الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
اتفق الصحابة والتابعون ومن بعدهم من علماء الإسلام على أن الأضحبة ليست بواجبة ولا مفروضة لا على الموسر ولا على المعسر، ونُقِلَ القول بالوجوب عن أبي حنيفة ( 150هـ) وحده، ولم يثبت ذلك عنه، بل قال صاحباه محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف بالاستحباب، حتى ابن حزم الظاهري المولع بمخالفة العلماء قبله قد قال بالاستحباب، وظل الأمر كذلك حتى جاء ابن تيمية فقال بالوجوب، وتابعه الألباني، والمنظرون في مذهب أبي حنيفة حاولوا أن يستجمعوا ما يصلح للاستدلال به على الوجوب، وكان أقدمهم الطحاوي ( 321 هـ)، واستدل له بثلاثة أدلة مرفوعة، الأولان ضعيفان، والثالث الاستدلال به ضعيف.
حتى أن الترمذي( 371 هـ) لم يحك القول بالوجوب، كأن القول بالوجوب لم يكن معروفاً عنده:" والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم يستحب أن يعمل بها وهو قول سفيان الثوري و ابن المبارك ".أ.هـ سنن الترمذي 1506 (4/ 92)
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ". صحيح البخاري 5546 (14/ 97)
الذين رجحوا الوجوب:
1ـ ابن تيمية:
قال ابن تيمية: " وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا أَيْضًا..... وَوُجُوبُهَا حِينَئِذٍ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ . كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ".أ.هـ مجموع الفتاوى ( الباز المعدلة ) (23/ 162)
2ـ الألباني:
قال الألباني:" الشيخ : نعم ، لأن أنت واجب عليك أن تضحى عن نفسك ، وليس واجبا عليك أن تضحى عن أبيك ، لكن يستحب أن تضحى عن أبيك ، فإذا شئت أن تجمع بين الواجب والمستحب فعليك أضحيتان ، الأولى واجبة عنك والأخرى مستحبة عن أبيك". تفريغ سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني (406/ 43)
مناقشة الموجبين:
المناقشة الأولى:
رد الشافعي وابن حزم ـ بعده ـ على من قال بأن الأضحية واجبة:
ـ قال الشافعي:" ووجدنا الدلالة عن رسول الله أن الضحية ليست بواجبة لا يحل تركها وهي سنة يحب لزومها ويكره تركها لا على إيجابها.
فإن قيل فأين السنة التي دلت على أنها ليست بواجبة؟
قيل أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت قال رسول الله إذا دخل العشر فإن أراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا
قال الشافعي:" وفي هذا الحديث دلالة على أن الضحية ليست بواجبة لقول رسول الله:" فإن إراد أن يضحي" ولو كانت الضحية واجبة أشبه أن يقول فلا يمس من شعره حتى يضحي".أ.هـ اختلاف الحديث ( باب الضحايا ) (ص: 521)
قال ابن حزم:" فقوله عليه السلام (فاراد ان يضحى) برهان بان الأضحية مردودة إلى إرادة المسلم وما كان هكذا فليس فرضا". المُحَلَّى (7/ 355)
قال البغوي ( 510 هـ):" قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأُضْحِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ» وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُفَوَّضْ إِلَى إِرَادَتِهِ". شرح السنة للبغوي (4/ 348)
المناقشة الثانية:
حديث:" من وجد سعة فلم ضح فلا يقربن مصلانا":
هذا الحديث مداره على رواية عَبْد اللهِ بْن عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
حال عبد الله بن عياش:
رتبته عند ابن حجر : صدوق يغلط
رتبته عند الذهبي : ضعفه أبو داود و النسائى ، و قال أبو حاتم : صدوق ليس بالمتين ، روى له مسلم حديثا واحدا في المتابعات.

كان عبد الله بن عياش يضطرب في روايته لهذا الحديث،فلم يضبطه، فأحيانا يروي هذا الحديث مرفوعاً، وأحيانا موقوفاً، وأحياناً يدخل فيه رواةً آخرين:
الرواية المرفوعة:
- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا " .مسند أحمد ط الرسالة 8273 (14/ 24) وسنن ابن ماجه 3123 (2/ 1044) والمستدرك 7565 (4/ 258) أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هو: عبد الله بن يزيد القرشى العدوى المكى : ثقة فاضل.
الرواية الموقوفة:
رواية ابن وهب:
- حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني عبد الله بن عياش عن عبد الرحمن الأعرج حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "من وجد سعة فلم يضح معنا فلا يقربن مصلانا".أ. هـ المستدرك 7566 (4/ 258)
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِ يُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ , نا عَمِّي ( عبد الله بن وهب) , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرْوَةَ الْأَنْصَارِيِّ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا»".أ .هـ سنن الدارقطني 4743 (5/ 500)
ومما يدل على أن الحمل في على عبد الله بن عياش، لا على من تحته، وأنه لم يضبط هذا الحديث أنه رواه على وجه آخر كما في الرواية التالية:
- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِ يُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ , نا عَمِّي , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرْوَةَ الْأَنْصَارِيِّ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا»".أ .هـ سنن الدارقطني 4743 (5/ 500) وعيسى بن عبد الرحمن بن فروة:متروك .
الراجح في هذا الحديث:
الراجح رواية الوقف، لأنها رواها كذلك عبيد الله بن أبي جعفر :
قال ابن عبد البر( 463هـ): وأخبرنا الليث بن سعد (175 هـ) وبكر بن مضر قالا أخبرنا عبيد الله بن أبي جعفر عن ابن هرمز قال سمعت أبا هريرة وهو في المصلى يقول:" من قدر على سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا". التمهيد (23/ 191)
حال عبيد الله بن أبى جعفر : ثقة ، و قيل عن أحمد إنه لينه
الذين قبلوا هذا الحديث:
1ـ الحاكم: قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه تعليق الذهبي قي التلخيص : صحيح".أ.هـ المستدرك 7565 (4/ 258)
2ـ الألباني: قال الشيخ الألباني : (حسن)".أ.هـ تخريج مشكلة الفقر 102 (ص: 67)
ـ الدارقطني:
- وسُئِل الدارقطني عَن حَدِيثِ الأَعرَجِ ، عَن أَبِي هُرَيرة : قال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم : مَن كان لَهُ مالٌ فَلَم يُضَحِّ فَلا يَقرَب مُصَلاَّنا.
فَقال : يَروِيهِ عَبد الله بن عَيّاشٍ القِتبانِيُّ ،
واختُلِف عَنهُ ؛
فَرَواهُ زَيد بن الحُبابِ ، ويَحيَى بن سَعِيدٍ العَطّارُ ، عَن عَبدِ الله بنِ عَيّاشٍ القِتبانِيِّ ، عَنِ الأَعرَجِ ، عَن أَبِي هُرَيرة ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم.
وَرَواهُ عُبَيد الله بن أَبِي جَعفَرٍ ، عَنِ الأَعرَجِ ، عَن أَبِي هُرَيرة مَرفُوعًا أَيضًا ، وهُو الصَّوابُ".أ.هـ علل الدارقطني س 2023 (10/ 304)
أقول: كأنه غلط بعض النساخ فكتب: "مرفوعاً" بدل موقوفاً" وذلك في قوله:" وَرَواهُ عُبَيد الله بن أَبِي جَعفَرٍ ، عَنِ الأَعرَجِ ، عَن أَبِي هُرَيرة مَرفُوعًا أَيضًا ، وهُو الصَّوابُ "، ، بدليل ما ذكره البيهقي بقوله: -وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى جَعْفَرٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا
وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا".أ.هـ السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي 19485 (9/ 260)
الذين ضعفوا هذا الحديث المرفوع:
1ـ أحمد بن حنبل:
- وروى حديث أبي هريرة يرفعه : " مَن وَجَدَ سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنا " وقال في رواية حنبل : هذا حديث منكر ".أ.هـ مسند أحمد ط الرسالة 18 (1/ 72)
قال ابن كثير:" واحتج لهم بما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله كلهم ثقات، عن أبي هريرة مرفوعا: "من وجد سَعَة فلم يُضَحِّ، فلا يقربن مُصَلانا" على أن فيه غرابة، واستنكره أحمد بن حنبل".أ.هـ تفسير ابن كثير / دار طيبة (5/ 432)
2ـ الترمذي:
قال البيهقي:" بَلَغَنِى عَنْ أَبِى عِيسَى التِّرْمِذِىِّ أَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ".أ.هـ السنن الكبرى، وفي ذيله الجوهر النقي 19485 (9/ 260)
قال شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (المتوفى : 744هـ): " وَصحح التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَقفه".أ.هـ المحرر في الحديث 741 (ص: 419)
3ـ ابن عبد البر:
قال أبو عمر:" الأغلب عندي في هذا الحديث أنه موقوف على أبي هريرة والله أعلم ".أ.هـ التمهيد (23/ 191)
قال ابن عبد البر :"قال من كان له سعة ولم يضح فلا يشهد مصلانا" قال أبو عمر ليس في اللفظ تصريح ( بإيجابها ) لو كان مرفوعا فكيف والأكثر يجعلونه من قول أبي هريرة". الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ابن عبد البر (5/ 205)
ـ البيهقي:
حيث يقول: "وروي عَن أَبِي هُرَيْرَةَ ، مرفوعا : من وجد سعة فلم يذبح فلا يقربن مصلانا وروي ذلك مرفوعا عنه ، والموقوف أصح".أ.هـ السنن الصغرى (2/ 42)
6ـ ـ ابن حزم:
قال:" ... وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي نَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبْ مُصَلَّانَا» وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.... وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - فَكِلَا طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالثِّقَةِ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي ذَلِكَ.".أ.هـ المحلى بالآثار (6/ 7)
7ـ قال المنذري:" رواه الحاكم مرفوعا هكذا وصححه وموقوفا ولعله أشبه".أ.هـ صحيح الترغيب والترهيب 1087 (1/ 264)
8ـ ـ ابن حجر العسقلاني:
قال:" وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ( { "مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ, فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا" } رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَابْنُ مَاجَه, وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ, لَكِنْ رَجَّحَ اَلْأَئِمَّةُ غَيْرُهُ وَقْفَهُ (1767) ".أ.هـ بلوغ المرام من أدلة الأحكام 1348 (1/ 265)
وقال:" وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة رفعه من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا أخرجه بن ماجة وأحمد ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ومع ذلك فليس صريحا في الإيجاب ".أ.هـ فتح الباري - ابن حجر - دار المعرفة (10/ 3)
قال الذهبي:" فاحتجوا بالمقرئ؛ نَا عبد الله بن عَيَّاش، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من وجد سَعَة فَلم يضح، فَلَا يقربن مصلانا " رَوَاهُ أَحْمد فِي " مُسْنده " عَنهُ، وَقَالَ: هَذَا مُنكر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: الْأَصَح وَقفه، ثمَّ لَا يدل على الْوُجُوب، كَمَا قَالَ: " من أكل الثوم، فَلَا يقربن مَسْجِدنَا ". تنقيح التحقيق للذهبي (2/ 62)
مناقشة من قبل هذا الحديث مرفوعاً:
1ـ الحاكم:
المناقشة الأولى:
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، تعليق الذهبي قي التلخيص : صحيح".أ.هـ المستدرك 7565 (4/ 258)
مناقشة الحاكم في تصحيحاته ولو وافقه الذهبي:
أن تصحيح الحاكم ولو وافقه الذهبي لا يعتمد عليه، لأن ذلك قد وقع منهما في أحاديث موضوعة، ليس ضعيفة فقط، كما قال الألباني، ومن أمثلة ذلك: قول الألباني: " من أطعم أخاه خبزا حتى يشبعه ، وسقاه ماء حتى يرويه ، بعده الله عن النار سبع خنادق ، بعد ما بين خندقين مسيرة خمس مئة سنة " .
موضوع .
قال الألباني:" أخرجه الدولابي في " الكنى " ( 1 / 117 ) ويعقوب الفسوي في " التاريخ " ( 2 /527 ) وابن عبد الحكم في " فتوح مصر " ( ص 254 ) والحاكم ( 4 / 129 ) وكذا الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 95 / 1 ـ من زوائد المعجمين ) وابن عساكر ( 6 /115 / 2 ) من طريق إدريس بن يحيى الخولاني ، حدثني رجاء بن أبي عطاء عن واهب بن عبد الله الكعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ! وهذا من أغلاطهما الفاحشة ، فإن رجاءا هذا ، لم يوثقه أحد ، بل هو متهم ، فاسمع ما قال فيه الحاكم نفسه ! فيما ذكره الذهبي نفسه في " الميزان " قال : صويلح ! ، قال الحاكم : مصري صاحب موضوعات ( ! ) ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات ، ثم ساق له الحديث الذي وقع لنا مسلسلا بالمصريين ".أ.هتـ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة 70 (1/ 170)
9ـ قال محققوا المسند: إسناده ضعيف، عبد الله بن عياش ضعيف يعتبر به، وقد اضطرب فيه أيضاً كما سيأتي في التخريج.
وأخرجه الحاكم 4/231-232 من طريق أبي حاتم الرازي، عن عبد الله بن يزيد المقرىء، بهذا الإسناد. وصحح إسناده، ووافقه الذهبي، وهو وهم منهما، وحسنه الألباني في "تخريح مشكلة الفقر" (102) فأخطأ".أ.هـ مسند أحمد ط الرسالة 8273 (14/ 24)
10ـ الوادعي:
حيث يقول:" وحديث:" من لم يضح فلا يقربن مصلانا" فهو حديث ضعيف".أ.هـ راجع كتاب: قمع المعاند 2 / 367.
المناقشة الثانية: في قبول زيادة أبي عبد الرحمن المقري، حيث زاد فروى الحديث مرفوعاً:
قال الحاكم: "أوقفة عبد الله بن وهب إلا أن الزيادة من الثقة مقبولة و أبو عبد الرحمن المقري فوق الثقة.أ. هـ المستدرك 7566 (4/ 258)
النقاش:
إذا ورد الحديث بروايتين مرفوعةٍ وموقوفةٍ فتقبلان معاً إذا لم يمكن ترجيح أحداهما على الأخرى، أما هنا فالراجح الوقف، كما ذكره أئمة علم علل الحديث.
المناقشة الثالثة:
حديث:" إن على أهل كل بيت في عام أضحاة":
حديث:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ، - أَوْ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ - فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً".
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي رَمْلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَاهُ مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ، - أَوْ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ - فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً وَعَتِيرَةً " قَالَ: " تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ ؟ " قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَلَا أَدْرِي مَا رَدُّوا -، قَالَ: " هَذِهِ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ: الرَّجَبِيَّةُ ". مسند أحمد ط الرسالة حَدِيثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ 17889 (29/ 419)
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَمْلَةَ، عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ رَوْحٌ: الْغَامِدِيُّ، قَالَ: وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً، وَعَتِيرَةً، أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ ؟ هِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّاسُ الرَّجَبِيَّةُ ". مسند أحمد ط الرسالة 20731 (34/ 331)
هذا الحديث مداره على أَبِي رَمْلَةَ، وقد تفرد به:
قال ابن حجر:" عامر" أبو رملة عن مخنف بن سليم الغامدي وعنه عبد الله بن عون له عندهم حديث في ترجمة مخنف، عامر أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف من الثالثة 4".أ.هـ تهذيب التهذيب 137 (20/ 48) وتقريب التهذيب 3113 (2/ 289)
مناقشة الألباني:
قال الشيخ الألباني : (حسن)".أ.هـ تخريج مشكلة الفقر 102 (ص: 67)
لم يقم الألباني بدراسة هذا الحديث دراسة مفصلة، بل ذكر له حكماً مختصراَ مستعجلاَ.
حكم العلماء على هذا الحديث:
1ـ قال ابو عيسى: هذا حديث حسن غريب ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون ".أ.هـ سنن الترمذي 1518 (4/ 99)
قال البغوي ( 510هـ):" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ الإِسْنَادِ".أ.ه شرح السنة للبغوي 1128 (4/ 349)
2ـ قال ابن القطان (المتوفى : 628هـ):" إِسْنَاده ضَعِيف، وَصدق ، وَلكنه لم يبين علته ، وَهِي الْجَهْل بِحَال عَامر هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا ، يرويهِ عَنهُ ابْن عون ، وَقد رَوَاهُ أَيْضا عَنهُ ابْنه حبيب بن مخنف وَهُوَ مَجْهُول أَيْضا كأبيه .".أ.هـ بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام ـ علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان (المتوفى : 628هـ) (1367) (3/ 577)
3ـ قال الذهبي (748هـ):" - عامر أبو رملة شيخ لابن عون، فيه جهالة، له عن مخنف بن سليم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: يأيها الناس على كل بيت [ في الاسلام ] في كل عام أضحية وعتيرة. قال عبد الحق: إسناده ضعيف، وصدقه ابن القطان لجهالة عامر، رواه عنه ابن عون". ميزان الاعتدال للذهبي 4097 (2/ 363)
وقال الذهبي:" حَدِيث : " عَليّ كل بَيت فِي الْعَام أضْحِية وعتيرة "ابْن عون عَن عَامر أبي رَملَة ، عَن مخنف بن سليم ، إِسْنَاده ضَعِيف، فَصدق لجهالة عَامر". الرد على ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام الذهبي (المتوفى : 748هـ) (49) (ص: 45)
المناقشة الرابعة: الاستدلال بأمره ـ صلى الله عليه وسلم لمن ذبح قبل صلاة العيد بالإعادة:
قال الطحاوي ( 321 هـ) :" وكان أهل العلم قد اختلفوا في الأضحية فقال قائلون منهم إنها واجبة على الواجدين لها منهم أبو حنيفة وذهب أكثر أهل العلم سواه إلى أنها مأمور بها محضوض عليها غير واجبة فكان ما احتج به ممن ذهب إلى إيجابها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة لن تجزئ جذعة عن أحد بعدك فقال لا يكون إجزاء إلا عن واجب". شرح مشكل الآثار ـ الإمام أبو جعفر الطحاوي ( 321 هـ) (12/ 143)

النقاش:
أولاً: دلالة الأمر بالإعادة؟
ـ أن أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي بردة بن نيار بأن يذبخ مكانها أخرى لا يدل على الوجوب، بل هذا الأمر الثاني هو يتبع الأصل، فالأمر بإعادة فعل الواجبِ واجبٌ، والأمر بإعادة المستحبِ مستحبٌ، والأمر بإعادة المباحِ مباحٌ، ولذلك فإن أمره للمسيء صلاته بإعادة صلاته لا يدل على وجوب تلك الركعتين بالاتفاق.
ومن ذلك:
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ نَسِىَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ ". صحيح مسلم 1598 (2/ 142)
فقوله:" مَنْ نَسِىَ الصَّلاَةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا" هذا بحسب الصلاة المنسية فإن كانت واجبة فقوله:" فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا" للوجوب، وإن كانت لاصلاة المنسية مستحبة فأمره:" فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا" للاستحباب".
ومنه أيضاً:
- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره ".أ.هـ سنن أبي داود 1431 (1/ 454) وقال الشيخ الألباني : صحيح، فقوله:" من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" لا يدل على فرضية الوتر بالاتفاق.
4ـ أقوال الشيخ الألباني :
ـ"حسن ".أ.هـ سنن أبي داود 2788 (2/ 102)
ـ" صحيح".أ.هـ سنن الترمذي 1518 (4/ 99)
ـ" ضعيف ".أ.هـ مشكاة المصابيح 1478 - [ 2 ] (1/ 332)
5ـ محققوا المسند:
ـ" حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي رملة، واسمه عامر".أ.هـ مسند أحمد ط الرسالة 17889 (29/ 419)
ـ" إسناده ضعيف لجهالة أبي رَمْلة: واسمه عامر".أ.هـ مسند أحمد ط الرسالة 20731 (34/ 331)
ثانياً: الروايات الموضحة لمقصود الأمر بإعادة الذبح لمن ذبح قبل الصلاة:
أقول: أمر النبي لمن ذبح قبل صلاة العيد بأن يذبح مكانها أخرى قد تكرر لعدة صحابة، وقد ورد في تلك الروايات ما يبين المراد، وأنه ليس أمراً للوجوب، بل للاستحباب، كما في الرويات التالية:
1ـ حديث جُنْدَب بْن سُفْيَانَ :
عن جُنْدَب بْن سُفْيَانَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ". صحيح البخاري 985 (2/ 399)
2ـ حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ :
ـ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَإِنِّى عَجَّلْتُ نَسِيكَتِى لأُطْعِمَ أَهْلِى وَجِيرَانِى وَأَهْلَ دَارِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَعِدْ نُسُكًا ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِى عَنَاقَ لَبَنٍ هِىَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ. فَقَالَ « هِىَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ وَلاَ تَجْزِى جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ». صحيح مسلم5182 (6/ 74)
الرواية الموضحة:
- عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا نُسُكَ لَهُ فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلَاةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلَاةَ قَالَ شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتَجْزِي عَنِّي قَالَ نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". صحيح البخاري 955 (2/ 369)
فقوله:" لفظ:" شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتَجْزِي عَنِّي قَالَ نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ"
- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ خَالِيَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ , وَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)) , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَعِنْدِي عَنَاقٌ جَذَعَةٌ؛ هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((تُوف ي عَنْكَ , وَلَا تُوفي عن أحدٍ بعدك))".أ.هـ التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان 5881 (8/ 338)
فقوله:" ((شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ , وَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)) , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَعِنْدِي عَنَاقٌ جَذَعَةٌ؛ هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((تُوف ي عَنْكَ , وَلَا تُوفي عن أحدٍ بعدك " يبين عدم الإلزام بإعادة الذبح، بل هو استجابة لرغبة أبي بردة، فهو أمر رخصةٍ.
مناقشة ابن تيمية:
قال ابن تيمية: " وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا أَيْضًا:
قوله:"فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ النُّسُكُ الْعَامُّ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ"
أقول:
شعائر الإسلام منها ماهو واجب، ومنها ما هو مستحب، والوصف للشعيرة بالوجوب أو الاستحباب يحتاج إلى دليل مستقل، يدل على الوجوب، غير كونها من شعائر الإسلام.
3ـ حديث أنس بن مالك:
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنْ يُعِيدَ ذِبْحًا ". صحيح مسلم 5192 (6/ 76)
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أَضْحًى - قَالَ - فَوَجَدَ رِيحَ لَحْمٍ فَنَهَاهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا قَالَ « مَنْ كَانَ ضَحَّى فَلْيُعِدْ ». صحيح مسلم 5193 (6/ 76)
الرواية الموضحة:
- عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ النَّحْرِ « مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ. وَذَكَرَ هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَدَّقَهُ قَالَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ هِىَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ أَفَأَذْبَحُهَا قَالَ فَرَخَّصَ لَهُ ....".أ.هـ صحيح مسلم 5191 (6/ 76)
فقوله:" " فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ. وَذَكَرَ هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَدَّقَهُ قَالَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ هِىَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ أَفَأَذْبَحُهَا قَالَ فَرَخَّصَ لَهُ" واضح في عدم إلزام من ذبح قبل صلاة العيد بالإعادة.
قوله:" وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } قوله:"وَقَالَ : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }"
أقول:
لا يوجد في ما ذكر دليل على وجوب الأضحية، إلا من باب وجوب مشابهة الأمم السابقة لنا، وهذا لا يقول به أحد، لا ابن تيمية، ولا غيره، بل {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة: 48] فالأصل هو ما ثبت في ديننا، لا ماثبت في دينهم.

قوله:"{ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }.
أقول:
تحصيل التقوى في الجملة واجب، لكن وسائل ذلك كثيرة، منها ما هو مندوب، ومنها ما هو مستحب.
واقول:
إن صيغة:" " سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ " الوادرة في قوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} [الحج: 37]" قد وردت في قوله تعالى: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] فكما أنتكبير العيد ليس بواجب بالتفاق فكذلك التضحية ليست بواجبة، لأن لفظ الدليلين واحد.
قوله:"وَالنُّسُك ُ مَقْرُونٌ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ : { إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } فَأَمَرَ بِالنَّحْرِ كَمَا أَمَرَ بِالصَّلَاةِ .
أقول:
دلالة الاقتران ضعيفة في دلالتها، فليس ما قارن الواجب يكون دائماً واجباً، ولا كل ما قارن المستحب يكون مستحباً مثله، بل كثيراً ما يقترن الواجب بالمستحب.
قال الزركشي (المتوفى : 794هـ) :" دلالة الاقتران قال بها المزني وابن أبي هريرة والصيرفي منا, وأبو يوسف من الحنفية, ونقله الباجي عن نص المالكية قال: ورأيت ابن نصر يستعملها كثيرا .... وأنكرها الجمهور فيقولون: القران في النظم لا يوجب القران في الحكم, وصورته أن يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين كل منهما مبتدأ وخبر, أو فعل وفاعل, بلفظ يقتضي الوجوب في الجميع أو المعموم في الجميع, ولا مشاركة بينهما في العلة, ولم يدل دليل على التسوية بينهما, كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ} [النور: 33]".أ.هـ البحر المحيط في أصول الفقه ـ بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى : 794هـ) (4/ 397)
يريد أن" وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ" واجب عطفه على مباح وهو:" كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ" ويريد أن" وَآتُوهُمْ من مال الله الذس آتاكم" واجب، عطف على مستحب وهو" فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً".
قوله:" فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ يَتْرُكُونَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟
أقول:
ليس هذا بلازم، بل هناك أشياء كثيرة من ملة إبينا إبراهيمن قد اتفق المسلمون على عدم الإلتزام بها، ومن ذلك أن إبراهيم اختتن لثمانين من عمره كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً". صحيح البخاري 3356 (8/ 423) و صحيح مسلم 6290 (7/ 97) بل الواجب الاختتان في الصغر بالاتفاق.
قوله:"وَهِيَ مِنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ وَبِهَا يُذْكَرُ قِصَّةُ الذَّبِيحِ".
أقول:
إن قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] ليس المراد وجوب اتباع جميع ملة إبراهيم، بل الواجب هو اتباع ملة أبينا إبراهيم في التوحيد، كما قال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)} [البقرة: 135] و {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)} [آل عمران: 95] و {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)} [الأنعام: 161] و {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)} [يوسف: 38] و {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)} [النحل: 123]
قوله:"وَتَرْكُ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ الْحَجِّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ، وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْحَجَّ كُلَّ عَامٍ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَالضَّحَايَا فِي عِيدِ النَّحْرِ كَذَلِكَ.
أقول:
هذا قياس باطل، لأن قياس الأضاحي على الحج ، بعلة كونهما من شعائر الإسلام قياس فاسد، لوجود الفارق بين الأصل والفرع في العلة، فالحج ركن الإسلام، أما الأضاحي فليست كذلك، وهذه العلة لو سلم بصحتها فهي قاصرة، بدليل الاتفاق على أن التكبير للعيد من شعائر الإلام، وقد أمر الله به في القرآن في الفطر من رمضان، فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] وهو مستحب بالاتفاق، غير واجب.
قوله:" بَلْ هَذِهِ تُفْعَلُ فِي كُلِّ بَلَدٍ هِيَ وَالصَّلَاةُ فَيَظْهَرُ بِهَا عِبَادَةُ اللَّهِ وَذِكْرُهُ وَالذَّبْحُ لَهُ وَالنُّسُكُ لَهُ مَا لَا يَظْهَرُ بِالْحَجِّ كَمَا يَظْهَرُ ذِكْرُ اللَّهِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْأَعْيَادِ .
أقول:
هذا مقتضاه أن التضحية أوجب من الحج، وهذا لا يقول به أحد، لا ابن تيمية، ولا غيرهز

قوله:" وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِهَا .
أقول:
جميع الأحاديث الآمرة بالأضحية ضعيفة، كما سبق بيانه في أقلها ضعفاً.

قوله:"وَقَدْ خَرَجَ وُجُوبُهَا قَوْلًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَوْ ظَاهِرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ..... وَوُجُوبُهَا حِينَئِذٍ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ . كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ".أ.هـ مجموع الفتاوى ( الباز المعدلة ) (23/ 162)
أقول:
هذا استطرادٌ بعيدٌ من ابن تيمية، مخالفٌ لمنهجه في الاستدلال، فابن تيمية دائماً يبتعد عن الاعتماد على ما يذكره المتأخرون من أتباع المذاهب، والقول بالوجوب هو قول منسوب لأبي حنيفة نفسه فقط، لم يثبت عنهن وخالفه في ذلك صاحباه.
قوله:"ونفاة الْوُجُوبِ لَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ الْعَشْرُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ } . قَالُوا : وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ بِالْإِرَادَةِ، وَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَا يُوكِلُ إلَى إرَادَةِ الْعَبْدِ . فَيُقَالُ : إنْ شِئْت فَافْعَلْهُ ؛ بَلْ قَدْ يُعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِالشَّرْطِ لِبَيَانِ حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ . كَقَوْلِهِ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } وَقَدْ قَدَّرُوا فِيهِ : إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ وَقَدَّرُوا : إذَا أَرَدْت الْقِرَاءَةَ فَاسْتَعِذْ وَالطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ وَقَدْ قَالَ : { إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } وَمَشِيئَةُ الِاسْتِقَامَةِ وَاجِبَةٌ . ".أ.هـ مجموع الفتاوى - ابن تيمية (23/ 163)
أقول:
الأصل في العبادات والتشريع هو العدم، فلا عبادة إلا بدليل، ولا إلزام شرعي إلا بدليل، فالقائل بوجوب الأضحية هو المطالب بالدليل، لا العكس.
قوله:"وَأَيْضًا فَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ فَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ . كَمَا قَالَ : { مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ تَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ } وَالْحَجُّ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ . فَقَوْلُهُ : { مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ } كَقَوْلِهِ : { مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ } وَوُجُوبُهَا حِينَئِذٍ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ . كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ".أ.هـ مجموع الفتاوى - ابن تيمية (23/ 163)
أقول:
تقييد الوجوب بالقدرة تقييدٌ عامٌ في جميع فرائض الله الثابتة، فلا حاجة لذكره هنا، فالقدرة فرع الوجوب، فما دام الشيء لم يثبت وجوبه، فلا اجة لذكر هذا القيد.

قوله:"وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُضَحِّ بَلْ اشْتَرَى لَحْمًا . فَقَدْ تَكُونُ مَسْأَلَةَ نِزَاعٍ . كَمَا تَنَازَعُوا فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ".أ.ه مجموع الفتاوى - ابن تيمية (23/ 163)
أقول:
إن نصوص الصحابة واضحةٌ في عدم الوجوب، فلا حاجة لهذا التكلف.، وقد ذكر ابن حزم أن الوجوب في الأضحية لا يصح عن أحد من الصحابة، حيث يقول: " لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة. اهـ المُحَلَّى (7/ 358)
قوله:"وَقَدْ يَكُونُ مَنْ لَمْ يُضَحِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِعَةٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَوْبِيخَ أَهْلِ الْمُبَاهَاةِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَهَا لِغَيْرِ اللَّهِ.
أقول:
قد ورد عن الصحابة ما يبطل هذا التعليل:
1ـ أبو مسعود: عقبة بن عمرو الأنصاري:
- عبد الرزاق عن معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل قال قال أبو مسعود الأنصاري:" إني لأدع الأضحى وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي". مصنف عبد الرزاق 8149 (4/ 383) وقال الشيخ الألباني: قلت: وإسناده صحيح أيضا. ..أ.هـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (4/ 355)
- عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن أبي وائل عن عقبة بن عمرو قال:" لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم بها مخافة أن يحسب أنها حتم واجب". مصنف عبد الرزاق 8148 (4/ 383)
2ـ بن عباس:
- أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأ جدي يحيى بن منصور ثنا محمد بن عمرو أخبرنا القعنبي ثنا سلمة بن بخت عن عكرمة مولى بن عباس عن بن عباس رضي الله عنهما : كان إذا حضر الأضحى أعطى مولى له درهمين فقال اشتر بهما لحما وأخبر الناس أنه أضحى بن عباس". السنن الكبرى ت :محمد عبد القادر عطا 18816 (9/ 265)
قوله:" أَوْ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِتَرْكِهَا ذَلِكَ الْعَامِ تَوْبِيخَهُمْ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ . كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالِ مَعَهُمْ حُزَمُ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ } فَكَانَ يَدَعُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ الْوَاجِبَةَ لِأَجْلِ عُقُوبَةِ الْمُتَخَلِّفِي نَ فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْجِهَادِ الَّذِي قَدْ يَضِيقُ وَقْتُهُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ . وَلَوْ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ كَالْمُحْتَسِبِ وَغَيْرِهِ تَخَلَّفَ بَعْضَ الْأَيَّامِ عَنْ الْجُمُعَةِ لِيَنْظُرَ مَنْ لَا يُصَلِّيهَا فَيُعَاقِبَهُ جَازَ ذَلِكَ . وَكَانَ هَذَا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ عُقُوبَةَ أُولَئِكَ وَاجِبٌ مُتَعَيَّنٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَوْلَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لَحَرَّقَ الْبُيُوتَ عَلَى مَنْ فِيهَا لَكِنْ فِيهَا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَلَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ . كَمَا لَا تُرْجَمُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْجَنِينِ لَا يَجُوزُ . كَمَا فِي حَدِيثِ الغامدية".أ.هـ مجموع الفتاوى ( الباز المعدلة ) (23/ 165)
أقول:
قد صرح الصحابة التاركين للتضحية أن مقصدهم أن يعلم الناس أنه ليس بواجبة ولا بلازمة، كما قال أبو مسعود عقبة بن عمر ـ رضي الله عنه:" مخافة أن يحسب أنها حتم واجب"
وقد كان الخليفتان الراشدان القدوتان أبو بكر وعمر لا يضحيان في بعض السنين، كما في الرواية التالية:
- عبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل و مطرف عن الشعبي عن ابي سريحة قال:" رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان ". مصنف عبد الرزاق 8139 (4/ 381) وقال الشيخ الألباني: * صحيح، والسند إليه صحيح..أ.هـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (4/ 355)
مناقشة الألباني:
قال الألباني:" الشيخ : نعم ، لأن أنت واجب عليك أن تضحى عن نفسك ، وليس واجبا عليك أن تضحى عن أبيك ، لكن يستحب أن تضحى عن أبيك ، فإذا شئت أن تجمع بين الواجب والمستحب فعليك أضحيتان ، الأولى واجبة عنك والأخرى مستحبة عن أبيك". تفريغ سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني (406/ 43)
أقول:
الحديثان اللذان حسنهما الألباني، واستدل بهما على وجوب الأضحية ضعيفان، كما علم ذلك في مكانه سابقاً.
الراجح عند ابن عبد البر:
قال ابن عبد البر ( 463هـ):" وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لأن رسول الله فَعَلَهَا وَوَاظَبَ عَلَيْهَا أَوْ نَدَبَ أُمَّتَهُ إِلَيْهَا وَحَسْبُكَ أَنَّ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَرَاهَا فرضا لأمر رسول الله الْمُضَحِّيَ قَبْلَ وَقْتِهَا بِإِعَادَتِهَا". التمهيد 22 (ص: 285)
وقال:" ضحى رسول الله صلى الله عليه و سلم طول عمره ولم يأت عنه أنه ترك الأضحى وندب إليها فلا ينبغي لمؤمن موسر تركها وبالله التوفيق". الاستذكار (5/ 230)
نتائج البحث:
1ـ أن استحباب الأضحية ـ دون وجوبها ـ هو القول المفتى به في أعصار المسلمين كلها، من زمن الصحابة إلى من بعدهم إلى يومنا هذا.
2ـ أن القول بوجوب الأضحية قول ضعيف مهجور، يعتبر من أخطاء ابن تيمية والألباني.
3ـ أن التضحية سنة مؤكدة، وهي سنة المسلمين يوم العيد، وشعارهم في هذا اليوم، فينبغي أن يرغب الناس فيها، وأن يشجعوا، وينبغي أن يعطى فاقد الأضحية ما يذبحه يوم العيد، كما كان في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم : كما قال عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا". صحيح البخاري 5547 (14/ 99) وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا". صحيح مسلم 5196 (6/ 77)