تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )

    قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ
    هذه الآية من آخر سورة يوسف هي في الدعوة إلى الله،
    وسورة يوسف كما هو معلوم مِن تأملها في الدعوة إلى الله من أولها إلى آخرها؛
    موضوعها الدعوة،
    ولهذا جاء في آخرها قواعد مهمة في حال الدعاة إلى الله وحال الرسل الذين دعوا إلى الله، وما خالف به الأكثرون الرسل، واستيئاس الرسل من نصرهم، ونحو ذلك من أحوال الدعاة إلى الله.


    في آخر تلك السورة, قال الله جل وعلا لنبيه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)،
    ﴿ هذِهِ ﴾ الدَّعْوَةُ الَّتِي أَدْعُو إِلَيْهَا وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا، ﴿ سَبِيلِي ﴾،
    سُنَّتِي وَمِنْهَاجِي

    (هَذِهِ سَبِيلِي) أنني أدعو إلى الله، فمهمة الرسل هي الدعوة إلى الله جل وعلا,
    (هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)

    ( أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ) أَيْ: إِلَى دِينِهِ. ﴿ عَلى بَصِيرَةٍ ﴾، عَلَى يَقِينٍ. وَالْبَصِيرَةُ: هِيَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي يميّز بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ
    قوله (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) هذا موطن الشاهد فإنه دعاء إلى الله جل وعلا لا إلى غيره، وهذه فيها فائدتان:
    الأولى: أن الدعوة إلى الله دعوة إلى توحيده, دعوة إلى دينه، كما سيأتي تفسير هذه الكلمة في حديث ابن عباس بإرسال معاذ إلى اليمن،
    الثانية: أن في قوله (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) التنبيه على الإخلاص، وهذا يحتاجه من أراد الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله والدعاء إلى الإسلام؛ يعني الدعوة إلى الإسلام، يحتاج أن يكون مخلصا في ذلك،
    قوله (إِلَى اللَّهِ) تنبيه على الإخلاص لأن كثيرين وإن دعوا إلى الحق فإنما يدعون إلى أنفسهم، أو نحو ذلك.

    قال (عَلَى بَصِيرَةٍ) والبصيرة هي العلم؛ البصيرة للقلب كالبصر للعين يبصر بها المعلومات والحقائق، فكما أنك بالعين تُبصر الأجرام والذوات, فالمعلومات تُبصَر بالبصيرة؛ بصيرة القلب والعقل، يعني أنه دعا على علم وعلى يقين وعلى معرفة لم يدعُ إلى الله على جهالة.
    قال(أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) يعني أدعو أنا إلى الله ومن اتبعني ممن أجاب دعوتي فإنهم يدعون إلى الله أيضا لأن من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعون إلى الله.

    قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا عَلَى أَحْسَنِ طَرِيقَةٍ وَأَقْصَدِ هِدَايَةٍ، مَعْدِنَ الْعِلْمِ وَكَنْزَ الْإِيمَانِ وَجُنْدَ الرَّحْمَنِ.
    قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا أفضل هذه الأمّة، أبرّها قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلّم ولإقامة دِينِهِ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ على آثَارِهِمْ وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَسِيَرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ.

    فإذن المتبعون للرسول عليه الصلاة والسلام الموحدون لابد لهم من الدعوة إلى الله؛ بل هذه صفتهم التي أمر الله نبيه أن يُخبر عن صفته وعن صفتهم،
    قال (قُلْ) يعني يا محمد, (هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي)
    فهذه إذن خصلة أتباع الأنبياء أنهم لم يخافوا من الشرك فحسب، ولم يعلموا التوحيد ويعملوا به فحسب؛ بل أنهم دعوا إلى ذلك.
    وهذا أمر حتمي؛
    لأن من عرف عِظم حق الله جل وعلا فإنه يغار على حق الرب سبحانه وتعالى، يغار على حق مولاه، يغار على حق من أحبه فوق كل محبوب أن يكون توجُّه الخلق إلى غيره بنوع من أنواع التوجهات،
    فلابد -إذن- أن يدعو إلى أصل الدين وأصل الملة الذي اجتمعت عليه الأنبياء والمرسلون ألا وهو توحيده جل وعلا في عبادته وفي ربوبيته وفي أسمائه وصفاته جل وعلا وعزَّ سبحانه.

    وفى حديث ابن عباس انه قال(لما بعث معاذاً إلى اليمن، قال له "إنّكَ تَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله (وفي رواية: إلى أن يوحِّدوا الله)")
    هذا موطن الشاهد وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذا إذا دعا أن يكون أول الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وفسَّرتها الرواية الأخرى للبخاري في كتاب التوحيد من صحيحه قال (إلى أن يوحِّدوا الله)
    فشهادة أن لا إله إلا الله الدعوة إليها مأمور بها، وهي الدعوة إلى التوحيد،
    فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر معاذا أن يدعو أهل اليمن وهم من أهل الكتاب؛ يعني من أهل الكتاب الذي هو التوراة والإنجيل؛ بعضهم يهود وبعضهم نصارى، أمَّا المشركون فهم فيهم قليل؛ بل أكثرهم على أحد اتباع الملتين.
    قال العلماء في قوله عليه الصلاة والسلام له (إنّكَ تَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ) فيه توطين وفيه توطئة للنفس أن يُهيئ نفسه لمناظرتهم، ومعاذ بن جبل من العلماء بدين الإسلام ومن علماء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقال له عليه الصلاة والسلام ذلك ليهيئ نفسه لمناظرتهم ولدعوتهم، ثم أمره أن يكون أول الدعوة إلى أن يوحدوا الله جل وعلا.
    في قوله هنا (فَلْيَكُنْ أَوّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله)
    هذه تقرأ على وجهين:
    الأول: (فَلْيَكُنْ أَوّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله)، فتكون (أَوّلُ) اسم (يَكُنْ) وتكون (شَهَادَةَ) هي الخبر، وهذا من جهة المعنى معناه: أنه أخبره عن الأولية، فابتدأ بالأولية ثم أخبره بذلك الأول.

    والضبط الثاني أو القراءة الثانية أن تقرأها هكذا (فَلْيَكُنْ أَوّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله) فيكون (أَوّلَ) خبر (يَكُنْ) مقدم و(شَهَادَةُ) اسم (يَكُنْ) مؤخر مرفوع، وهذا معناه الإخبار عن الشهادة بأنها أول ما يدعا إليه.
    وهذان الوجهان جائزان والمشهور هو الوجه الثاني هذا بِجَعِل (أَوّلَ) منصوبة؛ وذلك لأنّ مقام ذكر الشهادة والابتداء بها هو الأعظم وهو المقصود ليلتفت السامع والمتلقي وهو معاذ إلى ما يراد أن يخبر عنه من جهة الشهادة.
    فإذن موطن الشاهد من هذا الحديث ومناسبة إيراد هذا الحديث في الباب هو ذكر أنَّ أول ما يدعا إليه هو التوحيد وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
    ﴿ وَسُبْحانَ اللَّهِ ﴾، أَيْ: وَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا أَشْرَكُوا بِهِ. ﴿ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.لست منكم ، أي : لست ممن يدين دينكم ، ويتبع ملتكم أيها المشركون .
    وما انا من المشركين ايضا كقوله (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعنى لم يكُ من الذين يفعلون الشرك بأنواعه. وأيضا (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) على أنه ابتعد عنهم، لأن (مِن) تحتمل أن تكون تبعيضية؛ فتكون المباعدة بالأجسام، ويحتمل أن تكون بيانية؛ فتكون المباعدة بمعنى الشرك. (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) خلافا لمن كثّر سوادهم وزعم أنه من المسلمين.[من كفاية المستزيد ومصادر اخرى بتصرف]



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )

    هل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه بأن عرف فضله وعرف معناه وخاف من الشرك ومعنى ذلك أنه استقام على التوحيد وهرب من ضده؟
    هل يبقى مقتصرا على نفسه
    أم إنه لا تتم حقيقة التوحيد في القلب إلاَّ بأن يدعو إلى حق الله الأعظم
    ألا وهو إفراده جل وعلا بالعبادة وبما يستحقه سبحانه وتعالى من نعوت الجلال وأوصاف الجمال؟
    بوَّب الشيخ رحمه بهذا الباب ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك ومن تمام التوحيد
    أن يدعو المرء إلى التوحيد،
    فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه،
    وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلاَّ الله؛
    لأن الدعوة إلى شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله عُلمت حيث شهِد العبد المسلم لله بالوحدانية.
    قال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله.
    وشهادته معناها اعتقاده ونُطْقه وإخباره الغير بما دلت عليه،
    فلابد إذن في حقيقة الشهادة وفي تمامها من أن يكون المرء من أن يكون المكلَّف الموحد داعيا إلى التوحيد.
    لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله.
    ثم له مناسبة أخرى لطيفة وهي: أنّ ما بعد هذا الباب هو تفسيرٌ للتوحيد وبيان أفراده، وتفسير للشرك وبيان أفراده، فيكون -إذن- الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، الدعوة إلى التوحيد دعوة إلى تفاصيل ذلك، وهذا من المهمات؛ لأن كثيرين من المنتسبين للعلم من أهل الأمصار يسلِّمون بالدعوة إلى التوحيد إجمالا؛ ولكن إذا أتى التفصيل في بيان مسائل التوحيد، أو جاء التفصيل لبيان أفراد الشرك فإنهم يخالفون في ذلك وتغلبهم نفوسهم في مواجهة الناس في حقائق أفراد التوحيد وأفراد الشرك.

    إذن فالذي تميزت به هذه الدعوة؛ دعوة الإمام المصلح رحمه الله أنَّ الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله دعوة تفصيلية ليست إجمالية، أمَّا الإجمال فيدعوا إليه كثيرون؛ نهتم بالتوحيد ونبرأ من الشرك؛ لكن لا يذكرون تفاصيل ذلك، والذي ذكره الإمام رحمه الله في بعض رسائله أنه لما عَرَضَ هذا الأمر يعني الدعوة إلى التوحيد عرضه على علماء الأمصار قال: وافقوني على ما قلت وخالفوني في مسألتين في مسألة التكفير وفي مسألة القتال. وهاتان المسألتان سبب المخالفة مخالفة أولئك العلماء فيها أنهما فرعان ومتفرعتان عن البيان والدعوة إلى أفراد التوحيد والنهي عن أفراد الشرك.
    إذن الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله هو الدعاء إلى ما دلَّت عليه من التوحيد، والدعاء إلى ما دلَّت عليه من نفي الشريك في العبادة وفي الربوبية وفي الأسماء والصفات عن الله جل وعلا.
    وهذه الدعوة دعوة تفصيلية لا إجمالية، ولهذا فصَّل الإمام رحمه الله في هذا الكتاب أنواع التوحيد وأفراد توحيد العبادة، وفصَّل الشرك الأكبر والأصغر وبين أفرادا من ذا وذاك [كفاية المستزيد]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •