بكم تبيعين ؟!

كنا – ذات حج – في منى، وكان حبل الحديث ممدوداً قطعه دخول شخص من جنسية غير عربية، يحمل بين يديه زجاجات عطر.. أقبل عليه الزملاء.. رفع أحدهم زجاجة وسأل البائع عن سعرها، وأجابه البائع: بمئة وخمسين .. ولكن صاحبنا، ربما أراد أن يجس النبض، فقال: يمكن أن أشتريها بخمسين!! فوجئنا بموافقة البائع.. لكن صاحبنا تراجع وقال: لا سأشتريها بثلاثين.. وكم كانت دهشتنا أن يوافق البائع، ولذا قال صاحبنا: خلاص رفيق، تبغى عشرة وإلا ما فيه يشتري! وفعلاً باعها عليه الرفيق بعشرة.. لقد كان انطباعنا، عن زجاجة العطر، في البداية الإعجاب (الكبير).. لكن ذاك الانطباع انقلب ليحل محله تعليق على زميلنا: ربما لو لم تشترها إلا بريال لباعها عليك.. لقد خسرت تسعة!!


إن الزجاجة لم تتغير، ولم يطرأ عليها (أي) شيء.. لكن (تحوّل) سعرها بهذا الانحدار هو ما (غيّر) الانطباع عنها، من إيجابي (جداً)، إلى سلبي (جداً).

ولو أن صاحبها أصرّ على قيمتها (الأصلية) لاشتراها زميلنا، وربما أغرى كل واحد منا بشراء واحدة مثلها.. ولكن حين قَبِلَ (التنازل) لم يكن للتنازل حد، حتى بدا لنا أنه لو ساومه إياها بريال لباعها عليه.

كثير من الفتيات يكون تقويمها لشخصيتها منطلقاً من زاوية واحدة، مع إهمال (كامل) لبقية الجوانب، ومن ثم قد تقبل بخاطب أقلّ منها بدرجات، بحجة أن جمالها عادي، أو أنها قصيرة القامة، أو أنها لم تكمل الجامعة، أو أنها غير موظفة(!!) ولو أن هذه الفتاة التفتت إلى الجوانب الإيجابية (الضخمة) لديها، لأصبحت تلك الصفة، التي تراها سلبية، (حبة خال) في وجه تلك الجوانب!

الأمر الأكثر سوءاً حين تظل الفتاة تخرج هذه المشاعر من داخل نفسها إلى من حولها، أو يوحي لها بها من حولها، فتكون مهيأة للتنازل.. وكأنها – وقتها – ترى أن من يتقدم لها – مهما كان مستواه – قد أحسن إليها!!

وهذه المشاعر، فوق ما سيحدثه زواجها بهذه الطريقة، من سلبيات ومشكلات، ستظل تجعلها تشعر بالدونية في حياتها كلها، وهو ما سيؤثر في سلوكها، وعلاقاتها بالأخريات.

وأود أن أذكر هنا أن هناك دراسات كثيرة تربط بين الشعور بالجمال والثقة بالنفس.

وثمة نموذج آخر يقابل هذا النموذج سيكون مادة الحديث، في الشهر المقبل.


د. عبد العزيز المقبل