تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: بعباءتي أصون كرامتي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي بعباءتي أصون كرامتي

    بعباءتي أصون كرامتي
    سعد العثمان


    العباءةُ زيٌّ إسلاميٌّ شعبيٌّ جميلٌ، عُرفت به المرأة السُّعودية، حافظت عليه منذ عشرات السِّنين، ربَّما لأنَّه يوفِّر الحشمة اللازمة التي تحرص عليها، كما يتميَّز بالأناقة والجمال، والعباءة من الرُّموز التُّراثية، التي عرفت بها المرأة العربيَّة منذ القدم، واعتبرت رمزاً لهويِّة المواطن العربي، التي بقيت على الرَّغم من اكتساح الأزياء الغربية للعديد من الدُّول العربيَّة، لم يتخلَّ الرَّجل العربيُّ، والمرأةُ العربيَّة عن العباءة، حرصاً عليها كجزء من التَّقاليد.

    والعباءة التي تُرتَدى فوق الثِّياب، لا تختصُّ بالنِّساء دون الرِّجال، فكما أنَّ ارتداءها يضفي على المرأة الاحتشام، فإنَّ الرِّجال يرتدونها للوجاهة والوقار، وقد أخذت العباءة استمراريتها من القيم الإسلاميَّة والاجتماعيَّة، ومازالت من أهمِّ العناصر المكمِّلة للشَّخصيَّة العربيَّة المسلمة.

    والمرأة السُّعودية ما زالت تتمسك بعباءتها، وغطاء وجهها بين نساء العالم، على الرَّغم من أن شكل العباءة، تدخل عليه تطورات جديدة، إلا أنَّ الهدف منها، وهو الاحتشام، ما زال متحققاً.
    الكثير من النِّساء السُّعوديات، يلتزمن بالعباءة داخل السُّعودية، وما يدفعهن لذلك، هو الالتزام بالتَّعاليم الإسلاميَّة، بشكل عام في كل أنحاء المملكة، ولكن!! الخلاف ينشأ بينهن، عندما يسافرن إلى الخارج.
    تعتقد بعضهن، أنَّ شكل العباءة يصبح مثار استغراب، من قبل الأجانب، وتعتقد أخريات، أنَّ التَّحرُّك يصبح أصعب، خصوصاً بالذَّهاب إلى مدن ساحليَّة، وتعتقد أخريات، أنَّ العباءة تعني أنَّ هذه المرأة سعودية، أو خليجيَّة، أي لديها الكثير من النُّقود، ولذا تصبح هدفاً للسَّرقة والمضايقة، أمَّا المعارضات لعدم الالتزام بالعباءة، فيعتقدن أنَّ في ذلك تخلياً عن التَّعاليم الإسلاميَّة الآمرة بالحجاب، وأنَّ الالتزام بالعباءة، قد يدفع الآخرين للإعجاب بنا، وهذا ما يدفعه للدُّخول في الدِّين الإسلامي.

    تقول سهام حفني: العباءة والبرقع، تتفق أكثر مع عادات، وتقاليد المجتمع السُّعودي، لأنَّنا نسير في الشَّوارع دون أن نلفت نظر الشَّباب، لأنَّهم اعتادوا مشاهدة أخواتهم، وقريباتهم بتلك الهيئة. أمَّا عندما نسافر للخارج، فالوضع مختلف كثيراً لأنَّنا بهذه العباءات، نحن خليجيَّات، وسعوديَّات، وسنتعرض للمضايقات.

    وتشاركها الرَّأي ريناد العوفي تقول: خلال سفري لقضاء شهر العسل، في إيطاليا وباريس، كنت أرى الفتيات العربيَّات المحجبات، في الأماكن العامَّة، ومحطَّات القطار، والحقيقة أنَّ مظهرهن منقبات ملفت للنَّظر، مما دفع ببعض المستهترين بمحاولة سرقتهم، على اعتبار أنَّ المرأة الخليجيَّة تمتلك أموال كثيرة وباهظة. ولذلك فإنِّي لا أؤيد لبس العباءة في السَّفر، فلدينا ملابس للحجاب أنيقة، ومواكبة للموضة، في إطار مساحة الحريَّة الممنوحة لي من زوجي.

    وتعنِّف هتون العدني، الآراء السَّابقة المنادية بحجاب الموضة، واعتبرت ذلك خروج عن العادات، وقبل ذلك مخالفة للأمر الدِّيني المحدَّد بالنَّص القرآني، والمطالب بالحجاب الشَّرعي المغطِّي لكامل الجسد، وتساءلت هتون بِحِدَّةٍ.

    لماذا نغيِّر جلودنا عندما نسافر للخارج؟؟. في حين نجد الأجانب ملتزمين بنظام البلد وعقيدته، فنشاهد النَّساء الأجنبيَّات، لابسات العباءة بطريقة فيها بعض الارتباك، ولكن!! يجتهدن قدر المستطاع في التَّقيد بالشَّكل العام، ومنهم من اعتنقت الإسلام، وحريصة على تطبيق الشَّريعة الإسلاميَّة بدقة أكثر منَّا.

    وطالبت شهد الحارثي، في رأيها بتطبيق الاعتدال، أو الوسطيَّة، في الحلول مؤكدةً على أنَّ لبس العباءة في السَّفر للخارج، ليس بالأمر الملزم تنفيذه، ولا يعتبر الحجاب العصري أحد أشكال السُّفور، فموديلات العباءة الحاليَّة المصمَّمة بعدة موديلات، وخامات أقمشة راقية، تمنح حرية اختيار الأفضل، خلال السَّفر للسيِّدة التي ترغب في ذلك، إضافة إلى أنَّ ماركات ملابس المحجبات، تعطي نفس النَّتيجة، وفي نهاية الأمر، لا يعدو كونه مجرد أذواق، مشدِّدة خلال حديثها، إلى أنَّ الفتيات الآن مطالبات بالظُّهور، أمام العالم كمسلمات عصريَّات.

    وأضافت شهد الحارثي: في الحقيقة الموضوع لا يستحقُّ كلَّ هذه الضَّجة!!.
    أمَّا آيات سمَّان: رأيها يسكب الماء فوق النَّار؛ فهي ترى أنَّنَا مجتمع سعودي، متميِّز بخصوصيَّة إسلاميَّة، وداخل إطار حياتنا اليوميَّة، نحن محجبات دون تغطِيَة كاملة للوجه، وهذا لا يعتبر مخالفة للشَّريعة الإسلامية، ففي الإجازات تقضي معظم الأسر الوقت في الاستراحات، وتنتقل داخلها بواسطة ملابس للحجاب ساترة لكامل الجسم.

    بعد الوقوف على آراء بعض النِّساء، نجد الكل متَّفق على لبس العباءة داخل المملكة، لأن الجوَّ العام يساعد عل ذلك، والنِّظام، والعادات، والتَّقاليد، كلَّها تؤيد ذلك، بل وتلزمه، ولكن!! الخلاف وقع في حالة السَّفر خارج المملكة، فهناك مؤيِّدات للحجاب الكامل، ومؤيِّدات للحجاب مع إظهار الوجه، وهناك رافضات للحجاب نهائيَّاً.

    ولكنني أحبُّ أن أعالج هذه المشكلة، بإيراد قصيدة تحثُّ على الاحتشام والحجاب، وأختم بفتوى لهيئة كبار العلماء في المملكة، تؤكد على بعض الشُّروط اللازم توافرها في جلباب المرأة المسلمة.
    أولاً: القصيدة:
    أختــاهُ يا بنتَ الخليجِ تحشَّمي لا ترفعي عنك الخمار فتندمي
    هذا الخمارُ يزيدُ وجهَك بهجـةً وحلاوةُ العينينِ أنْ تتلثمي
    صوني جمالَك إنْ أردت كرامةً كيلا يصولَ عليك أدنى ضَيغم
    لاتُعرضي عن هديِّ ربِّك ساعةً عضِّي عليه مدى الحياة لتنعمي
    ما كان ربُّكِ جائراً في شرعِـه فاستمسكي بعراهُ حتَّى تسلمي
    ودعِي هراءَ القائلين سفــاهةً إنَّ التَّقدم في السُّفورِ الأعجمي
    إياكِ إياكِ الانخــداع بقولهم: سمراءُ يا ذاتَ الجمالِ تقدَّمي
    إنَّ الذين تبرؤوا عن دينـِـهم فهم يبيعونَ العفافَ بدرهم
    حُلَلُ التَّبرُّج إن أردت رخيصةً أما العفافُ فدونَه سفكُ الدَّم
    بنتَ الجزيرةِ ما أرى لك شيمةً هذا التَّبرُّجُ يا فتاة تكلمي
    حسناءُ يا ذاتَ الدَّلالِ فإنَّنــي أخشى عليكِ من الخبيثِ المجرم
    لاتَعرضي هذاالجمالَ على الورى إلا لزوجٍ أو قـريبٍ مـحـرم
    لا ترسلي الشَّعرَ الحريرَ مرجَّلاً فالنَّاس حولك كالذِّئاب الحُوَّم
    لا تمنحي المستشرقين تبسُّـماً إلا ابتسامةَ كاشر متهجِّم
    أنا لا أحبِّذُ أن أراك جهـولةً شرقاً وغرباً في الجنوب ومشأمي
    أنا لا أريد أنْ أراك جهـولةً إنَّ الجهالةَ مرَّةٌ كالعلقم
    فتعلمي وتثقفي وتنــوَّري والحقُّ يا أختاه أن تتعلمي
    لكنَّني أمسي وأصبح قائلاً أختاه يا بنت الخليج تحشمي


    ثانياً: فتوى هيئة كبار العلماء:
    الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
    وبعد: فقد اطَّلعت اللجنة الدَّائمة للبحوث العلميِّة والإفتاء، على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من أحد المستفتين، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامَّة لهيئة كبار العلماء برقم: 934 وتاريخ 12/2/1421 هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصُّه:( قد انتشر في الآونة الأخيرة، عباءة مفصلة على الجسم وضيقة، وتتكون من طبقتين خفيفتين، من قماش الكريب، ولها كمٌّ واسع، وبها فصوص وتطريز، وهي توضع على الكتف، فما حكم الشَّرع في مثل هذه العباءة، أفتونا مأجورين، ونرغب - حفظكم الله - مخاطبة وزارة التِّجارة بمنع هذه العباءة وأمثالها، وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بأنَّ العباءة الشَّرعيَّة للمرأة، هي "الجلباب" وهي ما تحقَّقَ فيها قصد الشَّارع، من كمال السِّتر، والبعد عن الفتنة، وبناءً على ذلك، فلا بدَّ للعباءة أن تتوفر فيها الأوصاف الآتية :
    أولاً: أن تكون سميكة، لا تظهر ما تحتها، ولا يكون لها خاصيَّة الالتصاق.
    ثانياً: أن تكون ساترة لجميع الجسم، واسعة لا تبدي تقاطيعه.
    ثالثاً: أن تكون مفتوحة من الأمام فقط، وتكون فتحة الأكمام ضيِّقة .
    رابعاً: ألا يكون فيها زينة، تلفت إليها الأنظار، وعليه فلا بدَّ أن تخلو من الرُّسوم والزَّخارف والكتابات والعلامات.
    خامساً: ألا تكون مشابهة للباس الكافرات، أو الرجل.
    سادساً: أن توضع العباءة على هامة الرأس ابتداء .
    وعلى ما تقدم، فإنَّ العباءة المذكورة في السؤال، ليست العباءة الشَّرعية للمرأة، فلا يجوز لبسها، لعدم توافر الشُّروط الواجبة فيها،ولا لبس غيرها من العباءات التي لم تتوفر فيها الشروط الواجبة، ولا يجوز كذلك استيرادها، ولا تصنيعها، ولا بيعها، ولا ترويجها بين المسلمين، لأنَّ ذلك من التَّعاون على الإثم والعدوان والله جل وعلا يقول:(ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، واللجنة إذ تبيِّن ذلك؛ فإنَّها توصي نساء المؤمنين بتقوى الله تعالى، والتزام السِّتر الكامل للجسم، في الجلباب والخمار، عن الرِّجال الأجانب طاعة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبعداً عن أسباب الفتنة والافتتان.
    وبالله التوفيق، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2

    افتراضي رد: بعباءتي أصون كرامتي




    منقول من كتاب (إجماعات المذاهب الأربعة على فريضة الحجاب ورد قول من يفتري عليهم وجود خلاف بينهم في ستر المسلمة وجهها بالجلابيب السود)

    صفة فريضة لبس الجلابيب السود في القرآن والسنة
    فلبس الجلباب الأسود للمرأة المسلمة عند خروجها من بيتها فرض لازم بالكتاب والسنة المطهرة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ} ]الأحزاب:59[. والجلابيب والتي تسمى في بعض البلاد بالعباءات(1) والمروط واللحف والملاءة والخمار الساتر لكامل جسمها، قال في المعجم الوسيط: ((جلب) الجلباب:الْقَمِيص وَالثَّوْب الْمُشْتَمل على الْجَسَد كُله والخمار وَمَا يلبس فَوق الثِّيَاب، كالملحفة والملاءة تشْتَمل بهَا الْمَرْأَة، (ج) جلابيب وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز:{يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن})(2)انتهى. ولها مسميات مختلفة في بلاد المسلمين، ولكن كلها في معنى الجلابيب شكلا ومضمونا واحدا، من لون أسود ومن طول وسعة وأن لا يشف عن ما تحته، ولم تكن في أول الإسلام مختصة بالمرأة لأنها ليست من ثيابها المعتادة والمفصلة عليها وإنما من الصوف والوبر ونحوها لتسترهم وتستر ما تحتها من الثياب، فكان الرجال يلبسونها لأنها في حكم اللحف والملاءة التي تلبس فوق ثيابهم، كما ورد عن رسول الله  في لبسه مرط عائشة رضي الله عنها، فكانت مع بداية الأمر وقلة ذات اليد قليلة، لقرب عهدهن به حتىقلن يا رسول الله: (إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال : لتلبسها أختها من جلبابها) متفق عليه. وهذا لسعته وطول تلك الأنواع من الألبسة، وفي رواية البخاري (فقالت يا رسول الله، أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج، فقال لتلبسها صاحبتها من جلبابها) ولم يأذن لهن بالخروج بدونه أبدا، كيف وقد جاء طلبه في كتاب الله بصيغة الأمر لنبيه فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} ]الأحزاب:59[. قال الحافظ ابن حجر معلقاً على حديث أم عطية السابق: (وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب)(1) انتهى. فلما عُلم أمر فرض الجلابيب عليهن جميعا وأهميته في الإسلام، وأصبح واقعا في حياة المسلمات الأول، وتهيأت له النساء، مع مرور الوقت، واحتياجهن للخروج، اختصت النساء بجلابيب لهن، تلبي حاجتهن، أخف وزنا، وأسرع ملاءمة للبسهن، وأنواعا مختلفة من الأقمشة، إضافة عما كانت عليه سابقا من المروط التي من الصوف والوبر، ولكن كلها تجتمع فيها المواصفات والشروط التي أمر الله بها في كتابه وسنة نبيه  لهن جميعا كما هو من صيغة الجمع في الخطاب القرآني والخطاب النبوي والخطاب الإخباري من الصحابة بأن لباسهن عند خروجهن من بيوتهن كان بزي واحد كما سيمر معنا من السعة والطول والسواد وأن لا يشف عن ما تحته، فامتثلوها وطبقوها جميعهن بلا استثناء. وبالتالي فلا تترك المسائل والفرائض والأمور الشرعية الأصلية التعبدية التي نزل بها القرآن نصا بطلبها للعرف أو العادات أو المناطق، لأنها دين، كصلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم، لا يختلفون في عباداتهم لربهم الواحد الأحد، ولو كانوا في أقصى بلاد العالم. فالعرف يكون في غير الفرائض والمحكمات والأوامر التعبدية النصية التي جاءت نصا في القران والسنة ويُراد بها أمرا معينا جاء طلبه ووصفه، حيث يفصلها الله لرسوله ، ورسوله لصحابته، فعند ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت: (بينا نحن عند عائشة، قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن. فقالت عائشة، رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلا وإني والله وما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} انقلب إليهن رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامتإلى مرطها المرحلفاعتجرت به، تصديقا وإيمانابما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله الصبح معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان). فهذا من تعليم وتفسير رسول الله كتاب الله لصحابته الكرام، وأيضا للنساء بدورهن بصيغة الجمع. فسمت تفسيرها للآية ولبسهن(مرطها) كمثل تجمع (الغربان) سوادا (تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه) فالجلباب مطلوب شرعا لأنه عبادة، ولهذا فلا يصح أن نتساهل وننسب الخلاف بين العلماء في كل شيء وفي كل مسألة من مسائل الدين، فلا يمكن أن يتركهم هكذا مختلفين لا يعلمون مراده وطلبه ووصفه، فضلا عن طريقة لبسه ولونه؟ فالصلاة فريضة ثم علمهم رسول الله شروطها وأركانها وواجباتها وسننها فلا يقال أنه طلب منهم الصلاة وتركهم كل واحد يصلي حسب عرفه وبلده، فيكون لكل بلد صفة للصلاة والزكاة والصوم مختلفة. فانحراف الناس مما يجعل العالم والداعية أن يحزن لغربة الإسلام وفشوا الفساد وترك النساء للجلابيب المنصوص عليها في القران نصا، فتخرج النساء في بلاد الإسلام بالفساتين والثياب الضيقة والبناطيل والألوان المختلفة، بدون جلابيب تستر ثيابهن تلك، بحجة أنهن مغطيات لرؤوسهن فقط، فأي حجاب هذا؟! مخالف لصريح القرآن والسنة والإجماع على فرض سترهن لوجوههن.ودليل لبسهن جميعا للسواد: حديث عائشة المتقدم ومثله حديث أم سلمة رضي الله عنهما في تفسير الآيةقالت: (لما نزلت هذه الآية:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان وعليهن أكسية سود يلبسنها -وفي رواية أخرى- قالت: لما نزل {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ} ]الأحزاب:59] خرج نساءُ الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية)(1) انتهى.قال في عون المعبود: ‏(كأن على رؤوسهن الغربان) جمع غراب ‏(الغربان من الأكسية) شُبهت الخمر في سوادها بالغراب) انتهى. وشبهت عائشة (نساء قريش...نساء الأنصار... فما منهن امرأة إلا قامتإلى مرطها المرحل فاعتجرت به، تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه،فأصبحن وراء رسول الله الصبح معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان). وهن من أمهات المؤمنين زوجات رسول الله وممن قال الله لهن: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}]الأحزاب:34[. وهذا تفسير منهم لكلام الله فلا بد وأن يكون مما فسره وعلمه رسول الله لهم ولغيرهم كما قالت عائشة رضي الله عنها، فلا يجوز فيه رأي ولا اجتهاد وبخاصة في زمن حياة النبي ونزول الوحي وبصيغ الاتفاق والإجماع في كل كلماتها(نساء قريش... نساء الأنصار... رؤوسهن... وعليهن... أكسية... سود... يلبسنها) واجتماع قول عائشة وأم سلمة على لفظ (الغربان... السواد) دل أن شعارهن جميعا عند الخروج بلا استثناء كان لباس أسود كالغربان المجتمعة ليس بينهن لون مختلف وبخاصة قولها (فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل)فلم تستثنِ واحدة، والمروط عرفتها عائشة أنها من (أكسية سود)(شعر أسود).وفي قوله تعالى{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} يعني تسترهن من فوق رؤوسهن حتى أسفل أقدامهن، لا على أكتافهن، كمثل ثيابهن وفساتينهن المعتادة، حتى تكون أبلغ في سترهن وعدم تحديد ووصف أجسامهن كما مر معنا من كراهة فاطمة بنت رسول اللهوغيرها وصف جسمها عند الرجال وهي في الكفن، حتى اتخذت فوقه قبة ليسترها، وهكذا فمرة ذكرت الأكسية أنها سوداء ومرة ذكرت الأكسية بلون (الغربان) تشبيه صريح بخروجهن مجتمعات بالسواد كالغربان، لا أوضح من هذا، وإلا فما فائدة ذكرهن الغربان؟ لو كانت منهن من تخرج بغير السواد، وإلا لما صح وصفهن به بلا استثناء. كما أن في قول عائشة رضي الله عنها: (كان يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغَلَس) متفق عليه. والتلفع: التلفف بكامل الجسد تعرفه العرب، قال الأصمعي: (التلفع: أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك). وقال الأزهري كما في تاج العروس وغيره: (يجلل به الجسد كله). وقال الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: (فالمتلفعات: النساء اللاتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء، غير عيونهن، وقد تلفع بثوبه والتفع به إذا اشتمل به أي تغطى به) انتهى. وقال ابن الأثير في النهاية: (اللفاع: هو ثوب يجلل به الجسد كله، كساء كان أو غيره، وتَلَفَّع بالثوب إذا اشتمل به) انتهى. وقال الملا على القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح "باب تعجيل الصلوات": (متلفعات: بالنصب على الحالية أي: مستترات وجوههن وأبدانهن قال الطيبي: التلفع: شدة اللفاع وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به، بمروطهن المرط بالكسر كساء من صوف أو خز يؤتزر به وقيل الجلباب وقيل الملحفة) انتهى. والمروط: قد عرفتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث آخر قالت: (أن النبي كان يصلي وعليه مرطمن هذه المرحلات وكان رسول الله يصلي وعليه بعضه وعلي بعضه، والمرط من أكسية سود)(1)، وعنها أيضاً قالت: (خرج النبي ذات غداة وعليه مرط مرحل، من شعر أسود)(2). ولم تقل حمراء أو صفراء أو بيضاء وإنما قالت: (من شعر أسود). وهناك أثر صحيح عن الخليفة الراشد المتبع، قال ثعلبة بن أبي مالك: (إن عمر بن الخطاب قسم مروطا بين نساء من نساء المدينة)(1). لأنها المطلوبة شرعاً وعبادة وسلوكا في المجتمع الإسلامي المطالب هو بتوفيره عند خروج جميع النساء مما يدل على أنها أنواع مختلفة ومغايرة عن ملابسهن وثيابهن المعتادة، تختص أكثر بخروجهن بزي أسود واحد. وجاء في حديثها في قصة الأفك قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: (فرأى سواد إنسان وكان يراني قبل الحجاب فخمرت وجهي بجلبابي). ولو كانت لابسة غير السواد لبان، ولو في الليل. ومنها أيضا حديث خروجها خلف رسول الله عند زيارته للبقيع، فقال لها من لفظه الشريف: (أنت السواد الذي رأيت أمامي)(2). فعرف أنها امرأة من سواد وطريقة لباسها (فأنت) المرأة. وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: (كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة، حتى إذا كنا بمر الظهران فإذا امرأة في هودجها ، قد وضعت يدها على هودجها فيها جبائرها وخواتيمها، قال: فلما نزل عدل -أي عمرو- فدخل الشعب فدخلنا معه؛ فقال: كنا مع رسول الله في هذا المكان، إذ قال: انظروا هل ترون شيئا؟ فإذا نحن بغربان كثيرة فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله : لا يدخل الجنة من النساء إلا كقدر مثل هذا الغراب في هذه الغربان)(3) انتهى. والحديث صحيح في معنى تشبههن بالسواد كالغربان عند خروجهن، كما سبق من حديث عائشة وأم سلمة، وكأنه إنكار منه على كشفها يديها وحليها، مع أنها داخل هودجها فظهرت للخارج، ولعله من غير قصد منها، في أن أحدا يراها.فهذا أمر واضح من عدة وجوه في لبسهن جميعا للسواد، وواحدة منها لو وردت كانت كافية في تفسير وبيان شكل وصفة الجلابيب في الآية والسنة، فضلا عن الجمع المتكرر كما بيناه من فعلهن جميعا ولبسهن الواحد، في أنه مطلوب واجب شرعا، فكيف بغيرها من الروايات الاخرى المؤيدة.ومن سعة وسواد تلك اللحف والملاءة، ما أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج النبي غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}). وفي قصة الإفك قالت عائشة رضي الله عنها: (فعثرت أم مسطح في مرطها) من سعته وطوله.فقد جاء في السنة أنه يكون طويلا حتى أسفل أقدامهن، بحيث يرخينه شبرا أو ذراعا قال : (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. فقالت أم سلمة فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخينه شبراً. قالت إذن تنكشف أقدامهن. قال: يرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه)(1). ولما قيل له أنه قد يتسخ، كما جاء عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي فقالت: (إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت: أم سلمة قال: رسول الله يطهره ما بعده)(2). ولم يأذن لهن بتقصير العباءات، فضلا عن كشف أقدامهن، أهذا لكون وجوههن كانت مكشوفة، فحرصن أن يسألنه عن الأقدام مخافة أن تنكشف؟!والمقصد أن مثل هذه المواصفات للجلابيب التي تكون فوق ثيابهن المعتادة لم تتوفر لقرب عهدهن بفريضه الحجاب أو لقلة ذات اليد، حتى عجزن عن تحصيلها في بداية الأمر، وطالبن بالخروج بدونها فلم يجبن لذلك. فدل أنه لباس مفروض مخصوص، ولو كان المقصد أي لباس غير معروف وصفه وشكله ولونه، لخرجن بما يتوافر للنساء من الثياب ذات الألوان التي يلبسنها، ولَما كان جاء طلب {جَلَابِيبِهِنّ} ولا قوله :(لتلبسها أختها من جلبابها). فلا يقال إنه أمرهن بلبس الجلابيب المنصوص على طلبها وأهميتها في الكتاب والسنة، ثم تركهم لا يعلمون شكلها ولا مواصفاتها ولا طريقة لبسها، أو يفعلونها جميعهن عند خروجهن ويخبرون عن لبسهن للسواد فقط في وقت واحد جميعا وأنهن كالغربان المجتمعة سوادا ليس فيها لون مختلف، وكل ذلك من عند أنفسهم مصادفة وينقلونه لنا، ودون سواه، وهو ليس بلازم ويقرون عليه. أو يقال بعد كل ذلك، هذا مجرد فعل ولا يدل على الوجوب، وكأن صيغة الوجوب تفهم بلفظة الوجوب فقط وعلى هذه المقولة التي في غير موضعها بالتحكم بطلب لفظ الوجوب، يريدون محق كثير من أركان الدين وواجباته وشروطه والمعروفة أحكامها من سياقاتها ودلالاتها، ومنها صيغ الجمع المتكررة.فماذا نريد بعد النصوص العديدة والاتفاق في خروجهن بزي واحد؟ بصيغ الجمع فلو لم يكونوا كلهن بجلابيب سود لم تقل: (نساء الأنصار) (نساء قريش) (النساء المهاجرات الأول)(1) (عمدت النساء)(2) (خرجن) (عليهن) (مرط... من شعر أسود) (أكسية سود) (والمرط من أكسية سود) (عليهن الغربان من الأكسية) جمع في جمع في جمع. فلو كان ما ذكروه من تلك النصوص ليس مطلوبا، لما كان ذكروه مع الأمر الأصلي المفروض في الآية عند تفسيرهم لمعناها زمن نزول الوحي وبصيغ الجمع وإقرار رسول الله  لهن فيما ترويه من مدح امتثالهن لأمر الله في الآية، وبتشبيه خروج جميع النساء بالسواد كالغربان، وقد يكون منهن المبادرات، فوصفهن للجلابيب بالسواد كأنهن الغربان وبخاصة توافق أمهات المؤمنين كعائشة وأم سلمة عليه، امتثال منهن لقوله تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ..}]الأحزاب:34[. ففيها تنبيه مبكر لهن قبل نزول آيات فريضة الحجاب، فهن يعلمن المسئولية التي عليهن في بيان الفريضة التي يذكرونها. قالابن الحاج المالكي(ت:737هـ) في المدخل: (فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ) (لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى فِعْلُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْعَالِمِ تُبَلِّغُ عَنْهُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لِلنِّسَاءِ عُمُومًا وَلِبَعْضِ الرِّجَالِ خُصُوصًا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ، يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْلِيمِ زَوْجَةِ الْعَالِمِ لِلنَّاسِ قَوْلُهُ «تَرَكْت فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي» انْتَهَى.لِأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ وَرَضِيَ عَنْهُمْ لَمْ يَزَالُوا يُبَلِّغُونَ عَنْهُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، وَقَدْ كَانَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَرْسَلُوا إلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ يَسْأَلُونَهُنّ َ فَيَرْجِعُونَ إلَى مَا يُفْتِينَ بِهِ فَهَذِهِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ) انتهى. فقوله (وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي) فذِكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذِكر سُنة الخلفاء الراشدين مع سُنَّته في قوله: (فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاء الرَّاشدين). كونهم أعلم وأقرب وأحرص الناس على سنته. قال الطحاوي: (العِترة: هم أهلُ بيتِه الذين هم على دِينه، وكذلك المتمسِّكون بأمْره) انتهى. وقال ابن قُدامة: (لا نسلِّم أنَّ المراد بالثقلين: القرآن والعِترة وإنَّما المراد القرآن والسُّنة، كما في الرِّواية الأخرى "تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما: كتاب الله، وسُنَّة رسوله" أخرجه مالكٌ في الموطأ، وإنَّما خصَّ العترةَ بالذِّكر لأنَّهم أخبرُ بحاله )(1) انتهى.وقال ابنُ حجر الهيتميُّ: (وفي روايةٍ: "كِتاب الله، وسُنَّتي" وهي المرادُ من الأحاديث المقتصِرة على الكتاب؛ لأنَّ السُّنة مبيِّنة له، فأغْنى ذِكرُه عن ذكرها، والحاصل: أنَّ الحثَّ وقَع على التمسُّك بالكتاب وبالسُّنة، وبالعلماء بهما من أهل البَيت)(2) انتهى. وقال الملا عليٌّ القاري: (أهلُ البيت غالبًا يكونون أعرفَ بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهلُ العلم منهم المُطَّلعون على سِيرته الواقفون على طريقته العارفون بحُكمه وحِكمته وبهذا يصلُح أن يكونوا مقابلًا لكتاب الله سبحانه كما قال:{وَيُعَلِّمُ هُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ})(3)انتهى. وأهل بيته في المقام الأول هم نِساؤه . وبالتالي فلا مندوحة للقول بخلاف ما جاء عن أهل بيته زوجاته أمهات المؤمنين وهن يفسرن آيات الحجاب من كتاب الله، وكيفية تطبيق نساء المسلمين لأوامر الله التعبدية التي نزلت على نبيه وخروجهن بأكسية سود يلبسنها وكأنهن الغربان، فالنصوص قوية وهل ورد غير هذا الإجماع في خروجهن بالسواد؟ لم يرد غيره أبدا، وما ورد من لباس غير السواد عن بعض أمهات المؤمنين أو غيرهن إن صحت، كما جاء عن النخعي: (أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي ، فَيراهُنَّ في اللحف الحمر). وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو ابن أخيها: (أن عائشة كانت تلبس الثياب المُعَصْفرة(4)، وهي مُحْرِمة)، وعن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ حفيدة أسماء بنت أبي بكر، قالت: (إنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ)، وعن سعيد بن جبير: (أنه رأى بعض أزواج النبي تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة). يقصد وهي محرمة تلبس الثياب المعصفرة تحت جلبابها، فيكون إما رآه مما يظهر من أطراف جلبابها، أو فيما أُخبِر به من المقربين وشاع حكمه أنها (كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ) كحديث عائشة وأسماء السابقين قبله، فرأها (تطوف بالبيت، وعليها ثياب معصفرة) ولم يقل رأى جلبابها، أو رأي ثيابها المعصفرة والمزينة بالحمرة، فهو يحكي عن حُكم لبس الثياب المعصفرة، وهي (مُحْرِمَةٌ) (تطوف وعليها ثياب معصفرة)، ولا يتكلم عن الجلابيب التي أمرن بلبسها، فهو كغيره ممن يتكلمون في حكم جواز لبسهن للثياب المعصفرة وهن مُحرمات، فيجب ضم الآثار إذا صحت لبعضها البعض حتى يفهم المراد والمقصد، وكما جاء عند ابن أبي شيبة قَالَ إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أُخْتِهِ سَكِينَةَ، قَالَتْ: (دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَائِشَةَ فَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا أَحْمَرَ، وَخِمَارًا أَسْوَدَ). وعن عبد الله بن عمر أنه: (سمع رسول الله نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أوخزا أو حليا أو سراويل أو قميصا أو خفا)(1). فهو يقصد بالمعصفر الثياب الداخلية كمثل السراويل والقميص و(عليها درعا). فتميز أنه غير الخمار وهو الجلباب الأسود. فهذه الآثار كما هي ظاهرة أنها في حكم أمرين: الأول: وهو ظاهر في حكم لبس الثياب التي تحت جلابيبهن من نوع المعصفر، وبخاصة للمُحرم. فهي مسألة شهيرة في جواز أو منع لبس الثياب المصبوغة باللون المعصفر الأحمر للرجال والنساءفي أحوالهم العادية، أو وهم في الإحرام هل يعتبر طِيبًا أو لا، وفي المرأة الحادة المتوفى عنها زوجها هل يعتبر زينة أو لا؟ وبالتالي فما دخله بجلابيبهن السود التي عند خروجهن للحجاب؟. الثاني: وهن داخل بيوتهن بثيابهن، فهذه رخصة لهن كما فسرها ابن مسعود في آية الرخصة والضرورة من قوله تعالى:{إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}. بالثياب: أي ما لا بد من ظهوره منها، وقيل إنه بمعنى لا يلزم النساء لبس الجلابيب وهن داخل بيوتهن أو ما حولها من أسوار زروعهن وأملاكهن أو في الأماكن التي لا يمر بها الرجال، ولو صادفها دخول أحد أو مروره غطت وجهها إما بجلباب أو بخمار لوجهها فقط، للحاجة والضرورة المؤقتة لأن الجلابيب والعباءات والمروط ألبسة واسعة أمر الله بها لتجللهن عند خروجهن من البيوت للطرقات بين الرجال، كما في آية الإدناء، وأما الحجاب داخل بيوتهن وما حولها من أسوار زروعهن فرُخص لهن، أو يكون كما قال تعالى:{من وراء حجاب}. وبالتالي فما دخله بجلابيبهن السود التي عند خروجهن من بيوتهن بين الرجال؟ومما استدلوا به قول عائشة في امرأة رفاعة: (وعليها خمار أخضر فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها... لجلدها أشد خضرة من ثوبها) متفق عليه. والذي يمنع من كون جلبابها لونه أخضر المعروف أمور منها: أنه خارج عن موضوع الجلابيب لأنه داخل بيت عائشة فيحتمل خمار رأسها أو ثوبها الذي تحت جلبابها وبخاصة أنه بلفظ (ثوبها) ولم يُذكر خلافه من درع ونحوه لنجزم أنها قصدت بخمارها جلبابها الذي تخرج به، كما مر من لبس عائشة (دِرْعًا أَحْمَرَ وَخِمَارًا أَسْوَدَ). والصريح في خروجهن مقدم على المحتمل، فكيف لو كان أيضا المحتمل يؤيد خروجهن بجلابيب سود، حيث أن الخضرة في معاجم اللغة معروفة أنها تأتي بمعنى السواد. قال في جمهرة اللغة لابن دريد(ت:321هـ): ("خضر" الخضرة: لون مَعْرُوف وَالْعرب تسمي الْأسود أَخْضَر... وَقَالَ الله : {مدهامتان}أَي سوداوان لشدَّة خضرتهما يَعْنِي الجنتين. وَسمي سَواد الْعرَاق سوادا لِكَثْرَة الشّجر والمياه وَالْخضر فِيهِ... وَالْخُضْرُ: قَبيلَة من الْعَرَب سموا بذلك لسواد ألوانهم... قَول اللَهَبيّ: وَأَنا الْأَخْضَر من يعرفنِي*أَخْضَر الْجلْدَة فِي بَيت الْعَرَب. يُرِيد أَنه من خَالص الْعَرَب لِأَن ألوان الْعَرَب السمرَة والأدمة). وقال ابن منظور(ت:711هـ) في لسان العرب:(وَمِنَ الْخُضْرَةِ فِي أَلْوَانِ الْخَيْلِ أَخْضَرُ أَحَمُّ، وَهُوَ أَدْنَى الْخُضْرَةِ إِلَى الدُّهْمَة،ِ وَأَشَدُّ الْخُضْرَةِ سَوَادًا... والْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ أَخضر أَسْودُ وَسَمِّيَتْ قُرَى الْعِرَاقِ سَوَادًا لِكَثْرَةِ خُضْرَتِهَا). وقال عند:(جَلَبَ: أَرَادَ بِجُلْبِ اللَّيْلِ سَوَادَهُ... وَقَالَ آخَرُ مُجَلْبَبٌ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ جِلْبَابًا). وقال الصاحب بن عباد(ت:385هـ) في المحيط في اللغة:(والأخضر عند العرب الأسودوالليل أخضر... وإذا قالوا أخضر القفا فإنما يراد به ولدته سوداء). وقال الأصبهاني (ت:581هـ) في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: (خضر) في الحديث:"فأَبِيدُ وا خَضرَاءهم" أي دَهْمَاءَهم وسَوادَهم... في حديث زَيْدِ بنِ ثَابِت :"أَنَّ الحارِثَ بنَ الحَكَم، أخا مروان تَزوَّجَ أعرابِيَّةً فدَخَلَ عليها فإذا هي خَضْراءُ فَطَلَّقها". أي سَوداء). وهكذا بقية كتب اللغة وأزْيَد. ومعروف أن خضرة الجلد بالإنسان حالة الضعف والوهن كالسفع أو بإصابة بكدمة يظهر بالجلد لون يتحول للأسود أو خضرة قاتمة هي للسواد أقرب فهي درجة من درجات السواد كما في اللغة، ولا تكون بالطبع باللون الأخضر الفاتح بتاتا، لأن القصد من وصفها شدة الضرب بجلدها أن يكون قاتما، والأخضر إنما سمي أسود، والأسود سمي أخضر لغلبة السواد كما غلب في الأسودين سواد التمر على الماء، وليس العكس فلم يسمى السواد أخضر للخضرة الفاتحة ولا يقال للأسود أخضر إلا إذا كان يراد به السواد، فقول أم المؤمنين:(وعليها خمار أخضر... خضرة بجلدها) نفسه (أَخْضَر الْجلْدَة... وَالْعرب تسمي الْأسود أَخْضَر). فهذا دليل إضافي على لبسهن للسواد فليس هناك دليل على لبسهن غير السواد فكان إجماعا والله أعلم. كما أمر الله الرجال بمخاطبة النساء وهن داخل البيوت من وراء حجاب، كمن خلف جدار أو باب، ولم يبح لهن البروز بثيابهن العادية وهن مغطيات لوجوههن فمنع ظهور ملابسهن المعتادة، وكذلك عند خروجهن أمرهن بإدناء الجلابيب لتكون بديلا عن حجابهن داخل البيوت، ليكون من وراء حجاب جلابيبهن تلك، لتستر زينتهن الخَلقية الجسدية التي هي أصل زينتهن، وتستر زينتهن المكتسبة من ثيابهن وخواتمهن وخضابهن ونحو ذلك، وعندما لم يجدن الجلباب لم يقل تغطي كل واحدة وجهها وتخرج بثيابها ومنها الحمراء والخضراء والزرقاء والصفراء، بل طلب الجلباب المذكور وصفه لهن حتى لم يجدنه. وكما تقرر في الشريعة أن الألوان والثياب زينة، كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. وفي الحديث قال:(طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه)أخرجه النسائي والترمذي وغيرهما. وقد نهيت المرأة عن إظهار زينتها بقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}. والحادة المتوفي عنها زوجها تبتعد عن ألوان الزينة وقت حدادها وهي في بيتها وبين النساء فكيف أمام الرجال في كل أوقاتها. وكما أن مرور المحدثين والفقهاء والمفسرين بأحاديث أم سلمة وعائشة وغيرها في لبسهن للسواد ووصفهن بالغربان دون أن يقول واحد منهم بجواز غيره يؤيد اتفاقهم عليه. فالجلباب الأسود لباس تعبدي في حقها فلا تخرج من بيتها إلا وقد لبسته فوق ثيابها المعتادة ليسترها، لأنه جاء بديلا عن حجابهن من الرجال وهن داخل البيوت بالستر الكامل{من وراء حجاب}. ولما كان لا بد لهن من الخروج من بيوتهن أرشدهن سبحانه لطريقة حجابهن إذا خرجن بحيث تكون مشابهة لما طلبه منهن من الحجاب الكامل عن الرجال، وذلك بأن {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ} فيستترن بالكامل إذا خرجن من وراء جلابيبهن،لكي يسترها الجلباب ويستر ما تحته من الثياب والالوان وكل زينتها، بنص القران والسنة القطعية، فهي عبادة تؤجر وهي تسير فيه، وتأثم من لا تلبسه. فالعبادات توقيفية لا يجوز إذا جاء النص الاجتهاد مع النص التعبدي أو الأخذ بخلافه من العادات والمناطق والتي قد تقال في لباس الرجال، أو من نوع لباس النساء الذي يكون تحت جلابيبهن، ومعالم الشرع ومراميه وأصوله وقواعده ومناهجه تدل على أصل وحكمة فرض سترهن الكامل بلبسهن للجلابيب السود، حتى أن عدم وضع القواعد من النساء العجائز لثيابهن خير لهن، حيث إن المقصد هو البعد عن الفتنة ولفت الأنظار بإبداء الزينة، ولو فتح باب القول بخلاف النصوص الصريحة بالسواد عن أمهات المؤمنين وغيرهن، في مقابل تلك الضعيفة المرسلة بل والمحتملة للسواد أيضا، كان ذلك أعظم خطراً وفتنة، بخروج كل واحدة منهن بلون ولباس وشكل خاص بها. واحتاج كل واحد ألغى شرط السواد أن يضيف من عند نفسه مقابل السواد شروطا كثيرة لتسد بدلا عنه، تحرزا من المفاسد التي ستحدث، ولن تُجدي شروطهم المختلفة، وقد كفاهم الله، وصدق الله:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.قال الإمام الشاطبي (ت:790ه) في الموافقات في بيان خطر نسبة الخلاف في كل شيء في مقابلة الدليل:(مِنَ الْمَفَاسِدِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي تَضَاعِيفِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَالِانْسِلَاخِ مِنَ الدِّينِ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الدَّلِيلِ إِلَى اتِّبَاعِ الْخِلَافِ، وَكَالِاسْتِهَا نَةِ بِالدِّينِ إِذْ يَصِيرُ بِهَذَا الِاعْتِبَارُ سَيَّالًا لَا يَنْضَبِطُ، وَكَتَرْكِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ إلى ما ليس بمعلوم... وَكَانْخِرَامِ قَانُونِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِتَرْكِ الِانْضِبَاطِ إِلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ) انتهى. ولا نعلم خلافا بين المتقدمين أو من قال بجواز غير السواد الوارد في الأحاديث، فكيف وقد حكم الشارع أن تعمدها شمَّ الرجال لعطرها يعد كبيرة وزانية فكيف بأصل الفريضة والنص القطعي بخروجها بدون جلباب أو كشفها لوجهها، فهو عند العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم أشد، كما مر معنا وسيمر، من كبائر الذنوب بلا خلاف عند المتقدمين.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •