حين يسأل ابنك … من أين يأتي الأطفال؟

محمود النجيري



يبدأ الطفل يسأل كثيراً، يدفعه الفضول والرغبة في المعرفة، وذلك في الرابعة من عمره، وربما قبل ذلك، فيقول لأبويه، أو لأحدهما، أو لإخوته الكبار: من أين يأتي الأطفال؟ وقد يكون سؤال الطفل مركباً: كيف نشأ الجنين؟ وأين يعيش؟ وماذا يأكل؟ وهل عنده حمام ومغسلة وصابون؟
ويأتي السؤال مفاجأة!
ويحار الأبوان: بماذا يجيبان الصغير؟ وماذا يمكن أن يفهم، أو لا يفهم من الإجابة؟
وما تأثير ذلك عليه؟
وعادة ما يأتي هذا السؤال حين تضع الأم طفلاً جديداً، أو تزور الأم مع صغيرها إحدى الأمهات حديثات الوضع، أو عند الحديث بمسمع من الطفل: أن فلانة على وشك وضع طفل جديد، أو أنها أرسلت إلى المستشفى لكي تلد طفلاً·
وقد يطرح الصغير سؤاله مباشرة، أو بعد وقت قصير وربما بعد أسبوع أو أكثر عن المكان الذي يجيء منه الأطفال·
وينبغي أن نعلم أن الأطفال قد ينشأ لديهم تصورات ساذجة في هذا الجانب، فبعض الأطفال يظن أن الآباء يشترون الأطفال من السوق كالطعام واللعب، أو أن الطفل ينبت من الأرض نباتاً· ويظن بعضهم أن الذكور يلدهم الآباء، والإناث تلدهن الأمهات··!

لا تكذب على طفلك!

أمام هذا السؤال الصغير قد يضطرب الأبوان، ويصابان بالدهشة، والعجز عن الجواب - ليس جهلاً منهما بمضمون هذا الجواب في كثير من الأحيان، ولكن جهلاً بالأسلوب الصالح لإخبار الطفل، وبالقدر المطلوب إخباره به دون إبعاد أوتقصير·
والملحوظ أن الآباء والأمهات يذهبون في هذا الجانب ثلاثة مذاهب:

1 - الفريق الأول: يُضلل الطفل بإجابات بعيدة عن الصواب، مثل أن يقول له: إننا نأتي بالأطفال من الحقل، فهم ينبتون بين الكرنب، أو يقول: إن الأطباء هم الذين يجلبون لنا الأطفال·· وهذا هروب من الإجابة، وكذب على الطفل·

2 - الفريق الثاني: يقصر عن الإجابة المطلوبة، فيبدأ الكلام عن الطيور والنباتات والحشرات، ولم يرد الصغير ذلك، فيصغى تأدباً، وانتظاراً لأن يصل إلى جواب ما في نفسه من تساؤل، ثم إنه يمل، وربما يتبرم، لأنه لا يعبأ الآن بحياة الطير الجنسية، ولا بالبيضة التي صارت فرخاً، ولا بتلقيح النحل، والزهرة والكأس والتويج والطلح والمتاع، ولا يعنيه إلا حياة الإنسان والوليد البشرى· ويظل منتظراً إجابة السؤال!
3 - الفريق الثالث: على النقيض من الفريق السابق، يتطرف في الجواب، ويسهب إسهاباً وكأنه يكلم بالغاً أو راشداً، فيفيض بذكر الجماع، والتلقيح والإخصاب، ونمو الجنين في الرحم، والتمخض والوضع· وكل هذا أكبر من استيعاب الطفل، فلا يفهم منه شيئاً، بل يرتبك ويتحير، ولذلك يعيد السؤال: <ولكن من أين يخرج الطفل؟>·
وهذا العرض يظهر جهل الكثيرين منا بأصول تعليم الأطفال وتربيتهم·

أفهم الطفل أول
اً
للإجابة على سؤال الطفل يجب أن نفهم شخصيته، وندرس دوافعه، ونعرف كيف يفكر، وماذا يريد بهذا السؤال؟
إن الطفل يسأل: <من أين يأتي الأطفال؟> مثلما يسأل: <من أين يأتي المطر؟> أو: <من أين يأتي اللبن في ثدى أمي>·· وهو يريد أن يستكشف الحياة من حوله، ويعرف عنها أكثر، لذا ينبغي أن نراعي في الإجابة على الطفل ما يلي:
أولاً: لا يصح زجر الطفل، ولا الهروب من الإجابة الصحيحة، أو اللجوء إلى الغموض والغمغمة، لأن هذا يوقظ عند الطفل أسئلة أخرى أبعد، وقد يدفعه إلى نشدان المعرفة من مصادر أخرى: من رفاقه، أو ممن يكبرونه سناً من الفتيان، فيتلقى أجوبة بعيدة عن الصواب، ربما تفتح عليه أبواباً يحسن غلقها· والصواب أن نقدم الإجابة للطفل ببساطة وسلاسة، ودون انفعال أو إيحاءات، فلا نقول: حين تكبر سوف تعرف، أو: لا تسأل مثل هذا السؤال، إنك سيء الأدب، قليل التهذيب!
ومادام الطفل قد سأل، فلابد له من إجابة تقنعه، وترضى فضوله، وتكفيه·
ثانياً: لا يجوز الكذب على الطفل، لأنه يصدق ببساطة كل ما يقال له، فهو يرى الأبوين مصدر المعرفة الكاملة، والحجة في كل أمر· فلا نقول مثلاً: إن الأطباء هم الذين يجلبون لنا الأطفال، ولا نقول: إن طائراً يأتي بالأطفال، ولا أنهم ينبتون من الأرض كالأشجار·
ثالثا: لا ينبغي أن نفصل في الإجابة، ولا نُسهب في الشرح بما لا يفهم الطفل، ولا يريد، وبما ليس من الخير الحديث إليه عنه· فلا نذكر المبيض والنطف والأعضاء التناسلية والوقاع، بل يكون حالنا كالحال في السؤال: من أين يأتي الخبز؟ مثلاً فليس من الضروري أن ننفق نصف ساعة في الحديث عن مقدار الخميرة، وشدة النار، ومقدار الطحين والملح، ومولد الكهرباء، والمطحن وعمله·· بل يكفي أن نشير إلى الأصول الأولية: كالقمح الذي ينبته الله سبحانه نباتاً في الحقل بعد أن يبذره الفلاح، ثم يُحْصَدُ عند نضجه فيصير دقيقاً، ويضاف إليه الخميرة والماء لصنع العجين، ثم يُبط، ويدخل الفرن لتنضجه النار·

كيس في بطن الأم!

حين يكون الطفل صغيراً جداً، في الثانية من عمره، ويطرح هذا السؤال، نجيب عليه بما يلى: <إن الطفل يكون صغيراً في أول عمره، عاجزاً عن الرقاد في السرير، ولا يستطيع أن يتغطى بنفسه، يسهل عليها الاعتناء ببقية أفراد الأسرة ورعاية الإخوة الآخرين، بدلاً من أن تكون مضطرة كل خمس دقائق لتفقده في مهده· وقد جعل الله سبحانه للأم كيساً في بطنها لكي تضع فيه الطفل، وليس للأب مثل هذا الكيس· ألم تر إلى حيوان (الكنجارو)؟ إن الله جعل له كيساً على بطنه يحمل فيه صغاره، كذلك جعل الله للأم مثل هذا الكيس، ولكن داخل بطنها>·
أما إن كان الطفل في الرابعة من عمره فما فوق، فنقول له في بساطة وهدوء مع ابتسامة لطيفة ولمسة حانية: <حسناً إنك سألت هذا السؤال، أنا كنت أريد أن أخبرك عن ذلك، إن الطفل يأتي من داخل بطن أمه، لأن الله سبحانه وتعالى يخلقه هناك، وعندما ينمو ويستعد للخروج يخرج>·
ويحسن هنا أن نقيم مع الطفل حواراً، فنقول: عرفنا أن الله يخلق الطفل في بطن الأم، فلماذا يخلق الله الأطفال؟ ومن الطبيعي أن يعجز الطفل عن الإجابة، ولكن لندعه يحاول، ثم نقول: انظر! إن الله خلق الأطفال لكي يكبروا ويصيروا رجالاً ونساء مثلي ومثل أمك، حتى نعبد الله سبحانه وتعالى· ثم نقول: ألا تراني أصلي خمس صلوات في المسجد كل يوم، وأصلي في البيت أيضاً، وأقرأ كل يوم ما تيسر من القرآن الكريم؟ انظر إلى المصحف إن كلام الله تعالى، أنزل به جبريل كبير الملائكة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليبلغه للناس·· وهنا ينتقل الحديث إلى جبريل عليه السلام والملائكة ووظائفهم·· واعتكاف النبي، صلى الله عليه وسلم، في غار حراء، وبداية نزول الوحي·· إلخ·

سؤال وراء سؤال

ففضول الأطفال لا يقف عند هذا الحد، فلا يلبث طفلك أن يخرج عليك بسؤال آخر فلا تتبرم به، ولا تسأم من تكرار السؤال عينه أكثر من مرة· أعطه دائماً الإجابة عينها، وعلمه ووجهه إلى ما تريد، كالمعلم الناجح الذي يأخذ بيد تلاميذه لكي يصلوا بأنفسهم إلى ما يريد·
ومن هذه الأسئلة التي يمكن أن يطرحها الأطفال:
من الذي وضع الطفل في بطن أمي؟
لا نستطيع أن نقول: إن أباك هو الذي وضعه هناك، لأن الطفل سيستمر في السؤال: وكيف وضعه؟ ولا تنتهي أسئلته، ونحن لا نريد ذلك، فلا نقول كلاماً يؤدي إلى سؤال لا نريده، بل نقول له بداية: إن الله هو الذي وضع الطفل في بطن أمك، والله سبحانه قادر على أن يفعل كل شيء يريده·· وبهذا نعلِّمه أن الله هو الذي خلقنا جميعاً بقدرته، ورزقنا الجوارح والحواس والأجساد، فيجب علينا أن نحافظ عليها، ونصونها عن الشر، فلا نضرب بيدنا أحداً، ولا نشتم بلساننا الناس ولا نكذب··
وكيف يخلق الله الطفل في بطن أمي؟
الإجابة ببساطة هي: كما يخلق الله الكتكوت في البيضة، ولابد أنك رأيت كتكوتاً وهو يخرج من البيضة·
هل في بطن أمي مهد ينام الطفل عليه؟
الإجابة: إن الله خلق في بطن أمك تجويفاً صغيراً يحتوي الطفل بداخله، ويتيح له الرقاد براحة وهدوء، وهذا التجويف هو مخبأ مستتر لكي يسلم الطفل من البرد ويسمى (الرحم)، وهو يحميه مثلما يحمي العش العصافير، ألم تر إلى العصافير الصغيرة ترقد في أعشاشها ألم تشاهد ذلك في كتابك المصور؟
ألا يختنق الطفل داخل البطن؟
الجواب: لا يختنق لأنه ينمو داخل الرحم متغذياً من دم أمه، فهو قطعة من الأم، تمده بالغذاء والهواء·