علمنى الإبتلاء






تأملت فى قول الله تعالى :" {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ..." [سورة تبارك] فأدركت أننا خُلقنا للإبتلاء والإختبار والعبرة فى النهاية من سينجح فى الإختبار فلابد أن يذوق المسلم فيه لذة العبودية وقهر الربوبية

هكذا يعلمنا الابتلاء أن أفضل المواقف التى تبين المؤمن الحق هى مواقف الشدة فمثلا هل يستطيع الطالب فى مرحلة الثانوية أن يلتحق بالجامعة دون أن يمر على اختبار ليعلم هل يستحق المرحلة الأعلى فى التعليم أم لا ؟ والمؤمن أيضا لابد له من اختبار حتى ينال الدرجات العلى فى الجنه
كما علمنى الابتلاء أن لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع فكم من بلية طويت فى باطن دنيا مزينة فأخذها العبد على ظاهرها فشقى بها وهو لا يدرى .
وعلمنى أيضا أن ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله فاطمأن قلبى إلى أن كل ما يحدث بقدر الله وسابق علمه فلاتملك عندها النفس إلا الاستسلام لله والإذعان له حتى ينفرج الكرب وتنكشف الغمه وحتى لا نقع فريسة للإكتئاب والأمراض النفسية
تعلمت من الإبتلاء استشعار مدى النعمة التى كنا نرفل فيها ونحن لا ندرى فمن اعتاد النعم قد يطغى ويفسد ويتكبر وكيف يشتاق إلى الجنة ونعيمها من بات منعم طيلة حياته فى الدنيا فكم من أمة ابتلاها المولى برغد العيش والنعماء فكان فيه هلاكها وكم من أمة أخذها بالعذاب حتى تعود إلى ربها وتتوب كما قال تعالى :" ﴿ {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } ﴾.الاعراف 130
كما علمنى الإبتلاء أنه رفع درجات للعبد ورفع مكانته عند الله فلربما كتب الله لعبده المؤمن منزلة في الجنة لا يبلغها بمجرد عمله، فيبتليه ليرفع من درجته
وعلمنى الإبتلاء أنه دليل محبة وليس بُغض فإن كان دليل غضب كما يظن البعض فإن الانبياء اشد الناس بلاء فهل هو غاضب على الانبياء والعياذ بالله
كما علمنى البلاء أن الخير يكمن فى الشر أحيانا فالقتال والجهاد فى سبيل الله فى ظاهره شر ومهلكة للنفس والمال وضياع للاسرة ولكن فى باطنه رحمة للمجتمع من الفتن وضياع لأوطان بأكملها فيضحى الفرد من أجل صيانه مجتمع بأكلمه إذ يقول تعالى قال تعالى :" { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } ....""
علمنى البلاء أن به يُستخرج عبادة الدعاء فتجد الإنسان وقت الشدة يلهج بالدعاء فى كل وقت وفى أى مكان ويتتبع أوقات الإجابة لينفرج كربه كما وصفته الايات إذ يقول تعالى :" { وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } " [سورة يونس] وإنها لأحب العبادات إلى الله
كما علمنى البلاء الرضا بأقدار الله ليعيش المؤمن رافع شعار قول الحق :" {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } " سورة التوبة فتسكن نفسه لقديم اختيار الله ويقدم محاب الله على أهواء النفس فلا توجد نفس تحب البلاء ولكن الرضا هو الدواء لجراحات النفس
علمنى البلاء أن أحسن الظن بربى إذ يقول الرسول الكريم عن رب العزة :" أنا عند ظن عبدى بى ..." فمن ظن أنّ الله سيفرج كربه ويرفع عنه البلاء ، فسيجد ظنه بربه، ولن يخيب رجاءه فيه وإنّ طال وقته فما كان الله ليضيع إيمان العبد بطول البلاء
وهكذا تمضى سنة الله فى الابتلاء ابتلاء للصبر وابتلاء للشكر وابتلاء للتوجيه وابتلاء للأجر وابتلاء للتمحيص فلتطمئن النفس وتسكن إلى أنه بأمر الله وطاعة لله فى كل الأحوال.



إيمان الخولى