثاني وضع تعليقات على المواضع المشكلة في فهم بعض الآيات في كل سورة
الموسوعة (62) .
4 - بالمر (1882) , دعا بالمر إلى القيام بترجمة للقرآن , وقد أتم بالمر هذه الترجمة في 1881م , وصارت هذه الترجمة واسعة الانتشار ومشهورة جدا , وقد طبعت مع مقدمة بقلم رينولدالين نيكلسون .
ويقول بالمر عن ترجمته هذه :" إن ترجمة القرآن كما ينبغي هي مهمة عسيرة جدا , ومحاكة القافية والإيقاع من شأنه أن يعطي القارئ الإنجليزي رنينا مصطنعا غير موجود في الأصل العربي , ونفس الاعتراض ينهض ضد استعمال أسلوب الترجمة الرسمية للكتاب المقدس ...... , ولهذا حاولت أن اتخذ طريقا وسطا : لقد ترجمت كل جملة بالقدر من الحرفية الذي يسمح به الاختلاف بين اللغتين , وترجمت كلمة بكلمة كلما كان ذلك ممكنا , وحيثما يكون التعبير خشنا أو مبتذلا في العربية لم أتردد في نقله بلغة إنجليزية مماثلة , حتى ولو كان النقل الحرفي ربما يصدم القارئ " .
وقد اختلف رأي المستشرقين البريطانيين في قيمة هذه الترجمة , فمنهم من قال – وهو هامتلون – بأنها حرفية وغير متكافئة , ومنهم من قال – وهو استانلي – إنها يعوزها الإيضاح , وقد نقد بدوي هذين الرأيين , وقال عنهما إن :" كليهما سخيف ؛ لأنه لم يبن على أي برهان "
الموسوعة (69) .
5 - بطرس المحترم (1156) , ظن بطرس أنه سيخدم المسيحية بواسطة ترجمة القرآن إلى اللاتينية , وفي سبيل هذا لجأ إلى مدرسة المترجمين من العربية إلى اللاتينية في طليطلة , وكلف أربعة بهذا العمل , منهم رجل عربي مسلم , وأنجزت هذه الترجمة في سنة 1143م .
وقد طبعت هذه الترجمة ونشرت , وألحق بها بعض الرسائل المتعلقة بالنبي والقرآن والإسلام , ثم صدرت طبعة ثانية لها سنة 1550م , وقد نقدها بعض المستشرقين , ومنهم " أربتيوس و نسليوس " وبيّنا ما فيها من أخطاء وغموض .
وهذه الترجمة تعتبر أول ترجمة إلى اللاتينية للقرآن كله من اللغة العربية مباشرة , وقد استمرت معتمدة في أوروبا حتى نهاية القرن السابع عشر , ولما أكمل بطرس المحترم الترجمة , أخذ في تأليف كتاب يرد فيه على الإسلام .
الموسوعة (110) .
6 - بلاشير ريجي (1973) , ترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية , مع مقدمة طويلة وتفسير قصير , وقد رتب القرآن في الترجمة وفقا لما ظن أنه ترتيب نزول السور والآيات , وفي طبعة أخرى سنة 1957م عاد إلى الترتيب الأصلي الوارد في المصحف .
الموسوعة (127) .
7 - بونلي (1947) , ترجم القرآن إلى الإيطالية , وهي ترجمة حرفية دقيقة , وقد طبعت عدة طبعات , وتعبر من أبرز أعمال بونلي .
الموسوعة (148) .
8 - جالان (1715) , له أعمال كثيرة منها : ترجمة للقرآن .
الموسوعة (167) .
9 - جرماتوس (1670) , أهم أعماله ترجمة للقرآن إلى اللاتينية , مع رد على القرآن , وقد قام بهذا العمل بعد عودته من الشرق سنة 162م , ولكن هذه الترجمة لم تطبع وكذلك الرد .
الموسوعة (180) .
10 - الداديخي (فراعلي الأنطاكي ) , يقول جنليوس عن الداديخي :" إنه من أنطاكية , ومسيحي الديانة , ..... , وقد بلغ من المعرفة باللغة العربية حدا جعله يترحم كل القرآن وهو شاب من العربية إلى اللاتينية " .
الموسوعة (239) .
11 - دي ريير (1660) , ترجم القرآن , ولقيت هذه الترجمة رواجا عظيما , حتى ظهرت ترجمة ساقاري في سنة 1783م , وعن ترجمته الفرنسية هذه تمت ترجمة القرآن إلى الإنجليزية والهولندية , وعن هذه الهولندية ترجم إلى الألمانية .
الموسوعة (327) .
12 - سيل (1736) , اشتهر هذا المستشرق بترجمته للقرآن إلى الإنجليزية , وقد عمل تعليقات على تلك الترجمة , وهذه التعليقات أخذها من ترجمة مرتشي للقرآن كما اعترف هو بذلك , فإنه يقول عن ترجمة مرتشي :" إن ترجمة مرتشي هي على وجه العموم دقيقة جدا , لكنها تلتزم بالأصل العربي على نحو حرفي يجهل من غير السهل فهمها على أولئك الذين ليسوا متظلعين في العلوم الإسلامية , صحيح أن التعليقات التي زودها بها مفيدة جدا , لكن ردوده وقد تمخضت في مجلد كبير ليست لها قيمة إطلاقا أو قيمتها ضئيلة ؛ لأنها غالبا غير مقنعة , وأحيانا غير موفقة , لكن العمل في مجموعه برغم كل أغلاطه ثمين جدا , وسأكون مرتكبا لإثم الجحود إذا لم اعترف بأنني مدين له بالكثير , لكنه لما كان مكتوبا باللاتينية فإنه لن يكون مفيدا لأولئك الذين لا يفهمون هذه اللغة " .
ويعلق روس على هذا قائلا إن :" ترجمة سيل لو قورنت بترجمة مرتشي تدل على أن مرتشي قد أنجز من العمل ما يكاد يجعل عمل سيل قابلا للإنجاز بواسطة معرفة اللغة اللاتينية وحدها" .
وقد نشر سيل ترجمته للقرآن سنة 1734م .
وترجمة سيل هذه واضحة ومحكمة معا كما يقول بدوي , ولهذا راجت رواجا كبيرا طوال القرن الثامن عشر , وعنها ترجم القرآن إلى الألمانية في سنة 1746م .
وقد قدم سيل بين يدي ترجمته بمقال تمهيدي تحدث فيه عن تاريخ العرب قبل الإسلام ودياناتهم , وعن القرآن , وقدم لمحة عامة عن أهم الفرق الإسلامية .
الموسوعة (358) .

ثانيا : تلخيص ما جاء في مادة "قرآن " .
عقد بدوي في موسوعته مادة عن القرآن , تحدث فيها عن أعمال المستشرقين حول القرآن , وقد قسم تلك المادة إلى ثلاثة فروع , الأول : عن طبعات المستشرقين للقرآن بالعربية , والثاني : عن فهارس القرآن عندهم , والثالث : عن ترجمات القرآن الأولى في اللغات الأوروبية .
وسألخص هنا الفرع الثالث , وقد يكون فيه شيئا مكرر مما سبق ذكره , ولكنه ليس كثيرا .
1- الترجمة اللاتينية الأولى :
أول ترجمة كاملة للقرآن إلى اللاتينية هي الترجمة التي دعا إليها بطرس المحترم , وقد تولى الترجمة أربعة منهم رجل عربي مسلم , وطبعت هذه الترجمة الطبعة الثانية سنة 1550م , وقد تحدث بدوي عن هذه الطبعة طويلا .
وهذه الترجمة التي دعا إليها بطرس أقرب إلى التلخيص الموسع منها إلى الترجمة , فهي لا تلتزم بالنص دقة وحرفية , ولا تلتزم بترتيب الجملة في الأصل العربي , وإنما تستخلص المعنى العام في أجزاء السورة الواحدة وتعبر عنه بتعبير من عند المترجم , وهذا عيب عام على هذه الترجمة , وفيها عيوب أخرى منها أخطاء في فهم بعض الآيات .
وقد انتشرت هذه الطبعة ولم يضع حدا لهذا الانتشار إلا الترجمة التي قام بها مرتشي سنة 1698 .
وقد نشر بيلياندر ترجمة بطرس هذه بعد أربعة قرون من إنجارها .
2- الترجمة الإيطالية الأولى :
أول ترجمة إيطالية مأخوذة من ترجمة بطرس المحترم السابقة , وقد زعم بعضهم أنها مأخوذة من الأصل العربي مباشرة , وهذا كذب كما يقول بدوي , وقد كانت هذه الترجمة سنة 1547م .
3- الترجمة الألمانية الأولى :
الترجمة الألمانية الأولى مأخوذة من الترجمة الإيطالية السابقة , وقد ترجمت سنة 1616م , قام بها سالومون اشقجر , ثم طبعت ثانية سنة 1623م .
4- الترجمة الهولندية الأولى :
وهذه الترجمة مأخوذة من الترجمة الألمانية السابقة سنة 1641م , وقد ظهر في عنوانها غلطين كما يقول بدوي , هما :
1- إثبات كونها مأخوذة من الأصل العربي مباشرة , وهي ليست كذلك .
2- وقوع الغلط في مكان طباعتها .
5- الترجمة الفرنسية الأولى :
أ – أول ترجمة للقرآن إلى الفرنسية هي التي قام بها دي ريير سنة 1647م , وكان المترجم يتقن العربية جيدا , ولكن في ترجمته هذه كثيرا من المواطن الغامضة , وهو لم يعلق على ترجمته بتعليقات تشرح تلك المواطن الغامضة , وقد أعيد طبعها في هولندا سنة 1649م .
وقد ظفرت هذه الترجمة بنجاح كبير , بدليل أنها ترجمت عدة ترجمات إلى الإنجليزية وإلى الهولندية , وعن الهولندية ترجمت إلى الألمانية .
ب – أما ثاني ترجمة فرنسية فقد ظهرت سنة 1783م , قام بها ساقاري , وقد قدم قبلها بمقدمة قارن فيها بين هذه الترجمة والترجمات التي قبلها , وتحدث فيها عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
6- الترجمة الإنجليزية الأولى :
أقدم ترجمة إنجليزية للقرآن عن العربية مباشرة هي تلك التي قام بها جورج سيل , وظهرت في لندن سنة 1734م , وقد حظيت هذه الترجمة بانتشار واسع منذ ظهورها حتى اليوم .
وقد طبعت ثانية في لندن سنة 1764م , وعن هذه الترجمة تمت ترجمتها إلى الألمانية .
7- الترجمة الألمانية الأولى :
أقدم ترجمة ألمانية من النص العربي مباشرة هي ترجمة دافيد فريدرش , وظهرت سنة 1772م , تحت عنوان " الكتاب المقدس التركي " الإسلامي " " , وهذه الترجمة هي التي قرأها جينيه ومنها بدأ إعجابه واهتمامه بالإسلام .
وفي السنة التالية 1773م ظهرت ترجمة ألمانية أخرى عن الأصل العربي , وقد قام بها قربوريش أبرهرد , وعنوانها " القرآن أو التشريع عند المسلمين , لمحمد بن عبدالله , مع بعض الدعوات والصلوات القرآنية الاحتفالية " , ثم أعيد طبعها مصححة سنة 1775م .

قراءة وتحليل :
الناظر في تلك الجهود التي بذلها المستشرقون في ترجمة القرآن يمكن أن يخرج بعدة نتائج وأفكار , منها :
الأولى : كثرة اهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم وبترجمته , ويدل على ذلك كثرة الترجمات التي عملوها له , وتنوع اللغات التي نقلوها إليها , وقدم الزمن الذي وقعت فيه .
الثانية : اختلاف غرض المستشرقين من ترجمة القرآن , فمنهم من كان غرضه من الترجمة الرد على الإسلام والطعن فيه , ومنهم من لم يظهر هذا الغرض عنده , فقد يكون غرضه زيادة العلم بالدين الإسلامي أو أي غرض آخر .
الثالثة : أن منـاهج المستشرقين في الترجمة متنوعة , وهي كما يلي :
أ – من حيث المحافظة على ترتيب القرآن , فمنهم من حافظ على ترتيب القرآن المعروف , ومنهم من لم يحافظ عليه وإنما رتب القرآن على حسب النزول كما زعم , ومنهم من لم يتخذ تريبا معينا وإنما قطع القرآن تقطيعا .
ب- من حيث التزام الحرفية في الترجمة , فمنهم من التزم بالترجمة الحرفية للقرآن , ومنهم من لم يلتزم بها , وإنما كان يترجم المعنى فقط .
ج – من حيث تجريد الترجمة , فمنهم من كان يضيف إلى الترجمة تعليقات إما توضيحية أو نقدية , ومنهم من لم يكن يعلق بشيء وإنما يترجم النص القرآني فقط .
الرابعة : أن تلك الترجمات مختلفة من حيث السهولة والغموض , فمنها ترجمات سهلة وواضحة , ومنها ترجمات غامضة وعسرة .
الخامسة : أن تلك الترجمات مختلفة من حيث القيمة العلمية , فمنها ترجمات متقنة منضبطة , ولهذا كانت لها قيمة علمية واعتمدت وانتشرت وتُرجِمت إلى لغات أخرى , ومنها ترجمات غير متقنة ولهذا انتقدت وردت .
السادسة : أنه يكمن أن يستفاد من نقد المستشرقين بعضهم لبعض في الحكم على تلك الترجمات وتقييمها , ومعرفة مواطن الغلط والضعف فيها .
السابعة : ضرورة دراسة التعليقات التي وضعها المستشرقون على ترجماتهم ؛ ليعرف قدر إدراكهم للقرآن الكريم ومدى صحة تصوراتهم لمعانيه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين