قال الشيخ صالح ال الشيخ فى شرح ثلاثة الاصول
العبادات تنقسم إلى:
- عبادات قولية.
- وعبادات عملية.
ليس ثَم قسم ثالث، إما أن تكون العبادة قولية، وإما أن تكون عملية.
قال: (الظاهرة والباطنة) قد يكون القول ظاهراً، وقد يكون باطناً، وقد يكون العمل ظاهراً، وقد يكون باطناً.
فَتَحَصَّل أن أنواع العبادات هي: الأقوال والأعمال التي يحبها الله ويرضاها.
والقول قد يكون باللسان، وقد يكون بالجنان.
قول اللسان أنواع كثيرة مما أمر الله جل وعلا به، مثل: الذكر والتلاوة وكلمة المعروف، ونحو ذلك، هذه كلها من أنواع العبادات اللسانية.
قول القلب: هو نيته، قصده.
التبست النية على قوم؛ فكانوا يتلفظون بها، نعم؛ النية قول؛ لكنها قول القلب، إذا قصد القلب وتوجه إلى شيء كان قائلاً به، ليس متكلماً؛ لأن الكلام من صفات اللسان، الكلام ظاهر، أما القول قد يكون ظاهراً وقد يكون باطناً.
العمل: عمل القلب، وعمل الجوارح.
وهذه الأنواع التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى ممثلاً؛ بعضها من الأقوال والأعمال، بعضها ظاهر وبعضها باطن، بعضها لساني وبعضها قلبي، وبعضها عملي قلبي، وبعضها من عمل الجوارح.
فمثلاً: الإخلاص؛ هذا عمل القلب، التوكل عمل القلب، لا يصلح الإخلاص إلا لله جل وعلا، إخلاص العبادة، إخلاص الدين، إلا لله جل وعلا، كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} .
التوكل كذلك من أعمال القلب التي ليست إلا لله.
الخوف من أعمال القلب التي ليست إلا لله، يعني: خوف العبادة، خوف السر، وسيأتي إيضاحه إن شاء الله في موضعه.
الرغبة، الرهبة، الإنابة، الخضوع، الذل؛ ذُل العبادة؛ خضوع العبادة، إلى آخره.
هذه كلها من أعمال القلب؛ هي داخلة في أنواع العبادة.
الأعمال الظاهرة مثل: الاستغاثة، الاستغاثة: طلب الغوث، طلب الغوث طلب ظاهر.
مثل الاستعانة: طلب العون، هذه من الأعمال الظاهرة.
الذبح واضح أنه عمل جوارح، النذر واضح أنه قول اللسان وعمل الجوارح، ونحو ذلك.
فإذاً: هذه العبادات التي مثل بها؛ أراد أن يشمل تمثيله أقسام العبادات؛ القولية والعملية، الظاهرة والباطنة، يجمعها جميعاً أنها عبادات، والعبادة لا تصلح إلا لله جل وعلا، العبادات الظاهرة أو الباطنة، القلبية أو اللسانية، أو التي موردها الجوارح، فهي لا تصلح إلا لله، فمن صرف شيئاً منها لغير الله، فقد توجه بالعبادة لغير الله؛ منافياً لما قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}، ومنافياً لإقراره بأن معبوده هو الله جل وعلا.
إذا أقر العبد بأن قوله: من ربك ؟ يعني: من معبودك؟ وأن الله -جل وعلا- قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} يعني وحده دون ما سواه؛ فإنه إذا توجه بشيء من هذه الأنواع لغير الله -جل وعلا- كان متوجهاً بالعبادة لغير الله، وذلك هو الشرك.
الدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} {فَلا تَدْعُوا}، الدعاء هو العبادة، كما جاء في الحديث الذي استدل به الشيخ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء مخ العبادة)) وهو حديث أنس بن مالك وإسناده فيه ضعف، لكن معناه هو معنى الحديث الصحيح حديث النعمان بن بشير الذي رواه أبو داود والترمذي وجماعة وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء هو العبادة)) (هو العبادة): يعني: مخ العبادة؛ لأن الدعاء هو العبادة بمنزلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) .
قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (لا تدعوا) يعني - كما ذكرت لكم من قبل - لا دعاء مسألة، ولا دعاء عبادة، {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} يعني: لا تعبدوا مع الله أحداً {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} هذا نهي أن يدعوَ الناس أحداً مع الله جل وعلا، يعني: أن يعبدوا أحداً مع الله جل وعلا.
وإذا كان الدعاء هنا بمعنى دعاء المسألة فيكون معنى الآية: وأن المساجد لله فلا تسألوا - سؤال عبادة - مع الله أحدا، لا تطلبوا - طلب عبادة - مع الله أحدا.
واللفظ (تدعوا) يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهذه الآية دليل على وجوب إفراد الله -جل وعلا- بالعبادة.
فإن قال قائل لك - حين الاستدلال بها-: إن الدعاء هنا دعاءُ المسألة، وغيرُهُ من أنواع العبادة التي تزعمون - من الذبح والنذر ومن الاستغاثة والاستعاذة ونحو ذلك - أنها لا تدخل في النهي في هذه الآية؛ فيكون جوابك:
أن الدعاء في القرآن جاء بمعنيين:
- جاء ويراد به العبادة.
- وجاء ويراد به المسألة.
فمثلاً في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ظاهرٌ أن الدعاء المراد به العبادة؛ لأنه قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، وكذلك في قوله تعالى - مخبراً عن قول إبراهيم عليه السلام -: {وَأَعْتَزِلُكم ومَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} قال جل وعلا بعد ذلك: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
ففي الآية الأولى أخبر عن إبراهيم أنه قال: {وَأَعْتَزِلُكم ومَا تَدْعُونَ} ثم قال جل وعلا: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} فدل على أن إبراهيم عليه السلام حين قال: {وَأَعْتَزِلُكم ومَا تَدْعُونَ} أي: وما تعبدون؛ لأن الله -جل وعلا- قال بعدها: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} وهذا من الأدلة الظاهرة؛ أن الآية هذه تشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
وقد أُورد على أئمتنا رحمهم الله تعالى حين قرروا التوحيد في مقالهم وفي كتبهم: أن هذه الآية إنما هي دليل للمسألة، وأما غيرها مما تَدَّعون أنه عبادة، وأن هذه الآية فيها نهي عنه، كالذبح والنذر ونحو ذلك؛ أنه لا يدخل في الآية.
فكان الجواب:
أن الدعاء نوعان:
- دعاء عبادة .
- ودعاء مسألة.
وهذا يأتي في القرآن وذاك يأتي في القرآن، والآية تشمل النوعين؛ لأن الدعاء إذا كان في القرآن يأتي تارات لهذا وتارات لهذا؛ فتحديده في هذه الآية بأحد النوعين ونفي النوع الآخر؛ هذا نوع تحكم، وهو ممتنع.
فمن صرف من العبادة شيئاً لغير الله فهو مشرك
فهذه صلة لما سبق الكلام عليه، من أن العبادة حق لله جل وعلا، وأن كل معبود سوى الله -جل وعلا- فإن عبادته بغير الحق، وأنها بالباطل والظلم والطغيان والجور والتعدي من الخلق، فالله -جل وعلا- هو الذي يستحق العبادة وحده دون ما سواه من خلقه.
وبعد أن ذكر أنواع العبادات التي موردها اللسان والقلب والجوارح، قال رحمه الله: (فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ})
(من صرف) يعني: من توجه بشيء من أنواع تلك العبادات (لغير الله فهو مشرك كافر) يريد الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة.
والشرك حقيقته: اتخاذ الند مع الله جل وعلا، وهو المذكور في قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} والتنديد يعني: أن يُجعل لله مِثل في الاستحقاق؛ استحقاق التوجه، استحقاق العبادة.
إذا جُعل لله نِدّ - إما بالقول أو بالعمل - فذلكم هو الشرك.
فكل نوع من هذه الأنواع وغيرها من الأنواع التي تدخل في مسمى العبادة صرفها لغير الله -جل وعلا- شرك أكبر، يخرج من الملة، وصاحبه مشرك كافر، إما الكفر الظاهر، وإما الكفر الظاهر والباطن معاً.
وهذا الذي ذكره، برهن له بقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}، وقوله هنا: {لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} هذا بيان لحقيقة من دُعِي مع الله جل وعلا، قال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} هذا الإله الآخر وهذا الداعي، منعوت بأنه لا برهان له بما فعل ولا دليل، وإنما فعل ما فعل من دعوة غير الله بهواه وبتعديه.
فقوله: {لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} ليس مفهومه أن ثمَّ دعوة لغير الله تعالى لها برهان، وإنما كل دعوة لغير الله {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} أيَّ إلهٍ كان؛ فإن ذلك الداعي لا برهان له بما فعل.
والدليل على أن دعوة غير الله -جل وعلا- كفر، قوله جل وعلا في الآية نفسها: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} فدل على أن دعاء غير الله - كما أنه شرك إذ دُعي إله آخر مع الله -جل وعلا- فهو كفر؛ لأنه قال: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} .