قال الشيخ صالح آل الشيخ فى شرح العقيدة الطحاوية
قال الطحاوى"وكل ميسر لما خلق له" هذه الجملة ثبتت في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام , حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) , يعني بذلك قول الله جل وعلا: ] فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [ ومعنى كل ميسر لما خلق له أن الله جل وعلا خلق الجنة وخلق لها أهلاً , وهم في أصلاب آبائهم , فهؤلاء أهل السعادة , سييسرون لعمل أهل السعادة، خلق النار وخلق لها أهلاً , وهم في أصلاب آبائهم , فهؤلاء سييسرون للعسرى , لعمل أهل الشقاوة.
وقوله: ((كل ميسر)) لا تفيد الجبر , وإنما يعني أن الله سبحانه علم أن هؤلاء سيعملون بعمل أهل النار , وكتبهم من أهل النار , وأنهم لما في نفوسهم من الخبث سيكونون من أهل النار , فسيتركهم الله جل وعلا لأنفسهم , يعني سيخذلهم, فإذا خذلهم يُسر لهم سبيل الضلال , يعني أن التيسير لأهل الجنة فيه زيادة فضل , والتيسير لأهل النار فيه سلب الفضل , هذا يعني ألا جبر وأن الجميع يعاملون بعدل الله جل وعلا , وأن أهل الجنة عاملهم الله سبحانه وتعالى زيادة على عدله بأن منحهم فضلاً ويسر لهم , وأعانهم على الخير.
قال: "والأعمال بالخواتيم" الأعمال بالخواتيم يعني في ذلك ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: ((فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع , فيسبق عليه الكتاب , فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار , حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع , فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).
لهذا كان كثير من السلف إذا ذكروا الخاتمة بكوا كثيراً , وقال بعضهم: قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم , يقولون بماذا يختم لنا؟ وهذا التعلق بالخواتيم , وهذا الإيمان بهذا النوع من القدر يجعل العبد المؤمن صاحب يقظة وحرص على إيمانه؛ لأن الله سبحانه لا يظلم الناس شيئاً، والعبد ييسر لعمل أهل الشقاوة , إذا اختار هذا الطريق , فإذا جاهد نفسه فإن الله سبحانه أعظم فضلاً ومنة وكرماً ] وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا [ وقال سبحانه: ] وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ [ يعني مدافعة نوازع الباطل في النفس.
قال: "والسعيد من سعد بقضاء الله" يعني أن السعيد هو من جعله الله سعيداً؛ إذ قضى عليه أن يكون من المخلوقين, وهذا يشير به إلى حديث نفخ الروح , وهو أن الملك يأتي إلى الروح ويقول.. يأتي إلى الجنين ويقول: يا رب شقي أو سعيد؟ ويؤمر بكتب أربع كلمات , برزقه , كتابة رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
وهنا في قوله: "بقضاء الله" "من سعد بقضاء الله" يعني به القدر , هذا على أحد الوجهين أو أحد القولين؛ لأن القضاء هو القدر , بمعنى واحد , وسيأتي تفصيل لهذه الجملة والفرق بين القضاء والقدر.
وهذا أيضاً هو معنى قوله: "والشقي من شقي بقضاء الله" , ثم قال: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه , لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل" يعني: أن القدر وهو تقدير الأشياء هذا سر؛ إذ هو تصرف الرب جل جلاله في ملكوته، وتصرف الرب جل جلاله في ملكوته مما يختص به الله جل جلاله , فلم يطلع عليه أحداً , ولم يطلع أحدٌ على ذلك, حتى أكرم عباده من الملائكة لا يدرون ما مصيرهم , لا يدرون ماذا يقضي الله في السماء، لا يدرون ما مصير أهل الأرض , إلى غير ذلك , وكذلك أنبياء الله لا يدرون , ولا يدرون عن الغيب , ولا متى يموتون , إلى آخر ذلك.
المقصود أن القدر , وهو كما سيأتي تعريفه تقدير الله للأشياء , أن هذا مما اختص الله جل وعلا به , فلا أحد يعلم ما القدر , وما الذي قدر , وما الذي كتب , وما الذي جعله الله جل وعلا مكتوباً في اللوح المحفوظ , أو مكتوباً في صحف الملائكة، هذا علمه عند الله جل وعلا , وهو من مفاتح الغيب العظيمة , التي قال الله فيها: ] وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ [.
والقدر معنى كونه سراً , أنه لا يمكن أن يطلع عليه؛ إذ هو سر عند الله جل وعلا , والله سبحانه لم يطلع على ذلك أحداً , فمعنى ذلك أنه لن يطلع أحد على ذلك , ولو خاض فيه , ومبنى القدر على صفات الله جل وعلا مبنى القدر على العلم , مبنى القدر على عموم المشيئة , مبنى القدر على عموم الخلق، مبنى القدر على حكمة الله جل وعلا، [وعلم الله تعالى لا يعلمه أحد]* وعموم مشيئته , وإلى أي شيء نتوجه لا يعلمها العبد، وعموم خلقه جل وعلا للأشياء , إذا توجه للشيء لا يعلمه العبد إلا بعد أن يقع , وحكمة الله لا يعلمها العبد.
إذن فصارت أنحاء القدر الأربعة لا يعلمها العبد , فكيف إذن يمكن له أن يخوض في القدر؟ فصار الأمر إذن إلى الاستسلام، وهذا هو الذي أراده الطحاوي فيما قال: "والتعمق والنظر في ذلك" يعني في القدر المبني على الأربعة أشياء التي ذكرت لك "التعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان".