قصيدة.. دعنا نسامر عطرها
محمد سعد دياب


محمد سعد دياب شاعر أهملته ذاكرة الثقافة المصطنعة في بلادنا.. تلك الذاكرة التي خُرِّبت بأثر السطو الآيدلوجي العلماني.. فلم تعد تحفظ له من شعره إلا نذراً لا يكشف عن حقيقة الرجل وتطوره الشعري.. لهذا ينظر إليه بعض متثاقفينا بعين واحدة فقط.. فهو الشاعر مفرط الرومانسية.. المولع بالغزل والتشبيب.. الذي تغنى بغزلياته المغنون..
ولكن محمد سعد دياب كان رجلاً مسلماً، مولعاً بمجد الأمة وتاريخها إلى درجة الوَجْد.. وكان يعرف يقيناً بأن ذلك المجد المؤثل الذي طبعه السلف في هام الزمن، لم يكن إلا مدداً من كتاب الله - تعالى-.. هكذا نطقت قصيدته الرائعة التي انطلقت بها حناجر المنشدين الإسلاميين العرب، وفارتجت لصداها أفئدة الشباب المسلم
"دعنا نسامر عطرها الميادا *** تلك الصحائف قد زهت أمجادا".
وفوق ذلك فهو شاعر ذو مفردة عربية فخمة وقافية أنيقة، وشاعرية أخاذة سواء في الشعر العمودي أو التفعيلة، ولعل تمسكه بالفصيح واللغة العالية الرفيعة هو الذي جعل اليساريين المهيمنين على مفاصل الأدب في السودان، يلقون عليه ركاما من النسيان، وكان من حقه ومن حق الجيل المعاصر أن يتعرف عليه عن كثب.
ولد محمد سعد دياب بمدينة أمدرمان عام 1945م، وعمل مدرّساً متخصصاً للغة الإنجليزية بعدد من مدارس السودان العتيقة.. توفي بمدينة ينبع السعودية في العام 2006م عن "61 عاماً".. وخلّف ديواني شعر مطبوعين هما "عيناك والجرح القديم" و" وحبيبتي والمساء".. بالإضافة إلى عدد من القصائد المنشورة في المجلات العربية..
تقدم (مشكاة) هذه القصيدة لتلفت الانتباه وتدعو النقاد إلى إعادة قراءة الشاعر من جديد
دعنا نسامر عطرها الميادا *** تلك الصحائف.. كم زهت أمجادا
تاريخنا.. وتتيه ألف نجيمة *** تثب الأهلة.. تمطر الإنشـادا
كان الأريجُ من العبادةِ دافقاً *** كم نضَّر الأرواح طاب عمادا
كانوا السَنا المسقيَّ من ألقِ التُقى *** روا الجوانح وانبرا معيادا
كانت سيوف الفتح يلمع حدُّها *** برقت.. تدمـدم ريحها إرعادا
تلك الجحافل اضاءت الدنيا بها *** حفرت عزائمها.. انبرت ميعادا
ضربوا فجاج المستحيل جسارة *** وتبوؤا هام الشموس مرادا
وشموا على جفن السها أيامهم *** إنا نرى سعدا.. نرى المقدادا
كانت مآقي الدهر ترقب خطوهم *** سحرت.. وبات كرى العيون سهادا
أرسوا هدى الرحمن فانجاب الدجى *** واخضر صبح.. دافقا إسعادا
حملوا الرسالة وافتدوها مقلةً *** ونهىً توسَّد نبضها الأكبادا
سرت المعارف.. أُترعت بروائها *** دنيا.. أنار عبيرها الأبعادا
الذاريات حملن شعلتها سناً *** ليفيض في لجج الدنا إرشادا
تلك البيارق حين آخاها المنُى *** صدقا.. أفاءت كي تطيب حصادا
قمم تجذَّر غرسها فتحدرت *** بحراً من النعمى.. همى جوَّادا
سفر من السير الوريقة قد نضا *** كالدُّر في مسرى الزمان.. وزادا
ذياك ميراث نُباهي دهرنا *** بشموخه.. نعلو به أنجادا
الوارثون المجد نحن نقولها *** تدوي.. ترج السمع والآمادا
سنعيد ما عبق القصيد بذكره *** لن نرتخي همما.. نلوذ رقادا
نحن الذين سنسرج القنديل نقـ *** ـدح جذوة تسقي ربا ووهادا
هذا كتاب الله نرفعه هدى *** وعدا يشع بقلبنا..ورشادا
تالله لا..لا.. لن تضل دروبنا *** تالله لا.. لا.. لن نشت فرادى
الله أكبر.. فلتكن راياتنا *** وحداءنا.. وسراجنا الوقادا