لا تنتقدني..!



سالم الناشي




في زمن كورونا وفي ظل التواصل الاجتماعي، والتباعد الوقائي.. دار هذا الحوار حول النقد الهدام...

- الأول: إنه سارق يجب أن يُحاسب!

- الثاني: هل تملك دليلا على كلامك؟

- الأول: نعم، الجرائد كتبت.

- الثاني: هذا لا يكفي.. فلا يُنْتَقَدُ أحدٌ دون تَيَقُّنٍ وتَثَبُّتٍ، وإلا دل على التكبر وسوء الظن، ومحبة لكشف عيوب الآخر؛ فلتحذر!

- الأول: ولكن إذا وجد دليل، كحكم محكمة؟

- الثاني: إذًا المحكمة أدانته، وانتهى الموضوع!

- الأول: لا، لم ينته.. لقد هرب!

- الثاني: وماذا تريدني أن أفعل؟ وما علاقتي هنا بالموضوع!

- الأول: دورك أن تشاركنا النقد، وتنشر مثل هذه الأخبار.

الثاني: لماذا أشارككم، ويوجد في الدولة مؤسسات عملها تتبع الفساد والمفسدين؟

- الأول: ولكن لا تؤدي دورها بالشكل الصحيح؟

- الثاني: وهل تعتقد أنني بما لدي من إمكانات بسيطة سأفوق هذه المؤسسات الرسمية؟

- الأول: إذًا ما الحل لفضْحِ هذا السارق ومن تستر عليه؟

- الثاني: النقد بغيضٌ إلى النفس، ثقيلٌ على السمع؛ فلا أحد يحب النقد أمام عدم الفعل من الناقد، إذا كان الناقد مجرد ناقل، فسيقع في دائرة ما حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ».

- الأول: يعني «هلك الناس» إشارة إلى نشر أخبار الفساد؟

- الثاني: نعم، تماما، فالناقد هنا مجرد بوق ينقل الكلام؛ فلا هو واقع في دائرة التغيير فيغير، ولا هو واقع في دائرة التأثير فيؤثر..

- الأول: ولكن، له أثر.

- الثاني: وما أثره؟ إلا أن يجعل الناس أكثر إحباطا، والمجتمع أكثر تنافرا، في الوقت الذي تظن فيه أنك ناصح أمين.

- الأول: ولكن نشر مثل هذه الأخبار السيئة سيؤدي إلى الحد منها!

- الثاني: أبدا، فالأفضل نشر الكلام الطيب، والأخبار السارة بين الناس، ولا نشعلها فتنا وانتقادات وأخبارا سيئة؛ فالله -تعالى- أمر رسوله- صلى الله عليه وسلم - بأن نقول الكلام الطيب فقال: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (الإسراء:53).

- الأول: يعني يكون سلبيا ولا يدعو للإصلاح؟

- الثاني: ليس هذا.. بل يصلح بالطرائق الشرعية، بأن يتصل بالشخص المعني فينصحه، أو بمن يمكن أن ينصحه من مسؤولين وغيرهم لكي ينتهي عن إفساده، أو يُبَلَّغَ عنه رسميا.

- الأول: وإذا لم أستطع؟

- الثاني: لك أن تنكر الأفعال دون أن تذكر من فعلها، أو تنكر بقلبك، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ».

نتيجة:

إن نشر الأخبار السيئة، ومتابعة صور الفساد والترويج لها بحسن نية، يهدم ثقة الناس بالمسؤولين، وبالمصلحين، والمخلصين، ويفتح باب سوء الظن، والتذمر، وإشاعة الشك والريبة، والبعد عن التناصح بالمعروف، ويصبح نقدا هداما لا بَنَّاءً.