تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا

    قال كُمَيْل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجني إلى الجبّان (1) فلمّا أصحر(2) تنفّس الصّعَدَاء
    (3) ثمّ قال:
    يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ
    (4) فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا
    (5) فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ:
    النَّاسُ ثَلاَثَةٌ:
    فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ

    (6) وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ،
    وَهَمَجٌ
    (7) رَعَاعٌ (8) أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ (9) يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ.
    يَا كُمَيْلُ،
    الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، ا
    لْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ.
    وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو
    (10) عَلَى الْإِنْفَاقِ،
    وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ.
    يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ،
    مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
    وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.
    يَا كُمَيْل بْن زِيادٍ،
    هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ،
    وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.
    هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً
    (11)!
    بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً
    (12) غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ،
    أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ
    (13) لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ ( 14) يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ.
    أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ!
    أَوْ مَنْهُوماً
    -شهوة الطعام(15)
    بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ
    (16) للشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً (17) بِالْجَمْعِ وَالْإِدِّخَارِ (18)
    لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنَعَامُ
    (19) السَّائِمَةُ(20)!
    كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ.
    اللَّهُمَّ بَلَى!
    لاَ تَخْلُوالْأَرْض ُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً،
    وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً
    * الظلم غطاه غهو لا يظهر (21) لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ.
    وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟
    أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالْأَعْظَمُون َ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً،
    يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ،
    حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ،
    وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ،
    هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ،
    وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ،
    وَاسْتَلاَنُوا
    (22) مَا اسْتَوْعَرَهُ (23) الْمُتْرَفُونَ
    (24) وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ،
    وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى،
    أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ،
    وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ،
    آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ!
    انْصَرِفْ إذَا شِئْتَ.

    الهوامش

    الحديث

    أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/80)
    وقد حكم بضعفهِ محقق كتابِ " الفقيه والمتفقه " (1/183) فقال : " إسنادهُ ضعيفٌ ؛ علتهُ أبو حمزة الثمالي ، واسمه : ثابتُ بنُ أبي صفية . قال أحمدُ بنُ حنبل : " ضعيف الحديث ليس بشيء " . وضعفه أبو زرعة ، وابنُ معين ، وأبو حاتم ، والجوزقاني ، وقال ابنُ عدي : " ضعفه بين " . وفي الإسنادِ أيضاً : عبد الرحمن بن جندب الفزاري ، قال في " لسان الميزان (3/408) : " مجهول " .ا.هـ.

    ***
    وعلى الرغم من ضعفه
    قال المحققين من اهل العلم ان هذا الاثر صحيح المعنى

    قال الخطيبُ: "هذا الحديث من أحسنِ الأحاديث معنًى، وأشرفِها لفظًا، وتقسيمُ أميرِ المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالبٍ الناسَ في أولِه تقسيمٌ في غايةِ الصحة ونهاية السَّدادِ؛ لأن الإنسانَ لا يخلو من أحدِ الأقسامِ الثلاثة التي ذكَرَها مع كمالِ العقلِ، وإزاحةِ العِللِ، إما أن يكونَ عالمًا، أو متعلِّمًا أو مُغفلًا للعلمِ وطلبِه، ليس بعالمٍ ولا بطالبٍ له".

    وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "وهو حديثٌ مشهورٌ عندَ أهلِ العلمِ، يَستغْنِي عن الإسنادِ؛ لشهرتِه عندَهم"
    اهتم ابن القيم بشرح هذا الأثر في كتابه " مفتاح دار السعادة " (1/403) ، وابنُ رجب الحنبلي في رسالته " كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة " .
    على أن بعضَ أهل العلم قد حكم بضعفِه، وقد شرح هذا الأثرَ وعلَّق عليه شيخ الإسلام ابنُ تيميةَ في "جواب الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية"
    *قال شيخ الإسلام: "وأما قولهم: " وإما غائب مستور" فمن أكاذيب الرافضة الذين يزعمون أنه أشار به إلى ما لا حقيقة له.وليست هذه الزيادات في شيء من الروايات إلا في مثل نهج البلاغة الذي أكثره موضوع، وضعه واخترعه الشاعر المعروف الرضي". انظر: جواب الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية


    1- الجَبّان ـ كالجَبّانة ـ: المقبرة.
    2- (أصْحَرَ): أي صار في الصحراء.
    3- تنفّسَ الصُعَدَاء: أي تنفس تنفساً ممدوداً طويلاً.
    4- أوْعِيَة: جمع وِعاء، وهو الْإناء وما أشبهه.
    5- أوْعَاها: أشدّها حفظاً.
    6- العالم الرَبّانيّ
    - الرفيع الدرجة في العلم، العالي المنزلة فيه
    7- الهَمَج ـ محركة ـ: الحمقى من الناس.
    8- الرَعَاع ـ
    المتبدد المتفرق
    9- الناعق -الصائح؛ وهو في هذا الموضع الراعي يقال نعق الراعي بالغنم ينعق إذا صاح بها
    10- يَزْكُو: يزداد نماءً.
    11- الحَمَلَة ـ بالتحريك ـ: جمع حامِل، وأصَبْتُ: بمعنى وجدت، أي لو وجدت له حاملين لاَبرزته وبثثته.
    12- اللَقِنُ ـ بفتح فكسر ـ: من يفهم بسرعة.
    13- المُنْقادُ لحاملي الحقّ: هو المنساق المُقلّد في القول والعمل، ولا بصيرة له في دقائق الحق وخفاياه، فذاك يسرع الشك إلى قلبه لاَقل شبهة.
    14- في أحنائه: أي جوانبه، ومفردها حِنْو.
    15- المَنْهوم: المُفْرِط في شهوة الطعام.
    16- سَلِس القِياد: سَهْلُه.
    17- المُغْرَم ـ بالجمع ـ: المُولّع بجمع المال.
    18- ادّخار المال: اكتنازه.
    19- (الأنْعَام): البهائم.
    20- السائمة: التي ترسل لترعى من غير أن تُعْلَف.
    21- مغموراً: غمره الظلم حتى غطّاه فهو لا يظهر.
    22- اسْتَلانُوا: عدّوا الشيء ليناً.
    23- اسْتَوْعَرَه: عدّه وعْراً خَشِناً.
    24- المُتْرَفُون: أهل الترف والنعيم.



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    قال المحققين من اهل العلم ان هذا الاثر صحيح المعنى

    قال الخطيبُ: "هذا الحديث من أحسنِ الأحاديث معنًى، وأشرفِها لفظًا، وتقسيمُ أميرِ المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالبٍ الناسَ في أولِه تقسيمٌ في غايةِ الصحة ونهاية السَّدادِ؛ لأن الإنسانَ لا يخلو من أحدِ الأقسامِ الثلاثة التي ذكَرَها مع كمالِ العقلِ، وإزاحةِ العِللِ، إما أن يكونَ عالمًا، أو متعلِّمًا أو مُغفلًا للعلمِ وطلبِه، ليس بعالمٍ ولا بطالبٍ له".



    نعم بارك الله فيك
    قال أبو بكر الخطيب:
    وتقسيم أمير المؤمنين للناس في أوله تقسيم في غاية الصحة ونهاية السداد؛
    لان الإنسان لا يخلو من أحد الأقسام التي ذكرها مع كمال العقل وإزاحة العلل؛
    إما أن يكون عالماً، أو متعلماً، أو مغفلاً للعلم وطلبه ليس بعالم ولا طالب له.

    فالعالم الرباني :
    هو الذي لا زيادة على فضله لفاضل، ولا منزلة فوق منزلته لمجتهد،
    وقد دخل في الوصف له بأنه رباني وصفه بالصفات التي يقتضيها العلم لأهله، ويمنع وصفه بما خالفها،
    ومعنى الرباني في اللغة: الرفيع الدرجة في العلم، العالي المنزلة فيه،
    قال ابن الأعرابي: إذا كان الرجل عالماً عاملاً معلماً قيل له هذا رباني،
    فإن خرم عن خصلة منها لم نقل له رباني.

    وأما المتعلم على سبيل النجاة:
    فهو الطالب بتعلمه والقاصد به نجاته؛ من التفريط في تضييع الفروض الواجبة عليه، والرغبة بنفسه عن أحمالها واطراحها، والأنفة من مجانسة البهائم،

    ثم قال:
    وقد نفى بعض المتقدمين عن الناس: من لم يكن من أهل العلم.

    وأما القسم الثالث:
    فهم المهملون لأنفسهم الراضون بالمنزلة الدنية والحال الخسيسة التي هي في الحضيض الأسقط، والهبوط الأسفل، التي لا منزلة بعدها في الجهل، ولا دونها في السقوط،
    وما أحسن ما شبههم بالهمج الرعاع، وبه يشبه دناة الناس وأراذلهم،
    والرعاع: المتبدد المتفرق،
    وللناعق: الصائح؛ وهو في هذا الموضع الراعي يقال نعق الراعي بالغنم ينعق إذا صاح بها ...

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    اهتم ابن القيم بشرح هذا الأثر في كتابه " مفتاح دار السعادة " (1/403)

    نعم
    قال ابن القيم : ونحن نشير إلى بعض ما في هذا الحديث من الفوائد:
    فقوله رضي الله عنه:
    «القلوب أوعية» يشبه القلب بالوعاء والإناء والوادي؛ لأنه وعاء للخير والشر.
    وفي بعض الآثار: إن لله في أرضه آنية - وهي القلوب - فخيرها أرقُّها وأصلبُها وأصفاها؛ فهي أواني مملوءة من الخير، وأواني مملوءة من الشر؛ كما قال بعض السلف: قلوب الأبرار تغلي بالبِّر، وقلوب الفجار تغلي بالفجور.
    وفي مثل هذا قيل في المثل: وكل إناء بالذي فيه ينضح. وقال تعالى: { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} شبه العلم بالماء النازل من السماء، والقلوب في سَعتها وضيقها بالأودية؛ فقلب كبير واسع يسع علما كثيرا كوادٍ كبيرٍ واسع يسع ماءا كثيراً، وقلب صغير ضيق يسع علما قليلا كواد صغير ضيق يسع ماءا قليلا...
    وقوله:
    « فخيرها أوعاها »
    يراد به أسرعها وعياً، وأكثرها وأثبتها وعياً، ويراد به أيضاً أحسنُها وعياً فيكون حُسن الوعي الذي هو إيعاء لما يقال له في قلبه هو سرعته وكثرته وثباته، ولما كان القلب وعاءا والأذن مدخل ذلك الوعاء وبابه كان حصول العلم موقوفا على حسن الاستماع، وعقل القلب هو ضبط ما وصل إلى القلب وإمساكه حتى لايتفلت منه ...، فخير القلوب ما كان واعيا للخير ضابطا له، وليس كالقلب القاسي الذي لا يقبله؛ فهذا قلبٌ حجري، ولا كالمائع الأخرق الذي يقبل ولكن لا يحفظ ولا يضبط، فتفهيم الأول كالرسم في الحَجَر، وتفهيم الثاني كالرسم على الماء، بل خيرُ القلوب ما كان لينا صلبا يقبلُ بلينه ما ينطبع فيه، ويحفظ صورته بصلابته فهذا تفهيمه كالرسم في الشمع وشبهه.
    وقوله:
    «الناس ثلاثة ... »
    هذا تقسيم خاص للناس وهو الواقع فإن العبد:
    إما ان يكون قد حصل كماله من العلم والعمل أو: لا.
    فالأول: العالم الرباني،
    والثاني: إما أن تكون نفسه متحركة في طلب ذلك الكمال ساعية في إدراكه أو: لا
    والثاني: هو المتعلم على سبيل النجاة.
    الثالث: وهو الهمج الرعاج.
    فالأول: هو الواصل،
    والثاني: هو الطالب،
    والثالث: هو المحروم.
    والعالم الرباني:
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو المعلِّم، أخذه من التربية، أي: يربى الناس بالعلم ويربيهم به كما يربى الطفل أبوه. وقال سعيد بن جبير: هو الفقيه العليم الحكيم...
    ولا يوصف العالم بكونه ربانيا حتى يكون عاملا بعمله معلما له.
    فهذا قسم.
    والقسم الثاني:
    متعلم على سبيل نجاة؛
    أي: قاصداً بعلمه النجاة، وهو المخلص في تعلمه، المتعلم ما ينفعه، العامل بما علمه، فلا يكون المتعلم على سبيل نجاة إلا بهذه الأمور الثلاثة؛
    فإنه إن تعلم ما يضره ولا ينفعه لم يكن على سبيل نجاة،
    وإن تعلم ما ينتفع به لا للنجاة؛ فكذلك،
    وإن تعلمه ولم يعمل به لم يحصل له النجاة،
    ولهذا وصفه بكونه على السبيل أي:
    على الطريق التي تنجيه؛ أي: مفتش متطلع على سبيل نجاته،
    فهذا في الدرجة الثانية

    وليس ممن تعلمه ليمارى به السفهاء أو يجارى به العلماء أو يصرف وجوه الناس اليه فإن هذا من أهل النار كما جاء في الحديث ...
    فهؤلاء ليس فيهم من هو على سبيل نجاة،
    بل على سبيل الهلكة نعوذ بالله من الخذلان.

    القسم الثالث :
    المحروم المعرض؛ فلا عالم، ولا متعلم، بل همج رعاع، والهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم،
    وأصله من ( الهمج ) جمع ( همجة ) وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها فشبه همج الناس به، ومعناه سوء التدبير في أمر المعيشة ، والرعاع من النساء الحمقى الذين لا يعتد بهم...
    وقوله: «أتباع كل ناعق»
    أي: من صاح بهم ودعاهم تبعوه، سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحقٌّ هو أم باطل؟ فهم مستجيبون لدعوته، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان، فإنهم الأكثرون عدداً، الأقلون عند الله قدراً، وهم حطب كل فتنة، بهم توقد ويشب ضرامها فإنها يعتزلها ألو الدين، ويتولاها الهمج الرعاع.
    وسمى داعيهم ناعقاً تشبيها لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي فتذهب معه أين ذهب!
    وهذا الذي وصفهم به أمير المؤمنين هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم، فليس لهم نور ولا بصيره يفرقون بها بين الحق والباطل، بل الكل عندهم سواء.
    وقوله رضي الله عنه:
    « يميلون مع كل ريح » وفي رواية: « مع كل صائح » شبّه عقولهم الضعيفة بالغُصن الضعيف، وشبه الأهوية والآراء بالرياح، والغصن يميل مع الريح حيث مالت، وعقول هؤلاء تميل مع كل هوى وكلِّ داعٍ، ولو كانت عقولاً كاملة كانت كالشجرة الكبيرة التي لا تتلاعب بها الرياح.
    وهذا بخلاف المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن بالخامة من الزرع، تفيئه الريح مرّة وتقيمه أخرى، فهذا ضُرب للمؤمن وما يلقاه من عواصف البلاء والأوجاع والأوجال وغيرها.
    وأما مع الأهواء ودعاة الفتن والضلال والبدع، فكما قيل:

    تزول الجبال الرّاسيات وقلبه *** على العهد لا يلوي ولا يتغير
    وقوله رضي الله عنه:
    «لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق»
    بيّن السبب الذي جعلهم بتلك المثابة؛ وهو أنه لم يحصل لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾ وقال تعالى: ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ وقوله تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ الآية، وقوله: ﴿ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فإذا عدم القلب هذا النور صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري أين يذهب! فهو لحيرته وجهله بطريق مقصوده يؤم كل صوت يسمعه، ولم يسكن قلوبهم من العلم ما تمتنع به من دعاةِ الباطل، فإن الحق متى استقر في القلب قوي به وامتنع مما يضره ويهلكه، ولهذا سمى الله الحجة العلمية سلطانا.
    فالعبد يؤتى من ظلمة بصيرته ومن ضعف قلبه،
    فإذا استقر فيه العلم النافع استنارت بصيرته وقوى قلبه وهذان الأصلان هما قطب السعادة اعني العلم والقوة.
    وهؤلاء ليسوا من أهل البصائر الذين استضاؤا بنور العلم،
    ولا لجئوا إلى عالم مستبصر فقلدوه،
    ولا متبعين لمستبصر،
    فإن الرجل إما أن يكون بصيراً أو أعمى متمسكا ببصير يقوده، أو أعمى يسير بلا قائد!.
    --------------------------------
    من كتاب مفتاح دار السعادة (2/403-416)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: يَا كُمَيْل بْن زِيَادٍ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •