شبابنا وأزمة الهوية . . . !
ماجد بن عيد الحربي


بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار،
حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا إبن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟ قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: كلاكما قتله" رواه البخاري.
فمعاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح لم يبلغ كل منهما السادسة عشرة من عمره عندما قتلا عدو الله ورسوله، ولم يمنعهما صغر سنهما من القيام بما أوجبه الله على الأمة من الطاعة المطلقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويدركا بكل جوارحهما مفهوم قول الحق- تبارك وتعالى -: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون الأنفال 20.
تذكرت هذه القصة وغيرها من القصص التي سطرها التاريخ لشباب الأمة بأحرف من نور، كقيادة أسامة بن زيد لجيش بين جنوده أبو بكر وعمر لغزو بلاد الروم وهو لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، وفتح بلاد السند من قبل فتى ثقيف محمد بن القاسم الذي لم تتجاوز سني عمره السبع عشرة سنة، ونظرت إلى حال كثير من شباب المسلمين اليوم لا سيما أولئك الذين رضوا أن يتنازلوا عما فطرهم الله عليه من سمات الرجولة ويستبدلوها بصفات جعلها الله من خصائص النساء، فسألت نفسي هل يمكن لهؤلاء أن ينهضوا بالأمة من كبوتها ويعيدوا لها أمجادها الغابرة؟ فلا شك أن كل ذي عقل يعرف الإجابة!.
دخلت في أحد الأيام محل عطارة، فسمعت من يقول للبائع، أعطني منعم للبشرة، فالتفت بعفوية إلى مصدر الصوت فإذا أمامي شاب عشريني يتضح على وجهه أثر مساحيق الزينة ويربط شعر رأسه كما تفعل النساء، فوقفت مشدوداً أمام هذا المنظر الذي ما كنت أتصور أن أراه في شباب جزيرة العرب الذين دكت سنابك خيول أسلافهم حصون الفرس والروم ووصل ملكهم بلاد الصين شرقاً وأواسط فرنسا غرباً، إلا أنها سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) أخرجه الطبراني وصححه.
فالأمة قعدت عن الجهاد، وتبايعت بالعينة، ورضيت بما هو أقل من الأخذ بأذناب البقر، فطبيعي أن يسلط الله عليها أعداءها لينفذوا إلى أمل مستقبلها وعماد نهضتها، لبث سمومهم وحثالة أخلاقهم بين أبناء وبنات المسلمين.
فأي مستقبل ينتظر أمة يتأنث ذكورها وتسترجل نسائها؟ فهؤلاء الشباب الذين اتصفوا بصفات النساء، والشابات المسترجلات، ما هم إلا نتيجة لتخاذل الأمة، وتنازلها عن موقعها القيادي بالعالم، والرضا بموقع التابع الذليل لدول الكفر، الأمر الذي جعل أبناءها يطلبوا الكمال من أعدائها.
فيجب على الأمة التي خصها الله بحمل رسالة التوحيد أن تستعيد مكانتها القيادية في العالم، على منهج نبي الهدى ومعلم البشرية محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وسلفها الصالح من بعده، كي تكون كما وصفها الله - سبحانه وتعالى -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...) آل عمران 110.
ومن لزوم ذلك إطلاق يد رجال الحسبة لردع هؤلاء الأغرار كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن:
تذكر كتب السير أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى شاباً يتمايل في مشيته فقال: يا غلام، امش كما فطرك الله، فقال الشاب: هذه مشيتي التي فطرني الله عليها ولا أستطيع تغييرها، قال عمر لمرافقيه إليّ بالسوط، فجلده حتى قال كفى يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده إنه كان بي شيطاناً فأخرجه الله بك.
فالأمر جد خطير! فإن لم يتداركه من ولاهم الله أمور المسلمين من المسئولين والعلماء وعقلاء الأمة بالحزم والتوجيه السديد، حرياً أن يفقد أبناءنا هويتهم الإسلامية، وتقاليد أسلافهم الأصيلة، فهذه الحالات الشاذة بين الشباب والشابات يخشى إذا أهملت أن تتحول إلى ظاهرة فعندها نندم يوم لا ينفع الندم، فمع أهمية ما يقوم به الدعاة والمربون من جهود يشكرون عليها إلا أنها لا تكفي أمام سيل القنوات الفضائية الفاسدة، وسيطرة المنافقين على وسائل الإعلام المقروءة، فإلى جانب تربية المربين وتوعية الدعاة يحتاج الأمر إلى (درة) عمر لتقويم أصحاب السلوك المعوج.