المرأة المسلمة ووقت الفراغ
حسن الأشرف



1 ـ توطئة:
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز يرحمه الله تعالى: من الإيمان بالله الإيمان بأنه الإله المستحق للعبادة دون كل ما سواه، لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم، والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين: الإنس والجن وأمرهم بها كما قال تعالى: (وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين· وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون· ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون· إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات: 56 ـ 58· وحقيقة هذه العبادة هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة على وجه الخضوع له والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته، وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً< إن العبادة ليست مقصورة على الصلاة والصوم وغيرها، بل تتعدى ذلك إلى كل شؤون حياة العبد حتى في أكله وشربه، فهو يعبد الله إن حمده على نعمه وآلائه عليه· وحتى لا يضيع عبادته، عليه ألا يضيع وقته وبخاصة الفارغ منه، فالوقت هو الوعاء الذي يمكن للإنسان أن يملأه بما يرضي الله سبحانه وتعالى، والوقت هو عمر الإنسان فإن أضاع المرء وقته في ما لا يفيد، يكون قد أضاع عمره·
إن موضوع الفراغ في حياة المرأة المسلمة حديث ذو أهمية قصوى لأن المرأة هي أكثر من تعاني من قلة ما تشغل به نفسها في أوقات فراغها، وهذا قد يؤدي بها إلى شغل نفسها بالباطل، قال الإمام الشافعي: >إن لم تشغل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل<·

2 ـ أسباب الفراغ في حياة المرأة المسلمة:
ـ إسناد المرأة مهامها المنزلية لغيرها: فكثير من النساء تخلين عن مسؤولياتهن في البيت بشكل يكاد يكون مطلقاً، إذ إن أعمال الطهي والكنس وغيرها صارت تقوم بها الخادمة، والمرأة لا تضع يدها في أي شيء، الأمر الذي يخلق لديها متسعاً كبيراً من الوقت الفارغ لا تستطيع ملأه مهما حاولت، حتى الأولاد تسند مهمة تربيتهم ومراقبتهم إلى الروضة فتنقطع حينئذ أواصر الألفة ووشائج المحبة والحنان بين الأم وأبنائها·
إن هذا الابتعاد عن تأدية الوظائف والمهام المنزلية، تجعل المرأة المسلمة جسداً بلا روح يمكن حشوه بالباطل بيسر وسهولة·
ـ جهل المرأة بما عليها من واجبات:
إن المرأة التي لا تلقي بالاً إلى حقوق زوجها عليها من حسن تبعل له وطلبها لرضاه واتباعها لموافقته ومن تمريض له وإطعامه والرفق به تكون امرأة جاهلة بأعظم فوائد الزواج، وإهمالها لهذه الواجبات يؤدي بها حتماً إلى الانغماس في وقت فراغ طويل وعريض لا شاطئ له، لا تستطيع أن تنظمه ولو حاولت· إن قيام المرأة المسلمة بما تحتمه عليها واجباتها الأسرية إزاء زوجها وأبنائها يملأ عليها جل أوقاتها في الليل والنهار· وليس على المرأة أن تشتكي من قلة الوقت الذي يمكن لها أن تخصصه للعبادة، لأن الثابت في الشريعة الإسلامية كما جاءت بذلك الأحاديث النبوية الصحاح هو: أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها لرضاه يعدل في الأجر والثواب الجهاد في سبيل الله، وحضور الجمعات والحج والعمرات، وكل الأعمال التي يقوم بها الرجل·
ـ الفوضى في تنظيم الوقت:
غالباً ما تقضي المرأة أجمل ساعاتها وأحلاها في النوم لساعات طوال، ونحن لا نهيب بهذه المرأة ألا تنام، بل عليها أن تنظم وقتها اليومي بشكل يتلاءم مع أدائها لمهامها وقيامها بأعبائها المنزلية والزوجية، والقيام بالشعائر التعبدية أيضاً، وهذا الهدف النبيل يستدعي من المرأة المسلمة أن تحرص على تحديد مدة نومها في سبع ساعات كمعدل يومي، وأن توزع ما تبقى من نهارها وليلها على الاضطلاع بدور الزوجة الصالحة والأم الطيبة الحنون· حينها فقط، لن تشعر بالفراغ ينخر وقتها ويومها، بل ستلامس شغاف قلبها أحاسيس الغبطة والسعادة·
ـ الرفقة السيئة:
إذا ما ابتليت المرأة المسلمة بصديقات سيئات الطبع والعادة، فعليها أن تبتعد عنهن فوراً، لأن الرفيقة السيئة الخُلق لابد أن تؤثر على المرأة المسلمة سلباً مهماً بلغ نضج هذه الأخيرة، فرفيق السوء كنافخ الكير لابد أن يصيب الجالس بجانبه ببعض الأذى والنار، وهكذا إن جارة لا تعير للوقت اهتماماً ولا تكترث بواجباتها الزوجية، وكل همها الثروة واغتياب الآخرين لن تنفع المرأة المسلمة بقدر ما ستضرها في دينها ودنياها، فبالنسبة لدينها، قد تهمل هذه المرأة الكثير من الشعائر الدينية وقد تصير من الواتي يسهين عن الصلاة ويؤخرنها أو ممن يجمعن بين الصلوات، وذلك بسبب قضاء وقتها في الحديث مع هذه الجارة أو تلك عن المشكلات الزوجية وعن قضايا تدبير المنزل وقد تعرج بها للحديث عن الجيران والشكوى منهم واغتياب فلانة أو علانة، أما بالنسبة لدنياها، فالضرر واضح حين يأتي الزوج في الزوال أو في المساء، فلا يجد المنزل مرتباً، بل يسبح في فوضى عارمة، فالزوجة في هذا السلوك تكون قد فقدت ذلك الحس العاطفي نظراً لأنها سكبت كل شحنتها الانفعالية والتعبيرية في النهار في أحاديثها الفارغة مع جوار السوء·
3 ـ كيف يمكن المحافظة على الوقت؟
ـ بإمكان المرأة المسلمة أن تحفظ وقتها من الضياع بأن تعرف الأزمنة الفاضلة مثل عظمة يوم الجمعة، وألا تعتبره يوم عطلة فقط، بل تستشعر مدى أهمية هذا اليوم في حياة كل مؤمن ومؤمنة، ومن ثم تخص هذا اليوم ببرنامج زمني استثنائي فتنهض في الصباح الباكر لترتيب بيتها ومن ثمَّ للغسيل، ثم تقوم بالطهي وإعداد المنزل· وبعد ذلك تجلس في مخدعها لقراءة سورة الكهف وللصلاة، وينبغي على المرأة المسلمة أيضاً أن تدرك أهمية صيام يوم الاثنين والخميس، والأيام البيض، وغيرها من الأزمنة الخيّرة، كما عليها ألا تفوتها قراءة القرآن الكريم نظاراً وحفظاً يومياً وذلك بمعدل جزء في اليوم أي أربع صفحات قبل أو بعد كل صلاة، وقراءة السنَّة النبوية الطاهرة، وحفظ الأحاديث وتعليمها للأبناء أو الصديقات والأخوات بغية تثبيت ما حفظته وترسيخه في ذهنها· كما عليها ألا تكتفي بهذه الخطوات التعليمية، بل يمكن الاطلاع على بعض كتب الفقه، وينصح أهل العلم بكتاب >فقه السنة<< للسيد سابق، وتبدأ بأحكام الطهارة، وباقي الأحكام الشرعية، ثم تخصص ساعة أو ساعتين لمطالعة درس في السيرة أو العقيدة مثل كتاب >الرحيق المختوم<، وكتاب >التوحيد< لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وهذا كله يلازمه ذكر الله عز وجل في معظم أوقات النهار والليل، لذا عليها تعلم الأذكار التي وردت عن خير الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بأس بقراءة كتاب >الوابل الصيب من الكلام الطيب<، للإمام ابن القيم يرحمه الله·
ـ الجليسة الصالحة:
يمكن للمرأة المسلمة أن تحفظ وقتها من الضياع والعبث باختيار جليسة صالحة تذكرها بالخير إن نسيت، وتصلح لها أمرها إن أخطأت، وتساعدها على البر والإحسان حتى تكون هذه الجليسة مثل حامل المسلك، فإن جلس بجواره أحد إما أصاب رائحة زكية أو اقتنى منه بعض المسلك الطيب· والجليسة الصالحة تعين على جعل كل أمور الحياة أجراً وثواباً، فنظرها صالح، وسمعها صالح، وكلامها صالح، وهكذا تستفيد منه المرأة المسلمة أيما استفادة·

ـ على المرأة المسلمة أن تخصص وقتها أيضاً للدعوة إلى الله عز وجل حسب طاقتها وجهدها وعلمها، فأينما حلت وارتحلت، يجب أن تذكر الآخرين بالله وتستشعر حضوره ومراقبته، وتستحضر خشيته والخوف منه، وتدعو إليه بالتي هي أحسن، فلعل كلمة صادقة تخرج من صميم قلبها تصل إلى قلب فتاة أو امرأة عاصية فيهديها الله سبحانه وتعالى على يديها، فيحصل لها الخير العميم·
المراجع:
1 ـ مطوية >العقيدة الصحيحة< للشيخ ابن باز يرحمه الله·
2 ـ محاضرة للشيخ ابن مسفر: >الفراغ في حياة المرأة<·