وَأَظْلَمَ الْجَنُوب......!!
رثاءُ الإمَام الجِهبذ أَحْمَد بن يحيَى النَّجْمي)
_ أعلى الله في مدارج الرضا مرقاه _
الحمدُ للهِ الحي القيوم المتفرد بالبقاء ، قَضَى على كل مخلوقٍ بالفناء ، كلُّ شيء هالكٌ إلا وجهه؛ والصلاةُ والسلامُ عَلى خاتم الأنبياءِ، وسيد الأصفياءِ ، وعلى آله وصحبه البررة النجباء .
أَمَّا قَبْـلُ :
فقد كنتُ جالساً بغداةٍ في المسجدِ استمع محاضرةً لأحد العلماء، وذلك على جهاز (الجوَّال النَّقال ) وبعد ما انتهيت من السماع جلستُ لحظات، وحينما هممت لأتوضأ لصلاة العصر ، جاءني بل هالني نبأُ وفاة الشيخ العلامة المحدث الجسور، والليث الهصور، مفتي الجنوب الشيخ :
أَحَمَد بن يَحيَـى النَّجمي _ أعلى الله في مدارج الرضا مرقاه _ ، سبحان الله ....... !
وما كان لسان حالي حين أن وصلني الخبر إلا كما قال الشاعر :
عزَّ العزاء وعَم الحـادث الـجَـلـلُ ... وخاب بالموت في تَعميرك الأجـل
واستَوْحشَتْ بعد ما كنت الأنيس بهـا ... وَســاءَها فَــقْدُك الأسخـار
وكأنهُ أسىً سربل جميع بدني ،وهز أنحاء جسدي، فلبس قلبي ثوب الحزن فلم استوعب الخبر إلا بعد دقائق........!!!
كذا فَليَجِلَّ الخطبُ وليفدح الأمرُ ... وليسَ لعينٍ لم يَفِضْ مَاؤها عـذرُ
توفـيت الآمال بعـد (أحمـدٍ) ... وأصبحَ في شغلٍ عن السَّفَرِ السَّفْرُ
فتىً كان غض الطرف لا من غضارةٍ ٍ ... ولكـنَّ كبراًً أن يُـقالَ بهِ كبرُ
لكِ اللهُ يا أمةَ محمدٍ ما أكثر بلاياكِ الجسام .. وما أفتك محنك العظام.....
فلقد ثلم اليوم في الإسلام ثلمة ،وخلع بابٌ لن يُسد ، بل فتق في الإسلام فتق عظيم ، والله المستعان
فقد مات الشيخ .......... !! وقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق.
قال حذيفة بن اليمان _رضي الله عنه_ : " إن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا صغيراً ثم يكبر، إلا المصيبة فإنها خلقت كبيرة ثم تصغر" . وهذا قول مصيب لا يتمارى به ومنه أخذ قوله:
وكما تَبلى وجوهٌ في الثّرى ... فكذا يَبلى عليهنَّ الحزنُ
فيا لها من مصيبة ما أُصِبْنَا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فآهٍ ثم آه آه ..... .
و يا من ترحلون إلى الجنوب كل عام لترصوا الركب عند الشيخ لا تُتْعِبوا أنفسكم هذا العام، فإنكم لن تجدوا الشيخ ، فقد مات الشيخ ...!! (لله ما أخذَ وله ما أعطى وكلُّ شيء عنده بأجل مسمي )
قدرٌ عـلىّ بأن أكونَ النـاعيا ... وبأن يَفُتَّ الحزنُ في أحشائيا
أنا لستُ أدري هل أناخَ بساحتي ... خطبٌ جليلٌ أو أناخَ بـواديا
يمضـي الأحبَّةُ فالـديارُ بلاقعٌ ... وَأَظَلُُّ وحديَ باكياً أحـبابيا
متجرعاً غصصَ الـوداعِ مريرةً ... مستفغـراً للرحـالينَ إلهـيا
حتى إذا اندملت جِراحٌ أودعتْ ... جدَّت جراحٌ في الفؤادِ عواتيا
والآن صـار الجرحُ فيّ مُـبَرِّحَاً ... وتحـرك الزلـزالُ في أنحـائيَا
قالوا لنا الشـيخ (الإمام) جـاءهُ ... أمرُ السَّمـاءِ كانَ أمراً ماضيَا
رحلَ الإمـام تاركـاً في إثـرهِ ... عن سنةِ المخـتار صرحاً عاليَا
يجـزيكَ ربُّ العالمين بفضـلهِ ... عن أمـة الإسـلام خيراً وافياَ
رحمَ اللهُ من أحببتهم وودتهم في اللهِ ذي الآلاءِ، و غفر الله لقوم صالحين ذوي تُقى غر الوجوه، وزين كلِّ ملاءِ ...... ! .
والعلامة النَّجمي أكبر من أن يُعبًّر عنه بكلمات عابرة
لله دره وعلى الله أجره !!
وإن أردتُ أن أتكلم عن علمه وحلمه فلن يكفيني المداد ، وإن أردت أن أتكلمَ عن أخلاقِه وتواضعه فلن اكتفى، ولكن حسبي أن أنقل ما كتبه _رحمه الله تعالى _ في مقدمة كتابه {الفتاوى الجلية} الجزء الثاني ؛مدللاً على صدق ما أقول !!: ، حيث قال في المقدمة :
"ولستُ أبرئ نفسي من الخطأ الذي لا يسلم منه أحد ، وأرجو من القارئ الكريم إذا وجد شيئاً يوجب التنبيه عليه أن ينبهني مشكوراً ، وبإطلاعي على هذا الخطأ ، وتبيُّنِي لخطئي فيه ، ومخالفته للأدلة ، فسيجدني الأخ منقاداً للحق ، ورجَّاعاً إليه .
والذي أسأله من القارئ أن يدعو لي بظهر الغيب ، فأنا بحاجةٍ للدعاء ؛ بأن يغفر الله ذنبِي ، وأن يبصرني بعيوب نفسي، وأن يثبِتني على الحق حتَّى ألقاه وأنا متمسكٌ بأهداب السنة سائرٌ على المنهج القويم ؛ متوكلٌ على الرحمن الرحيم ... " اهـ .
فهاهي علامات قبض العلم !! فهل من معتبر ؟!!
قال الحبيب المصطفى _صلى الله عيه وسلم _ :
(( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبقِ عالماً ، اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )) .
فاللهم يا ذا الجلال والإكرام و ياذا الطول والإنعام، نسألك أن ترفع درجة الشيخ في المهديين، وأن تبدل الشيخ داراً خيراً من داره وأهلاً خيرًا من أهله ، وولداً خيراً من ولده وزوجاً خيراً من زوجه، وأن توسع في مدخله، وأن تباعدَ بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب
، وأن تنقِيَهُ من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يجد في ميزانه ما بذله للدعوة إلى سبيل الله وإلى منهاج رسول الله _صلى الله عله وسلم _.
فإن تك أفنته الليالي وأوشكت ... فإنَّ له ذكراً سيبقى اللياليا
وواللهِ إنَّ العَيْنَ لتدمَعُ، وإنَّ القلبَ ليحْزَنُ، وإنَّا على فِراقِكَ يا (شيخ) لمحزونون...
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون}...
لقد سجمت من دمع عيني عبرة * وحق لعيني أن تفيض على (أحمد)
فالموتُ -مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ- {مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ }...
اللهم أجرنا في مصيبتنا ، واخلف لنا خيراً والله المستعان وعليه التكلان ،،،،
{ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } ، ولله الأمر من قبل ومن بعد
زَفَــرَاتُ مَكـلُوم ، وتأوُّهــاتُ محمـوم
كتبها على رأس القلب بعد سماع نبأ موت الشيخ
محمود محمد حمدان
(المغازي) _ غزة _فلسطين الشام
21/رجـب/1429هـ
وقدر الله _تبارك وتعالى _ أن تُنشر هذه المقالة بعد وفاة الشيخ باسبوع فللَّه الأمر من قبل ومن بعد !!